الكتاب: بهجة المجالس وأنس المجالس المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
مقدمة المؤلف (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى اللَه على سيدنا محمد وآله وسلم.
أَما بَعد: فإن لآولى ما ابتدئ به كتاب وافتتح به خطاب، حمد الله على جزيل آلائه، وشكره لجميل بلائه، ثم الصلاة على خاتم أنبيائه وعافب رسله، صلوات الله عليهم أجمعين، وسلام عليهم في العالمين وبركاته. والحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفضنا على جميع الأنام، وجعلنا من أمة محمد نبيه عليه الصلاة والسلام.
وبعد: فإن أولى ما عني به الطالب، ورغب فيه الراغب، وصرف إليه العاقل همه، وأكد فيه عزمه، بعد الوقوف على معاني السنن والكتاب، مطالعه فنون الآداب، وما اشتملت عليه وجوه الصواب، من أنواع الحكم التي تحيي النفس والقلب، وتشحذ الذهن واللب، وتبعث على المكارم، وتنهى عن الدنايا والمحارم، ولا شيء أنظم لشمل ذلك كله، وأجمع لفنونه، وأهدى إلى عيونه، وأعقل لشارده، وأثقف لنادره؛ من تقييد الأمثال السائرة، والأبيات النادرة، والفصول الشريفة، والأخبار الظريفة، من حكم الحكماء، وكلام البلغاء العقلاء: من أئمة السلف، وصالحي الخلف، الذين امتثلوا في أفعالهم وأقوالهم، آداب التنزيل، ومعاني سنن الرسول، ونوادر العرب وأمثالها، وأجوبتها ومقاطعها، ومباديها وفصولها، وما حووه من حكم العجم، وسائر الأمم، ففي تقييد أخبارهم، وحفظ مذاهبهم، ما يبعث على امتثال طرقهم واحتذائها، واتباع آثارهم واقتفائها.
وقد جمعت في كتابي هذا من الأمثال السائرة، والأبيات النادرة، والحكم البالغة، والحكايات الممتعة في فنون كثيرة وأنواع جمة، من معاني الدين والدنيا، ما انتهى إليه حفظي ورعايتي، وضمته روايتي وعنايتي، ليكون لمن حفظه ووعاه، وأتقنه وأحصاه زيناً في مجالسه، وأنساً لمجالسه، وشحذاً لذهنه وهاجسه، فلا يمر به معنى في الأغلب مما يذاكر به، إلا أورد فيه بيتاً نادراً، أو مثلاً سائراً، أو حكاية مستطرفة، أو حكمة مستحسنة، يحسن موقع ذلك في الأسماع، ويخفف على النفس والطباع، ويكون لقارئه أنساً في الخلاء، كما هو زين له في الملاء، وصاحباً في الاغتراب، كما هو حلي بين الأصحاب.
وجمعت في الباب به منه المعنى وضده لمن أراد متابعة جليسه فيما يورده في مجلسه ولمن أراد معارضته بضده في ذلك المعنى بعينه، ليكون أبلغ وأشفى وأمتع.
وقد قربته، وبوبته ليسهل حفظه، وتقرب مطالعته، وافتتحت أكثر أبوابه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم تبركاً بتذكاره، وتيمناً بآثاره.
وإلى الله أبتهل في حسن العون والتأييد لما يحب، والتسديد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة واحدة، يزيده الله بها هدىً، ويصرفه بها عن ردى ".
ويروى عن عيسى الخياط، عن الشعبي، قال: لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن ليسمع كلمة ينتفع بها فيما يستقبل من عمره، ما رأيت أن سفره قد ضاع.
قال محمد بن سلام الجمحي، عن ابن جعدبة، قال: ما أبرم عمر بن الخطاب أمراً قط إلا تمثل فيه ببيت شعر.
وقال محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه: كفاك من علم الأدب أن تروى الشاهد والمثل.
وقال أبو الزناد: ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة بن الزبير. فقيل له: ما أرواك للشعر! قال: وما روايتي من رواية عائشة له، ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعراً.
وروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا أرواحه، ودعوا ظروفه.
ولقد أحسن القائل، وقيل إنه منصور الفقيه: قالوا خذ العين من كل فقلت لهم في العين فضل ولكن ناظر العين حرفان في ألف طومار مسودة وربما لم تجد في الألف حرفين وروى عن مخلد بن يزيد، عن جابر بن معدان قال: كل حكمة لم ينزل فيها كتاب، ولم يبعث بها نبي، ذخرها الله حتى تنطق بها ألسن الشعراء.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الشعر حكمة ".
روى ابن نعيم، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خذ الحكمة ممن سمعتها، فإن الرجل قد يتكلم بالحكمة وليس بحكيم، كما أن الرمية قد تجئ من غير رامٍ.
؟ باب أدب المجالسة وحق الجليس الصالح