الكتاب: أنس الملا بوحش الفلا المؤلف: جلال الدين، محمد بن محمود بن منكلي بوغا القاهري (المتوفى: 784هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
بسم الله الرحمن الرحيم (1/1)
الحمد لله حمد عبدٍ بخطئه معترف، ومن فيض فضل ربه مغترف، وأصلي وأسلم على أشرف الخلق، سيدنا محمد الرسول المختار، إمام المقربين والأبرار، وعلى آله وأصحابه السادة الأطهار، ما نزل ركبٌ ثم سار.
أما بعد: فإنه لما استخرت الله تعالى لتأليف هذا الكتاب المسمى "أنس الملا بوحش الفلا" ضمنته كيفية الصيد وما يحل منه وما يحرم وما يتعلق بذلك جملةً وتفصيلاً، استخرجته من صدف الجواهر لمطالعة كل وجه زاهر، وفيه فوايد جمّة مخبوءة لكل ذي همة، واختصرته لئلا يسأم من طالعه. ويسلم ممن نازعه. ولعل لم يسبقني لهذا التأليف إلا السابق، فأكون إذن من مصلٍّ لاحق؛ فالله يجعل تأليفي له خالصاً، لوجهه الكريم، وأنا أبرأ من الحول والقوة، وأسأل الله من فضله المنة والمَنّة وهو حسبي ونعم الوكيل.
ويفتتح الآن بذكر الأبواب، بعون الكريم التواب
باب
في بيان ما يحل من الصيد وما يحرم، وبيان شرط التذكية على مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
قال الله تعالى: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه)
التفسير
الطيبات: الذبائح، الجوارح، الكواسب: وهو ما يصطاد من الطير والكلب وغيرها، مكلبين، معلمين، وبفتح اللام، أصحاب الكلاب، وهي قراءة شاذة، تعلمونهن، تؤدبونهن. مما علمكم الله أي أدبكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم، أي مما أمسكن لكم، واذكروا اسم الله عليه أي حين الإرسال معاً، وحين الذكاة.
وسبب نزول هذه الآية أن عدي بن حاتم، وزيد بن المهلل الطائين. آتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله، إنا قومٌ نصيد بالكلاب والبزاة، وإن كلاب أبي زرع وآل أبي جرير تأخذ البقر والحمير والظباء والضب، فمنه ما يدرك ذكاته، ومن ما يقتل فلا يدرك ذكاته، وقد حرّم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها؟ منزلت الآية، وما يحل أكله من الصيد وما لا يحل فهو المتوحش الممتنع بقوائمه أو بريشه، والمأكول 2 بمنه من أطيب الأرزاق ولحله شرائط، فالأول: تعليم مكلب متسلط عليه إن كان بالجوارح، وتعليم الكلب والفهد ونحوهما بأن يترك الأكل ثلاثاً عند أبي يوسف ومحمد والإمام في رواية، وفي أخرى فوّضه إلى الصائد الخبير، فإن غلب على ظنه أنه صار معلماً حكم بتعليمه وإلا فلا.
وتعليم البازي بأن يرجع ويجيب إذا دعاه، ولا بأس بصيد كل معلم من ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير، ولا خير فيما سوى ذلك إلا أن يدرك ذكاته، واستثنى الشافعي غير ما اعتيد تعليمه، وأبو يوسف، الأسد والدب وبعضهم الحدأة والإجماع الخنزير.
والثاني: الإمساك على صاحبه حتى لو أكل الكلب ونحوه قبل أن يأخذه مالكه (م) لم يؤكل، بخلاف البازي فإن شرب دمه لا غير أكل، فإن أدرك صيداً فقطع بعضه وأكله، ثم أدرك صيداً آخر فقتله، ولم يأكل منه لم يؤكل. بخلاف ما لو أخرّ أكل ذلك البعض، فإن انتهت منه قطعة بعدما أمسكه لصاحبه أكل، وبعد ما حكم بتعليمه لم يؤكل ما أكل منه، ولا ما يصيد بعده حتى يصير معلماً ثانياً، ولا ما صاده قبل ذلك إن كان في الفلاة أو أحرزه خلافاً لهما، فإن فرّ البازي فمكث حيناً، ولم يجب داعيه ثم صاد لم يؤكل.