الكتاب : البداية والنهاية مصدر الكتاب : موقع يعسوب [ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ] |
ثم قيل: كان ذلك في شهر ربيع الاول، كما تقدم عن ابن عباس وجابر أنه ولد عليه السلام، وفي الثاني عشر من ربيع الاول يوم الاثنين وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء، والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان، كما نص على ذلك عبيد بن عمير، ومحمد بن إسحاق وغيرهما. (3/11)
قال ابن إسحاق مستدلا على ذلك بما قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) [ البقرة: 185 ] فقيل في عشره.
وروى الواقدي بسنده عن أبي جعفر الباقر أنه قال: كان ابتداء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وقيل في الرابع والعشرين منه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عمران، أبو العوام، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الاسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوارة لست مضين من رمضان، والانجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لاربع وعشرين خلت من رمضان " (1) وروى ابن مردويه في تفسيره عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه، ولهذا ذهب جماعة من الصحابة
والتابعين، إلى أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين.
وأما قول جبريل (اقرأ) فقال: " ما أنا بقارئ " فالصحيح أن قوله " ما أنا بقارئ " نفي أي لست ممن يحسن القراءة.
وممن رجحه النووي وقبله الشيخ أبو شامة.
ومن قال إنها استفهامية فقوله بعيد لان الباء لا تزاد في الاثبات (2).
ويؤيد الاول رواية أبي نعيم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو خائف يرعد - " ما قرأت كتابا قط ولا أحسنه وما أكتب وما أقرأ " فأخذه جبريل فغته غتا شديدا.
ثم تركه فقال له: اقرأ.
فقال محمد صلى الله عليه وسلم: " ما أرى شيئا أقرأه، وما أقرأ، وما أكتب " يروى فغطني كما في الصحيحين وغتني ويروى قد غتني أي خنقني " حتى بلغ مني الجهد " يروى بضم الجيم وفتحها وبالنصب وبالرفع.
وفعل به ذلك ثلاثا.
قال أبو سليمان الخطابي: وإنما فعل ذلك به ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة، ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم وتأخذه الرحضاء أي البهر والعرق.
وقال غيره: إنما فعل ذلك لامور: منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه بعد هذا الصنيع المشق على النفوس.
كما قال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) [ سورة المزمل: 5 ] ولهذا
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 107.
(2) قال الطيبي أنه إنما يفيد التقوية والتأكيد، والتقدير لست بقارئ البتة فإن قيل لم كرر ذلك أجاب أبو شامة بأن يحمل قوله أولا ما أنا بقارئ على الامتناع وثانيا على الاخبار بالنفي المحض وثالثا على الاستفهام ويؤيده قول أبي الاسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف اقرأ وفي رواية ابن إسحاق ماذا أقرأ وفي دلائل البيهقي: كيف أقرأ.
وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية.
وحكى الاخفش جواز دخول الباء بداية - وهو شاذ -.