الكتاب : مغازي الواقدي المؤلف : أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي (المتوفى : 207هـ) مصدر الكتاب : موقع الإسلام http://www.al-islam.com [ الكتاب مشكول وترقيمه موافق للمطبوع ] |
فَلَمّا قَدِمَ بِالْأَسْرَى أَذَلّ اللّهُ بِذَلِكَ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ ، وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَة ِ يَهُودِيّ وَلَا مُنَافِقٌ إلّا خَضَدَ عُنُقَهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ . (1/122)
فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلٍ : لَيْتَ أَنّا كُنّا خَرَجْنَا مَعَهُ حَتّى نُصِيبَ مَعَهُ غَنِيمَةً وَفَرّقَ اللّهُ فِي صُبْحِهَا بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَقَالَتْ الْيَهُودُ فِيمَا بَيْنَهَا :
هُوَ الّذِي نَجِدُهُ مَنْعُوتًا ، وَاَللّهِ لَا تُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ إلّا ظَهَرَتْ .
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ بَطْنُ الْأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا ، هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالْأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا . فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ [ ص 122 ] يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ
وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ
لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ
إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا
ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ
فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا
يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيمُ الْأَرْوَعُ
قَالَ الْوَاقِدِيّ : أَمْلَاهَا عَلَيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي الزّنَادِ قَالُوا : فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِي وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ . فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِيَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِي يُنْشِدُونَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بِمَكّةَ ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا ، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا شَهْرًا ، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلّا فِيهَا نَوْحٌ وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا ، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِي الْأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ وَصَدّقُوا رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَجُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ .