الكتاب: تاريخ بغداد
    المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ)
    المحقق: الدكتور بشار عواد معروف
    الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت
    الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002 م
    عدد الأجزاء: 16
    أعده للشاملة/ مصطفى الشقيري
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مشكول الأحاديث، ومضاف لخدمة التراجم]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

الزنجي للشافعي: يا أبا عبد الله أفت الناس، آن لك والله أن تفتي، وهو ابن دون عشرين سنة.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، قَالَ: حدثنا دعلج بن أحمد، قَالَ: سمعت جعفر بن أحمد الشاماتي، يقول: سمعت جعفر ابن أخي أبي ثور، يقول: سمعت عمي يقول: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبون الأخبار فيه، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة.
فوضع له كتاب الرسالة.
قَالَ: عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، قَالَ: حدثنا عبدان بن أحمد، قَالَ: حدثنا عمرو بن العباس، قَالَ: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وذكر الشافعي، فقال: كان شابا مفهما.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي، قَالَ: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قَالَ: أخبرنا حسان بن محمد، قَالَ: سمعت ابن سريج يقول عن أبي بكر بن الجنيد، قَالَ: حج بشر المريسي فرجع، فقال لأصحابه: رأيت شابا من قريش بمكة ما أخاف على مذهبنا إلا منه، يعني الشافعي.
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه، قَالَ: أخبرنا عياش بن الحسن، قَالَ: حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قَالَ: أَخْبَرَنِي زكريا بن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنِي الحسن بن محمد الزعفراني، قَالَ: حج بشر المريسي سنة إلى مكة ثم قدم، فقال: لقد رأيت بالحجاز رجلا، ما رأيت مثله سائلا ولا -[405]- مجيبا، يعني الشافعي.
قَالَ: فقدم الشافعي علينا بعد ذلك بغداد فاجتمع، إليه الناس وخفوا عن بشر، فجئت إلى بشر يوما فقلت: هذا الشافعي الذي كنت تزعم قد قدم فقال: إنه قد تغير عما كان عليه.
قَالَ الزعفراني: فما كان مثله إلا مثل اليهود في أمر عبد الله بن سلام حيث قالوا: سيدنا وابن سيدنا، فقال لهم: فإن أسلم؟ قالوا شرُّنا وابن شرُّنا.
أَخْبَرَنَا أحمد بن أبي جعفر، قَالَ: حدثنا علي بن عبد العزيز البرذعي، قَالَ: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قَالَ: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني، قَالَ: سمعت أبا إسماعيل الترمذي، قَالَ: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: ما تكلم أحد بالرأي وذكر الثوري، والأوزاعي، ومالكا، وأبا حنيفة إلا والشافعي أكثر أتباعا وأقل خطأ منه.
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، قَالَ: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، قَالَ: حدثنا محمد بن إسماعيل الرقي، قَالَ: حَدَّثَنِي الربيع بن سليمان، قَالَ: سمعت بعض من، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه، يقول: أخذ أحمد بن حنبل بيدي، وَقَالَ: تعال أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب بي إلى الشافعي.
حَدَّثَني الحسن بن أبي طالب، قَالَ: حَدَّثَنِي علي بن عمر التمار، قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي، قَالَ: حدثوني عن إبراهيم الحربي، أنه قَالَ: قَالَ أستاذ الأستاذين.
قالوا: من هو؟ قَالَ: الشافعي، أليس هو أستاذ أحمد بن حنبل؟.
أَخْبَرَنِي عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، قَالَ: حدثنا عمر بن أحمد الواعظ، قَالَ: حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد، قَالَ: سمعت الميموني -[406]- بالرقة، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: ستة أدعو لهم سحرا أحدهم الشافعي.
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم، قَالَ: حدثنا محمد بن خلف بن جيان الخلال، قَالَ: حَدَّثَنِي عمر بن الحسن، عن أبي القاسم بن منيع، قَالَ: حَدَّثَنِي صالح بن أحمد بن حنبل، قَالَ: مشى أبي مع بغلة الشافعي، فبعث إليه يحيى بن معين، فقال له: يا أبا عبد الله، أما رضيت إلا أن تمشي مع بغلته؟ فقال: يا أبا زكريا لو مشيت من الجانب الآخر كان أنفع لك.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهري، قَالَ: أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه الهمذاني، قَالَ: حدثنا محمد بن هارون الزنجاني بزنجان، قَالَ: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قَالَ: قلت لأبي: يا أبة، أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال لي: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟ أَخْبَرَنِي محمد بن أبي علي الأصبهاني، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو علي الحسين بن محمد الشافعي بالأهواز، قَالَ: أخبرنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري، قَالَ: سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث، يقول: ما رأيت أحمد بن حنبل يميل إلى أحد ميله إلى الشافعي.
أَخْبَرَنَا علي بن المحسن القاضي، قَالَ: أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي، قَالَ: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو عثمان -[407]- الخوارزمي نزيل مكة، فيما كتب إلي، قَالَ: حدثنا أبو أيوب حميد بن أحمد البصري، قَالَ: كنت عند أحمد بن حنبل نتذاكر في مسألة، فقال رجل لأحمد: يا أبا عبد الله، لا يصح فيه حديث.
فقال إن لم يصح فيه حديث ففيه قول الشافعي، وحجته أثبت شيء فيه.
ثم قَالَ: قلت للشافعي: ما تقول في مسألة كذا وكذا؟ قَالَ: فأجاب فيها فقلت من أين قلت؟ هل فيه حديث أو كتاب؟ قَالَ: بلى.
فنزع في ذلك حديثا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حديث نص.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، قَالَ: أخبرنا أحمد بن بندار بن إسحاق الفقيه، قَالَ: حدثنا أحمد بن روح البغدادي، قَالَ: حدثنا أحمد بن العباس، قَالَ: سمعت علي بن عثمان وجعفر الوراق، يقولان: سمعنا أبا عبيد، يقول: ما رأيت رجل أعقل من الشافعي.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي، قَالَ: أخبرنا أبو عبد الله المؤذن محمد بن عبد الله النيسابوري، قَالَ: أَخْبَرَنِي القاسم بن غانم، قَالَ: سمعت أبا عبد الله البوشنجي، يقول: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد، يقول: الشافعي إمام.
أَخْبَرَنِي الأزهري، قَالَ: أخبرنا الحسن بن الحسين الهمذاني، قَالَ: حَدَّثَنِي الزبير بن عبد الواحد الأسدآبادي، قَالَ: حدثنا الحسن بن سفيان، قَالَ: حدثنا أبو ثور، قَالَ: من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكنه فقد كذب، كان محمد بن إدريس الشافعي منقطع القرين في حياته، فلما مضى لسبيله لم يُعتض منه.
-[408]-
أَخْبَرَنَا أحمد بن علي بن أيوب إجازة، قَالَ: أخبرنا علي بن أحمد بن أبي غسان، قَالَ: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي.
وَأَخْبَرَنَا محمد بن عبد الملك قراءة، قَالَ: أخبرنا عياش بن الحسن، قَالَ: حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، قَالَ: أخبرنا زكريا بن يحيى، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن بنت الشافعي، قَالَ: سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود، يقول: ما رأيت أحدا إلا وكتبه أكثر من مشاهدته إلا الشافعي، فإن لسانه كان أكثر من كتابه.
وَقَالَ زكريا: حَدَّثَنِي أبو بكر بن سعدان، قَالَ: سمعت هارون بن سعيد الأيلي، يقول: لو أن الشافعي ناظر على هذا العمود الذي من حجارة أنه من خشب لغلب، لاقتداره على المناظرة.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي، قَالَ: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الطيني، قَالَ: حدثنا عبد الملك بن محمد بن عدي، قَالَ: حدثنا محمد بن يزداد، قَالَ: سمعت أحمد بن علي الجرجاني، يقول: كان الحميدي إذا جرى عنده ذكر الشافعي، يقول: حَدَّثَنَا سيد الفقهاء الشافعي.
أَخْبَرَنَا عبد الله بن علي بن عياض القاضي بصور، قَالَ: أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع، قَالَ: قرأت على أبي طالب عمر بن الربيع بن سليمان، حدثكم أحمد بن عبد الله، قَالَ: سمعت حرملة، يقول: سمعت الشافعي، يقول: سميت ببغداد ناصر الحديث.
أَخْبَرَنَا أبو طالب عمر بن إبراهيم، قَالَ: حدثنا محمد بن خلف بن جيان الخلال، قَالَ: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن دبيس الحداد، قَالَ: حدثنا محمد بن الحسن بن الجنيد، قَالَ: سمعت الحسن بن محمد، يقول: كنا -[409]- نختلف إلى الشافعي عندما قدم إلى بغداد ستة أنفس: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، وحارث النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، وأنا ورجل آخر سماه.
وما عرضنا على الشافعي كتبه إلا وأحمد بن حنبل حاضر لذلك.
قرأت على الحسن بن عثمان الواعظ، عن أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش، قَالَ: حدثنا أبو نعيم الإستراباذي، قَالَ: سئل الزعفراني وقيل له: أي سنة قدم بغداد الشافعي؟ قَالَ: قدم سنة خمس وتسعين ومائة، قَالَ: وسألته كان مخضوبا؟ قَالَ: نعم.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، قَالَ: حدثنا أحمد بن بندار بن إسحاق، قَالَ: حدثنا أبو الطيب أحمد بن روح البغدادي، قَالَ: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قَالَ: قدم علينا الشافعي بغداد سنة خمس وتسعين ومائة، فأقام عندنا سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ثمان وتسعين فأقام عندنا أشهرا، ثم خرج، وكان يخضب بالحناء، وكان خفيف العارضين.
أَخْبَرَنَا أبو الحسن أحمد بن محمد المجهز، قَالَ: سمعت عبد العزيز الحنبلي صاحب الزجاج، يقول: سمعت أبا الفضل الزجاج، يقول: لما قدم الشافعي إلى بغداد وكان في الجامع إما نيف وأربعون حلقة أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة حلقة ويقول لهم: قَالَ الله وَقَالَ الرسول.
وهم يقولون: قَالَ أصحابنا.
حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره.
(355) أَخْبَرَنَا أبو العباس الفضل بن عبد الرحمن الأبهري، قَالَ: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الأعلى الأندلسي بأصبهان، قَالَ: سمعت أبا بكر أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود الرقي، قَالَ: سمعت المزني، يقول: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فسألته عن الشافعي، فقال لي: " من أراد محبتي وسنتي فعليه بمحمد بن إدريس الشافعي المطلبي فإنه مني وأنا منه "
-[410]-
أَخْبَرَنَا الأزهري، قَالَ: أخبرنا الحسن بن الحسين الهمذاني، قَالَ: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الأسدابادي، قَالَ: حدثنا أبو عمران موسى بن عمران القلزمي، بها قَالَ: حدثنا أبو عبد الله السكري في مجلس الربيع بن سليمان، قَالَ: حدثنا أحمد بن حسن الترمذي، قَالَ: كنت في الروضة فأغفيت فإذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول الله قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: أف ونفض يده.
قلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ، وَقَالَ: أصاب وأخطأ.
قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ قَالَ: بأبي ابن عمي أحيى سنتي.
أنشدني هبة الله بن محمد بن علي الشيرازي، قَالَ: أنشدنا المظفر بن أحمد بن محمد الفقيه، قَالَ: أنشدني علي بن محمد الجرجاني لبعضهم:
مثل الشافعي في العلماء مثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلا أيقاس الضياء بالظلماء
أَخْبَرَنِي أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الروياني، قَالَ: حدثنا عياش بن الحسن بن عياش، قَالَ: سمعت أحمد بن عيسى بن الهيثم التمار، يقول: سمعت عبيد بن محمد بن خلف البزاز، يقول: سئل أبو ثور، فقيل له: أيما أفقه الشافعي أو محمد بن الحسن؟ فقال أبو ثور: الشافعي أفقه من محمد، وأبي يوسف، وأبي حنيفة، وحماد، وإبراهيم، وعلقمة، والأسود.
أَخْبَرَنَا أبو نعيم الحافظ، قَالَ: حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي، قَالَ: سمعت إبراهيم بن علي بن عبد الرحيم بالموصل يحكي، عن الربيع، قَالَ: سمعت الشافعي، يقول في قصة ذكرها:
لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ومن دونها أرض المهامه والقفر
فوالله ما أدري أللفوز والغنى أساق إليها أم أساق إلى قبري؟
قَالَ: فوالله ما كان إلا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا.
-[411]-
أَخْبَرَنَا أحمد بن أبي جعفر، قَالَ: أخبرنا علي بن عبد العزيز، قَالَ: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قَالَ: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قَالَ: ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة، ومات في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين، عاش أربعا وخمسين سنة.
أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني، قَالَ، أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ، قَالَ: قرأت على قبر محمد بن إدريس الشافعي بمصر، على لوحين حجارة أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، نسبه إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، هذا قبر محمد بن إدريس الشافعي وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمر وهو من المسلمين، عليه حي وعليه مات وعليه يبعث حيا إن شاء الله.
توفي أبو عبد الله ليوم بقي من رجب سنة أربع ومائتين.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن علي الإستراباذي، قَالَ: سمعت طاهر بن محمد البكري، يقول: حدثنا الحسن بن حبيب الدمشقي، قَالَ: حَدَّثَنِي الربيع بن سليمان، قَالَ رأيت الشافعي بعد وفاته في المنام فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قَالَ أجلسني على كرسي من ذهب ونثر علي اللؤلؤ الرطب.
قرأت على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي، عن أبي عبد الله محمد بن المعلى الأزدي، قَالَ: قَالَ أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي يرثي أبا عبد الله الشافعي: -[412]-
بملتفتيه للمشيب طوالع ذوائد عن ورد التصابي روادع
تصرفه طول العنان وربما دعاه الصبا فاقتاده وهو طائع
ومن لم يزعه لبه وحياؤه فليس له من شيب فوديه وازع
هل النافر المدعو للحظ راجع أم النصح مقبول أم الوعظ نافع؟
أم الهمك المهموم بالجمع عالم بأن الذي يوعى من المال ضائع
وأن قصاراه على فرط ضنه فراق الذي أضحى له وهو جامع
ويخمل ذكر المرء ذي المال بعده ولكن جمع العلم للمرء رافع
ألم تر آثار ابن إدريس بعده دلائلها في المشكلات لوامع
معالم يفنى الدهر وهي خوالد وتنخفض الأعلام وهي فوارع
مناهج فيها للهدى متصرف موارد فيها للرشاد شرائع
ظواهرها حكم ومستنبطاتها لما حكم التفريق فيه جوامع
لرأى ابن إدريس ابن عم محمد ضياء إذا ما أظلم الخطب ساطع
إذا المفظعلات المشكلات تشابهت سما منه نور في دجاهن لامع
أبى الله إلا رفعه وعلوه وليس لما يعليه ذو العرش واضع
توخى الهدى فاستنقذته يد التقى من الزيغ إن الزيغ للمرء صارع
ولاذ بآثار الرسول فحكمه لحكم رسول الله في الناس تابع
وعول في أحكامه وقضائه على ما قضى في الوحي والحق ناصع
بطيء عن الرأي المخوف التباسه إليه إذا لم يخش لبسا مسارع
جرت لبحور العلم أمداد فكره لها مدد في العالمين يتابع
وأنشا له منشية من خير معدن خلائق هن الباهرات البوارع
-[413]-
تسربل بالتقوى وليدا وناشئا وخص بلب الكهل مذ هو يافع
وهذب حتى لم تشر بفضيلة إذا التمست إلا إليه الأصابع
فمن يك علم الشافعي إمامه فمرتعه في باحة العلم واسع
سلام على قبر تضمن جسمه وجادت عليه المدجنات الهوامع
لقد غيبت أثراؤه جسم ماجد جليل إذا التفت عليه المجامع
لئن فجعتنا الحادثات بشخصه لهن لما حكمن فيه فواجع
فأحكامه فينا بدور زواهر وآثاره فينا نجوم طوالع
سمعت القاضي أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، يقول: لقد جمع أبو بكر بن دريد قوافيه في صدقها، ووضع أوصافه في حقها، فيما رثى به أفصح الفقهاء لسانا، وأبرعهم بيانا، وأجزلهم ألفاظا، وأوسعهم خاطرا، وأغزرهم علما، وأثبتهم نحيرة وأكثرهم بصيرة.
للقاضي أبي الطيب فيه:
وإذا قرأت كلامه قدرته سحبان أو يوفي على سحبان
لو كان شاهده معد خاطبا وذوو الفصاحة من بني قحطان
لأقر كل طائعين بأنه أولاهم بفصاحة وبيان
هادي الأنام من الضلالة والعمى ومجيرها من جاحم النيران
رب العلوم إذا أجال قداحه لم يختلف في فوزهن اثنان
ذو فطنة في المشكلات وخاطر أمضى وأنفذ من شباة سنان
وإذا تفكر عالم في كتبه يبغي التقى وشرائط الإيمان
متبينا للدين غير مقلد يسمو بهمته إلى الرضوان
-[414]-
أضحت وجوه الحق في صفحاتها تومي إليه بواضح البرهان
من حجة ضمن الوفاء بنصرها نص الرسول ومحكم القرآن
ودلالة تجلو مطالع سبرها غر القرائح من ذوى الأذهان
حتى ترى متبصرا في دينه مغلول غرب الشك بالإيقان
الله وفقه اتباع رسوله وكتابه الأصلين في التبيان
وأمده من عنده بمعونة حتى أناف بها على الأعيان
وأراه بطلان المذاهب قبله ممن قضى بالري والحسبان
قلت: لو استوفينا مناقب الشافعي، وأخباره لاشتملت على عدة من الأجزاء، لكنا اقتصرنا منها على هذا المقدار، ميلا إلى التخفيف، وإيثارا للاختصار، ونحن نورد معالم الشافعي ومناقبه على الاستقصاء في كتاب نفرده لها إن شاء الله.

(2/404)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث