الكتاب: تفسير القرآن العظيم
    المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
    المحقق: سامي بن محمد سلامة
    الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
    الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999 م
    عدد الأجزاء: 8
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، والصفحات مذيلة بحواشي المحقق، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَصِيحٍ (1) لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا عِيَّ، {وَصَرَّفْنَا (2) فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أَيْ: يَتْرُكُونَ الْمَآثِمَ وَالْمَحَارِمَ وَالْفَوَاحِشَ، {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} وَهُوَ إِيجَادُ الطَّاعَةِ وَفِعْلُ الْقُرُبَاتِ. {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} أَيْ: تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ (3) الْمَلِكُ الْحَقُّ، الَّذِي هُوَ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، وَوَعِيدُهُ حَقٌّ، وَرُسُلُهُ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ حَقٌّ. وَعَدْلُهُ تَعَالَى أَلَّا يُعَذِّبَ أَحَدًا قَبْلَ الْإِنْذَارِ وَبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَالْإِعْذَارِ إِلَى خَلْقِهِ؛ لِئَلَّا يَبْقَى لِأَحَدٍ حُجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ" {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [الْقِيَامَةِ: 16-19] ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَالِجُ مِنَ الْوَحْيِ شِدَّةً، فَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ، فَأَنْزَلَ (4) اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ (5) يَعْنِي: أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ إِذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، كُلَّمَا قَالَ جِبْرِيلُ آيَةً قَالَهَا مَعَهُ، مِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى حِفْظِ (6) الْقُرْآنِ، فَأَرْشَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مَا هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَخَفُّ فِي حَقِّهِ؛ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أَيْ: أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، ثُمَّ تَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} أَيْ: بَلْ أَنْصِتْ، فَإِذَا فَرَغَ الْمَلَكُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ فَاقْرَأْهُ بَعْدَهُ، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} أَيْ: زِدْنِي مِنْكَ عِلْمًا.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَة، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَادَةٍ [مِنَ الْعِلْمِ] (7) حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ تَابَعَ الْوَحْيَ عَلَى رَسُولِهِ، حَتَّى كَانَ الْوَحْيُ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (8) وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْر، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا علَّمتني، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" (9) .
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْر، بِهِ. وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، بِهِ. وَزَادَ فِي آخِرِهِ: "وَأَعُوذُ بِاللَّهِ من حال أهل النار".
__________
(1) في ف: "فصيح اللسان".
(2) في أ: "وصرفنا ما فيه" وهو خطأ.
(3) في ف: "تقدس وتنزه".
(4) في ف: "فنزل".
(5) صحيح البخاري برقم (5) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(6) في ف، أ: "تحفظ".
(7) زيادة من ف.
(8) رواه البخاري في صحيحه برقم (4982) من حديث أنس رضي الله عنه.
(9) سنن ابن ماجه برقم (251) وسنن الترمذي برقم (3599) .

(5/319)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث