الكتاب: تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)
    المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
    المحقق: محمد حسين شمس الدين
    الناشر: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
    الطبعة: الأولى - 1419 هـ
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)

[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 63]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ (63)
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ أَيْ هَلْ لَكَمَ عَلَيْنَا مَطْعَنٌ أَوْ عَيْبٌ إِلَّا هَذَا؟ وَهَذَا لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَا مَذَمَّةٍ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ منقطعا، كما في قوله تَعَالَى: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [الْبُرُوجِ: 8] ، وَكَقَوْلِهِ: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التَّوْبَةِ: 74] وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ» «1» ، وَقَوْلُهُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ أَيْ وَآمَنَّا بِأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ، أَيْ خَارِجُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
ثُمَّ قَالَ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ أَيْ هَلْ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ جَزَاءٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِمَّا تَظُنُّونَهُ بِنَا؟ وَهُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصفات المفسرة بقوله مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَغَضِبَ عَلَيْهِ أَيْ غَضَبًا لَا يَرْضَى بَعْدَهُ أَبَدًا وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ «2» ، وَكَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ في سورة الأعراف «3» ، وَقَدْ قَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ: أَهِيَ مِمَّا مَسَخَ اللَّهُ؟ فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا، أَوْ لَمْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ «4» مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْأَعْيَنِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ:
أَهِيَ مِنْ نَسْلِ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ «لَا إن الله لم يلعن قوما قط فَيَمْسَخُهُمْ، فَكَانَ لَهُمْ نَسْلٌ وَلَكِنْ هَذَا خَلْقٌ كَانَ، فَلَمَّا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى الْيَهُودِ فَمَسَخَهُمْ جَعَلَهُمْ مِثْلَهُمْ» ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ «5» مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ
__________
(1) صحيح البخاري (زكاة باب 49) وصحيح مسلم (زكاة حديث 11) وسنن أبي داود (زكاة باب 22) .
(2) الآية 65.
(3) الآية 166.
(4) صحيح مسلم (قدر حديث 32) .
(5) مسند أحمد 1/ 395.

(3/130)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث