الكتاب: نيل الأوطار
    المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)
    تحقيق: عصام الدين الصبابطي
    الناشر: دار الحديث، مصر
    الطبعة: الأولى، 1413هـ - 1993م
    عدد الأجزاء: 8
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
    منتقى الأخبار بأعلى الصفحة، يليه - مفصولا بفاصل - شرح الشوكاني

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

[مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ]
نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا (حَدِيثٌ شَرِيفٌ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُك يَا مَنْ شَرَحَ صُدُورَنَا بِنَيْلِ الْأَوْطَارِ مِنْ عُلُومِ السُّنَّةِ، وَأَفَاضَ عَلَى قُلُوبِنَا مِنْ أَنْوَارِ مَعَارِفِهَا مَا أَزَاحَ عَنَّا مِنْ ظُلَمِ الْجَهَالَاتِ كُلَّ دُجْنَةٍ. وَحَمَاهَا بِحُمَاةٍ صَفَّدُوا بِسَلَاسِلِ أَسَانِيدِهِمْ الصَّادِقَةِ أَعْنَاقَ الْكَذَّابِينَ. وَكَفَاهَا بِكُفَاةٍ كَفُّوا عَنْهَا أَكُفَّ غَيْرِ الْمُتَأَهِّلِينَ مِنْ الْمُنْتَابِينَ الْمُرْتَابِينَ. فَغَدَا مَعِينُهَا الصَّافِي غَيْرَ مُقَذَّرٍ بِالْأَكْدَارِ. وَزُلَالُ عَذْبِهَا الشَّافِي غَيْرَ مُكَدَّرٍ بِالْأَقْذَارِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُنْتَقَى مِنْ عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ. الْمُصْطَفَى لِحَمْلِ أَعْبَاءِ أَسْرَارِ الرِّسَالَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنْ بَيْنِ الْعِبَادِ. الْمَخْصُوصِ بِالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى فِي يَوْمٍ يَقُولُ فِيهِ كُلُّ رَسُولٍ: نَفْسِي نَفْسِي، وَيَقُولُ: " أَنَا لَهَا أَنَا لَهَا ".
الْقَائِلِ: " بُعِثْت إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ " أَكْرِمْ بِهَا مَقَالَةً مَا قَالَهَا نَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا نَالَهَا. وَعَلَى آلِهِ الْمُطَهَّرِينَ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْنَاسِ وَالْأَرْجَاسِ. الْحَافِظِينَ لِمَعَالِمِ الدِّينِ عَنْ الِانْدِرَاسِ وَالِانْطِمَاسِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْجَالِينَ بِأَشِعَّةِ بَرِيقِ صَوَارِمِهِمْ دَيَاجِرَ الْكُفْرَانِ. الْخَائِضِينَ بِخَيْلِهِمْ وَرَجْلِهِمْ لِنُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ كُلَّ مَعْرَكَةٍ تَتَقَاعَسُ عَنْهَا الشُّجْعَانُ، وَبَعْدُ
فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ الْمَوْسُومُ بِالْمُنْتَقَى مِنْ الْأَخْبَارِ فِي الْأَحْكَامِ. مِمَّا لَمْ يَنْسُجْ عَلَى بَدِيعِ مِنْوَالِهِ وَلَا حَرَّرَ عَلَى شَكْلِهِ وَمِثَالِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ. قَدْ جَمَعَ مِنْ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ. وَبَلَغَ إلَى غَايَةٍ فِي الْإِحَاطَةِ بِأَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ تَتَقَاصَرُ عَنْهَا الدَّفَاتِرُ الْكِبَارُ.
وَشَمَلَ مِنْ دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ جُمْلَةً نَافِعَةً تَفْنَى دُونَ الظَّفَرِ بِبَعْضِهَا طِوَالُ الْأَعْمَارِ. وَصَارَ مَرْجِعًا لِجِلَّةِ الْعُلَمَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى طَلَبِ الدَّلِيلِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ وَهَذِهِ الْأَعْصَارِ. فَإِنَّهَا تَزَاحَمَتْ عَلَى مَوْرِدِهِ الْعَذْبِ أَنْظَارُ الْمُجْتَهِدِينَ. وَتَسَابَقَتْ عَلَى الدُّخُولِ فِي أَبْوَابِهِ أَقْدَامُ الْبَاحِثِينَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَغَدَا مَلْجَأً لِلنُّظَّارِ يَأْوُونَ إلَيْهِ. وَمَفْزَعًا لِلْهَارِبِينَ مِنْ رِقِّ التَّقْلِيدِ يُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ. وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُونَ فِي صِحَّةِ بَعْضِ دَلَائِلِهِ. وَيَتَشَكَّكُ الْبَاحِثُونَ فِي الرَّاجِحِ وَالْمَرْجُوحِ عِنْدَ تَعَارُضِ بَعْضِ مُسْتَنَدَاتِ مَسَائِلِهِ. حَمَلَ حُسْنُ الظَّنِّ بِي جَمَاعَةً مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَايِخِي عَلَى أَنْ الْتَمَسُوا مِنِّي الْقِيَامَ بِشَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَحَسَّنُوا لِي السُّلُوكَ فِي هَذِهِ

(1/13)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث