الكتاب: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك
    المؤلف: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري
    تحقيق: طه عبد الرءوف سعد
    الناشر: مكتبة الثقافة الدينية - القاهرة
    الطبعة: الأولى، 1424هـ - 2003م
    عدد الأجزاء: 4
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ مِنْ غَرَائِبِ الشَّرِيعَةِ، أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ، فَالْإِبَاحَةُ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَجَرَى النَّاسُ فِي فِعْلِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، ثُمَّ حُرِّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أُبِيحَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَأَوْطَاسٍ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ حُرِّمَتْ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى حَدِيثِ سَبْرَةَ اهـ. وَالْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهَا. وَمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: " «اسْتَمْتَعْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» ". زَادَ فِي رِوَايَةٍ: حَتَّى نَهَى عُمَرُ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي اسْتَمْتَعَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيَ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا الرَّوَافِضُ، قَالَ الْمَازَرِيُّ: مُحْتَجِّينَ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] (النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) الْآيَةَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ) ، وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ نُسِخَتْ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النِّكَاحِ الْمُؤَبَّدِ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ تَتَوَاتَرْ، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِالْآحَادِ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ تَنَاقُضٌ يُوجِبُ الْقَدْحَ فِي الْحَدِيثِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ فِي زَمَانٍ ثُمَّ يُكَرِّرُ النَّهْيَ عَنْهُ فِي زَمَنٍ آخَرَ تَأْكِيدًا، وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ: (يُخَالِفُ إِلَّا الرَّوَافِضُ) ، بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَوَازُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَلَمَةَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إِلَى آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَالْإِجْمَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَعْدُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى التَّحْرِيمِ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ يَرَوْنَهُ حَلَالًا، وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ وَيَكُونُ الْخِلَافُ بَاقِيًا؟ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَكَحَ مُتْعَةً هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا؟ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَلِلْخِلَافِ الْمُتَقَرَّرِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَحْرِيمِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْآنَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ إِلَّا زُفَرَ فَقَالَ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ إِذَا قَارَنَتِ النِّكَاحَ بَطَلَتْ وَمَضَى النِّكَاحُ عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَفِي الِاسْتِذْكَارِ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} [النساء: 24] الْآيَةَ. بِالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعَهُ مِثْلَهُ. وَفِي تَأْوِيلِهَا قَوْلٌ ثَانٍ لِجَمْعٍ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ الْحَلَالُ، فَإِذَا عَقَدَ وَطَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدِ اسْتَمْتَعَ بِالْعَقْدِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ دَخَلَ فَلَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ لِاسْتِمْتَاعِهِ الْمُتْعَةَ الْكَامِلَةَ، وَقَوْلُهُ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} [النساء: 24] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 24) مَعْنَاهُ أَنْ تَتْرُكَ الْمَرْأَةُ وَيُتْرَكَ لَهَا كَقَوْلِهِ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ} [النساء: 4] (سُورَةُ النِّسَاءِ: الْآيَةُ 4) وَ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ 237) . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي

(3/233)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث