الكتاب: الأم
    المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ)
    الناشر: دار المعرفة - بيروت
    الطبعة: بدون طبعة
    سنة النشر: 1410هـ/1990م
    عدد الأجزاء: 8
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

الْمُسْلِمِينَ وَيَنْكِحُوهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِفُهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَيَبْلُغُهُ عَنْهُمْ فَيُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ، وَالْوَحْيُ يَأْتِيهِ بِأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِالتَّوْبَةِ، وَمِثْلَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَمِيعِ النَّاسِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُدُودِ، فَأَقَامَ عَلَى رَجُلٍ حَدًّا، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «تَوَلَّى اللَّهُ مِنْكُمْ السَّرَائِرَ وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» وَحُفِظَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» «وَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَقَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ مَا كَانَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَأْتِيهِ بِهِ الْوَحْيُ وَبِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِمَّا لَمْ يَجْعَلْ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ فَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَوَلَّ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنُ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَعْرِفُ مِنْ الدَّلَائِلِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إيَّاهُ مَا لَا يَعْرِفُ غَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنَّمَا جَوَابُنَا فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِنِيَّةٍ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا نَوَى قِيلَ لِلرَّبِيعِ كُلُّ مَا كَانَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّا نَقُولُ فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَابِع الشَّهَادَة]
[بَابُ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْيَتَامَى]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ وَهُوَ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْآيَةِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ دَلَالَةً لَا حَتْمًا وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6] كَالدَّلِيلِ عَلَى الْإِرْخَاصِ فِي تَرْكِ الْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء: 6] أَيْ إنْ لَمْ تُشْهِدُوا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ الْمَأْمُورِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ مَالَهُ، وَالْإِشْهَادِ بِهِ عَلَيْهِ يَبْرَأُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ إنْ جَحَدَهُ الْيَتِيمُ وَلَا يَبْرَأُ بِغَيْرِهِ، أَوْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَلَى الدَّلَالَةِ، وَقَدْ يَبْرَأُ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ إذَا صَدَّقَهُ الْيَتِيمُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَالْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ تَسْمِيَةُ شُهُودٍ وَتَسْمِيَةُ الشُّهُودِ فِي غَيْرِهِمَا وَتِلْكَ التَّسْمِيَةُ تَدُلُّ عَلَى مَا يَجُوزُ فِيهِمَا وَفِي غَيْرِهِمَا وَتَدُلُّ مَعَهُمَا السُّنَّةُ، ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَفِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

(7/86)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث