الكتاب: النصيحة الكافية لمن خصه الله بالعافية المؤلف: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي، المعروف بـ زروق (المتوفى: 899هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
مقدمة المؤلف (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله على منة الإسلام والشكر له على نعمة السمع والبصر والكلام، وأستغفر الله من جميع الآثام، والصلاة والتسليم على محمد خير الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام.
أما بعد فالنصحية من الإيمان، والتحقق بها من علامات الإيقان، وأعظم الناس جهلا من جهل نفسه وأهمل أحواله حتى دخل رمسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) وقال عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله قال: الله ولرسوله ولكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم) .
فالنصيحة لله، باتباع أمره، ونصرة دينه، والتسليم له في حكمه والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، ن وإكرام قرابته والشفقة على أمته.
والنصيحة لكتابه، بتدبر آياته، واتباع مأموراته، وتحسين تلاوته. والنصيحة لعامة المسلمين، بالذب عن أعراضهم، وإقامة حرمتهم والنصرة لهم في جميع أحوالهم، جلبا ودفعا.
والنصيحة لخاصتهم، بالطاعة للأمراء، إلا في محرم مجمع عليه، والتصديق للعلماء إلا فيما لا يهدي العلم إليه، وللفقراء بالتسليم فيما لا إنكار يجب عليه.
الباب الأول
النصيحة لله
الفصل الأول
اتباع الأوامر
ومن أوامره تعالى الطهارة
ومن آفاتها الوسوسة، وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل. ومتبعها متكبر، مزك لنفسه، مسيء الظن بعباد الله، معتمد على عمله معجب به، متبع للشيطان.
والخلاص منها بالتلهي عنها، والعلم بأن أحدا لن يقدر الله حق قدره، وإن عمل، ماعمل، واعتقاد أنه متعبد بعمله، لا مكسب له، والإكثار من قول: سبحان الله الملك الخلاق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.
وجاء الشيطان لابن المبارك في وضوءه فقال له: لم تمسح رأسك، فقال: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والله الذي لا إله غيره لقد مسحت رأسي.
ومنها كثرة لطم الوجه، ولا يفعله إلا النساء وضعفة الرجال.
ومنها الاستعجال بصب الماء من دون الجبهة، ونفض اليدين قبل إيصال الماء إلى الوجه وبترك إمرار اليد على مغابنه وذلك نقص لواجب.
ومنها الإكتفاء ببعض الرأس للشافعية، مع إمكان مسح الكل وإن لم يكن واجبا، فقد فات الفضل، والخلاف قوي فيها، ولا مشقة تدرك الماسح في ذلك، وكذلك التهاون بالتنشق والتدلك ونحوه مما هو كمال في مذهبهم واجب عند غيرهم، بخلاف البسملة عند المالكية إذ فيها الكراهة، وإن لم يكن المنع عندهم فالنقص حاصل، نعم، وهي زيادة في الصلاة، والأحاديث لا يقتضيها ظاهرها، والتعوذ أثقل منها.
ومنها كثرة صب الماء في الغسل، والطول فيه، وذلك أيضا غلو في الدين، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة بعد الإقامة ودخل بيته واغتسل ثم رجع ولم يعد الإقامة وما ذلك إلا لسرعة الأمر.
ومنها كثرة الحديث على الوضوء، حتى يتفرق القلب، والإفراط في الذكر، والتزام هذه الأذكار الأعضائية، حتى لو تكلم ابتدأها، وهذه بدعة عظيمة، نعم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار الوضوء، غير الشهادتين آخره والتسمية أوله مع ضعف حديثها والكلام فيه.
وقال بعض العلماء: الحضور في الصلاة بقدر الحضور في الوضوء، وقد جرب ذلك فصح.
وإدمان الوضوء موجب سعة الخلق وسعة الرزق، ومحبة الحفظة، ودوام الحفظ من المعاصي والمهلكات، فقد جاء: الوضوء سلاح المؤمن، وهو محرب.
وتأخير غسل الجنابة يورث الوسواس، ويمكن الخوف من النفس ويقلل البركة في الحركات.
ويقال: إن الأكل على الجنابة يورث الفقر، والكلام في الخلاء يورث الصمم، والبول في المستحم يورث الوسواس.
والبول في الماء الراكد يورث النسيان كأكل سؤر الفأر، والتفاح الحامض وكنس البيت بالخرقة، وأكل الكسبرة الخضراء وقراءة كتابة القبور والنظر إلى المصلوب والمشي بين الجملين المقطورين، وطرح القمل على الطريق، وإدمان النظر إلى البحر، ذكر ذلك أبو طالب المكي في آخر كتاب قوت القلوب.
وتجديد الوضوء بعد صلاة به، موجب لتنوير القلب والقالب.
ومن أوامره تعالى الصلاة: