الكتاب: فضل علم السلف على الخلف
    المؤلف: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)
    [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

بسم الله الرحمن الرحيم
قال المؤلف رحمه الله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً.
معنى العلم
أما بعد فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم وانقسامه إلى علم نافع. وعلم غير نافع. والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف فنقول وبالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قد ذكر الله تعالى في كتابه العلم تارة في مقام المدح وهو العلم النافع. وتارة في مقام الذم وهو العلم الذي لا ينفع. فأما الأول فمثل قوله تعالى (قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون) وقوله (شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط) وقوله (وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً) وقوله (إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ) وما قص سبحانه من قصة آدم وتعليمه الأسماء. وعرضهم على الملائكة وقولهم (سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم) . وما قصه سبحانه وتعالى من قصة موسى عليه السلام وقوله للخضر (هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا) فهذا هو العلم النافع.
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكن صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى (مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا) وقال (وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ) وقال تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ أَلَم يُؤخَذ عَلَيهِم ميثاقُ الكِتابِ أَلّا يَقولوا عَلى اللَهِ إِلّا الحَقَّ وَدَرَسوا ما فيهِ وَالدارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذينَ يَتَّقون) الآية وقال (وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ) على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله.
وأما العلم الذي ذكره الله تعالى على جهة الذم له. فقوله في السحر (وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ) وقوله (فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون) وقوله تعالى (يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون) .
ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وإلى غير نافع. والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع. وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول) اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها (. وخرجه أهل السنن من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع. وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع وخرج النسائي من حديث جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول) اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع (وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول) اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً (وخرج النسائي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو) اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به (وخرج أبو نعيم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول) اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع (وخرج أبو داود من حديث بُريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) إنَّ منَ البيان سحراً وإن من العلم جهلاً (وإن صعصعة بن صوحان فسر قوله) إن من العلم جهلاً (أن يتكلف العالم إلى علمه مالا يعلم فيجهله ذلك. ويُفسر أيضا بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل. لأن الجهل به خير من العلم به. فإذا كان الجهل به خيراً منه فهو شر من الجهل. وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين أو في الدنيا.

(1/1)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث