الكتاب: الزواجر عن اقتراف الكبائر المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: الأولى، 1407هـ - 1987م عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
[خُطْبَةُ الْكِتَابِ] (1/3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]
(قُرْآنٌ كَرِيمٌ)
[خُطْبَةُ الْكِتَابِ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَمَى مِنْ أَجْلِ رَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ وَغَيْرَتِهِ الْمُنَزَّهَةِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ قُدْرَتِهِ وَكَمَالِ عِزَّتِهِ حَمَى حَوْمَةَ الْكَبَائِرِ، وَالْفَوَاحِشِ وَالْمَنَاهِي وَالْمَفَاسِدِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْمَلَاهِي وَالْأَهْوِيَةِ وَالْقَبَائِحِ وَالْمَعَاصِي بِقَوَاطِعِ النُّصُوصِ الزَّوَاجِرِ، وَآيَاتِ كُتُبِهِ الْبُحُورِ الزَّوَاخِرِ، وَنَوَامِيسِ عَدْلِهِ الْقَوَاصِمِ الْقَوَاهِرِ، عَنْ أَنْ يُلِمُّوا بِذَلِكَ الْحِمَى الْوَعِرَةِ سُبُلُهُ وَآثَارُهُ الْمُضْرَمَةِ جَحِيمُهُ وَنَارُهُ الْمُحْرِقَةُ وُرَّادَهُ وَزُوَّارَهُ؛ إذَا لَمْ يَخْشَوْا مِنْ غَضَبِ رَبِّ الْأَرْبَابِ الْمُوجِبِ لِمُعَالَجَتِهِمْ بِعَظِيمِ الْعِقَابِ وَالْخُلُودِ فِي خِزْيِ الْهَوَانِ وَالْعَذَابِ، وَلَمْ يَطْمَعُوا فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى سَوَابِغِ رَحْمَتِهِ وَرِضَاهُ، وَأَفْضَالِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاعَهُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَتَمَنَّاهُ، وَتَوْفِيقِهِ إلَى مَا يُبَلِّغُ إلَى دَارِ كَرَامَتِهِ وَمَحْيَاهُ، وَلَا آثَرُوا تَقْدِيمَ مُرَادِهِ، وَلَا أَعْرَضُوا عَمَّا لَا يُرْضِيهِ فِي عِبَادِهِ، وَلَا أَحْرَزُوا قَصَبَ السَّبْقِ فِي دَارَيْ مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَفُوزُ بِهَا بِالْحِفْظِ مِنْ مَعَاصِيهِ الْقَاطِعَةِ عَنْ عَلِيِّ جَنَابِهِ، وَأَتَبَوَّأُ بِالْإِخْلَاصِ فِيهَا غُرَفَ قُرْبِهِ مَعَ الْكُمَّلِ مِنْ أَحْبَابِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، الَّذِينَ صَانَهُمْ اللَّهُ عَنْ أَنْ يُدَنِّسُوا صَفَاءَ صِدْقِهِمْ بِدَنَسِ الْمُخَالَفَاتِ، وَأَنْ يُؤْثِرُوا عَلَى رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ شَيْئًا مِنْ قَوَاطِعِ الشَّهَوَاتِ، وَأَنْ لَا يَتَطَلَّعُوا إلَّا إلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِهِ الْأَقْدَسِ عَطِرَيْنِ بِعُبُوقِ شَذَاهُ الْأَطْيَبِ الْأَنْفَسِ، وَكَذَا عَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ الَّذِي كَمَا يَدِينُ كُلُّ أَحَدٍ بِهِ