الكتاب: رسالة النفس المؤلف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى: 595هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
بسم الله الرحمن الرحيم (1/1)
?غرض الكتاب
الغرض هاهنا أن نثبت من أقاويل المفسرين في علم النفس، ما نرى أنه أشد مطابقة لما تبين في العلم الطبيعي، وأليق بغرض أرسطر. وقبل ذلك فلنقدم مما تبين في هذا العلم ما يجري مجرى الأصل الموضوع لنفهم جوهر النفس.
فنقول إنه قد تبين في الأولى من السماع. أن جميع الأجسام الكائنة الفاسدة مركبة من هيولى وصورة، وأنه ليس ولا واحد منهما جسماً، وأن كان بمجموعهما يوجد الجسم، وتبين هنالك أن الهيولى الأولى لهذه الأجسام ليست مصورة بالذات ولا موجودة بالفعل، وأن الوجود الذي يخصها إنما هو لها من جهة أنها قوية على قبول الصور، لا على أن القوة جو هرها بل على أن ذلك تابع لجو هرها وظل مصاحب لها، وأن سائر ما يقال عليه من الأجسام الموجودة بالفعل أنها قوية على شيء، فإنما يقال فيها ذلك من جهة المادة. إذ كان ليس يمكن أن يوجد لها القوة من جهة ما هي موجودة بالفعل بالذات وأولاً، فإن الفعل والقوة متناقضان.
وتبين أيضاً هنالك أن هذه المادة الأولى ليس يمكن فيها أن تتعرى عن الصورة لأنها لو عريت منها لكان ما لا يوجد بالفعل موجوداً بالفعل.
وتبين مع هذا في السماء والعالم أن الأجسام التي توجد صورها في المادة الأولى وجوداً أولاً، ولا يمكن أن تتعرى منها المادة هي الأجسام البسيطة الأربعة - النار - والهواء - والماء - والأرض.
وتبين أيضاً في كتاب الكون والفساد من أمر هذه البسائط أنها أسطقسات سائر الأجسام المتشابهة الأجزاء، وأن تولدها عنها إنما يكون على جهة الاختلاط والمزاج.
وأن الفاعل الأقصى لهذا الاختلاط والمزاج على نظام ودور محدود هي الأجرام السماوية.
وتبين أيضاً في الرابعة من الآثار العلوية أن الاختلاط الحقيقي والمزاج في جميع الأجسام المتشابهة الأجزاء التي توجد في الماء والأرض إنما يكون بالطبخ، والطبخ يكون بالحرارة الملائمة لذلك الشيء المنطبخ، وهي الحرارة الغريزية التي تخص موجوداً موجوداً، وأن فصول هذه الأجسام المتشابهة الأجزاء إنما تنسب إلى المزاج فقط.
وأن فاعلها الأقرب هو الحار المازج لها، والأقصى الأجرام السماوية. وبالجملة فتبين هناك أن في الأسطقسات والأجرام السماوية كفاية في وجود هذه الأجسام المتشابهة وإعطاء ما به يتقوم، وذلك أن جميع فصولها منسوبة إلى الكيفيات الأربع.
وتبين بهذا كله في كتاب الحيوان أن أنواع التركيبات ثلاثة: "فأولها" التركيب الذي يكون من وجود الأجسام البسائط في المادة الأولى التي هي غير مصورة بالذات. "والثاني" التركيب الذي يكون عن هذه البسائط وهي الأجسام المتشابهة الأجزاء. "والثالث" تركيب الأعضاء الآلية وهي أتم ما يكون وجوداً في الحيوان الكامل كالقلب والكبد.
وقد توجد على جهة المقايسة والتشبيه في الحيوان الذي ليس بكامل وفي النبات أيضاً كالأصول والأغصان.
وتبين أيضاً في هذا الكتاب أن المكون القريب لهذه الأجسام الآلية ليست حرارة أسطقسية، فإن الحرارة الأسطقسية إنما فعلهما التصليب والتليين، وغير ذلك من الأشياء المنسوبة إلى الأجسام المتشابهة، بل المكون لها هو قوة شبيهة بقوة المهنة والصناعة كما يقول أرسطر، وذلك أيضاً مع حرارة ملائمة للتخليق والتصوير وإعطاء الشكل، وأن معطي هذه الصورة الحرارة وصورتها المزاجية التي بها تفعل في الحيوان المتناسل والنبات المتناسل هو الشخص الذي هو من نوع ذلك المتولد عنه أو مناسب له من جهة ما هو شخص متنفس بتوسط القوة والحرارة الموجودة في البزر والمني. وأما في الحيوان والنبات الذي ليس بمتناسل فمعطيها هو الأجرام السماوية.
وتبين أيضاً مع ذلك انه كما أن هذه الحرارة ملائمة للتصوير والتخليق ليس فيها كفاية في إعطاء الشكل والخلقة دون أن تكون هناك قوة مصورة من جنس النفس الغاذية، كما لا يكون التغذي في الجسم إلا بقوة غاذية، كذلك هذه القوة الغاذية والحسية المتكونة في الحيوان عن مثلها لها فاعل أقصى مفارق وهو المسمى عقلاً، وأن كان المكون القريب للأعضاء الآلية والنفس الحادثة فيها هي هذه القوة فإن الأقرب هي القوة النفسية التي في البزر فإن هذه الأعضاء الآلية ليست توجد إلا متنفسة وأن وجدت غير متنفسة فالوجود لها بضرب من الاشتراك، كما يقال اليد على يد الميت ويد الحي.