الكتاب: رسائل فلسفية المؤلف: محمد بن يحيى بن باجه، وقد يعرف بابن الصائغ، أبو بكر التجيبى الأندلسي السرقسطى (المتوفى: 533هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
القسم الأول (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم وما التوفيق إلا به
ومن كلامه
ما بعث به لأبي جعفر يوسف بن حسداي
أما الزرقالة إبراهيم بن يحيى الأندلسي فلم يقع قط في طريق صناعة الهيئة. عليه أمرها فهو يقول بحسب سوانحه ولوائحه فتضطرب أقواله ويكثر كلامه فيما لا معنى له. ثم إنه بعد ذلك ذهب عليه معنى من معانيها هو كالمبدأ فيها، وذلك معنى وسط الكوكب، فإنه يعتقد فيه أنه النور الذي يحوزه مبدأ ما كأنك قلت مثلاً رأس الحمل والنقطة التي عليها يلقى الفلك المائل الخط الخارج من مركز الفلك الخارج المركز إلى مركز الكواكب. وهو يكرر هذا المعنى ويردده ويرى أنه من المبادئ الأول التي لا ريب فيها، فهو لذلك لا يزال يناقض بطليمونس في أكثر ما ذهب إليه.
وهذا رأي وقع في من تقدمه، وإني لا عجب من وقوع ابن الهيثم على وضوحه، فإنك إن آثرت الوقوف على ما حكيته لك فاقرأ مقالته المعروفة بالشكوك على بطليموس في الفصل الذي يذكر فيه فساد الطريق التي سلكها بطليموس في استخراج ما بين المركزين في كوكب الزهرة وعطارد يتبين لك ما ذكرته. وإذا تأملت تلك المقالة وضح لك من أمر ابن الهيثم أنه لم يقرأ الصناعة إلا من أسهل الطرق، فما عساه لم يلح له لوقته أما اثبت الحكم على إبطاله وأما تركه مغفلاً وأنه لم يكن من أهل هذه الصناعة القائمين بها، وأنه أبعد عنها من الزرقالة بكثير.
وهذه صناعة شغلت بها نفسي منذ تركت صناعة الموسيقى، والآن أكملت النظر فيها، إذ كان تبقى علي فيها النظر في مجاري العرض وهو من أصعب ما في هذه الصناعة، وقد أكملته.
والمقالة التي قال الزرقالة فيها ما ذكرته هي مقالته في إبطال الطريق التي سلكها بطليموس في استخراج البعد الأبعد لعطارد.
وأما صناعة الموسيقى فإني زاولتها حتى بلغت فيها مبلغاً رضيته لنفسي، ثم بعد ذلك صناعة الهيئة، فإني أكملت النظر فيها الكمال الذي يقتضيه ما وجدته من مبادئها. وفي أثناء ذلك تحققت أن كل من يذكر في هذه الصناعة بالكمال لم يحط فيها إلا بالتافه اليسير، واتفق ذلك سفر إلى أشبيلية، وذلك بعد أكمال نظري فيها، فإن كل من يدعى هذه الصناعة ففي أشبيلية مستقرة وإليها مصدره. وفي أثناء ذلك ما توضحت منحى أبي نصر في ضروب البرهان التي عددها، فإن ذلك كان بقي علي فقط فاستوضحته منذ قريب.
ثم تجردت للنظر الطبيعي وأنا فيه لا أقدم عليه عملاً. فمن الأمور الظاهرة في السماع الطبيعي وأنانية قد تم، وإنما قصصته لأنه يتضمن المبادئ وكل ما بعده تبع له وخصصت منه هاتين المسألتين لعظم غنائهما: إحداهما في السادسة عندما يذكر مالا ينقسم بالسابق من قوله والذي ذهب إليه من رأيت له تفسيراً في هذا الكتاب إنما يذهب فيه إلى النقطة فيما له وضع، وإلى الآن وما يناسبه في الحركة فيما لا وضع له لا غير. ونعم أن هذا حق. وإذا تأملت محمولات المطالب وجدت بعضها تختص بها هذه، مثل قوله: إن ما لا يتجزأ لا يأتلف منه خط ولا من الآن زمان وأشبابها، وبعضها يشترك فيها مع هذه الخط والسطح مثل قوله: أن المتصل لا ينقسم إلى غير منقسم، وبعضها يعم هذه كلها يعم ما لا ينقسم وبعضها يعم هذه كلها ويعم ما لا ينقسم بالأضافة إلى متحرك. ويقال أن تلك لا تنقسم إما بإطلاق أومن جهة ما كالخط، وهذا الضرب الأخير يقال فيه لا ينقسم بالإضافة إلى ذي المكان، فمكان القلم الذي أكتب فيه لا ينقسم بالقلم الذي أكتب به وأن أنقسم بالإضافة إلى جزء أصغر منه. وهذا المحمول هو في مثل قوله: كل متغير فأول ما تغير إليه غير منقسم. وهذا الضرب من غير منقسم هو المقصود في هذا العلم. وتلك إنما أخذت مقدمات ليتبين هذا. وانظر إليه أبداً في هذه المقالة يقفك على معان كثيرة الغناء في هذا العلم.
والمسألة الأخرى هي في السابعة وذلك قوله: كل متحرك فله محرك. فأول ما يجب أن يعلم أنه لم يرد أن يبين المحرك الأول بإطلاق كما يذكره المفسرون الذين رأينا لهم قولاً، ولذلك رأوا أن هذه المقالة فضل حتى أن تاسطيوس ترك أكثرها فلم يحفل بها، بل إنما أدرك المحرك الأول بالإضافة إلى حركة مفروضة، وذلك أن الأول في المحركات يقال على نحوين: أحدهما البريئ من كل حركة جملة، وهذا المذكور في الثامنة، وهو الذي شعر به المفسرون.