الكتاب: المختصر في المنطق المؤلف: محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي، أبو عبد الله (المتوفى: 803هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] |
بسم الله الرحمن الرحيم (1/1)
صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كثيرا إلى يوم الدين.
قال الشيخ الفقيه العالم الصدر الشهير الخبر النبيل المتفنن الأصيل، نسيج وحده وفريد عصره، أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح المجاور المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن عرفة الورغمي نسبا إلى التونسي مولدا ومنشأ برد الله ضريحه واسكنه من أعلى الجنان فسيحه.
الحمد لله الذي لا مهدي إلا من هداه. ولا كائن إلا من قضاه. ونشهد أن لا اله إلا الله وإن كل كمال بالحقيقة له. وكل نقص ولو بالمجاز منفي عنه وان محمدا رسوله. المنحصر الأفضلية في شخصه المخصوص بجوامع الكلم ظاهر لفظه ونصه.
وبعد لما مزج اكثر متأخري علماء الأصليين بكلامهم كثيرا من القواعد المنطقية وفصولا من أحكامه التصورية والتصديقية حتى إن بعض من أدركناه من أشياخ الزمان كان يلمع ببعض ألفاظ مبادئ الفن في المسائل الفقهية فيما يدعيه ويفسره فيسكت بذلك عن مراجعته غير المشارك فيه سكوت الأخرس عما يتيقنه ويستبصره فأوجب ذلك المشاركة فيه علما وتعليما واتباع الحق فيه ردا وتسليما وربما كان يجري في الإلقاء لطلبة من تحقيق وتحصيل وتدقيق وتأصيل ما لا يجدونه مسطورا مقررا ولا منقولا ولا محررا.
فرأيت أن اجمع لهم قواعد الفن بوسط الاختصار مع زيادة عرية عن الإكثار منبها على ما قيل من مشهور رأى مضعف وبرهان مزيف. فالله أسال ان يجعل ذلك للنصيحة الدينية خالصا ولخير الدنيا والآخرة جالبا قانصا كاملا لا ناكصا ولا ناقصا.
العلم الذي هو مطلق الإدراك: تصور ان كان إدراكا لغير مطابقة النسبة الحكمية لما في نفس الأمر، وتصديق إن كان إدراكا لها. ويشمل التصديق علما واعتقادا وظنا ووهما وشكا لانا المطابقة اعم من كونها جزما لدليل أو دونه أو راجحة أو مرجوحة مساوية ومن ثم شمل تصديق الممكنة عامة وخاصة.
الفخز: التصديق تصور أمر مع الحكم عليه بإيجاب أو سلب. الأقدمون: هو نفس الحكم. والمشهور إن العلم أما تصور أو تصديق.
ورد على الثالث بعدم اندراجه وعلى الثاني بلزوم كون قسم الشيء قسيما له. وأجاب الأثير والسراج بان المقسم مطلق للإدراك والقسيم المقيد بعد الحكم. ورده ابن البديع بأنه إن أريد بالتصديق مجموع الإدراك والحكم لما يندرج لعدم صدق الجزء على الكل وان أريد به الإدراك المقيد بالحكم كان الحكم خارجا عن التصديق وهو نفسه أو جزءه وبأن العلم انفعال والحكم فعل.
قلت: إن أرادوا بالتصديق إدراك مطابقة النسبة الحكمية استقام التقسيم والجزء المعقول يصدق على الكل كالحيوان الناطق على الإنسان والممنوع المحسوس كالسقف أو الجدار على البيت فلعله من الأول. وليس كل منهما ضروريا لا يتوقف على نظر وهو استحضار ما يفيد إدراكه إدراك غيره فيدخل مفيد التصور ولو بالخاصة على المشهور.
وقول الفخر: ترتيب تصديقات يتوصل بها لعلم أو ظن لا ينعكس لخروج مفيد التصور ولا نظريا يتوقف عليه وإلا لما احتجنا التحصيل ولا قدرنا عليه فبعض كل منهما نظري يمكن تحصيله من بعضه الضروري.
وللفخر مذهب يأتي في المعرف.
ولما غلط الفكر كثيرا احتيج لقانون تعصم مراعاته الفكر من غلطه وهو المنطق. قيل: إن كان ضروريا فلا يتعلم وإن كان نظريا تسلسل.
قيل: منقسم يكتسب نظرية من ضرورية. قيل: إن كفي ضرورية فلا حاجة لنظرية وإلا تسلسل.
قلت: ضرورية كاف في بعض الطرق الموصل لباقيه لا في كلها ثم رأيته في بيان حق السراج. وجواب الخونجي والأثير بكفايته وان الإحاطة بكل الطرق أولى ضعيف لاقتضائه اولية تحصيله لا وجوبه. وجواب مطالع السراج بأن نظرية يكتسب من ضرورية بطريق بين حسن.
وموضوع كل علم ما يبحث فيه عن عارضة الذاتي وهو ما لحقه كذاته أو مساويا أو أعمها الذاتي لا عن عارضة الغريب، ما لحقه لاخصه أو أعمه العرضي.
فموضوع المنطق التصورات والتصديقات وفي كونها الثواني أي هي من حيث الحكم لبعضها على بعض تقييدا وخبريا موصلة لعلم مجهول نوعا توصلا قريبا أو من حيث مطلق توصيلها وان بعد قولا الاثير مع الفخر والشيخ والكاتبي مع السراج والخونجي محتجا لهما في التصور من حيث كونه جزئيا وكليا واحد الخمسة والتصديق من حيث كونه عدولا وتحصيلا وعكسا ونقيضا.