الكتاب: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
    المؤلف: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى: 1230هـ)
    الناشر: دار الفكر
    الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ
    عدد الأجزاء:4
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
    «الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير على مختصر خليل» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - «حاشية الدسوقي» عليه

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْإِقْرَارَاتِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ فَتَلْزَمُهُ.

(و) شَرْطُ (لُزُومِهِ) أَيْ عَقْدَ عَاقِدِهِ (تَكْلِيفٌ) وَرُشْدٌ وَطَوْعٌ فِي بَيْعِ مَتَاعِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي بَيْعِ مَتَاعِ غَيْرِهِ وَكَالَةٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ وَيَلْزَمُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ أَوَّلًا فِي الْبَيْعِ كَافٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ الثَّالِثِ.

قَوْلُهُ (لَا إنْ أُجْبِرَ) الْعَاقِدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَا عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ طَلَبُ مَالٍ ظُلْمًا، وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ (جَبْرًا حَرَامًا) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ (وَرُدَّ عَلَيْهِ) مَا جُبِرَ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا يُفِيتُهُ تَدَاوُلُ أَمْلَاكٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا إيلَادٍ (بِلَا ثَمَنٍ) هَذَا خَاصٌّ بِمَا إذَا أُجْبِرَ عَلَى سَبَبِهِ بِأَنْ أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ لِظَالِمٍ فَبَاعَ مَتَاعَهُ لِذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَقَطْ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَيَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ الَّذِي أَخَذَهُ إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى تَلَفِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ (وَمَضَى) بَيْعُ الْمَجْبُورِ (فِي جَبْرِ عَامِلٍ) جَبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى بَيْعِ مَا بِيَدِهِ لِيُوفِيَ مِنْ ثَمَنِهِ مَا ظَلَمَ فِيهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ جَبْرَهُ هَذَا حَقٌّ فَعَلَهُ السُّلْطَانُ فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِجَازِ لَكَانَ أَحْسَنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الدسوقي]
وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْإِقْرَارَاتِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ جَارٍ فِي الطَّافِحِ وَمَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الطَّافِحُ كَالْمَجْنُونِ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ أَصْلًا لَا جِنَايَاتٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ التَّمْيِيزِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إذَا كَانَ السَّكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَانَ السَّكْرَانُ عِنْدَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَتَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارُ وَالْعُقُودُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ اهـ فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي لَا فِي كِلَيْهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ نَحْوَهُ لِلْبَاجِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَلَى مَا فِي ح عَنْهُ اهـ بْن. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ أَلْ فِي الْعُقُودِ وَالْإِقْرَارَاتِ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ كَسَائِرِ عُقُودِهِ وَإِقْرَارَاتِهِ أَيْ مَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ وَعِتْقِهِ فَيَلْزَمُهُ

(قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ الثَّالِثِ) أَيْ وَهُوَ الطَّوْعُ أَيْ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ الثَّانِي وَهُوَ الرُّشْدُ فَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ أَيْ غَيْرِ رَشِيدٍ وَلَا يَضُرُّ بَعْدَ مَوْضِعِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ فَبَاعَ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا لِلْمَصْلَحَةِ وَهِيَ الرِّفْقُ بِالْمَسْجُونِ لِئَلَّا يَتَبَاعَدَ النَّاسُ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَهْلَكُ الْمَظْلُومُ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ كِنَانَةَ قَدْ اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ اللَّخْمِيُّ وَالسُّيُورِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ هِلَالٍ وَالْعُقْبَانِيُّ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِفَاسَ، كَذَا فِي بْن. وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ إذَا سَلَّفَهُ إنْسَانٌ دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَهُ إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْمَالَ عَنْهُ لِعَدَمِهِ، فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يَقُولَ لِلْحَمِيلِ: أَنْتَ ظَلَمْت وَمَالُك لَمْ تَدْفَعْهُ لِي بِخِلَافِ الْمُسَلِّفِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُسَلِّفِ كَالْحَمِيلِ عَلَى الْمُكْرَهِ بَلْ عَلَى الظَّالِمِ.
(قَوْلُهُ: جَبْرًا حَرَامًا) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ جَبْرًا حَلَالًا كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا كَجَبْرِهِ عَلَى بَيْعِ الدَّارِ لِتَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ أَوْ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ لِوَفَاءِ دَيْنٍ أَوْ لِنَفَقَةِ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ الْأَبَوَيْنِ وَمِنْ الْجَبْرِ الْحَلَالِ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَجْلِ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَاجِ الْحَقِّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَيُخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَأَخَذَ سِلْعَتَهُ الَّتِي أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا لِلْمُشْتَرِي وَأَمْضَى الْبَيْعَ، فَقَوْلُهُ: وَرُدَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَائِعِ أَيْ إنْ أَرَادَ الْبَائِعُ الرَّدَّ وَلَهُ أَنْ يَمْضِيَهُ (قَوْلُهُ: بِلَا ثَمَنٍ إلَخْ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الظَّالِمِ أَوْ وَكِيلِهِ بِالثَّمَنِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ مُكْرَهٌ أَمْ لَا تَوَلَّى الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ قَبْضَ الثَّمَنِ بِيَدِهِ أَوْ قَبَضَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: هَذَا خَاصٌّ إلَخْ) وَقَدْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ فِي أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يُرَدُّ الْمَبِيعُ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى سَبَبِ الْبَيْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ قِيلَ: إنَّهُ لَازِمٌ وَبِهِ الْعَمَلُ وَفِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَعَلَيْهِ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ فَهَلْ يُرَدُّ بِالثَّمَنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ لِسَحْنُونٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَضْغُوطَ إنْ كَانَ قَبَضَ الثَّمَنَ رَدَّ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَا يَغْرَمُهُ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ وَيُرَدُّ الْمَبِيعُ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ قَوْلًا وَاحِدًا.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِبَيِّنَةِ) تَشْهَدُ بِتَلَفِهِ مِنْ الْبَائِعِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ وَهُوَ قَوْلٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ كَالْمُودِعِ (قَوْلُهُ: فِي جَبْرِ عَامِلٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَلْتَزِمُ بِالْبَلَدِ أَوْ الْإِقْلِيمِ وَيَظْلِمُ النَّاسَ، وَكَذَا كُلُّ حَاكِمٍ ظَلَمَ فِي حُكْمِهِ كَقَائِمٍ مَقَامَ الَّذِي يَنْزِلُ الْبَلَدَ مِنْ طَرَفِ الْمُلْتَزَمِ (قَوْلُهُ: لَكَانَ أَحْسَنُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَضَى يُوهِمُ أَنَّ جَبْرَ -

(3/6)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث