الكتاب: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني
    المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126هـ)
    الناشر: دار الفكر
    الطبعة: بدون طبعة
    تاريخ النشر: 1415هـ - 1995م
    عدد الأجزاء: 2
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
    «رِسَالَة ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ» بأعلى الصفحة يليها - مفصولا بفاصل - شرحها «الفواكه الدواني» للنفراوي

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الفواكه الدواني]
[بَاب الْأَذَان وَالْإِقَامَة]
(بَابٌ فِي) حُكْمِ صِفَةِ (الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) وَحَقِيقَةُ الْأَذَانِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَيُرَادِفُهُ الْأَذِينُ وَالتَّأْذِينُ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ بِأَيِّ شَيْءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ إعْلَامٌ. {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ أَعْلِمْ وَشَرْعًا الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ حَامِلٌ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَوَ لَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، فَقَالَ تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِر الْأَذَانِ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا رَأَيْت فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْك صَوْتًا، فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلَتْ أُلْقِي عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ قَائِلًا: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» وَيُرْوَى أَنَّهُ تَابَعَ عُمَرَ فِي الرُّؤْيَا مِنْ الصَّحَابَةِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ مُسْتَنَدُ الْأَذَانِ الرُّؤْيَا وَإِنَّمَا وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ فَالْحُكْمُ ثَبَتَ بِهِ لَا بِهَا، فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَكْمَلَ لَهُ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» وَأَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَى مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ مِنْ اهْتِمَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَجْمَعُ بِهِ النَّاسَ إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ لَهُ: تَنْصِبُ رَايَةً فَإِذَا رَأَوْهَا أَعْلَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ فَذَكَرُوا لَهُ الْبُوقَ فَلَمْ يُعْجِبْهُ وَقَالَ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ، فَذَكَرُوا لَهُ النَّاقُوسَ فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فَإِنَّ الِاهْتِمَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، إذْ لَوْ عَلِمَهُ فِي السَّمَاءِ لَأَمَرَ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ أَجَابَ بَعْضٌ: بِأَنَّ اجْتِهَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حُكْمِهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ إشْكَالٌ، إذْ كَيْفَ يَجْتَهِدُ فِيمَا يَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَيُمْكِنُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى صِفَةِ الْإِتْيَانِ بِهِ أَوْ مَحَلِّهِ أَوْ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرَ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ؟ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ فَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، فَمِمَّا وَرَدَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ» وَلَهُ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: الْإِعْلَانُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُوجِبُ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ وَيُؤْنِسُ الْجِيرَانَ وَيُسْتَجَابُ عِنْدَهُ الدُّعَاءُ، وَذَكَرَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى أَنَّ الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ.
1 -
وَحَقِيقَةُ الْإِقَامَةِ شَرْعًا هِيَ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ تُذْكَرُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسَتَأْتِي أَلْفَاظُهَا، وَقَوْلُنَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُفْرَدَةَ الْأَلْفَاظِ سِوَى التَّكْبِيرِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي أَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى الْأَذَانِ، فَمِنْ الشُّيُوخِ مَنْ فَضَلَّهَا لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ وَبُطْلَانِهَا عَلَى قَوْلٍ بِتَرْكِهَا عَمْدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْأَذَانَ لِوُجُوبِهِ فِي الْمِصْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ، وَفَضَّلَ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْإِمَامَةَ عَلَيْهِمَا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَاظَبُوا عَلَى الْإِمَامَةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَركُمْ» وَجَرَى خِلَافٌ أَيْضًا فِي أَذَانِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي سَفَرِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،

(1/171)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث