الكتاب: أرشيف منتدى الألوكة - 2
    تم تحميله في: المحرم 1432 هـ = ديسمبر 2010 م
    هذا الجزء يضم: مجلس العقيدة والقضايا الفكرية المعاصرة
    ملاحظة: [تجد رابط الموضوع الذي تتصفحه، أسفل يسار شاشة عرض الكتاب، إذا ضغطت على الرابط ينقلك للموضوع على الإنترنت لتطالع ما قد يكون جد فيه من مشاركات بعد تاريخ تحميل الأرشيف .. ويمكنك إضافة ما تختاره منها لخانة التعليق في هذا الكتاب الإلكتروني إن أردت]
    رابط الموقع: http://majles.alukah.net

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

وظل الشاطبي يلح ويؤكد دائماً على أن العقل تابع للنقل بعكس ما يريد العلمانيون، أو بعكس ما يتجاهلون فيقول: "" إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل "" (130). "" والعقل إنما ينظر من وراء الشرع "" (131) ويقول في الاعتصام: "" فالعقل غير مستقلٍ ألبتة، ولا ينبني على غير أصل، وإنما ينبني على أصل متقدم مسلم على الإطلاق … ولا أصل مسلم إلا من طريق الوحي "" (132) "" لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة "" (133). ويضيف الشاطبي "" وإذا ثبت هذا وأن الأمر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأن ليس للعقل في هذا الميدان مجال إلا من تحت نظر الهوى فهو إذاً اتباع للهوى بعينه في تشريع الاحكام "" (134).

3 – الشاطبي والأزمة البيانية:
هل كان الشاطبي يشعر بأزمة بيانية أصولية تتمثل في الإشكالية التي صاغها الجابري بين اللفظ والمعنى؟ بمعنى آخر: هل تجاوز دلالات الألفاظ العربية بناء على نظريته في المقاصد؟ أو بعبارة أخرى: كيف يمكن الوصول إلى المقاصد عند الشاطبي؟ وكيف تتم معرفتها؟ أبنفس طريقة الأصوليين البيانية أم أن له منهجاً مختلفاً؟
يجيب الشاطبي نفسه فيقول:
"" إن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية ... والمقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة لأن الله تعالى ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ?يقول (136) ... فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يُفهم? بلسان عربي مبين ? (135) وقال ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة "" (137). إن مقارنة هذا النص مع أطروحة الجابري تبين أنه ينقضها تماماً!!.
ثم ينقل – الشاطبي - الأصول التي قررها شيخه الشافعي في الرسالة فيقول: فإن العرب "" فيما فُطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يُراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يُعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره. وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل ذلك معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها، فإذا كان ذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب، فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة لسان العجم لاختلاف الأوضاع والأساليب. والذي نبه على هذا المأخذ في المسألة هو الشافعي الإمام "" (138).
وهو يعيد التأكيد على احترام والتزام قواعد اللغة العربية في فهم مقاصد الشارع "" لأن لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشرع "" (139).
ومن هنا فإن الشريعة "" لا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم، لأنهما سيان في النمط ... فإذا فرضنا مبتدئاً في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطاً فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم "" (140). "" فعلى الناظر في الشريعة والمتكلم فيها أصولاً وفروعاً ... أن لا يتكلم بشيء من ذلك حتى يكون عربياً أو كالعربي "" (141).
بل إن الشاطبي خلافاً لجمهور الأصوليين يتشدد في هذه المسألة على عكس التوظيف الجابري فيرى أن المجتهد في الشريعة يجب عليه "" أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها كالخليل وسيبويه والأخفش والجرمي والمازني ومن سواهم "" (142).
ويقول في نص كأنه يخاطب فيه الجابري وغيره من العلمانيين بأن على الناظر في القرآن أن يسلك في "" الاستباط منه والاستدلال به مسلك كلام العرب في تقرير معانيها، ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة، فإن كثيراً من الناس يأخذون أدلة القرآن بحسب ما يعطيه العقل فيها، لا بحسب ما يفهم من طريق الوضع، وفي ذلك فساد كبير، وخروج عن مقصود الشارع "" (143). نعم إن طريقة الجابري وغيره في تحييد العربية تؤدي إلى فساد كبير وإن نظام الخطاب الإلهي هو الموجِّه لنظام العقل البشري إذا أراد أن يسلم من الأهواء.
إذن لم يخرج الشاطبي عن النظام الأصولي البياني ما دام يعتبر العربية هي الأساس الأول في معرفة المقاصد، وما دام الجابري يعتبر علم الأصول البياني قائماً على العربية ونظام الخطاب، وليس على نظام العقل، "" كيف نفهم الخطاب، وليس كيف نفكر ""!!
فالشاطبي يقتدي بشيخه الشافعي حين قال: "" القرآن نزل بلغة العرب ولسانهم، وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره، لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب، وكثرة وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبهة التي دخلت على من جهل لسانها "" (144). وحين قال: "" إن الله سبحانه وتعالى إنما خاطب بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها،وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاماً ظاهراً يُراد به العام الظاهر، ويستغني بأول هذا منه عن آخره، وعاماً ظاهراً يراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعاماً ظاهراً يراد به الخاص، وظاهراً يُعرف في سياقه أن يراد به غير ظاهره، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره "" (145).
ويقتدي بشيخه الرازي أيضاً حين قال: "" لما كان المرجع في معرفة شرعنا القرآن والأخبار وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم، كان العلم بشرعنا موقوفاً على العلم بهذه الأمور، وما لا يتم الواجب المطلق إلا به وكان مقدوراً للمكلف فهو واجب "" (146).

(يُتْبَعُ)

(/)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث