الكتاب: المبسوط
    المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483هـ)
    الناشر: دار المعرفة - بيروت
    الطبعة: بدون طبعة
    تاريخ النشر: 1414هـ - 1993م
    عدد الأجزاء: 30
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

وَكَذَلِكَ لَوْ احْتَقَنَ صَبِيٌّ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ اللَّبَنُ إلَى أَحَدِ الْجَوْفَيْنِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الصَّوْمَ يَفْسُدُ بِهَذَا، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ: مَعْنَى إنْبَاتِ اللَّحْمِ إنَّمَا يَصِلُ بِمَا يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَعْلَى لَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَسْفَلِ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ ذُكِرَ مَا إذَا جُعِلَ لَبَنُ امْرَأَةٍ فِي دَوَاءٍ أَوْ طَعَامٍ وَمَا يَكُونُ مِنْ الْإِرْضَاعِ بَعْدَ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ

وَلَوْ أَنَّ صَبِيَّيْنِ شَرِبَا مِنْ لَبَنِ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ، وَكَمَا لَا يَتَحَقَّقُ النَّسَبُ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ فَكَذَلِكَ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِشُرْبِ لَبَنِ الْبَهَائِمِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ صَاحِبُ التَّارِيخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ سَبَبَ إخْرَاجِهِ مِنْ بُخَارَى، فَإِنَّهُ قَدِمَ بُخَارَى فِي زَمَنِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَعَلَ يُفْتِي فَنَهَاهُ أَبُو حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ لَسْت بِأَهْلٍ لَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ حَتَّى سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِالْحُرْمَةِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَأَخْرَجُوهُ

(قَالَ: وَالرَّضَاعُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى قِيَاسِ النَّسَبِ، فَإِنَّ الْأَنْسَابَ تَثْبُتُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الرَّضَاعِ)

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ صَبِيَّةً فَأَرْضَعَتْ الصَّبِيَّةَ أُمُّ الرَّجُلِ مِنْ النَّسَبِ أَوْ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُخْتَهُ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامٍ أَرْبَعَةٍ: حُكْمِ الْحُرْمَةِ وَحُكْمِ وُجُوبِ الصَّدَاقِ وَثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ، وَحُرْمَةِ التَّزَوُّجِ، أَمَّا حُرْمَةُ الْفُرْقَةِ فَنَقُولُ: وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِسَبَبِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَ الزَّوْجِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ لَهُ أُخْتِيَّتُهُ يَغْرَمُ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاق "؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا إنْ كَانَتْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ الْفَسَادَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي تَقْرِيرِ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَيْهِ وَكَانَ بِعَرْضِ السُّقُوطِ فَكَأَنَّهَا أَلْزَمَتْهُ ذَلِكَ وَمُجَرَّدُ التَّسَبُّبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، كَمَا قَالَ فِيمَنْ فَتَحَ بَابَ الْقَفَصِ فَطَارَ الطَّيْرُ، وَعِنْدَنَا التَّسَبُّبُ إنَّمَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إذَا كَانَ الْمُسَبِّبُ مُتَعَدِّيًا فِي التَّسَبُّبِ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةٌ مِنْ مُخْتَارٍ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَهُنَا إذَا تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ فَهِيَ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ فِي التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُخَافُ الْهَلَاكُ عَلَى الرَّضِيعِ فَإِرْضَاعُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ أَوْ مَأْمُورٌ فَلَا يَكُونُ تَعَدِّيًا، وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ تَعَمُّدِهَا الْفَسَادَ إلَّا بِالرُّجُوعِ إلَيْهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ فِي بَاطِنِ الْمَرْءِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ

(30/297)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث