الكتاب: المبسوط
    المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483هـ)
    الناشر: دار المعرفة - بيروت
    الطبعة: بدون طبعة
    تاريخ النشر: 1414هـ - 1993م
    عدد الأجزاء: 30
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ إذَا أَكْذَبَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ هُنَا فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ، فَلِهَذَا جَازَ قَبُولُ خَبَرِهَا فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ]
(قَالَ:) بَلَغْنَا «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَحَلَّ الْمُتْعَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الدَّهْرِ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ فِيهَا الْعُزُوبَةُ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا»، وَتَفْسِيرُ الْمُتْعَةِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: أَتَمَتَّعُ بِكَ كَذَا مِنْ الْمُدَّةِ بِكَذَا مِنْ الْبَدَلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَنَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24] وَلِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ يَبْقَى حَتَّى يَظْهَرَ نَسْخُهُ وَلَكِنْ قَدْ ثَبَتَ نَسْخُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى يَوْمَ خَيْبَرَ أَلَّا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ» وَمِنْهُ حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «أَحَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتْعَةَ عَامَ الْفَتْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَجِئْتُ مَعَ عَمٍّ لِي إلَى بَابِ امْرَأَةٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بُرْدَةٌ وَكَانَ بُرْدَةُ عَمِّي أَحْسَنَ مِنْ بُرْدَتِي فَخَرَجَتْ امْرَأَةٌ كَأَنَّهَا دُمْيَةٌ عَيْطَاءُ فَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَى شَبَابِي وَإِلَى بُرْدَتِهِ، وَقَالَتْ هَلَّا بُرْدَةٌ كَبُرْدَةِ هَذَا أَوْ شَبَابٌ كَشَبَابِ هَذَا ثُمَّ آثَرَتْ شَبَابِي عَلَى بُرْدَتِهِ فَبِتُّ عِنْدَهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ إذَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِي أَلَّا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى - وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ الْمُتْعَةِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْهَا» ثُمَّ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الْمُتْعَةِ قَطُّ إنَّمَا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ مُؤَقَّتَةً بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى دَلِيلِ النَّسْخِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ نَسَخَتْهَا آيَةُ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ لَوْ كُنْت تَقَدَّمْت فِي الْمُتْعَةِ لَرَجَمْت، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ الدُّنْيَا حَتَّى رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي الصَّرْفِ وَالْمُتْعَةِ فَثَبَتَ النَّسْخُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمَّا سُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلَتْ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] الْآيَةَ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ، وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ لَهُ، وَبَيَانُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَاسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:

(5/152)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث