الكتاب: المغني لابن قدامة
    المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)
    الناشر: مكتبة القاهرة
    الطبعة: بدون طبعة
    عدد الأجزاء: 10
    تاريخ النشر: 1388هـ - 1968م
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

[مُقَدِّمَة الْكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، قُدْوَةُ الْأَنَامِ، مَجْمُوعُ الْفَضَائِلِ، مُوَفَّقُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيُّ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَارِئِ الْبَرِيَّاتِ، وَغَافِرِ الْخَطِيَّاتِ، وَعَالِمِ الْخَفِيَّاتِ، الْمُطَّلِعِ عَلَى الضَّمَائِرِ وَالنِّيَّاتِ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَحِلْمًا، وَقَهَرَ كُلَّ مَخْلُوقٍ عِزَّةً وَحُكْمًا {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] ، لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ، وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَعْصَارُ، وَلَا تَتَوَهَّمُهُ الْأَفْكَارُ، {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] ، أَتْقَنَ مَا صَنَعَ وَأَحْكَمَهُ، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ وَعَلِمَهُ، وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ وَعَلَّمَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَ الْعِلْمِ وَعَظَّمَهُ، وَحَظَرَهُ عَلَى مَنْ اسْتَرْذَلَهُ وَحَرَّمَهُ، وَخَصَّ بِهِ مَنْ خَلَقَهُ مِنْ كَرَمِهِ، وَحَضَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى النَّفِيرِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، فَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] ، نَدَبَهُمْ إلَى إنْذَارِ بَرِيَّتِهِ، كَمَا نَدَبَ إلَى ذَلِكَ أَهْلَ رِسَالَتِهِ، وَمَنَحَهُمْ مِيرَاثَ أَهْلِ نُبُوَّتِهِ، وَرَضِيَهُمْ لِلْقِيَامِ بِحُجَّتِهِ، وَالنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي الْإِخْبَارِ بِشَرِيعَتِهِ، وَاخْتَصَّهُمْ مِنْ بَيْنِ عِبَادِهِ بِخَشْيَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ، ثُمَّ أَمَرَ سَائِرَ النَّاسِ بِسُؤَالِهِمْ، وَالرُّجُوعِ إلَى أَقْوَالِهِمْ، وَجَعَلَ عَلَامَةَ زَيْغِهِمْ وَضَلَالِهِمْ ذَهَابَ عُلَمَائِهِمْ، وَاِتِّخَاذَ الرُّءُوسِ مِنْ جُهَّالِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا مِنْ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَسَيِّدِ الْأَصْفِيَاءِ، وَإِمَامِ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْرَمِ مَنْ مَشَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، الدَّاعِي إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ، وَالْكَاشِفِ بِرِسَالَتِهِ جَلَابِيبَ الْغُمَّةِ، وَخَيْرِ نَبِيٍّ بُعِثَ إلَى خَيْرِ أُمَّةٍ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46] ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَطَوْلِهِ، وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ، ضَمِنَ بَقَاءَ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَجَعَلَ السَّبَبَ فِي بَقَائِهِمْ بَقَاءَ عُلَمَائِهِمْ، وَاقْتِدَاءَهُمْ

(1/3)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث