الكتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف المؤلف: علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي (المتوفى: 885هـ) الناشر: دار إحياء التراث العربي الطبعة: الثانية - بدون تاريخ عدد الأجزاء: 12 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
[المقدمة] (1/3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، الْمَنْعُوتِ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ، الْمُنْفَرِدِ بِالْإِنْعَامِ وَالْإِفْضَالِ، وَالْعَطَاءِ وَالنَّوَالِ، الْمُحْسِنِ الْمُجْمِلِ عَلَى مَمَرِّ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي. أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا تَغَيُّرَ لَهُ وَلَا زَوَالَ. وَأَشْكُرُهُ شُكْرًا لَا تَحَوُّلَ لَهُ وَلَا انْفِصَالَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا مِثْلَ وَلَا مِثَالَ، شَهَادَةً أَدَّخِرُهَا لِيَوْمٍ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، وَأَسَدِّ الْأَفْعَالِ، الْمُحَكِّمُ لِلْأَحْكَامِ، وَالْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَخَيْرِ آلٍ، صَلَاةً دَائِمَةً بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ كِتَابَ " الْمُقْنِعِ " فِي الْفِقْهِ تَأْلِيفُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُوَفَّقِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُتُبِ نَفْعًا، وَأَكْثَرِهَا جَمْعًا، وَأَوْضَحِهَا إشَارَةً، وَأَسْلَسِهَا عِبَارَةً، وَأَوْسَطِهَا حَجْمًا، وَأَغْزَرِهَا عِلْمًا، وَأَحْسَنِهَا تَفْصِيلًا وَتَفْرِيعًا، وَأَجْمَعِهَا تَقْسِيمًا وَتَنْوِيعًا، وَأَكْمَلِهَا تَرْتِيبًا، وَأَلْطَفِهَا تَبْوِيبًا. قَدْ حَوَى غَالِبَ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ، فَمَنْ حَصَّلَهَا فَقَدْ ظَفِرَ بِالْكَنْزِ وَالْمَطْلَبِ. فَهُوَ كَمَا قَالَ مُصَنِّفُهُ فِيهِ " جَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ " وَلَقَدْ صَدَقَ وَبَرَّ وَنَصَحَ. فَهُوَ الْحَبْرُ الْإِمَامُ. فَإِنَّ مَنْ نَظَرَ فِيهِ بِعَيْنِ التَّحْقِيقِ وَالْإِنْصَافِ، وَجَدَ مَا قَالَ حَقًّا وَافِيًا بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، إلَّا أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَطْلَقَ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ الْخِلَافَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. فَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ الضَّعِيفُ مِنْ الصَّحِيحِ. فَأَحْبَبْت إنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أُبَيِّنَ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورَ، وَالْمَعْمُولَ عَلَيْهِ وَالْمَنْصُورَ، وَمَا اعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَذَهَبُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ.