الكتاب: فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك المؤلف: محمد بن أحمد بن محمد عليش، أبو عبد الله المالكي (المتوفى: 1299هـ) الناشر: دار المعرفة الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ عدد الأجزاء: 2 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] |
[مُقَدِّمَة الْكتاب] (1/5)
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِتَبْيِينِ الْأَحْكَامِ لِلسَّائِلِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ الْقَائِلِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَجَمِيعِ التَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ الرَّاجِي شَفَاعَةَ جَدِّهِ سَيِّدِ قُرَيْشٍ مُفْتِي السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ بِمَحْرُوسَةِ مِصْرَ الْمُعِزِّيَّةِ مُحَمَّدُ عُلَيْشٍ - عَامَلَهُ اللَّهُ بِجَزِيلِ إكْرَامِهِ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِ سِجَالَ فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ -: إنَّ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ الْعَاقِلُ اللَّبِيبُ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَامِلُ الْأَرِيبُ التَّفَقُّهُ فِي دِينِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَبْيِينِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْفَتْوَى مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ، وَمِنْ أَهَمِّ مَا يُعْتَنَى وَأَجَلِّ مَا يُقْتَنَى لِنَوْعِ بَنِي الْإِنْسَانِ قَيَّدْتُ مَا وَقَعَ لِي مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَجَمَعْتُهَا وَرَتَّبْتُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْفِقْهِ بَعْدَ أَنْ هَذَّبْتُهَا وَنَقَّحْتُهَا، وَسَمَّيْتُهَا ب (فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ فِي الْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ) رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - التَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ، سَائِلًا مِنْهُ تَعَالَى أَنْ يُثِيبَنَا دَارَ الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهَا الطُّلَّابَ وَيَجْعَلَهَا عُمْدَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ إنَّهُ وَلِيُّ الْإِجَابَةِ وَإِلَيْهِ الْإِنَابَةُ.
[مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ]
[الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ]
مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْإِيمَانُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْقَدَرِيَّةَ يَحْتَجُّونَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِآدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْتَ الَّذِي كُنْتَ سَبَبًا فِي خُرُوجِنَا مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ آدَم ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَسَكَتَ مُوسَى، وَقَالَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَجَّ آدَم مُوسَى» وَأَيْضًا حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْعَارِفِينَ وَعَظَ الشَّرَفَ الْمُنَاوِيَّ حَتَّى أَبْكَاهُ فَأَنْشَأَ الشَّرَفُ يَقُولُ:
يَا ذَا الَّذِي آنَسَنِي وَعْظُهُ ... أَنَسِيتَ مَا قُدِّرَ فِي الْمَاضِي
إنَّ الَّذِي سَاقَكَ لِي وَاعِظًا ... هُوَ الَّذِي صَيَّرَنِي عَاصِي
وَاَللَّهِ مَا قَصْدِي سِوَى قُرْبِهِ ... فَاخْتَارَ أَنْ يَعْكِسَ أَغْرَاضِي
وَمَا نُسِبَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: اللَّهُمَّ لَمْ آتِ الذُّنُوبَ جُرْأَةً عَلَيْكَ وَلَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّكَ وَلَكِنْ جَرَى بِذَلِكَ قَلَمُكَ وَنَفَذَ بِهِ حُكْمُكَ وَالْمَعْذِرَةُ إلَيْكَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحُرَيْثِيُّ: مَنْ نَظَرَ إلَى الْخَلْقِ بِعَيْنِ الشَّرِيعَةِ مَقَتَهُمْ وَمَنْ نَظَرَ لَهُمْ بِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ عَذَرَهُمْ، فَهَذِهِ كُلُّهَا تُوهِمُ الِاحْتِجَاجَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَمَا الْجَوَابُ؟