الكتاب: حقوق الإنسان في الإسلام
    المؤلف: عبد الفتاح بن سليمان عشماوي
    الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ورقم الجزء هو رقم العدد من المجلة]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

مدخل
...
حقوق الإنسان في الإسلام
الحلقة الأولى:
لفضيلة الشيخ/عبد الفتاح عشماوي المدرس بكلية الحديث الشريف
بما يلي نقدم أوَلا:
سبحان من لا أحد أصدق منه قيلا، ومن قوله عن الإنسان الذي خلقه: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} ، فالموجد يعرف سر ما أوجده {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .
فقد راح هذا الإنسان يضع لنفسه حقوقا، فجعلها على نفسه حتوفا.
راح يضعها وكأنه وضع لنفسه شيئا عجز خالقه عن أن يصنعه له.
فعل ذلك وكأنه راحم لنفسه أكثر من الذي كتب على نفسه الرحمة، سبحانه.
فعل ذلك وهو الضعيف المصنوع، وكأنه ينبئ صانعه بما لم يعلمه عنه {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأََرْضِ} .
ذهب هذا الإنسان ينشئ لنفسه ما سماه (حقوق الإنسان) ، لا لشيء إلا أنه مع ربه كثير الجدل طويل اللسان، {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} .
وكأن القرآن العظيم والسنة السنية التي شرحته، وقد وسعا شؤون الدنيا والآخرة لم يسعا حقوقه.
وأخذ هذا القاصر (حقوقه) وقدمها إلى (هيئة الأمم المتحدة) لتقوم على هذه الحقوق وتؤديها له كاملة غير منقوصة.
فإذا بالإنسان قد استبان له بعد أن أفاق من غشيته أن هيئة الأمم المتحدة التي ائتمنها على حقوقه هي (هيئة أمم مختلفة) ، لم تتحد يوما داخل مبناها، ولم يفد وجودها شيئا لنفسها، فهل تقيم حقوقا لكل إنسان في كل أرجاء الأرض؟ هي ومجلس أمنها المعروف؟!
إن الأرض ما ضجت بكل أصقاعها إلا من اعتداء الظلمة الجبارين والذين أوتوا من زينة الدنيا ما تربعوا به في مجلس (أمنها) فحولوه إلى مجلس (خوفها) والمسمون بالأعضاء الدائمين الناقضين لكل قرار لا يتفق وهواهم، لأن لهم من دون الدنيا حق نقض القرارات (الفيتو) ، ولو هلك بهذا الفيتو المفتئت كل عداهم، بعد أن وضعوا حقوق الإنسان التي ائتمنوا عليها تحت نعال أحذيتهم أثناء جلوسهم في مجلس (الأمن) .
فمتى أخافت هيئة الأمم ومجلس أمنها معتديا وردته عن عدوانه وطغيانه؟. إن الصراع الإنساني، والتوحش البشري، والنزيف الدموي، والضواري التي افترست صغار غابتها، والشعوب التي محيت بأكملها،

(45/187)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث