الكتاب: تاريخ المستبصر
    المؤلف: جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب ابن محمد المعروف بابن المجاور الشيباني الدمشقي (المتوفى: 690هـ)
    [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

حدّثني رجل من أهلها في دار الإمارة بمكة سنة إحدى وعشرين وستمائة قال: إنّ هذه الأراضي والجبال والشعاب مواضع كانت مساكن قوم شداد بن عاد في فصل الربيع يتنزهون بهذه الأمكنة وقد بنوا على رؤوس الجبال وفي بطون الأودية دكاك ومصاطب من الحجر والجص وكانوا يقيمون بها أيام الربيع ويتفرجون. وقال آخر إنّما بنيت هذه الدكاك والمصاطب في هذه المواضع إلاّ لمّا سلط الله عليهم الذر وهو النمل، فكان القوم يجدون لذلك ألما شديدا. وحينئذ هجروا البلاد وخرجوا بأهلهم وسكنوا الجبال والشعاب والأودية وبنوا الدكاك متفرقة في بطون الأودية ورؤوس الجبال. فلما كثر عليهم الذر أشعلوا النيران حول الدكاك لئلا يصعد إليهم الذر، كما قال الله تعالى (فأرسلنا عليهمُ الطوفانَ والجرادَ والقملَ والضفادعَ والدم) تمام الآية. وإلى الآن الدكاك على حولها مع طول الزمان ومواضع النيران على حالها.
رسوم الدار باقية على خراب ... ويجول بأكتافها كل لاهج
من سين ست ذي إعساري ... ومن 000 حناء ذا مخارج
رحلوا الأحباب وخلفوني ... بليل شبه شاة عند ذابح
أمسى الزمان بدار قوم ... إذا رحلوا الأحباب عنها مصباح
وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في المعنى:
نسائلها أي المواطن حلت ... وأي ديار أوطانتها وأنت
وماذا عليها لو أشارت فودعت ... إلينا بأطراف البنان وأومت
وما كان إلاّ أن توليتها النوى ... فولى عزاء القلب لمّا تولت
وأما عيون العاشقين فأسخنت ... وأما عيون الشامتين فقرت
ولمّا دعاني البين وليت إذ دعا ... ولمّا دعاها قد أطاعت ولبت
فلم أر مثلي كان أوعى لذمة ... ولا مثلها لم ترع عهدي وذمتي
وحدّ الدكاك من أعمال حضرموت إلى آخر معاملة عمان مع التهائم ونجدها. إلى جيروت أربعة فراسخ. وإلى التهودى أربعة فراسخ. وإلى الشعب سبعة فراسخ، معدن شجر البان. وإلى حلوف خمسة فراسخ. وإلى الغيل ثمانية فراسخ. وإلى، ثلاثة أعين يخرجوا من شعب جبل ويسمى جبل الأسفل وهي عقبة. وإلى ظفار أربعة فراسخ. وكل هذه المواضع ثرار وشعاب ذات مياه ليس عليها عمارة إلاّ بعض السيء والله اعلم واحكم.
ذكر خراب ظفار
خرب أحمد بن عبد الله بن مزروع الحيوضي ظفار سنة ثمان عشرة وستمائة خوفا من الملك المسعود أبي المظفر يوسف بن محمّد بن أبي بكر بن أيوب وبنى المنصورة وسماها القاهرة وسكنت سنة عشرين وستمائة والاسم المعروفة به ظفار وهي على ساحل البحر. وقد أدير عليها سور من الحجر والجص ويقال من اللبن والجص ورتب عليه أربعة أبواب: باب البحر ينفذ إلى البحر ويسمى باب الساحل، وبابين مما يلي البر وهما على الاسم لأبواب ظفار المهدمة أحدهما مشرق يسمى باب حقة ينفذ إلى عين فرض، والثاني مما يلي المغرب ويسمى باب الحرجاء ينفذ إلى الحرجاء والحرجاء مدينة لطيفة وضعت على ساحل البحر بالقرب من البلد. وما بنى المنصورة إلاّ لإحكام البلاد خوفا على العباد. فلما بنى المنصورة ولم يأبه إليه الملك ولا عاتبه فيما صنع، وكان أمر الله قدرا مقدورا.
ذكر مدن هدمت خوف الأعادي ولم يصلها العدو

(1/96)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث