الكتاب: مصرع التصوف وهو كتابان: تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد
    المؤلف: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى: 885هـ)
    المحقق: عبدالرحمن الوكيل
    الناشر: عباس أحمد الباز - مكة المكرمة
    عدد الأجزاء: 1
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

المجلد الأول
مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق, ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد خاتم النبيين، وسيد ولد أدم أجمعين، وبعد: فإنه كانت لي بالتصوف صلة، هي صلة العبرة بالمأساة، فهنالك حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية، وتستقبل النفس كل صروف الأقدار بالفرحة الطروب، وتستنشي الروح ريا الجمال والحب من كل معاني الحياة, هنالك تحت شفوف الأسحار الوردية من ليالي القرية الوادعة الحالمة، وفي هيكل عبق بغيوم البخور، جثم على صدره ضم صغير يعبده كثير من شيوخ القرية، هنالك في مطاف هذه الذكريات الولهى: كان يجلس الصبي بين شيوخ تغضنت منهم الجباه، وتهدلت الجفون، ومشي الهرم في أيديهم خفقات حزينة راعشة، وفي أجسادهم الهضيمة نحولا ذابلا، يتراءون تحت وصوصة السراج الخافت أوهام رجاء ضيعته الخيبة, وبقايا آمال عصف بها اليأس.
وتتهدج ترانيم الشيوخ تحت السحر -نواحا بينها صوت الصبي- بالتراتيل الوثنية، وما زال الصبي يذكر أن صلوات ابن بشيش, ومنظومة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ، وما زال يذكر أن أصوات الشيوخ كانت تشرق بالدموع، وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: "اللهم انشلني من أوحال التوحيد!! " ومن الثانية: "وجد لي بجمع الجمع منك تفضلا" يا للصبي الغرير التعس المسكين!! فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتا وصفة!! ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله!! ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه!!

(1/3)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث