الكتاب: نور الطرف ونور الظرف
    المؤلف: إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري، أبو إسحاق الحصري (المتوفى: 453هـ)
    [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الثقة الحمد لله الذي لا فضل إلا منه، ولا طول إلا من لدنه، وصلى الله على كاشف الغمة عن الأمة، نبي الرحمة، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
وصل الله بسيدي (الجليل) جناح الصنع الجميل، وواصل لديه السول، وأوصل إليه المأمول، وعمر بحبه ربوع أنسي، وأمطر بقربه ربيع نفسي، وأراه بناظر فهمه في مرآة علمه الصقيلة الساحة والأرجاء، الصافية من دنس الأقذاء، أن ما أبديه وأظهره، غير ما أطويه وأضمره، من ناطق الود، عن صادق العهد، وخالص الحب، عن مخلص القلب، كالنقطة في البحر، والذرة في القفر. (شعر) :

يا من عقدتُ بحبِّهِ ... دونَ الورى حبلَ اعتلاقي
فأخذتُ منه بموثقِ الأك? ... ?راب مشدود العراقي
لم يرقْ جارُ أبي دؤا ... دٍ معقلاً، أنا منكَ راقِ
أجني بهِ ثمرَ المنى ... غضَّ الجنى عذب المذاقِ
في حين أمَّنني الرَّدى ... ووقى من الحدثانِ واقِ
قيَّدتَ مطلقَ همَّتي ... وملكتَ لي رقَّ اشتياقي
فالقلبُ موقوفٌ عليكَ ... الدَّهرَ وهو إليكَ تاقِ
وافى كتابكَ مشرقاً ... بحلى معانيهِ الدِّقاقِ
وأنا في الجّوابِ مقصرٌ ... عن رومِ أسباب اللِّحاقِ
ولو أنَّ مطبوعَ الحجازِ ... يمدُّ مصنوع العراق
وملكت ذاكَ فسقتُهُ بقريحتي خيرَ المساقِ
لسعيتُ مرخى الذيلِ بالتقص? ... ?ير محلولَ النطاقِ
لا أستقلُّ مشمراً ... أجري إلى قصبِ السباقِ
ليس الرقيقُ من الرَّكيك ... ولا الزُّلالُ من الزُّعاقِ
أنا لا أزال أطال الله بقاءك، وأدام نعماءك أطأ بساط كرمك، وأطالع من بسيط نعمك، ما أقابل به كريم عهدك، وأقبل عليه من صميم ودك، وأقابل معه من عظيم مجدك، وأجتلي فيه من زهر أنعامك واقتفائك، وأجتني له من ثمر إكرامك واحتفائك، ما أقول إذا غمر صدري، وبهر فكري: اللهم نصراً، على ما لا أطيق له شكراً، من فضل ينتظم بأخيه، ويلتئم مع ما يليه، مما يكثر أعداد تواليه، ويقل اعتداد مواليه، وهو بخنصر الفخر محسوب (و) في صفحة الدهر مكتوب، يقرأ في أعلام الإنعام، طرازاً على الأيام، يحني بصفائح الصحائف وأسنة الأقلام، قبل أن تمحى آثاره، وتنطفئ أنواره، فلا زلت راتعاً في زهرة رياضك، شارعاً في غمرة حياظك، فإنها رياض لا تغض جفون غضارتها، ولا تغيض عيون نضارتها، وحياض تصدر القلوب الصادية عن مواردها الصافية، وقد رويت غللها، وشفيت عللها، إذا جرعها الفراق من مر مذاقه، وسقاها الدهاق من زعاقه:

قرأتُ على قلبي كتابكَ إذ أتى ... وقلتُ له: هذا أمانكَ في الدَّهرِ
به يرجع نافرك، إذا طار طئرك، ولا يسكن لاعجك، إذا هاج هائجك، فهو العوذة للهاجس، من خطر الوساوس، والراحة للنفس، من فقد الأنس، والشفاء للقلب، من طول الكرب، إذا كان معلم الجمال، وعلم الكمال، وباعث الجذل، ودافع الوجل، وحضور السرور، وذهاب الأوصاب، والمحذور، فياله من طرس، أحيا حشاشة نفس، وكتاب أماط مضاضة اكتئاب، فقلت لما رأيت ما يكاد يبيض الحبر من نوره، ويعبق المسك من كافوره: (شعر)

نقشتَ بحالِكِ الأنقاس نوراً ... جلا لعيوننا نوراً وزهرا
فدبِّج من بسيطِ الفكر روضاً ... أنيقاً مشرقَ الجنبات نضرا
لو استسقى الغليلُ به لأروى ... أو استشفى العليلُ به لأبرا
هفا عطرُ الجنوبِ له نسيمٌ ... أقول إذا أناسمُ منه نشرا
نثرتَ لنا على الكافورِ مسكاً ... ولم تنثُرْ على القرطاسِ حبرا
أمرت فيه أعلى الله أمرك، وأسنى قدرك قلباً لا يتقلب إلاّ في طاعتك وصباً لا يتصرف إلا في مرضاتك، أن يمد يد الاختيار والاستجادة، لما يقع منك بحسب الإشارة والإرادة، من تصنيف كتاب لطيف، ينظم نظم العقود، ويرقم رقم البرود، في مقطعات أدب كقراضة الذهب، من شذور منثور، وعيون موزون، ترتاح الأرواح إلى خفة أرواحها، وكثرة غررها وأوضاحها، ولطف متونها وحواشيها، وحسن عيونها ومعانيها، المشرقة التذهيب، المونقة التهذيب، التي إذا جلبت للطبع الذكي، وجليت على السمع الكفي، هزته أريحية الكريم إذا انتشى بماء الكروم: (شعر) :

بسماعٍ أرقَّ من دمعة الصبِّ ... وشكوى المتيَّم المهجور

(1/1)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث