اسم الكتاب: المستطرف في كل فن مستطرف
    المؤلف: شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ)
    الناشر: عالم الكتب - بيروت
    الطبعة: الأولى، 1419 هـ
    عدد الأجزاء:1
    [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

بطاقة الكتاب   ||   إخفاء التشكيل

الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتابا إلى بعض عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا، فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امض به إلى فلان وائتني بالجواب.
فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين وأخذ الكتاب وخرج به من عنده، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير، فقال: أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل، فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك، ويعطيك ألفي دينار؟ فقال: أنت الكبير، وأنت الحاكم، ومهما رأيته من الرأي إفعل. قال: أعطني الكتاب، فدفعه إليه، فأعطاه الوزير ألفي دينار، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير. فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي، وسأل عن الوزير، فأخبر بأن له أياما ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب من ذلك وأمر بإحضار البدوي، فحضر، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال له: أنت قلت عني للناس أني أبخر؟ فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكرا منه وحسدا، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه.
فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله. ثم خلع على البدوي واتخذه وزيرا وراح الوزير بحسده.
وقال المغيرة شاعر آل المهلب:
آل المهلب قوم إن مدحتهم ... كانوا الأكارم آباء وأجدادا
إن العرانين تلقاها محسّدة ... ولا ترى للئام الناس حسّادا «1»
وقال عمر رضي الله عنه: يكفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك وقال مالك بن دينار: شهادة القراء مقبولة في كل شيء إلا شهادة بعضهم على بعض، فإنهم أشد تحاسدا من التيوس. وعن أنس رضي الله تعالى عنه رفعه:
«إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» . وقال منصور الفقيه:
منافسة الفتى فيما يزول ... على نقصان همّته دليل
ومختار القليل أقل منه ... وكل فوائد الدنيا قليل
يقول الله عز وجل: الحاسد عدو نعمتي متسخّط لفعلي غير راض بقسمتي التي قسمت لعبادي.
قال الشاعر:
أيا حاسدا لي على نعمتي ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه ... لأنك لم ترض لي ما وهب
فأخزاك ربّي بأن زادني ... وسدّ عليك وجوه الطلب
وقال الأصمعي: رأيت أعرابيا قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك؟ فقال: تركت الحسد فبقيت. وقالوا: لا يخلو السيد من ودود يمدح وحسود يقدح. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ألا لا تعادوا نعم الله، قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. وقيل لعبد الله بن عروة: لم لزمت البدو، وتركت قومك؟
فقال: وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت على نكبة.
وقال الشاعر:
يا طالب العيش في أمن وفي دعة ... رغدا بلا قتر صفوا بلا رنق
خلّص فؤادك من غل ومن حسد ... فالغل في القلب مثل الغلّ في العنق
وقال آخر:
اصبر على حسد الحسو ... د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها ... إن لم تجد ما تأكله
وفي نوابغ الحكم: الحسد حسك من تعلق به هلك.
ولبعضهم:
إني حسدت فزاد الله في حسدي ... لا عاش من عاش يوما غير محسود
وقال نصار بن سيار:
إنّي نشأت وحسّادي ذوو عدد ... يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا

(1/222)

الصفحة السابقة   ||   الصفحة التالية
بداية الكتاب    ||   محرك البحث