صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
[ تاريخ الطبري - الطبري ] |
والزبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلا حرقوص وكتبوا إلى أهل الشام بما صنعوا أو صاروا إليه إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله عز و جل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل حتى يكون الله عز و جل هو الذي يردنا عن ذلك فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم وخالفنا شرارهم ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثتهم عليه فأعطاهم الله عز و جل سنة المسلمين مرة بعد مرة حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير والله سبحانه مقيده إن شاء الله وكانوا كما وصف الله عز و جل وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به فنلقى الله عز و جل وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا (3/20)
وبعثوا به مع سيار العجلي وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفر بن معرض وكتبوا إلى اهل اليمامة وعليها سبرة بن عمر والعنبري مع الحارث السدوسي وكتبوا إلى أهل المدينة مع ابن قدامة القشيري فدسه إلى أهل المدينة
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى أهل الكوفة مع رسولهم أما بعد فإني أذكركم الله عز و جل والإسلام أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه اتقوا الله واعتصموا بحبله وكونوا مع كتابه فإنا قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده فأجابنا الصالحون إلى ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وقالوا لنتبعنكم عثمان ليزيدوا الحدود تعطيلا فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر فقرأنا عليهم ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ( 1 ) فأذعن لي بعضهم واختلفوا بينهم فتركناهم وذلك فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز و جل بالصالحين فرد كيدهم في نحورهم فمكثنا ستا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده وهو حقن الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه فأبوا واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا فجمع الله عز و جل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم فأقادهم فلم يفلت منهم إلا رجل وأردأنا الله ومنعنا منهم بعمير بن مرثد ومرثد بن قيس ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فالزموا الرضا إلا عن قتلة عثمان بن عفان حتى يأخذ الله حقه ولا تخاصموا الخائنين ولا تمنعوهم ولا ترضوا بذوي حدود الله فتكونوا من الظالمين فكتبت إلى رجال بأسمائهم فثبطوا الناس عن منع هؤلاء القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فإن هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن عفان رضي الله عنه وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده بالكفر وقالوا لنا المنكر فأنكر ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا وقالوا ما رضيتم أن قتلتم الإمام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلى الله عليه و سلم أن أمرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأئمة المسلمين فعزموا وعثمان بن حنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم وسيابجهم فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق وألا يحولوا بيننا وبين الحق فغدروا وخانوا فلم نقايسهم واحتجوا ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريدا فجاءه بالحجة فلم يعرفوا الحق ولم يصبروا عليه فغادوني في الغلس ليقتلوني
والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ومعهم هاد يهديهم إلي فوجدوا نفرا على باب بيتي منهم عمير بن مرثد ومرثد بن قيس ويزيد بن عبدالله بن مرثد ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فدارت عليهم الرحا فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم وجمع الله عز و جل كلمة أهل البصرة على ما أجمع عليه الزبير وطلحة فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وكتب عبيد بن كعب في جمادي (3/21)
حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن عامر بن حفص عن أشياخه قال ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في فقاه قال ابن المثني الحداني الذي قتل حكيما يزيد بن الأسحم الحداني وجد حكيم قتيلا بين يزيد بن الأسحم وكعب بن الأسحم وهما مقتولان
حدثني عمر قال حدثني أبو الحسن قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن أبي المليح قال لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف فقال ما شئتم أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة وإن قتلتموني انتصر فخلوا سبيله واختلفوا في الصلاة فأمرت عائشة رضي الله عنها عبدالله بن الزبير فصلى بالناس وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال فقال عبدالله ابنه إن ارتزق الناس تفرقوا واصطلحوا على عبدالرحمن بن أبي بكر فصيروه على بيت المال
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن علي عن أبي بكرالهذلي عن الجارود بن أبي سبرة قال لما كانت الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف وفي رحبة مدينة الرزق طاعم يرتزقه الناس فأراد عبدالله أن يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان فقال لست أخاف الله إن لم أنصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس فأتى ابن الزبير مدينة الرزق فقال مالك يا حكيم قال نريد أن نرتزق من هذا الطعام وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي والله لو أجد أعوانا عليكم أخيكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا أما تخافون الله عز و جل بم تستحلون سفك الدماء قال بدم عثمان بن عفان قال فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان أما تخافون مقت الله فقال له عبد الله بن الزبير لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا قال حكيم اللهم إنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال هؤلاء فمن كان في شك فلينصرف وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا وضرب رجل ساق حكيم فأخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه فمر به رجل فقال من قتلك قال وسادتي وقتل سبعون رجلا من عبد ال قيس قال الهذلي قال حكيم حين قطعت رجله ... أقول لما جد بي زماعي ... للرجل يا رجلي لن تراعي ... إن معي من نجدة ذراعي ...
قال عامر ومسلمة قتل مع حكيم ابنة الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة
حدثني عمر قال حدثنا ابو الحسن قال حدثنا المثنى بن عبدالله عن عوف الأعرابي قال جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال نشدتكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله
صلى الله عليه و سلم فقام طلحة ولم يجبه فناشد الزبير فقال لا ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها (3/22)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا سليمان بن أرقم عن قتادة عن أبي عمرة مولى الزبير قال لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا فلم يجبه أحد فقال إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها قال ويحك إنا نبصر ولا نبصر ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر فإن لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر
حدثني أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء عن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزبير عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره فقلت يا أبا محمد أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك إن كرهت شيئا فاجلس قال فقال لي يا علقمة بن وقاص بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا إنه كان مني في عثمان شيء ليس توبتي إلا يسفك دمي في طلب دمه قال قلت فرد محمد بن طلحة فإن لك ضيعة وعيالا فإن يك شيء يخلفك فقال ما أحب أن أرى أحدا يخف في هذا الأمر فأمنعه قال فأتيت محمد بن طلحة فقلت له لو أقمت فإن حدث به حدث كنت تخلفه في عياله وضيعته قال ما أحب أن أسأل الرجال عن أمره
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن مجالد بن سعيد قال لما قدمت عائشة رضي الله عنها البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي
فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصديق حبيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ورجعت إلى بيتك وإلا أول من نابذك قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه
ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة
مما كتب به إلي السري أن شعيبا حدثه قال حدثنا سيف عن عبيدة بن معتب عن يزيد الضخم قال لما أتى عليا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنهم قد توجهوا نحو العراق خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردهم فلما انتهى إلى الربذه أتاه عنهم أنهم قد أمنعوا فأقام بالربذة أياما وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة فسري بذلك عنه وقال إن أهل الكوفة أشد إلي حبا وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم فكتب إليهم إني قد اخترتكم على الأمصار وإني بالأثرة
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب علي إلى أهل الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم
لما أعرف من مودتكم وحبكم لله عز و جل ولرسوله صلى الله عليه و سلم فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحق وقضى الذي عليه (3/23)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا حبان بن موسى عن طلحة بن الأعلم وبشر بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمد بن عون فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى أما سبيل الآخرة فأن تقيموا وأما سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم وبلغ المحمدين قول أبي موسى فبايناه وأغلظا له فقال أما والله إن بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان وخرج علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين فقالت أخت علي بن عدي من بني عبد العزى ابن عبد شمس ... لا هم فاعقر بعلي جمله ... ولا تبارك في بعير حمله ... ألا علي بن عدي ليس له ...
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال لما نزل علي بالربذه أتته جماعة من طيء فقيل لعلي هذه جماعة من طيء قد أتتك منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كلا خيرا وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ثم دخلوا عليه فقال علي ما شهدتمونا به قالوا شهدناك بكل ما تحب قال جزاكم الله خيرا فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال يا أمير المؤمنين إن من الناس من يعبر لسانه عما في قلبه وإني والله ما كل ما أجد في قلبي يعبر عنه لساني وسأجهد وبالله التوفيق أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية وأقاتل عدوز في كل موطن وأرى لك من الحق مالا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك قال رحمك الله قد أدى لسانك عما يجن ضميرك فقتل معه بصفين رحمه الله
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما قدم علي الربذة أقام بها وسرح منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وأيدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه
فمضى الرجلان وبقي علي بالربذه يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم وقال إن الله عز و جل أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال إنه لا بد مما هو كائن أن يكون ألا وإن هذه ألأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه و سلم واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه وارضوا بالله جل وعز ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا وبالقرآن حكما
وإماما (3/24)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما أراد علي الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال يا أمير المؤمنين أي شيء تريد وإلى أين تذهب بنا فقال أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه قال فإن لم يجيبوا إليه قال ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال امتنعنا منهم قال فنعم إذا وقام الحجاج بن غزية الأنصاري فقال لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول وقال ... دراكها دراكها قبل الفوت ... وانفر بنا واسم بنا نحو الصوت ... لا وألت نفسي إن هبت الموت ...
والله لأنصرن الله عز و جل كما سمانا أنصارا فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والرية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبدالله بن عباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وحرج علي وهو في سبعمائة وستين وراجز علي يرجز به ... سيروا أبابيل وحثوا السيرا ... إذ عزم السير وقولوا خيرا ... حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا ... نغزو بها طلحة والزبيرا ...
وهو أمام أمير المؤمنين وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسا كميتا فتلقاهم بفيد غلام من بني سعد بن ثعلبة بن عامر يدعى مرة فقال من هؤلاء فقيل أمير المؤمنين فقال سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية فسمعها علي فدعاه فقال ما اسمك قال مرة قال أمر الله عيشك كاهن سائر اليوم قال بل عائف فلما نزل بفيد أتته أسد وطيء فعرضوا عليه أنفسهم فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية وقدم رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال من الرجل قال عامر بن مطر قال الليثي قال الشيباني قال أخبرني عما وراءك قال فأخبره حتى سأله عن أبي موسى فقال إن أردت الصلح فأبو موسى صاحب ذلك وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب ذلك قال والله ما أريد إلا الإصلاح حتى يرد علينا قال قد أخبرتك الخبر وسكت وسكت علي
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محمد عن عبدالله بن عمير عن محمد بن الحنفية قال قدم عثمان بن حنيف على علي بالربذة وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد قال أصبت أجرا وخيرا إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب ثم وليهم ثالث فقالوا وفعلوا ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير ثم نكثا بيعتي وألبا الناس علي ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي والله إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن قد مضى اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما قد أحكما في أنفسهما وأرهما المساءة فيما قد عملا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما نزل علي الثعلبية أتاه الذي لقي عثمان بن حنيف وحرسه فقام وأخبر القوم الخبر وقال اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين وسلمنا منهم أجمعين ولما انتهى إلىالإساد أتاه ما لقي حكيم بن جبلة وقتلة عثمان بن عفان رضي
الله عنه فقال الله أكبر ما ينجيني من طلحة وال زبير إذا أصاب ثأرهما أو ينجيهما وقرأ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ( 1 ) وقال ... دعا حكيم دعوة الزماع ... حل بها منزلة النزاع ... (3/25)
ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو شاب فلم يزل بذي قار يتلوم محمد ومحمدا وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق فقال عبد القيس خير ربيعة في كل ربيعة خير وقال ... يا لهف نفسي على ربيعة ... ربيعة السامعة المطيعة ... قد سبقتني فيهم الوقيعة ... دعا علي دعوة سميعة ... حلوا بها المنزلة الرفيعة ...
قال وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لهم مثل ما قال لطيء وأسد
ولما قدم محمد ومحمد على الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين وقاما في الناس بأمره لم يجابا إلى شيء فلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجى على أبي موسى فقالوا ما ترى في الخروج فقال كان الرأي بالأمس ليس باليوم إن الذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جر عليكم ما ترون وما بقي إنما هما أمران القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فاختاروا فلم ينفر إليه أحد فغضب الرجلان وأغلظا لأبي موسى فقال أبو موسى والله إن بيعة عثمان رضي الله عنه لفي عنقي وعنق صاحبكما فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فانطلقا إلى علي فوافياه بذي قار وأخبراه الخبر وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجل إلى الكوفة فقال علي يا أشتر أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كل شيء اذهب أنت وعبدالله بن عباس فأصلح ما أفسدت
فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة فقال للكوفيين أنا صاحبكم يوم الجرعة وأنا صاحبكم اليوم فجمع الناس فخطبهم وقال يا أيها الناس إن أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جل وعز وبرسوله
ممن لم يصحبه وإن لكم علينا حقا فإنا مؤديه إليكم كان الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز و جل ولا تجترئوا على الله عز و جل وكان الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم ولا تكلفوا الدخول في هذا فأما إذا كان ما كان فإنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب فاغمدوا السيوف وأنصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم والمضطهد حتى يلتئم هذا الأمر وتنجلي هذه الفتنة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما رجع ابن عباس إلى علي بالخبر
دعا الحسن بن علي فأرسله فأرسل معه عمار بن ياسر فقال له انطلق فأصلح ما أفسدت فأقبلا حتى دخلا المسجد فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان رضي الله عنه قال على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا فقال والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين فخرج أبو موسى فلقي الحسن فضمه إليه وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار فقال لم أفعل ولم تسؤني وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء فقال صدقت بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب قد جعلنا الله عز و جل إخوانا وحرم علينا أموالنا ودماءنا وقال يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( 1 ) ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ( 1 ) وقال جل وعز ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ( 2 ) فغضب عمار وساءه وقام وقال يا أيها الناس إنما قال له خاصة أنت فيها قاعدا خير منك قائما وقال رجل من بني تميم فقال لعمار اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس وجعل أبو موسى يكفكف الناس ثم انطلق حتى أتى المنبر وسكن الناس وأقبل زيد على حمار حتى وقف باب المسجد ومعه الكتابان من عائشة رضي الله عنها إليه وإلى أهل الكوفة وقد كان طلب كتاب العامة فضمه إلى كتابه فأقبل بهما ومعه كتاب الخاصة وكتاب العامة أما بعد فثبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه (3/26)
فلما فرغ من الكتاب قال أمرت بأمر وأمرنا بأمر أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال يا عماني وزيد من عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين سرقت بجلولاء فقطعك الله وعصيت أم المؤمنين فقتلك الله ما أمرت إلا بما أمر الله عز و جل به بالإصلاح بين الناس فقلت ورب الكعبة وتهاوى الناس وقام أبو موسى فقال أيها الناس أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوي إليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف إنا أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أعلم بما سمعنا إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين نؤتى تذر الحليم كابن أمس شيموا سيوفكم وقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالإمرة ترتق فتقها وتشعب صدعها فإن فعلت فلأنفسها سعت وإن أبت فعلى أنفسها منت سمنها تهريق في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم ودنياكم ويشقى بحر هذه الفتنة من جناها
فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال يا عبدالله بن قيس رد الفرات عن دراجه اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ الم
أحسب الناس أن يتركوا ( 1 ) إلى آخر الآيتين سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق (3/27)
فقام القعقاع بن عمرو فقال إني لكم ناصح وعليكم شفيق أحب أن ترشدوا ولأقولن لكم قولا هو الحق أما ما قال الأمير في هو الأمر لو أن إليه سبيلا وأما ما قال زيد فزيد في الأمر فلا تستنصحوه فإنه لا ينتزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو القول إنه لا بد من إمارة تنظم الناس وتزع الظالم وتعز المظلوم وهذا علي يلي بما ولى وقد أنصف في الدعاء وإنما يدعو إلى الإصلاح فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع
وقال سبحان أيها الناس إنه لا بد لهذا الأمر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنا سائرون معه ولان عمار بعد نزوته الأولى فلما فرغ سيحان من خطبته تكلم عمار فقال هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم يستنفركم إلى زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلى طلحة والزبير وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا في الحق فقاتلوا معه فقال رجل يا أبا اليقظان لهو مع من شهدت له بالجنة على من لم تشهد له فقال الحسن اكفف عنا يا عمار فإن للأصلاح أهلا وقام الحسن بن علي فقال يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه والله لأن يليه أولو النهي أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم فسامح الناس وأجابوا ورضوا به وأتى قوم من طيء عديا فقالوا ماذا ترى وماذا تأمر فقال ننتظر ما يصنع الناس فأخبر بقيام الحسن وكلام من تكلم فقال قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه ونحن سائرون وناظرون
وقام هند بن عمرو فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا إلى قوله وانتهوا إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الأمر وأعينوه برأيكم
وقام حجر بن عدي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا مروا أنا أولكم وقام الأشتر فذكر الجاهلية وشدتها والأسلام ورخاءه وذكر عثمان رضي الله عنه فقام إليه المقطع بن الهيثم بن فجيع العامري ثم البكائي فقال اسكت قبحك الله كلب خلي والنباح فثار الناس فأجلسوه
وقام المقطع فقال إنا والله لا نحتمل بعدها أن يبوء أحد بذكر أحد من أئمتنا وإن عليا عندنا لمقنع والله لئن يكن هذا الضرب لا يرضى بعلي فعض امرؤ على لسانه في مشاهدنا فأقبلوا على ما أحثاكم
فقال الحسن صدق الشيخ وقال الحسن أيها الناس إني غاد فمن شاء منك أن يخرج معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء فنفر معه تسعة آلاف فأخذ بعضهم البر وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل أخذ البر ستة آلاف ومائتان وأخذ الماء ألفان وثمانمائة
وفيما ذكر نصر بن مزاحم العطار عن عمر بن سعيد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم
أن عبد خير الخيواني قام إلى ابي موسى فقال يا أبا موسى هل كان هذان الرجلان يعني طلحة والزبير ممن بايع عليا قال نعم قال هل أحدث حدثا يحل به نقض بيعته قال لا أدري قال لا دريت فإنا تاركوك حتى تدري يا أبا موسى هل تعلم أحدا خارجا من الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة إنما بقي أربع فرق علي بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة أخرى بالحجاز لا يجبى بها فيء ولا يقاتل بها عدو فقال له أبو موسى أولئك خير الناس وهي فتنة فقال له عبد خير يا أبا موسى غلب عليك غشك (3/28)
قال وقد كان الأشتر قام إلى علي فقال يا أمير المؤمنين إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلا قبل هذين فلم أره أحكم شيئا ولا قدر عليه وهذان أخلق من بعثت أن ينشب بهم الأمر على ما تحب ولست أدري ما يكون فإن رأيت أكرمك الله يا أمير المؤمنين أن تبعثني في أثرهم فإن أهل المصر أحسن شيء لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت ألا يخالفني منهم أحد فقال له علي الحق بهم فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلا دعاهم ويقول اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم ويقول أيها الناس إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي والساعي فيها خير من الراكب إنها فتنة باقرة كداء البطن أتتكم من قبل مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن أمس إنا معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أعلم بالفتنة إنها إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت وعمار يخاطبه والحسن يقول له اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا وقال له عما أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو موسى هذه يدي بما قلت فقال له عمار إنما قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا خاصة فقال أنت فيها قاعدا خير منك قائما ثم قال عمار غلب الله من غالبه وجاحده
قال نصر بن مزاحم حدثنا عمر بن سعيد قال حدثني رجل عن نعبم عن أبي مريم الثقفي قال والله إني لفي المسجد يومئذ وعمار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى يشتدون ينادون يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما قال أجلني هذه العشية فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم من ا لقصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه
نزول أمير المؤمنين ذا قار
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو عن العشبي قال لما التقوا بذي قار تلقاهم علي في أناس فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة أنتم وليتم شوكة العجم وملوكهم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك ما نريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق وبايناهم حتى يبدأونا بظلم ولن ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي وأهل البصرة ينتظرون
مرور علي بهم وهم آلاف وفي الماء ألفان وأربعمائة (3/29)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة بإسنادهما قالا لما نزل علي ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وأرسل الحسن بن علي وعمارا بعد ابن عباس والأشتر فخف في ذلك الأمر جميع من كان نفر فيه ولم يقدم فيه الوجوه أتباعهم فكانوا خمسة آلاف أخذ نصفهم في البر ونصفهم في البحر وخف من لم ينفر فيها ولم يعمل لها وكان على طاعته ملازما للجماعة فكانوا أربعة آلاف فكان رؤساء الجماعة القعقاع بن عمرو وسعر بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وكان رؤساء النفار زيد بن صوحان والأشتر مالك بن الحارث وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس ومعهم أتباعهم وأمثال لهم ليسوا دونهم إلا أنهم لم يؤمروا منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري وأشباه لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم فبادروا في الوقعة إلا قليلا فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له الق هذين الرجلين بابن الحنظلية وكان القعقاع من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له كيف أنت صانع فيما جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني فقال نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي قال أنت لها فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها وقال أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة قالت أي بني إصلاح بين الناس قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فجاءا فقال إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هده البلاد فقالت إصلاح بين الناس فما تقولان أنتما أمتابعبان أم مخالفان قالا متابعان قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح فوالله لئن عرفنا لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح قالا قتلة عثمان رضي الله عنه فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن وإن عمل به كان إحياء للقرآن فقال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة إلا رجلا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم ذلك الذي أفلت يعني حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف وهم على رجل فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير فقالت أم المؤمنين فتقول أنت ماذا قال أقول هذا الأمر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة وردك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذا الأمة وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثه الله في هذه الأمة هزاهزها فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز و جل حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل
فقالوا نعم إذا قد أحسنت وأصبت المقالة فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر فرجع إلى علي فأخبره فإعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه
وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل بذي قار فجاءت وفود تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الأصلاح ولا يخطرلهم قتال على بال فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم سأل علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له ... ألا أبلغ بني بكر رسولا ... فليس إلى بني كعب سبيل ... سيرجع ظلمكم منكم عليكم ... طويل الساعدين له فضول ... (3/30)
وتمثل علي عندها ... ألم تعلم أبا سمعان أنا ... نرد الشيخ مثلك ذا الصداع ... ويذهل عقله بالحرب حتى ... يقوم فيستجيب لغير داع ... فدافع عن خزاعة جمع بكر ... وما بك يا سراقة من دفاع ...
قال أبو جعفر أخرج إلي زياد بن أيوب كتابا فيه أحاديث عن شيوخ ذكر أنه سمعها منهم قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها فمما لم يقرأ علي من ذلك فكتبته منه قال حدثنا مصعب بن سلام التميمي قال حدثنا محمد بن سوقة عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال رأيت فيما يرى النائم في زمان عثمان بن عفان أن رجلا يلي أمور الناس مريضا على فراشه وعند رأسه امرأة والناس يريدونه ويبهشون إليه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فأخذوه فقتلوه فكنت أقص رؤياي على الناس في الحضر والسفر فيعجبون ولا يدرون ما تأويلها فلما قتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا فقال أصحابنا رؤياك يا كليب فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلا قليلا حتي قيل هذا طلحة والزبير معهما أم المؤمنين فراغ ذلك الناس وتعجبوا فإذا هم يزعمون للناس أنهم إنما خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه وإن أم المؤمنين تقول غضبنا لكم على عثمان في ثلاث إمارة الفتي وموقع الغمامة وضربة السوط والعصا فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر والبد والدم فقال الناس أفلم تبايعوا عليا وتدخلوا في أمره فقالوا دخلنا واللج على أعناقنا وقيل هذا علي قد أظلكم فقال قومنا لي ولرجلين معي انطلقوا حتى تأتوا عليا وأصحابه فسلوهم عن هذا الأمر الذي قد اختلط علينا فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل على بغلة فقلت لصاحبي أرأيتم المرأة التي كنت أحدثكم عنها أنها كانت عند رأس الوالي فإنها أشبه الناس بهذا ففطن أنا نخوض فيه فلما انتهى إلينا قال قفوا ما لذي قلتم حين رأيتموني فأبينا عليه فصاح بنا وقال والله لا تبرحون حتى تخبروني فدخلتنا منه هيبة فأخبرناه فجاوزنا وهو يقول والله لقد رأيت عجبا فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا من هذا فقال محمد بن أبي بكر فعرفنا أن تلك المرأة عائشة رضي الله عنها فازددنا لأمرها كراهية وانتهينا إلى علي فسلمنا عليه ثم سألناه عن هذا الأمر فقال عدا الناس على هذا الرجل وأنا معتزل فقتلوه ثم ولوني وأنا كاره ولولا خشية على الدين لم أجبهم ثم طفق هذان في النكث وأخذت عليهما وأخذت عهودهما عند ذلك وأذنت لهما في
العمرة فقدما على أمهما حليلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فرضيا لها ما رغبا لنسائهما عنه وعرضاها لما لا يحل لهما ولا يصلح فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الإسلام فتقا ولا يخرقوا جماعة (3/31)
ثم قال أصحابه والله ما نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا وما خرجنا إلا لإصلاح فصاح بنا أصحاب علي بايعوا بايعوا فبايع صاحبي وأما أنا فأمسكت وقلت بعثني قومي لأمر فلا أحدث شيئا حتى أرجع إليهم فقال علي فإن لم يفعلوا فقلت لم أفعل فقال أرأيت لو أنهم بعثوك رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ والماء فحالوا إلى المعاطش والجدوبة ما كنت صانعا قال قلت كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلإ والماء قال فمد يدك فوالله ما استطعت أن أمتنع فبسطت يدي فبايعته وكان يقول علي من أدهى العرب وقال ما سمعت من طلحة والزبير فقلت أما الزبير فإنه يقول بايعنا كرها وأما طلحة فمقبل على أن يتمثل الأشعار ويقول ... ألا أبلغ بني بكر رسولا ... فليس إلى بني كعب سبيل ... سيرجع ظلمكم منكم عليكم ... طويل الساعدين له فضول ...
فقال ليس كذلك ولكن ... ألم تعلم أبا سمعان أنا ... نصم الشيخ مثلك ذا الصداع ... ويذهل عقله بالحرب حتى ... يقوم فيستجيب لغير داع ...
ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة وقد خندق طليحة والزبير فقال لنا أصحابنا من أهل البصرة ما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون ويقولون فقلنا يقولون خرجنا للصلح وما نريد قتالا فبينا هم على ذلك لا يحدثون أنفسهم بغيره إذ خرج صبيان العسكرين فتسابوا ثم تراموا ثم تتابع عبيد العسكرين ثم ثلث السفهاء ونشبت الحرب وألجأتهم إلى الخندق فاقتتلوا عليه حتى أجلوا إلى موضع القتال فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون
ونادى علي ألا لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ونهى الناس ثم بعث إليهم أن اخرجوا للبيعة فبايعهم على الرايات وقال من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شيء إلا قبض فانتهى إليه قوم من قيس شباب فخطب خطيبهم فقال أين أمراؤكم فقال الخطيب أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال علي أما إن هذا لهو الخطيب السحسح وفرغ من البيعة واستعمل عبدالله بن عباس وهو يريد أن يقيم حتى يحكم أمرها فأمرني الأشتر أن أشتري له أثمن بعير بالبصرة ففعلت فقال ائت به عائشة وأقرئها مني السلام ففعلت فدعت عليه وقالت اردده عليه فأبلغته فقال تلومني عائشة أن أفلت ابن أختها
وأتاه الخبر باستعمال علي بن عباس فغضب وقال علام قتلنا الشيخ إذ اليمن لعبيد الله واحجاز لقثم والبصرة لعبد الله والكوفة لعلي ثم دعا بدابته فركب راجعا وبلغ ذلك عليا فنادى الرحيل ثم أجد
السير فلحق به فلم يره أنه قد بلغه عنه وقال ما هذا السير سبقتنا وخشي إن ترك والخروج أن يوقع في أنفس الناس شرا (3/32)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما جاءت وفود أهل البصرة إلى أهل الكوفة ورجع القعقاع من عند أم المؤمنين وطلحة والزبير بمثل رأيهم جمع علي الناس ثم قام على الغرائر فحمد الله عز و جل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه و سلم وذكر الجاهلية وشقاءها والإسلام والسعادة وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد سول الله صلى الله عليه و سلم ثم الذي يليه ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا حسدوا من أفاءها الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ومصيب ما أراد ألا وإني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم
فاجتمع نفر منهم علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة العبسي وشريح بن أوفى بن ضبيعة والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان ورضي بسير من سار وجاء معهم المصريون ابن السوداء وخالد بن ملحم وتشاوروا فقالوا ما الرأي وهذا والله علي وهو أبصر الناس بكتاب الله وأقرب ممن يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك وهو يقول ما يقول ولم ينفر إليه إلا هم والقليل من غيرهم فكيف به إذا شام القوم وشاموه وإذا رأوا قلتنا في كثرتهم أنتم والله ترادون وما أنتم بأنجى من شيء فقال الأشتر أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ورأي الناس فينا والله واحد وإن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا فهلموا فلنتواثب على علي فنلحقه بعثمان فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكون
فقال عبدالله بن السوداء بئس الرأي رأيت أنتم يا قتلة عثمان من أهل الكوفة بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة وهذا ابن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا فارقأ على ظلعك
وقال علباء بن الهيثم انصرفوا بنا عنهم ودعوهم فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به وامتنعوا من الناس فقال ابن السوداء بئس ما رأيت ود والله الناس أنكم على جديلة ولم تكونوا مع أقوام براء ولو كان ذلك الذي تقول لتخطفكم كل شيء فقال عدي بن حاتم والله ما رضيت ولا كرهت ولقد عجبت من تردد من تردد عن قتله في خوض الحديث فأما إذ وقع ما وقع ونزل من الناس بهذه المنزلة فإن لنا عتادا من خيول وسلاح محمودا فإن أقدمتم أقدمنا وإن أمسكتم أحجمنا فقال ابن السوداء أحسنت
وقال سالم بن ثعلبة من كان أراد بما أتى الدنيا فإني لم أرد ذلك والله لئن لقيتهم غدا لا أرجع إلى بيتي ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتهم لا يزد على جزر جزور وأحلف بالله إنكم لتفرقون السيوف فرق قوم لا تصير أمورهم إلا إلى السيف فقال ابن السوداء قد قال قولا
وقال شريح بن أوفى أبرموا أموركم قبل أن تخرجوا ولا تؤخروا أمرا ينبغي لكم تعجيله ولا تعجلوا
أمرا ينبغي لكم تأخيره فإنا عند الناس بشر المنازل فلا أدري ما الناس صانعون غدا إذا ما هم التقوا تكلم ابن السوداءء فقال يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فأنشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع ويشغل الله عليا وطلحة والزبير ومن رأى رأيهم عما تكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون (3/33)
وأصبح علي علىظهر فمضى ومضى الناس حتى إذا انتهى إلى عبد القيس نزل بهم وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك ثم ارتحل حتى نزل على أهل الكوفة وهو أمام ذلك والناس متلاحقون به وقد قطعهم ولما بلغ أهل البصرة رأيهم ونزل علي بحيث نزل قام أبو الجرباء إلى الزبير بن العوام فقال إن الرأي أن تبعث الآن ألف فارس فيمسوا هذا الرجل ويصبحوه قبل أن يوافي أصحابه فقال الزبير يا أبا الجرباء إنا لنعرف أمور الحرب ولكنهم أهل دعوتنا وهذا أمر حدث في أشياء لم تكن قبل اليوم هذا أمر من لم يلق الله عز و جل فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة ومع ذلك إنه قد فارقنا وافدهم على أمر وأنا أرجو أن يتم لنا الصلح فأبشروا واصبروا وأقبل صبرة بن شيمان فقال يا طلحة يا زبير انتهزا بنا هذا الرجل فإن الرأي في الحرب خير من الشدة فقالا يا صبرة إنا وهم مسلمون وهذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن أو يكون فيه من رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة إنما هوم حدث وقد زعم قوم أنه لا ينبغي تحريكه اليوم وهم علي ومن معه فقلنا نحن لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخره فقال علي هذا الذي ندعوكم إليه من إقرار هؤلاء القوم شر وهو خير من شر منه وهو كأمر لا يدرك وقد كاد أن يبين لنا وقد جاءت الأحكام بين المسلمين بإيثار أعمها منفعة وأحوطها وأقبل كعب بن سور فقال ما تنتظرون يا قوم بعد توردكم أوائلهم اقطعوا هذا العنق من هؤلاء فقالوا يا كعب إن هذا أمر بيننا وبين إخواننا وهو تأمر ملتبس لا والله ما أخذ أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم مذ بعث الله عز و جل نبيه طريقا إلا علموا أين مواقع أقدامهم حتى حدث هذا فإنهم لا يدرون أمقبلون هم أم مدبرون إن الشيء يحسن عندنا اليوم ويقبح عند إخواننا فإذا كان من الغد قبح عندنا وحسن عندهم وإنا لنحتج عليهم بالحجة فلا يرونها حجة ثم يحتجون بها على أمثالها ونحن نرجو الصلح إن أجابوا إليه وتموا وإلا فإن آخر الدواء الكي
وقام إلى علي بن أبي طالب أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن إقدامهم على القوم فقام إليه فيمن قام الأعور بن بنان المنقري فقال له علي على الإصلاح وإطفاء النائرة لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم وقد أجابوني قال فإن لم يجيبونا قال تركناهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال دفعناهم عن أنفسنا قال فهل لهم مثل ما عليهم من هذا قال نعم
وقام إليه أبو سلامة الدألاني فقال أترى لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله عز و جل بذلك قال نعم قال فترى لك حجة بتأخيرك ذلك قال نعم إن الشيء إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا قال فما حالنا وحالكم إن ابتلينا غدا قال إني لأرجو ألا يقتل أحد نقى قلبه لله منا ومنهم إلا أدخله الله الجنة
وقام إليه مالك بن حبيب فقال ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم قال قد بان لنا ولهم أن
الإصلاح الكف عن هذا الأمر فإن بايعونا فذلك فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم قال فإن ابتلينا فما بال قتلانا قال من أراد الله عز و جل نفه ذلك وكان نجاءه (3/34)
وقام علي فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس املكوا أنفسكم كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم إخوانكم واصبروا على ما يأتيكم وإياكم أن تسبقونا فإن المخصوم غدا من خصم اليوم
ثم ارتحل وأقدم ودفع تعبيته التي قدم فيها حتى إذا أطل على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك بن حبيب إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وننظر في هذا الأمر
فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا حرقوص بن زهير ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب فقال يا علي إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم غدا أنك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم فقال ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر ألم تسمع إلى قول الله عز و جل لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر ( 1 ) وهم قوم مسلمون هل أنت مغن عني قومك قال نعم واختر مني واحدة من ثنتين إما أن أكون آتيك فأكون معك بنفسي وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال يال خندف فأجابه ناس ثم نادى يال تميم فأجابه ناس ثم نادى يال سعد فلم يبق سعدي إلا أجابه فاعتزل بهم ثم نظر ما يصنع الناس فلما وقع القتال وظفر علي جاءوا وافرين فدخلوا فيما دخل فيه الناس
وأما الذي يرويه المحدثون من أمر الأحنف فغير ما رواه سيف عمن ذكر من شيوخه والذي يرويه المحدثون من ذلك ما حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت حصينا يذكر عن عمرو بن جأوان عن الأحنف بن قيس قال قدمنا المدينة ونحن نريد الحج فإنا لبمنازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال قد فزعوا وقد اجتمعوا في المسجد فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد وإذا علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان فقيل هذا عثمان قد جاء وعليه مليئة له صفراء قد قنع بها رأسه فقال أها هنا علي قالوا نعم قال أها هنا الزبير قالوا نعم قال أها هنا طلحة قالوا نعم قال أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من يبتع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته بعشرين أو بخمسى وعشرين ألفا فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله قد ابتعته قال اجعله في مسجدنا وأجره لك قالوا اللهم نعم وذكر أشياء من هذا النوع قال الأحنف فلقيت طلحة والزبير فقلت من تأمراني به وترضيانه لي فإني لا أرى هذا الرجل إلا مقتولا قالا علي قلت أتأمراني به وترضيانه لي قالا نعم فانطلقت حتى قدمت مكة فبينا نحن بها إذ أتانا قتل عثمان رضي الله عنه وبها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فلقيتها فقلت من تأمرين أن أبايع قالت علي قلت تأمرينني به وترضينه لي قالت نعم فمررت على علي بالمدينة فبايعته ثم رجعت إلى أهلي بالبصرة ولا أرى الأمر إلا قد
استقام قال فبينا أنا كذلك إذ آتاني آت فقال هذه عائشة وطلحة والزبير قد نزلوا جانب الخريبة فقلت ما جاء بهم قالوا أرسلوا إليك يدعونك يستنصرون بك على دم عثمان رضي الله عنه فأتاني أفظع أمر أتاني قط فقلت إن خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه و سلم لشديد وإن قتالي رجلا ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أمروني ببيعته لشديد فلما أتيتهم قالوا جئنا لنستنصر على دم عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فقلت يا أم المؤمنين أنشدك بالله أقلت لك من تأمريني به فقلت علي فقلت تأمرينني به وترضينه لي قلت نعم قالت نعم ولكنه بدل فقلت يا زبير يا حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم يا طلحة أنشدكما الله أقلت لكما ما تأمراني فقلتما علي فقلت أتأمراني به وترضيانه لي فقلتما نعم قالا نعم ولكنه بدل فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا أقاتل رجالا ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرتموني ببيعته اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض الأعاجم حتى يقضي الله عز و جل من أمره ما قضى أو ألحق بمكة فأكون فيها حتى يقضي الله عز و جل من أمره ما قضى أو أعتزل فأكون قريبا قالوا إنا نأتمر ثم نرسل إليك فائتمروا فقالوا نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم ليس ذاكم برأي اجعلوه ها هنا قبريبا حيث تطئون على صماخه وتنظرون إليه فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف (3/35)
ثم التقى القوم فكان أول قتيل طلحة رضي الله عنه وكعب بن سور معه المصحف يذكر هؤلاء وهؤلاء حتى قتل من قتل منهم ولحق الزبير بسفوان من البصرة كمكان القادسية منكم فلقيه النعر رجل من مجاشع فقال أين تذهب يا حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي فأنت في ذمتي لا يوصل إليك فأقبل معه فأتى الأحنف خبره فقيل ذاك الزبير قد لقي بسفوان فما تأمر قال جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته فسمعه عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع فركبوا في طلبه فلقوه مع النعر فأتاه عمير بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله نادى عمير بن جرموز يا ناقع يا فضالة فحملوا عليه فقتلوه
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال معتمر بن سليمان قال نبأني أبي عن حصين قال حدثنا عمرو بن جأوان رجل من بني تميم وذاك أني قلت له أرأيت اعتزال الأحنف ما كان فقال سمعت الأحنف يقول أتيت المدينة وأنا حاج فذكر نحوه الحمد لله على ما قضى وحكم
بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر ليستنفرا له أهل الكوفة
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال خرج هاشم بن عتبة إلى علي بالربذة فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول أبي موسى فقال لقد أردت عزله وسألني الأشتر أن أقره فرد علي هاشما إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي فأشخص الناس فإني لم أولك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق
فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال له ما ترى قال أرى أن تتبع ما كتب به إليك قال لكني لا أرى ذلك فكتب هاشم إلى علي إني قد قدمت على رجل غال مشاق ظاهر الغل والشنآن وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي فبعث علي الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران له الناس وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميرا على الكوفة وكتب معه إلى أبي موسى أما بعد فقد كنت أرى أن بعدك من هذا الأمر الذي لم يجعل الله عز و جل لك منه نصيبا سيمنعك من رد أمري وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس وبعثت قرظة بن كعب واليا على المصر فاعتزل عملنا مذموما مدحورا فإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك فإن نابذته بك أن يقطعك آرابا (3/36)
فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل ودخل الحسن وعمار المسجد فقالا أيها الناس إن أمير المؤمنين يقول إني خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما وإني أذكر الله عز و جل رجلا رعى لله حقا إلا نفر فإن كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ مني والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني وأول من غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا فمروا بمعروف وانهوا عن منكر
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي عن أبي الطفيل قال قال علي يأتيكم من الكوفة اثناعشر ألف رجل ورجل فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال خرج إلى علي اثنا عشر ألف رجل وهم أسباع على قريش وكنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي وسبع قيس عليهم سعد بن مسعود الثقفي وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج الذهلي وسبع مذحج والأشعرين عليهم حجر بن عدي وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم مخنف بن سليم الأزدي
نزول علي الزاوية من البصرة
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن مسلمة بن محارب عن قتادة قال نزل علي الزاوية وأقام أياما فأرسل إليه الأحنف إن شئت أتيتك وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف فأرسل إليه علي كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال قال إن من الوفاء لله عز و جل قتالهم فأرسل إليه كف من قدرت على كفه ثم سار علي من الزاوية وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة فالتقوا عند موضع قصر عبيدالله أو عبدالله بن زياد فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبدي أن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر أمير المؤمنين فقال الناس من كان هؤلاء معه غلب ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلى مولى له يقال له رشراشة فأرسل إليه وعلة بن محدوج الذهلي ضاعت الأحساب دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة فأرسل شقيق أن أغن شأنك فإنا نغني شأننا فأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال يرسل إليهم علي ويكلمهم ويردعهم
حدثنا عمر قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن قتادة قال سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير
وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليا فالتقوا عند موضع قصر عبيدالله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح فقيل لعلي هذا الزبير قال أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر بالله أن يذكره وخرج طلحة فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عندالله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي قال طلحة ألبت الناس على عثمان رضي الله عنه قال علي يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ( 1 ) يا طلحة تطلب بدم عثمان رضي الله عنه فلعن الله قتلة عثمان يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم صه إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبدا (3/37)
فانصرف علي إلى أصحابه فقال أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا قالت فما تريد أن تصنع قال أريد أن أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبدالله جمعت بين هذين الغارين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد قال إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له فقال كفر عن يمينك وقاتله فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه فقال عبدالرحمن بن سليمان التيمي ... لم أر كاليوم أخا إخوان ... أعجب من مكفر الأيمان ... بالعتق في معصية الرحمن ...
وقال رجل من شعرائهم ... يعتق مكحولا لصون دينه ... كفارة لله عن يمينه ... والنكث قد لاح على جبينه ...
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة فأرسل عمران بن حصين في الناس يخذل من الفريقين جميعا كما صنع الأحنف وأرسل إلى بني عدي فيمن أرسل فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم ألا إن أبا نجيد عمران بن الحصين يقرئكم السلام ويقول لكم والله لأن أكون في جبل حضن مع أعنز خضر وضأن أجز أصوافها وأشرب ألبانها أحب إلي من أن أرمي في شيء من هذين الصفين بسهم فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد إنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم لشيء يعنون أم المؤمنين
حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا أبو نعامة العدوي عن حجير بن الربيع قال قال لي عمران بن حصين سر إلى قومك أجمع ما يكونون فقم فيهم قائما فقل أرسلني إليكم
عمران بن حصين صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ عليكم السلام ورحمة الله ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو لأن يكون عبدا حبشيا مجدعا يرعى أعنزا حضنيات في رأس جبل حتى يدركه الموت أحب إلي من أن يرمي بسهم واحد بين الفريقين قال فرفع شيوخ الحي رؤوسهم إليه فقالوا إنا لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم لشيء أبدا (3/38)
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة وأهل البصرة فرق فرقة مع طلحة والزبير وفرقة مع علي وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين وجاءت عائشة رضي الله عنها من منزلها الذي كانت فيه حتى نزلت في مسجد الحدان في الأزد وكان القتال في ساحتهم ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان فقال له كعب بن سور إن الجموع إذا تراءوا لم تستطع وإنما هي بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإني أخاف ألا يكون صلح وكن وراء هذه النطفة ودع هذين الغارين من مضر وربيعة فهما أخوان فإن اصطلحا فالصلح ما أردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا وكان كعب في الجاهلية نصرانيا فقال صبرة أخشى أن يكون فيك شيء من النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأن أخذل أم المؤمنين وطلحة والزبير إن ردوا عليهم الصلح وأدع الطلب بدم عثمان لا والله لا أفعل ذلك أبدا فأطبق أهل اليمن على الحضور
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضريس البجلي عن ابن يعمر قال لما رجع الأحنف بن قيس من عند علي لقيه هلال بن وكيع بن مالك بن عمرو فقال ما رأيك قال الاعتزال فما رأيك قال مكانفة أم المؤمنين أفتدعنا وأنت سيدنا قال إنما أكون سيدكم غدا إذا قتلت وبقيت فقال هلال هذا وأنت شيخنا فقال أنا الشيخ المعصي وأنت الشاب المطاع فاتبعت بنو سعد الأحنف فاعتزل بهم إلى وادي السباع واتبعت بنو حنظلة هلالا وتابعت بنو عمرو أبا الجرباء فقاتلوا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان قال لما أقبل الأحنف نادى لأد اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه فقام المنجاب بن راشد فقال يال الرباب لا تعتزلوا واشهدوا هذا الأمر وتولوا كيسه ففارقوا فلما قال يال تميم اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قام أبو الجرباء وهو من بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم فقال يال عمرو لا تعتزلوا هذا الأمر وتولوا كيسه فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم والمنجاب بن راشد على بني ضبة فلما قال يال زيد مناة اعتزلوا هذا الأمر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قال هلال بن وكيع لا تعتزلوا هذا الأمر ونادى يال حنظلة تولوا كيسه فكان هلال على حنظلة وطاوعت سعد الأحنف واعتزلوا إلى وادي السباع
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان على هوازن وعلى بني سليم والأعجاز مجاشع بن مسعود السلمي وعلى عامر زفر بن الحارث وعلى غطفان أعصر بن النعمان الباهلي وعلى بكر بن وائل مالك بن مسمع واعتزلت عبد القيس إلى علي إلا رجلا فإنه أقام ومن بكر بن وائل قيام واعتزل منهم مثل من بقي منهم عليهم سنان وكانت الأزد على ثلاثة رؤساء صبرة بن شيمان ومسعود
وزياد بن عمرو والشواذب عليهم رجلان على مضر الخريت بن راشد وعلى قضاعة والتوابع الرعبي الجرمي وهو لقب وعلى سائر اليمن ذو الآجرة الحميري (3/39)
فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزابوقة في موضع قرية الأرزاق فنزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت ربيعة فوقهم جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت اليمن جميعا أسفل منهم وهم لا يشكون في الصلح وعائشة في الحدان والناس في الزابوقة على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفا وردوا حكيما ومالكا إلى علي بأنا على ما فارقنا عليه القعقاع فاقدم فخرجا حتى قدما عليه بذلك فارتحل حتى نزل عليهم بحيالهم فنزلت القبائل إلى قبائلهم مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة واليمن إلى اليمن وهم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض وبعضهم يخرج إلى بعض ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح وخرج أمير المؤمنين فيمن معه وهم عشرون ألفا وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار وعبدالقيس على ثلاثة رؤساء جذيمة وبكر على ابن الجارود والعمور على عبدالله بن السوداء وأهل هجر على ابن الأشج وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث بن نهار وعلى دنور بن علي الزط والسيابجة وقدم علي ذا قار في عشرة آلاف وانضم إليه عشرة آلاف
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن فطر بن خليفة عن منذر الثوري عن محمد بن الحلنفية قال أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل وخرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف وانضم إلينا من حولنا ألفان أكثرهم بكر بن وائل ويقال ستة آلاف
رجع الحديث إلى حديث محمد وطلحة قالا فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طلحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الأمر قد أخذ في الانقشاع وأنه لا يدرك فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما
أمر القتال
وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبعث علي من العشي عبدالله بن عباس إلى طلحة والزبير وبعثاهما من العشي محمد بن طلحة إلى علي وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه فقالوا نعم فلما أمسوا وذلك في جمادى الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما خلا أولئك الذين هضوا عثمان فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا ما ركبوا وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهكلة وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم انسلوا إلى ذلك الأمر انسلالا وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربعيهم إلى ربعيهم ويمانيهم إلى يمانيهم فوضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم وخرج الزبير
وطلحة في وجوه الناس من مضر فبعثا إلى الميمنة وهم ربيعة يعبئها عبدالرحمن بن الحارث بن هشام وإلى الميسرة عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وثبتا في القلب فقال ماهذا قالوا طرقنا أهل الكوفة ليلا فقالا قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة وأنه لن يطاوعنا ثم رجعا بأهل البصرة وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردوهم إلى عسكرهم فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلا قريبا من علي ليخبره بما يريدون فلما قال ما هذا قال ذاك الرجل ما فاجأنا إلا وقوم منهم بيتونا فرددناهم من حيث جاؤوا فوجدنا القوم على رجل فركبونا وثار الناس وقال علي لصاحب ميمنته ائت الميمنة وقال لصاحب ميسرته ائت الميسرة ولقد علمت أن طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة وأنهما لن يطاوعانا والسبئية لا تفتر إنشابا ونادى علي في الناس أيها الناس كفوا فلا شيء فكان من رأيهم جميعا في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدؤوا يطلبون بذلك الحجة ويستحقون على الآخرين ولا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا فكان مما اجتمع عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما (3/40)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي عمرو قالوا وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها فقال أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل الله يصلح بك فركبت وألبسوا هودجها الأدراع ثم بعثوا جملها وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن أمية اشتراه بمائتي دينار فلما برزت من البيوت وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت فلم تلبث أن سمعت غوغاء شديدة فقالت ما هذا قالوا ضجة العسكر قالت بخير أو بشر قالوا بشر قالت فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون وهي واقفة فوالله ما فجئها إلا الهزيمة فمضى الزبير من سننه في وجهه فسلك وادي السباع وجاء طلحة سهم غرب يخل ركبته بصفحة الفرس فلما امتلأ موزجه دما وثقل قال لغلامه أردفني وأمسكني وابغني مكانا أنزل فيه فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير ... فإن تكن الحوادث أقصدتني ... وأخطأهن سهمي حين أرمي ... فقد ضيعت حين تبعت سهما ... سفاها ما سفهت وضل حلمي ... ندمت ندامة الكسعي لما ... شريت رضا بني سهم برغمي ... أطعتهم بفرقة آلا لأي ... فألقوا للسباع دمي ولحمي ...
خبر وقعة الجمل من رواية أخرى
قال أبو جعفر وأما غير سيف فإنه ذكر من خبر هذه الوقعة وأمر الزبير وانصرافه عن الموقف الذي كان فيه ذلك اليوم غير الذي ذكر سيف عن صاحبيه والذي ذكر من ذلك بعضهم ما حدثنيه أحمد بن زهير قال حدثنا أبي أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري في قصة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة في مسيرهم الذي نحن في ذكره في هذا الموضع قال وبلغ الخبر عليا يعني خبر السبعين الذين قتلوا مع العبدي بالبصرة فأقبل يعني عليا في اثني عشر ألفا فقدم البصرة وجعل يقول
يا لهف نفسي على ربيعه ... ربيعة السامعة المطيعه ... سنتها كانت بها الوقيعه ... (3/41)
فلما تواقفوا خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال علي للزبير ما جاء بك قال أنت ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا فقال علي لست له أهلا بعد عثمان قد كنا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك وعظم عليه أشياء فذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم مر عليهما فقال لعلي ما يقول ابن عمتك ليقاتلنك وهو لك ظالم فانصرف عنه الزبير وقال فإني لا أقاتلك فرجع إلى ابنه عبدالله فقال مالي في هذه الحرب بصيرة فقال له ابنه إنك قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت فأحفظه حتى أرعد وغضب وقال ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله فقال له ابنه كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس فأعتقه وقام في الصف معهم وكان علي قال للزبير أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره وقال علي يا طلحة جئت بعرس رسول الله صلى الله عليه و سلم تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت أما بايعتني قال بايعتك وعلى عنقي اللج فقال علي لأصحابه أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه قال فتى شاب أنا فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلا ذلك الفتى فقال له علي اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره والله في دمائنا ودمائكم فحمل على الفتى وفي يده المصحف فقطعت يداه فأخذه بأسنانه حتى قتل فقال علي قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلما عقر الجمل وهزم الناس أصابت طلحة رمية فقتلتته فيزعمون أن مروان بن الحكم رماه وقد كان ابن الزبير أخذ بخطام جمل عائشة فقالت من هذا فأخبرها فقالت واثكل أسماء فجرح فألقى نفسه في الجرحى فاستخرج فبرأ من جراحته واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاط فوقف علي عليها فقال استفززت الناس وقد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير فقالت عائشة يابن أبي طالب ملكت فأسجح نعم ما أبليت قومك اليوم فسرحها علي وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها وأمر لها باثني عشر ألفا من المال فاستقل ذلك عبدالله بن جعفر فأخرج لها مالا عظيما وقال إن لم يجزه أمير المؤمنين فهو علي وقتل الزبير فزعموا أن ابن جرموز لهو الذي قتله وأنه وقف بباب أمير المؤمنين فقال لحاجبه استأذن لقاتل الزبير فقال علي ائذن له وبشره بالنار
حدثني محمد بن عمارة قال حدثنا عبيدالله بن موسى قال أخبرنا فضيل عن سفيان بن عقبة عن قرة بن الحارث عن جون بن قتادة قال قرة بن الحارث كنت مع الأحنف بن قيس وكان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام فحدثني جون بن قتادة قال كنت مع الزبير رضي الله عنه فجاء فارس يسير وكانوا يسلمون على الزبير بالإمرة فقال السلام عليك أيها الأمير قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا فلم أر قوما أرث سلاحا ولا أقل عددا ولا أرعب قلوبا من قوم أتوك ثم انصرف عنه قال ثم جاء فارس فقال السلام عليك أيها الأمير فقال وعليك السلام قال جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا فسمعوا بما جمع الله عز و جل لكم من العدد والعدة والحد فقذف الله في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين قال الزبير إيها عنك الآن فوالله لو لم يجد ابن أبي
طالب إلا العرفج لدب إلينا فيه ثم انصرف ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال السلام عليك أيها الأمير قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد أتوك فلقيت عمارا فقلت له وقال لي فقال الزبير إنه ليس فيهم فقال بلى والله إنه لفيهم قال والله ما جعله الله فيهم فقال والله لقد جعله الله فيهم قال والله ما جعله الله فيهم فلما رأى الرجل يخالفه قال لبعض أهله اركب فانظر أحق ما يقول فركب معه فانطلقا وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا ثم رجعا إلينا فقال الزبير لصاحبه ما عندك قال صدق الرجل قال الزبير يا جدع أنفاه أو يا قطع ظهراه قال محمد بن عمارة قال عبيدالله قال فضيل لا أدري أيهما قال ثم أخذه أفكل فجعل السلاح ينتفض فقال جون ثكلتني أمي هذا الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلا لشيء قد سمعه أو رآه من رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته ثم ذهب فانصرف جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه فنزلا فأتيا فأكبا عليه فناجياه ساعة ثم انصرفا ثم جاء عمرو بن جرموز إلى الأحنف فقال أدركته في وادي السباع فقتلته فكان يقول والذي نفسي بيده إن صاحب الزبير الأحنف (3/42)
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا بشير بن عاصم عن الحجاج بن أرطاة عن عمار بن معاوية الدهني حي من أحمس بجيلة قال أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو فقال أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقال الفتى أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقال الفتى أنا فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه فقتل رضي الله عنه فقال علي الآن حل قتالهم فقالت أم الفتى بعد ذلك فيما ترثي ... لا هم إن مسلما دعاهم ... يتلو كتاب الله لا يخشاهم ... وأمهم قائمة تراهم ... يأتمرون الغي لا تنهاهم ... قد خضبت من علق لحاهم ...
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي قال حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا ولاذ الناس بعائشة رضي الله عنها أكثرهم ضبة والأزد وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من العصر ويقال إلى أن زالت الشمس ثم انهزموا فنادى رجل من الأزد كروا فضربه محمد بن علي فقطع يده فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل بالأزد فنادوا نحن على دين علي بن أبي طالب فقال رجل من بني ليث بعد ذلك ... سائل بنا يوم لقينا الأزدا ... والخيل تعدو أشقرا ووردا ... لما قطعنا كبدهم والزندا ... سحقا لهم في رأيهم وبعدا ...
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال حمل عمار على الزبير يوم الجمل فجعل يحوزه بالرمح فقال أتريد أن تقتلني قال لا انصرف وقال
عامر بن حفص أقبل عمار حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح فقال أتقتلني يا أبا اليقظان قال لا يا أبا عبدالله (3/43)
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قالا ولما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير أنا الزبير هلموا إلي أيها الناس ومعه مولى له ينادي أعن حواري رسول الله صلى الله عليه و سلم تنهزمون وانصرف الزبير نحو وادي السباع واتبعه فرسان وتشاغل الناس عنه بالناس فلما رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم ففرق بينهم فكروا عليه فلما عرفوه قالوا الزبير فدعوه فلما نفر فيهم علباء بن الهيثم ومر القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول إلي عباد الله الصبر الصبر قال له يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل فادخل الأبيات فقال يا غلام أدخلني وابغني مكانا فأدخل البصرة ومعه غلام ورجلان فاقتتل الناس بعده فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة فلما رأوا الجمل أطافت به مضر عادوا قلبا كما كانوا حيث التقوا وعادوا إلى أمر جديد ووقفت ربيعة البصرة منهم ميمنة ومنهم ميسرة وقالت عائشة خل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله عز و جل فادعهم إليه ودفعت إليه مصحفا وأقبل القوم وأمامهم السبئية يخافون أن يجري الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف وعلي من خلفهم يزعهم ويأبون إلا إقداما فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحدا فقتلوه ورموا عائشة في هودجها فجعلت تنادي يا بني البقية البقية ويعلو صوتها كثرة الله الله اذكروا الله عز و جل والحساب فيأبون إلا إقداما فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو
وضج أهل البصرة بالدعاء وسمع علي بن أبي طالب الدعاء فقال ما هذه الضجة فقالوا عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم فأقبل يدعو ويقول اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم وأرسلت إلى عبدالرحمن بن عتاب وعبدالرحمن بن الحارث اثبتا مكانكما وذمرت الناس حين رأت أن القوم لا يريدون غيرها ولا يكفون عن الناس فازدلفت مضر البصرة فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم علي فنخس علي قفا محمد وقال احمل فنكل فأهوى علي إلى الراية فيأخذها منه فحمل فترك الراية في يده وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبات على حالها لا تصنع شيئا ومع علي أقوام غير مضر فمنهم زيد بن صوحان فقال له رجل من قومه تنح إلى قومك مالك ولهذا الموقف ألست تعلم أن مضر بحيالك وأن الجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة الموت ما أريد فأصيب وأخوه سيحان وارتث صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة أن اجتمعوا على من يليكم فقام رجل من عبدالقيس فقال ندعوكم إلى كتاب الله عز و جل قالوا وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله سبحانه ومن قتل داعي الله كعب بن سور فرمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه وقام مسلم بن عبدالله العجلي مقامه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف النهار وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه وذهب فيه الزبير فلما أووا إلى عائشة وأبى أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة ذمرتهم عائشة فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا
وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة فاقتتلوا صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة يمن الكوفة وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم (3/44)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو عبدالله القرشي عن يونس بن أرقم عن علي بن عمرو الكندي عن زيد بن حساس قال سمعت محمد بن الحنفية يقول دفع إلي أبي الراية يوم الجمل وقال تقدم فتقدمت حتى لم أجد متقدما إلا على رمح قال تقدم لا أم لك فتكاكأت وقلت لا أجد متقدما إلا على سنان رمح فتناول الراية من يدي متناول لا أدري من هو فنظرت فإذا أبي بين يدي وهويقول ... أنت التي غرك مني الحسنى ... يا عيش إن القوم قوم أعدا ... الخفض خير من قتال الأبنا ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا اقتتلت المجنبتان حين تزاحفتا قتالا شديدا يشبه ما فيه القلبان واقتتل أهل اليمن فقتل على راية أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة كلما أخذها رجل قتل خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده وهو يقول ... قد عشت يا نفس وقد غنيت ... دهرا فقطك اليوم ما بقيت ... أطلب طول العمر ما حييت ...
وإنما تمثلها وهو قول الشاعر قبله وقال نمران بن أبي نمران الهمداني ... جردت سيفي في رجال الأزد ... أضرب في كهولهم والمرد ... كل طويل الساعدين نهد ...
وأقبلت ربيعة فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد وصرع صعصعة ثم سيحان ثم عبدالله بن رقبة بن المغيرة ثم أبو عبيدة بن راشد بن سلمى وهو يقول اللهم أنت هديتنا من الضلالة واستنقذتنا من الجهالة وابتليتنا بالفتنة فكنا في شبهة وعلى ريبة حتى قتل ثم الحصين بن معبد بن النعمان فأعطاها ابنه معبدا وجعل يقول يا معبد قرب لها بوها تحدب فثبتت في يده
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة لاصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر علي يا أيها الناس طرفوا إذا فرغ الصبر ونزع النصر فجعلوا يتوجؤون الأطراف الأيدي والأرجل فما رئيت وقعة قط قبلها ولا بعدها ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة ورجلا مقطوعة منها لا يدرى من صاحبها وأصيبت يد عبدالرحمن بن عتاب يومئذ قبل قتله وكان الرجل من هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شيء من أطرافه استقتل إلى أن يقتل كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه قال اشتد الأمر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب حتى لزقت به وزقت ميسرة البصرة بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة
أن يختلطوا بقلبهم وإن كانوا إلى جنبهم وفعل مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة فقالت عائشة رضي الله عنها لمن عن يسارها من القوم قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد قالت يآل غسان حافظوا اليوم جلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت ... وجالد من غسان أهل حفاظها ... وهنب وأوس جالدت وشبيب ... (3/45)
وقالت لمن عن يمينها من القوم قالوا بكر بن وائل قالت لكم يقول القائل ... وجاؤوا إلينا في الحديد كأنهم ... من العزة القعساء بكر بن وائل ...
إنما بإزائكم عبد القيس فاقتتلوا أشد القتال من قتالهم قبل ذلك وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت من القوم قالوا بنو ناجية قالت بخ بخ سيوف أبطحية وسيوف قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويها جمرة الجمرات حتى إذا رقوا خالطهم بنو عدي وكثروا حولها فقالت من أنتم قالوا بنو عدي خالطنا إخواننا فقالت ما زالت رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبة حولي فأقاموا رأس الجمل ثم ضربوا ضربا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا لا يزال القوم أو يصرع وأرزت مجنبتا علي فصارتا في القلب وفعل ذلك أهل البصرة وكره القوم بعضهم بعضا وتلاقوا جميعا بقلبيهم وأخذ ابن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز وادعى قتل علباء بن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو فقال ... أنا لمن ينكرني ابن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ... وابن لصوحان على دين علي ...
فناداه عمار لقد لعمري لذت بحريز وما إليك سبيل فإن كنت صادقا فاخرج من هذه الكتيبة إلي فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى كان بين أصحاب عائشة وأصحاب علي فزحم الناس عمارا حتى أقبل إليه فاتقاه عمار بدرقته فضربه فانتشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج فخرج عمار إليه لا يملك من نفسه شيئا فأسف عمار لرجليه فقطعهما فوقع على أسته وحمله أصحابه فارتث بعد فأتي به علي فأمر بضرب عنقه ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام ثم خرج فنادى من يبارز فخنس عمار وبرز إليه ربيعة العقيلي والعدوي يدعى عمرة بن بجرة أشد الناس صوتا وهو يقول ... يا أمنا أعق أم نعلم ... والأم تغدو ولدا وترحم ... ألا ترين كم شجاع يكلم ... وتختلى منه يد ومعصم ...
ثم اضطربا فأثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا
وقال عطية بن بلال ولحق بنا من آخر النهار رجل يدعى الحارث من بني ضبة فقام مقام العدوي فما رأينا رجلا قط أشد منه وجعل يقول ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ... الموت أحلى عندنا من العسل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن المفضل بن محمد عن عدي بن أبي عدي عن أبي رجاء العطاردي قال إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل وهو يقلب سيفا بيده كأنه مخراق وهو يقول ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننازل الموت إذا الموت نزل ... والموت أشهى عندنا من العسل ... ننعى ابن عفان (3/46)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن المفضل الضبي قال كان الرجل وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن الهذلي قال كان عمرو بن يثربي يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام يرتجزون ... نحن بني ضبة لا نفر ... حتى نرى جماجما تخر ... يخر منها العلق المحمر ... يا أمنا يا عيش لن تراعي ... كل بنيك بطل شجاع ... يا أمنا يا زوجة النبي ... يا زوجة المبارك المهدي ...
حتى قتل على الخطام أربعون رجلا وقالت عائشة رضي الله عنها ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وقتل يومئذ عمرو بن يثربي علباء بن الهيثم السدوسي وهند بن عمرو والجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول ... أضربهم ولا أرى أبا حسن ... كفى بهذا حزنا من الحزن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن ...
فزعم الهذلي أن هذا الشعر تمثل به يوم صفين وعرض عمار لعمرو بن يثربي وعمار يومئذ ابن تسعين سنة عليه فرو قد شد وسطه بحبل من ليف فبدره عمرو بن يثربي فنحى له درقته فنشب سيفه فيها ورماه الناس حتى صرع وهو يقول ... إن تقتلوني فأنا ابن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ... ثم ابن صوحان على دين علي ...
وأخذ أسيرا حتى انتهي به إلى علي فقال استبقني فقال أبعد ثلاثة تقبل عليهم بسيفك تضرب به وجوههم فأمر به فقتل
وحدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن إسحاق بن راشد عن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيت مثل يوم الجمل قط ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل فأخذه عبدالرحمن بن عتاب فقتل فأخذه الأسود بن أبي البختري فصرع وجئت فأخذت بالخطام فقالت
عائشة من أنت قلت عبدالله بن الزبير قالت واثكل أسماء ومر بي الأشتر فعرفته فعانقته فسقطنا جميعا وناديت اقتلوني ومالكا فجاء ناس منا ومنهم فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا وضاع الخطام ونادى علي اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا فضربه رجل فسقط فما سمعت صوتا قط أشد من عجيج الجمل (3/47)
وأمر علي محمد بن أبي بكر فضرب عليها قبة وقال انظر هل وصل إليها شيء فأدخل رأسه فقالت من أنت ويلك فقال أبغض أهلك إليك قالت ابن الخثعمية قال نعم قالت بأبي أنت وأمي الحمد لله الذي عافاك
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول قال علقمة قلت للأشتر قد كنت كارها لقتل عثمان رضي الله عنه فما أخرجك بالبصرة
قال إن هؤلاء بايعوه ثم نكثوا وكان ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج فكنت أدعو الله عز و جل أن يلقينيه فلقيني كفة لكفة فما رضيت بشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه فصرعته
قلنا فهو القائل اقتلوني ومالكا قال لا ما تركته وفي نفسي منه شيء ذاك عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد لقيني فاختلفنا ضربتين فصرعني وصرعته فجعل يقول اقتلوني ومالكا ولا يعلمون من مالك فلو يعلمون لقتلوني
ثم قال أبو بكر بن عياش هذا كتابك شاهده
حدثني به المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قلت للأشتر حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبدالله عن طلحة بن النضر عن عثمان بن سليمان عن عبدالله بن الزبير قال وقف علينا شاب فقال احذروا هذين الرجلين فذكره وعلامة الأشتر أن إحدى قدميه بادية من شيء يجد بها قال لما التقينا قال الأشتر لما قصد لي سوى رمحه لرجلي قلت هذا أحمق وما عسى أن يدرك مني لو قطعها ألست قاتله
فلما دنا مني جمع يديه في الرمح ثم التمس به وجهي قلت أحد الأقران
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن ابن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه عن جده قال كان عمرو بن الأشرف أخذ بخطام الجمل لا يدنو منه أحد إلا خبطه بسيفه إذ أقبل الحارث بن زهير الأزدي وهو يقول ... يا أمنا يا خير أم نعلم ... أما ترين كم شجاع يكلم ... وتختلى هامته والمعصم ...
فاختلفا ضربتين فرأيتهما يفحصان الأرض بأرجلهما حتى ماتا فدخلت على عائشة رضي الله عنها بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل من الأزد أسكن الكوفة قالت أشهدتنا يوم الجمل قلت نعم قالت ألنا أم علينا قلت عليكم قالت أفتعرف الذي يقول ... يا أمنا يا خير أم نعلم
قلت نعم ذاك ابن عمي فبكت حتى ظننت أنها لا تسكت (3/48)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي ليلى عن دينار بن العيزار قال سمعت الأشتر يقول لقيت عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد فلقيت أشد الناس وأروغه فعانقته فسقطنا إلى الأرض جميعا فنادى اقتلوني ومالكا
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن ابن أبي ليلى عن دينار بن العيزار قال سمعت الأشتر يقول رأيت عبدالله بن حكيم بن حزام معه راية قريش وعدي بن حاتم الطائي وهما يتصاولان كالفحلين فتعاورناه فقتلناه يعني عبدالله فطعن عبدالله عديا ففقأ عينه
حدثني مر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن عمه محمد بن مخنف قال حدثني عدة من أشياخ الحي كلهم شهد الجمل قالوا كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل يومئذ فتناول الراية من أهل بيته الصقعب وأخوه عبدالله بن سليم فقتلوه فأخذها العلاء بن عروة فكان الفتح وهي في يده وكانت راية عبدالقيس من أهل الكوفة مع القاسم بن مسلم فقتل وقتل معه زيد بن صوحان وسيحان بن صوحان وأخذ الراية عدة منهم فقتلوا منهم عبدالله بن رقبة وراشد ثم أخذها منقذ بن النعمان فدفعها إلى ابنه مرة بن منقذ فانقضى الأمر وهي في يده وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل كانت مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقال أبو العرفاء الرقاشي أبق على نفسك وقومك فأقدم وقال يا معشر بكر بن وائل إنه لم يكن أحد له من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل منزلة صاحبكم فانصروه فأقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة إخوة له فقال له يومئذ بشر بن خوط وهو يقاتل ... أنا ابن حسان بن خوط وأبي ... رسول بكر كلها إلى النبي ...
وقال ابنه ... أنعى الرئيس الحارث بن حسان ... لآل ذهل ولآل شيبان ...
وقال رجل من ذهل ... تنعى لنا خير امرئ من عدنان ... عند الطعان ونزال الأقران ...
وقتل رجال من بني محدوج وكانت الرياسة لهم من أهل الكوفة وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخي ما أحسن قتالنا إن كنا على حق قال فإنا على الحق إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنما تمسكنا بأهل بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا وكانت رياسة عبد القيس من أهل البصرة وكانوا مع علي لعمرو بن مرحوم ورياسة بكر بن وائل لشقيق بن ثور والراية مع رشراشة مولاه ورياسة الأزد من أهل البصرة وكانوا مع عائشة لعبدالرحمن بن جشم بن أبي حنين الحمامي فيما حدثني عامر بن حفص ويقال لصبرة بن شيمان الحداني والراية مع عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو ليلى عن أبي عكاشة الهمداني عن رفاعة البجلي عن أبي البختري الطائي قال أطافت ضبة والأزد بعائشة يوم الجمل وإذا رجال من الأزد يأخذون
بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك ورجل من أصحاب علي يقاتل ويقول ... جردت سيفي في رجال الأزد ... أضرب في كهولهم والمرد ... كل طويل الساعدين نهد ... (3/49)
وماج الناس بعضهم في بعض فصرخ صارح اعقروا الجمل فضربه بجير بن دلجة الضبي من أهل الكوفة فقيل له لم عقرته فقال رأيت قومي يقتلون فخفت أن يفنوا ورجوت إن عقرته أن يبقى لهم بقية
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا الصلت بن دينار قا ل انتهى رجل من بني عقيل إلى كعب بن سور رحمه الله وهو مقتول فوضع زج رمحه في عينيه ثم خضخضه وقال ما رأيت مالا قط أحكم نقدا منك
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عوانة قال اقتتلوا يوم الجمل يوما إلى الليل فقال بعضهم ... شفى السيف من زيد وهند نفوسنا ... شفاء ومن عيني عدي بن حاتم ... صبرنا لهم يوما إلى الليل كله ... بصم القنا والمرهفات الصوارم ...
وقال ابن صامت ... يا ضب سيري فإن الأرض واسعة ... على شمالك إن الموت بالقاع ... كتيبة كشعاع الشمس إذ طلعت ... لها أتي إذا ما سال دفاع ... إذا نقيم لكم في كل معترك ... بالمشرفية ضبا غير إبداع ...
حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا روح عن أبرجاء قال رأيت رجلا قد اصطلمت أذنه قلت أخلقة أم شيء أصابك قال أحدثك بينا أنا أمشي بين القتلى يوم الجمل فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول ... لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فلم ننصرف إلا ونحن رواء ... أطعنا قريشا ضلة من حلومنا ... ونصرتنا أهل الحجاز عناء ...
قلت يا عبدالله قل لا إله إلا الله قال ادن مني ولقني فإن في أذني وقرا فدنوت منه فقال لي ممن أنت قلت رجل من الكوفة فوثب علي فاصطلم أذني كما ترى ثم قال إذا لقيت أمك فأخبرنا أن عمير بن الأهلب الضبي فعل بك هذا
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا المفضل الراوية وعامر بن حفص وعبدالمجيد الأسدي قالوا جرح يوم الجمل عمير بن الأهلب الضبي فمر به رجل من أصحاب علي وهو في الجرحى فقال له عمير ادن مني فدنا منه فقطع أذنه وقال عمير بن الأهلب
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا ... فلم ننصرف إلا ونحن رواء ... لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه ... وشيعتها مندوحة وغناء ... أطعنا بني تيم بن مرة شقوة ... وهل تيم إلا أعبد وإماء ... (3/50)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن المقدام الحارثي قال كان منا رجل يدعى هانئ بن خطاب وكان ممن غزا عثمان ولم يشهد الجمل فلما سمع بهذا الرجز يعني رجز القائل ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... في حديث الناس نقض عليه وهو بالكوفة ... أبت شيوخ مذجح وهمدان ... ألا يردوا نعثلا كما كان ... خلقا جديدا بعد خلق الرحمن ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال جعل أبو الجرباء يومئذ يرتجز ويقول ... اسامع أنت مطيع لعلي ... من قبل أن تذوق حد المشرفي ... وخاذل في الحق أزواج النبي ... أعرف قوما لست فيه بعني ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كانت أم المؤمنين في حلقة من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا كان يحمل الراية واللواء لا يحسن تركها وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب لها أنا فلان بن فلان فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد ولما اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه ففقئت عينه ونكل فجاء الأشتر فحامله عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وإنه لأقطع منزوف فاعتنقه ثم جلد به الأرض عن دابته فاضطرب تحته فأفلت وهو جريض
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان لا يجيء رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول أنا فلان بن فلان يا أم المؤمنين فجاء عبدالله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم من أنت فقال أنا عبدالله أنا ابن أختك قالت واثكل أسماء تعني أختها وانتهى إلى الجمل الأشتر وعدي بن حاتم فخرج عبدالله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فمشى إليه الأشتر فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر ومشى إليه عبدالله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضرب عبدالله الأشتر ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وخرا إلى الأرض يعتركان فقال عبدالله بن الزبير اقتلوني ومالكا
وكان مالك يقول ما أحب أن يكون قال والأشتر وأن لي حمر النعم وشد أناس من أصحاب علي وأصحاب عائشة فافترقا وتنقذ كل واحد من الفريقين صاحبه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال وجاء محمد بن
طلحة فأخذ بزمام الجمل فقال يا أمتاه مريني بأمرك قالت آمرك أن تكون كخير بني آدم إن تركت قال فحمل فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه ويقول حم لا ينصرون واجتمع عليه نفر فكلهم ادعى قتله المكعبر الأسدي والمكعبر الضبي ومعاوية بن شداد العبسي وعفان بن الأشقر النصري فأنفذه بعضهم بالرمح ففي ذلك يقول قاتله منهم ... وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم ... هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم ... يذكرني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم ... على غير شيء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لا يتبع الحق يندم ... (3/51)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال قال القعقاع بن عمرو للأشتر يؤلبه يومئذ هل لك في العود فلم يجبه فقال يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك فحمل القعقاع وإن الزمام مع زفر بن الحارث وكان آخر من أعقب في الزمام فلا والله ما بقي من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام الجمل فقتل فيمن قتل يومئذ ربيعة جد إسحاق بن مسلم وزفر يرتجز ويقول ... يا أمنا يا عيش لن تراعي ... كل بنيك بطل شجاع ... ليس بوهام ولا براعي ...
وقام القعقاع يرتجز ويقول ... إذا وردنا آجنا جهرناه ... ولا يطاق ورد ما منعناه ...
تمثلها تمثلا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان من آخر من قاتل ذلك اليوم زفر بن الحارث فزحف إليه القعقاع فلم يبق حول الجمل عامري مكتهل إلا أصيب يتسرعون إلى الموت وقال القعقاع يا بحير بن دلجة صح بقومك فليعقوا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فقال يال ضبة يا عمرو بن دلجة ادع بي إليك فدعا به فقال أنا آمن حتى أرجع قال نعم قال فاجتث ساق البعير فرمى بنفسه على شقه وجرجر البعير وقال القعقاع لمن يليه أنتم آمنون واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودح فوضعاه ثم أطافا به وتفار من وراء ذلك من الناس
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال لما أمسى الناس وتقدم علي وأحيط بالجمل ومن حوله وعقره بجير بن دلجة وقال إنكم آمنون كف بعض الناس عن بعض وقال علي في ذلك حين أمسى وانخنس عنهم القتال ... إليك أشكو عجري وبجري ... ومعشرا غشوا علي بصري ... قتلت منهم مضرا بمضري ... شفيت وقتلت معشري ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال طلحة يومئذ اللهم أعط عثمان مني حتى يرضى فجاء سهم غرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت
حتى امتلأ موزجه دما فلما ثقل قال لمولاه أردفني وابغني مكانا لا أعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما مني فركب مولاه وأمسكه وجعل يقول قد لحقنا القوم حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة خربة وأنزله في فيئها فمات في تلك الخربة ودفن رضي الله عنه في بني سعد (3/52)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن البختري العبدي عن أبيه قال كانت ربيعة مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن فقال بنو صوحان يا أمير المؤمنين ائذن لنا نقف عن مضر ففعل فأتى زيد فقيل له ما يوقفك حيال الجمل وبحيال مضر الموت معك وبإزائك فاعتزل إلينا فقال الموت نريد فأصيبوا يومئذ وأفلت صعصعة من بينهم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية قال كان رجل منا يدعى الحارث فقال يومئذ يال مضر علام يقتل بعضكم بعضا تبادرون لا ندري إلا أنا إلى قضاء وما تكفون في ذلك
حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي حدثني سليمان قال حدثني عبدالله بن المبارك عن جرير قال حدثني الزبير بن الخريت قال شيخ من الحرامين يقال له أبو جبير قال مررت بكعب بن سور وهوآخذ بخطام جمل عائشة رضي الله عنها يوم الجمل فقال يا أبا جبير أنا والله كما قالت القائلة ... بني لا تبن ولا تقاتل ...
فحدثني الزبير بن الخريت قال مر به علي وهو قتيل فقام عليه فقال والله إنك ما علمت كنت لصليبا في الحق قاضيا بالعدل وكيت وكيت فأثنى عليه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن ابن صعصعة المزني أو عن صعصعة عن عمرو بن جأوان عن جرير بن أشرس قال كان القتال يومئذ في صدر النهار مع طلحة والزبير فانهزم الناس وعائشة توقع الصلح فلم يفجأها إلا الناس فأحاطت بها مضر ووقف الناس للقتال فكان القتال نصف النهار مع عائشة وعلي كعب بن سور أخذ مصحف عائشة وعلي فبدر بين الصفين يناشدهم الله عز و جل في دمائهم وأعطي فرمى بها تحته وأتى بترسه فتنكبه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه رضي الله عنه ولم يمهلوهم أن شدوا عليهم والتحم القتال فكان أول مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مخلد بن كثير عن أبيه قال أرسلنا مسلم بن عبدالله يدعو بني أبينا فرشقوه كما صنع القلب بكعب رشقا واحدا فقتلوه فكان أول من قتل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة رضي الله عنها فقالت أم مسلم ترثيه ... لا هم إن مسلما أتاهم ... مستسلما للموت إذ دعاهم ... إلى كتاب الله لا يخشاهم ... فرملوه من دم إذ جاهم ... وأمهم قائمة تراهم ... يأتمرون الغي لا تنهاهم ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال لما انهزمت مجنبتا الكوفة عشية الجمل صاروا إلى القلب وكان ابن يثربي قاضي البصرة قبل كعب بن
سور فشهدهم هو وأخوه يوم الجمل وهما عبدالله وعمرو فكان واقفا أمام الجمل على فرس فقال علي من رجل يحمل على الجمل فانتدب له هند بن عمرو المرادي فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثربي ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يثربي فقتله ثم حمل صعصعة فضربه فقتل ثلاثة أجهز عليهم في المعركة علباء وهند وسيحان وارتث صعصعة وزيد فمات أحدهما وبقي الآخر (3/53)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ بالخطام وحمل الأشتر فاعترضه عبدالله بن الزبير فاختلفا ضربتين ضربة الأشتر فأمه وواثبه عبدالله فاعتنقه فخر به وجعل يقول اقتلوني ومالكا وكان الناس لا يعرفونه بمالك ولو قال والأشتر وكانت له ألف نفس ما نجا منها شيء وما زال يضطرب في يدي عبدالله حتى أفلت وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد وجرح يومئذ مروان وعبدالله بن الزبير
حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني عمر قال حدثني سليمان حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال حدثني محمد بن أبي يعقوب وابن عون عن أبي رجاء قال قال يومئذ عمرو بن يثربي الضبي وهو أخو عميرة القاضي ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننزل بالموت إذا الموت نزل ...
وزاد ابن عون وليس في حديث ابن أبي يعقوب ... القتل أحلى عندنا من العسل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن داود بن أبي هند عن شيخ من بني ضبة قال ارتجز يومئذ ابن يثربي ... أنا لمن انكرني ابن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي ... وابن لصوحان على دين علي ...
وقال من يبارز فبرز له رجل فقتله ثم برز آخر فقتله وارتجز وقال ... أقتلهم وقد أرى عليا ... ولو أشأ أوجرته عمريا ...
فبرز له عمار بن ياسر وإنه لأضعف من بارزه وإن الناس ليسترجعون حين قام عمار وأنا أقول لعمار من ضعفه هذا والله لاحق بأصحابه وكان قضيفا حمش الساقين وعليه سيف حمائله تشف عنه قريب من إبطه فيضربه ابن يثربي بسيفه فنشب في حجفته وضربه عمار وأوهطه ورمى أصحاب علي بن يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتثوه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن حماد البرجمي عن خارجة بن الصلت قال لما قال الضبي يوم الجمل ... نحن بني ضبة أصحاب الجمل ... ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ... ردوا علينا شيخنا ثم بجل ... (3/54)
قال عمير بن أبي الحارث ... كيف نرد شيخكم وقد قحل ... نحن ضربنا صدره حتى انجفل ...
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم عن أبيه عن جده قال عقر الحمل رجل من بني ضبة يقال له ابن دلجة عمرو أو بجير وقال في ذلك الحارث بن قيس وكان من أصحاب عائشة ... نحن ضربنا ساقه فانجدلا ... من ضربة بالنفر كانت فيصلا ... لو لم نكون للرسول ثقلا ... وحرمة لاقتسمونا عجلا ...
وقد نحل ذلك المثنى بن مخرمة من أصحاب علي
شدة القتال يوم الجمل وخبر أعين بن ضبيعة واطلاعه في الهودج
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن نويرة عن أبي عثمان قال قال القعقاع ما رايت شيئا أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفين لقد رأيتنا ندافعهم بأسنتنا ونتكئ على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم
حدثني عيسى بن عبدالرحمن المروزي قال حدثنا الحسن بن الحسين العرني قال حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن سليمان بن قرم عن الأعمش عن عبدالله بن سنان الكاهلي قال لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم حتى لو سيرت عليها الخيل لسارت ثم قال علي السيوف يا أبناء المهاجرين قال الشيخ فما دخلت دار الوليد إلا ذكرت ذلك ا ليوم
حدثني عبدالأعلى بن واصل قال حدثنا أبو فقيم قال حدثنا فطر قال سمعت ابا بشير قال كنت مع مولاى زمن الجمل فما مررت بدار الوليد قط فسمعت أصوات القصارين يضربون إلا ذكرت قتالهم
حدثني عيسى بن عبدالرحمن المروزي قال حدثنا الحسن بن الحسين قال حدثنا يحيى بن يعلى عن عبدالملك بن مسلم عن عيسى بن حطان قال حاص الناس حيصة ثم رجعنا وعائشة على جمل أحمر في هودج أحمر ما شبهته إلا بالقنفذ من النبل
حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبدالله قال حدثني ابن عون عن أبي رجاء قال ذكروا يوم الجمل فقلت كأني أنظر إلى خدر عائشة كأنه قنفذ مما رمي فيه من النبل فقلت لأبي رجاء أقاتلت يومئذ قال والله لقد رميت بأسهم فما أدري ما صنعن
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن راشد السلمي عن ميسرة أبي جميلة أ ن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أتيا عائشة وقد عقر الجمل فقطعا غرضة الرحل واحتملا الهودح فنحياه حتى أمرهما علي فيه أمره بعد قال أدخلاها البصرة فأدخلاها دار عبدالله بن خلف الخزاعي (3/55)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا أمر علي بحمل الهودج من بين القتلى وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر البعير فوضعاه إلى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه نفر فأدخل يده فيه فقالت من هذا قال أخوك البر قالت عقوق قال عمار بن ياسر كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أمه قالت من أنت قال أنا ابنك البار عمار قالت لست لك بأم قال بلى وإن كرهت قالت فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم هيهات والله لن يظفر من كان هذا دأبه وأبرزوها بهودجها من القتلى ووضعوها ليس قربها أحد وكأن هودجها فرخ مقصب مما فيه من النبل وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي حتى اطلع في الهودج فقالت إليك لعنك الله فقال والله ما أرى إلا حميراء قالت هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي به عريانا في خربة من خربات الأزد فانتهى إليها علي فقال أي أمه يغفر الله لنا ولكم قالت غفر الله لنا ولكم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال انتهى محمد بن أبي بكر ومعه عمار فقطع الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال أخوك محمد فقالت مذمم قال يا أخية هل أصابك شيء قالت ما أنت من ذاك قال فمن إذا الضلال قالت بل الهداة وانتهى إليها علي فقال كيف أنت يا أمه قالت بخير قال يغفر الله لك قالت ولك
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما كان من آخر الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبدالله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة بن عبدالعزى بن عبدالدار وهي أم طلحة الطلحات بن عبدالله بن خلف
وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين في قول الواقدي
مقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبدالله عن أبيه قال لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير ومضى الزبير رضي الله عنه حتى مر بعسكر الأحنف فلما رآه وأخبر به قال والله ما هذا بخيار وقال للناس من يأتينا بخبره فقال عمرو بن جرموز لأصحابه أنا فأتبعه فلما لحقه نظر إليه الزبير وكان شديد الغضب قال ما وراءك قال إنما أردت أن أسألك فقال غلام للزبير يدعى عطية كان معه إنه معد فقال ما يهولك من رجل وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه في جربان درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر فأما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم انحدر إلى علي وابن جرموز معه فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فقال سيف طالما جلى
الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم وبعث بذلك إلى عائشة ثم أقبل على الأحنف فقال تربصت فقال ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين فارفق فإن طريقك الذي سلكت بعيد وأنت إلي غدا أحوج منك أمس فاعرف إحساني واستصف مودتي لغد ولا تقولن مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا (3/56)
من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى الزبير في صدر يوم الهزيمة راجلا نحو المدينة فقتله ابن جرموز قالا وخرج عتبة بن أبي سفيان وعبدالرحمن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة قد شججوا في البلاد فلقوا عصمة بن أبير التيمي فقال هل لكم في الجوار قالوا من أنت قال عصمة بن أبير قالوا نعم قال فأنتم في جواري إلى الحول فمضى بهم ثم حماهم وأقام عليهم حتى برأوا ثم قال اختاروا أحب بلد إليكم أبلغكموه قالوا الشام فخرج بهم في أربعمائة راكب من تيم الرباب حتى إذا وغلوا في بلاد كلب بدومة قالوا قد وفيت ذمتك وذممهم وقضيت الذي عليك فارجع فرع وفي ذلك يقول الشاعر ... وفى ابن أبير والرماح شوارع ... بآل أبي العاصي وفاء مذكرا ...
وأما ابن عامر فإنه خرج أيضا مشججا فتلقاه رجل من بني حرقوص يدعى مريا فدعاه للجوار فقال نعم فأجاره وأقام عليه وقال أي البلدان أحب إليك قال دمشق فخرج به في ركب من بني حرقوص حتى بلغوا به دمشق وقال حارثة بن بدر وكان مع عائشة وأصيب في الوقعة ابنه أو أخوه زراع ... أتاني من الأنباء أن ابن عامر ... أناخ وألقى في دمشق المراسيا ...
وأوى مروان بن الحكم إلى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة فقال لهم أعلموا مالك بن مسمع بمكاني فأتوا مالكا فأخبروه بمكانه فقال لأخيه مقاتل كيف نصنع بهذا الرجل الذي قد بعث إلينا يعلمنا بمكانه قال ابعث ابن أخي فأجره والتمسوا له الأمان من علي فإن آمنه فذاك الذي نحب وإن لم يؤمنه خرجنا به وبأسيافنا فإن عرض له جالدنا دونه بأسيافنا فإما إن نسلم وإما أن نهلك كراما وقد استشار غيره من أهله من قبل في الذي استشار فيه مقاتلا فنهاه فأخذ برأي أخيه وترك رأيهم فأرسل إليه فأنزله داره وعزم على منعه إن اضطر إلى ذلك وقال الموت دون الجوار وفاء وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرفوهم بذلك وأوى عبدالله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا وقال ائت أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا محمد بن أبي بكر فأتى عائشة رضي الله عنها فأخبرها فقالت علي بمحمد فقال يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد فأرسلت إليه فقالت اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك فانطلق معه فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال جئتك والله بما كرهت وأبت أم المؤمنين إلا ذلك فخرج عبدالله ومحمد وهما يتشاتمان فذكر محمد عثمان فشتمه وشتم عبدالله محمدا حتى انتهى إلى عائشة في دار عبدالله بن خلف وكان عبدالله بن خلف قبل يوم الجمل مع عائشة وقتل عثمان أخوه مع علي وأرسلت عائشة في طلب من كان جريحا فضمت منهم ناسا وضمت مروان فيمن ضمت فكانوا في بيوت الدار
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وغشي الوجوه عائشة وعلي في عسكره ودخل القعقاع بن عمرو على عائشة في أول من دخل فسلم عليها فقالت إني رأيت رجلين بالأمس اجتلدا بين يدي وارتجزا بكذا فهل تعرف كوفيك منهما قال نعم ذاك الذي قال أعق أم نعلم وكذب والله إنك لأبر أم نعلم ولكن لم تطاعي فقالت والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وخرج فأتى علينا فأخبره أن عائشة سألته فقال ويحك من الرجلان قال ذلك أبو هالة الذي يقول ... كيما أرى صاحبه عليا ... (3/57)
فقال والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة فكان قولهما واحدا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وتسلل الجرحى في جوف الليل ودخل البصرة من كان يطيق الانبعاث منهم وسألت عائشة يومئذ عن عدة من الناس منهم من كان معها ومنهم من كان عليها وقد غشيها الناس وهي في دار عبدالله بن خلف فكلما نعي لها منهم واحد قالت يC فقال لها رجل من أصحابها كيف ذلك قالت كذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلان في الجنة وفلان في الجنة وقال علي بن أبي طالب يومئذ إني لأرجوا ألا يكون أحد من هؤلاء نقى قلبه إلا أدخله الله الجنة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن أبي أيوب عن علي قال ما نزل على النبي صلى الله عليه و سلم آية أفرح له من قول الله عز و جل وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( 1 ) فقال صلى الله عليه و سلم ما أصاب المسلم في الدنيا من مصيبة في نفسه فبذنب وما يعفو الله عز و جل عنه أكثر وما أصابه في الدنيا فهو كفارة له وعفو منه لا يعتد عليه فيه عقوية يوم القيامة وما عفا الله عز و جل عنه في الدنيا فقد عفا عنه والله أعظم من أن يعود في عفوه
توجع علي على قتلى الجمل ودفنهم وجمعه ما كان في العسكر والبعث به إلى البصرة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وأقام علي بن أبي طالب في عسكره ثلاثة ايام لا يدخل البصرة وندب الناس إلى موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم فطاف علي معهم في القتلى فلما أتي بكعب بن سور قال زعمتم أنما خرج معهم السفهاء وهذا الحبر قد ترون وأتى على عبدالرحمن بن عتاب فقال هذا يعسوب القوم يقول الذي كانوا يطيفون به يعني أنهم قد كانوا اجتمعوا عليه ورضوا به لصلاتهم وجعل علي كلما مر برجل فيه خير قال زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء هذا العابد المجتهد وصلى على قتلاهم من أهل البصرة وعلى قتلاهم من أهل الكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء فكانوا مدنيين ومكيين ودفن علي الأطراف في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من شيء ثم بعث به إلى مسجد البصرة أن من عرف شيءا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان فإنه لما بقي لم يعرف خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز و جل لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفى شيء وإنما
كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفيل من السلطان (3/58)
عدد قتلى الجمل
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان قتلى الجمل حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان وخمسمائة من قيس وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل قتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف وقتل من أهل البصرة في المعركة الثانية خمسة آلاف فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة ومن أهل الكوفة خمسة آلاف قالا وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخا كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب ومن لم يقرأ القرآن
وقالت عائشة رضي الله عنها ما زلت أرجو النصر حتى خفيت أصوات بني عدي
دخول علي على عائشة وما أمر به من العقوبة فيمن تناولها
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ودخل علي البصرة يوم الاثنين فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فأتاه الناس ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبدالله بن خلف وهي أعظم دار بالبصرة وجد النساء يبكين على عبدالله وعثمان ابني خلف مع عائشة وصفية ابنة الحارث مختمرة تبكي فلما رأته قالت يا علي يا قاتل الأحبة يا مفرق الجمع أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبدالله منه فلم يرد عليها شيئا ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال لها جبهتنا صفية أما إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام فكف بغلته وقال أما لهممت وأشار إلى الأبواب من الدار أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه وكان أناس من الجرحى قد لجؤوا إلى عائشة فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم فسكتت فخرج علي فقال رجل من الأزد والله لا تفلتنا هذه المرأة فغضب وقال صه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهم ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب فيعير بها عقبه من بعده فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة فأنكل به شرار الناس ومضى علي فلحق به رجل فقال يا أمير المؤمنين قام رجلان ممن لقيت على الباب فتناولا من هو أمض لك شتيمة من صفية قال ويحك لعلها عائشة قال نعم قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما ... جزيت عنا أما عقوقا ... وقال الآخر ... يا أمنا توبي فقد خطيت ...
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين فقال أضرب أعناقهما ثم قال لأنهكنهما عقوبة فضربهما مائة مائة وأخرجهما من ثيابهما
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الحارث بن حصيرة عن أبي الكنود قال هما رجلان
من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبدالله (3/59)
بيعة أهل البصرة عليا وقسمه ما في بيت المال عليهم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بايع الأحنف من العشي لأنه كان خارجا هو وبنو سعد ثم دخلوا جميعا البصرة فبايع أهل البصرة على راياتهم وبايع علي أهل البصرة حتى الجرحى والمستأمنة فلما رجع مروان لحق بمعاوية وقال قائلون لم يبرح المدينة حتى فرغ من صفين
قالا ولما فرغ علي من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة فقسمها على من شهد معه الوقعة فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال لكم أن أظفركم الله عز و جل بالشام مثلها إلى أعطياتكم وخاض في ذلك السبئية وطعنوا على علي من وراء وراء
سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن راشد عن أبيه قال كان من سيرة علي ألا يقتل مدبرا ولا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا فقال قوم يومئذ ما يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم فقال علي القوم أمثالكم من صفح عنا فهو منا ونحن منه ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر وإن لكم في خمسه لغنى فيومئذ تكلمت الخوارج
بعثة الأشتر إلى عائشة بجمل اشتراه لها وخروجها من البصرة إلى مكة
حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن كليب عن أببيه قال لما فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت فاشتريت له جملا بسبعمائة درهم من رجل من مهرة فقال انطلق به إلى عائشة فقل لها بعث به إليك الأشتر مالك بن الحارث وقال هذا عوض من بعيرك فانطلقت به إليها فقلت مالك يقرئك السلام ويقول إن هذا البعير مكان بعيرك قالت لا سلم الله عليه إذ قتل يعسوب العرب تعني ابن طلحة وصنع بابن أختي ما صنع قال فرددنه الأشتر وأعلمته قال فأخرج ذراعين شعراوين وقال أردوا قتلي فما أصنع
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا قصدت عائشة مكة فكان وجهها من البصرة وانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى المدينة من الطريق وأقامت عائشة بمكة إلى الحج ثم رجعت إلى المدينة
ما كتب به علي بن أبي طالب من الفتح إلى عامله بالكوفة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وكتب علي بالفتح إلى عامله بالكوفة حين كتب في أمرها وهو يومئذ بمكة من عبد الله علي أمير المؤمنين أما بعد فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة فناء من أفنية البصرة فأعطاهم الله عز و جل سنة السملمين وقتل منا ومنهم قتلى كثيرة وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن المثنى وهند بن عمرو وعلباء بن الهيثم وسيحان وزيد ابنا صوحان ومحدوج
وكتب عبيدالله بن رافع وكان الرسول زفر بن قيس إلى الكوفة بالبشارة في جمادى الآخرة (3/60)
أخذ علي البيعة على الناس وخبر زياد بن أبي سفيان وعبدالرحمن بن أبي بكرة
وكان في البيعة عليك عهد الله وميثاقه بالوفاء لتكونن لسلمنا سلما ولحربنا حربا ولتكفن عنا لسانك ويدك وكان زياد بن أبي سفيان ممن اعتزل ولم يشهد المعركة قعد وكان في بيت نافع بن الحارث وجاء عبدالرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين مسلما بعدما فرغ علي من البيعة فقال له علي وعمك المتربص المقاعد بي فقال والله يا أمير المؤمنين إنه لك لواد وإنه على مسترك لحريص ولكنه بلغني أنه يشتكي فأعلم لك علمه ثم آتيك وكتم عليا مكانه حتى استأمره فأمره أن يعلمه فأعلمه فقال علي امش أمامي فاهدني إليه ففعل فلما دخل عليه قال تقاعدت عني وتربصت ووضع يده على صدره وقال هذا وجع بين فاعتذر إليه زياد فقبل عذره واستشاره وأراده علي على البصرة فقال رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس فإنه أجدر أن يطمئنوا أو ينقادوا وسأكفيكه وأشير عليه فافترقا على ابن عباس ورجع علي إلى منزله
تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد الخراج
وأمر ابن عباس على البصرة وولى زيادا الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس أن يسمع منه فكان ابن عباس يقول استشرته عند هنة كانت من الناس فقال إن كنت نعلم أنك على الحق وأن من خالفك على الباطل أشرت عليك بما ينبغي وإن كنت لا تدري أشرت عليك بما ينبغي كذلك فقلت إني على الحق وإنهم على الباطل فقال اضرب بمن أطاعك من عصاك ومن ترك أمرك فإن كان أعز للإسلام وأصلح له أن يضرب عنقه فاضرب عنقه فاستكتبته فلما ولى رأيت ما صنع وعلمت أنه قد اجتهد لي رأيه وأعجلت السبئية عليا عن المقام وارتحلوا بغير إذنه فارتحل في آثارهم ليقطع عليهم أمرا إن كانوا أرادوه وقد كان له فيها مقام
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا علم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل أن تغرب الشمس من نسر مر بما حول المدينة معه شيء متعلقه فتأمله الناس فوقع فإذا كف فيها خاتم نقشه عبدالرحمن بن عتاب وجفل من بين مكة والمدينة من أهل البصرة من قرب من البصرة أو بعد وقد علموا بالوقعة مما ينقل إليهم النسور من الأيدي والأقدام
تجهيز علي عليه السلام عائشة رضي الله عنها من البصرة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وجهز علي بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وقال تجهز يا محمد فبلغها فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم وقالت يا بني تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك إنه والله ما كان بيني وبين علي
في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي من الأخيار وقال علي يا ايها الناس صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه و سلم في الدنيا والآخرة (3/61)
وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ست وثلاثين وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما
ما روي من كثرة القتلى يوم الجمل
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا محمد بن الفضل بن عطية الخراساني عن سعيد القطعي قال كنا نتحدث أن قتلى الجمل يزيدون على ستة آلاف
حدثني عبدالله بن أحمد بن شبويه قال حدثني أبي قال حدثنا سليمان بن صالح قال حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال حدثني الزبير بن الخريت عن أبي لبيد لمازة بن زياد قال قلت له لم تسب عليا قال ألا أسب رجلا قتل منا ألفين وخمسمائة والشمس ها هنا قال جرير بن حازم وسمعت ابن أبي يعقوب يقول قتل علي بن أبي طالب يوم الجمل ألفين وخمسمائة ألف وثلثمائة وخمسون من الأزد وثمانمائة من بني ضبة وثلثمائة وخمسون من سائر الناس
وحدثني أبي عن سليمان عن عبدالله عن جرير قال قتل المعرض بن علاط يوم الجمل فقال أخوه الحجاج ... لم أر يوما كان أكثر ساعيا ... بكف شمال فارقتها يمينها ...
قال معاذ وحدثني عبدالله قال قال جرير قتل المعرض بن علاط يوم الجمل فقال أخوه الحجاج ... لم أر يوما كان أكثر ساعيا ... بكف شمال فارقتها يمينها ...
ما قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ من الجمل
حدثني عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي عن سليمان قال حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال سمعت أبا يزيد المديني يقول قال عمار بن ياسر لعائشة رضي الله عنها حين فرغ القوم يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك قالت أبو اليقظان قال نعم قالت والله إنك ما علمت قوال بالحق قال الحمد لله الذي قضى لي على لسانك
آخر حديث الجمل
بعثة علي بن أبي طالب قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر
وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين قتل محمد بن أبي حذيفة وكان سبب قتله أنه لما خرج المصريون إلى عثمان مع محمد بن أبي بكر أقام بمصر وأخرج عنها عبدالله بن سعد بن أبي سرح وضبطها فلم يزل بها مقيما حتى قتل عثمان رضي الله عنه وبويع لعلي وأظهر معاوية الخلاف وبايعه على ذلك عمرو بن العاص فسار معاوية وعمرو إلى محمد بن أبي حذيفة قبل قدوم قيس بن سعد مصر فعالجا دخول مصر فلم يقدرا على ذلك فلم يزالا يخدعان محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر