صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
[ تاريخ الطبري - الطبري ] |
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مبشر قال سألت سالم بن عبدالله عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان فقال الغضب والطمع قلت ما الغضب والطمع قال كان من الإسلام بالمكان الذي هو به وغره أقوام فطمع وكانت له دالة فلزمه حق فأخذه عثمان من ظهره ولم يدهن فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمما بعد أن كان محمدا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مبشر عن سالم بن عبدالله قال لما ولي عثمان لان لهم فانتزع الحقوق انتزاعا ولم يعطل حقا فأحبوه على لينه فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز و جل كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سهل عن القاسم قال كان مما أحدث عثمان فرضي به منه أنه ضرب رجلا في منازعة استخف فيها بالعباس بن عبد المطلب فقيل له فقال نعم أيفخم رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه وأرخص في الاستخفاف به لقد خالف رسول الله صلى الله عليه و سلم من فعل ذلك ومن رضي به منه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن رزيق بن عبد الله الرازي عن علقمة بن مرثد عن حمران بن أبان قال أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته إليه قال مالك تعبدتني قال لم أكن قط أحوج إليك من اليوم قال الزم خمسا لا تنازعك الأمة خزائمها ما لزمتها قال وما هن قال الصبر عن القتل والتحبب والصفح والمداراة وكتمان السر وذكر محمد بن عمر قال حدثني ابن أبي سبرة عن عمرو بن أمية الضمري قال إن قريشا كان من أسن منهم مولعا يأكل الخزيرةوإني كنت أتعشى مع عثمان خزيرا من طبخ من أجود ما رأيت قط فيها بطون الغنم وأدمها اللبن والسمن فقال عثمان كيف ترى هذا الطعام فقلت هذا أطيب ما أكلت قط فقال يرحم الله ابن الخطاب أكلت معه هذه الخزيرة قط قلت نعم فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي وليس فيها لحم وكان أدمها السمن ولا لبن فيها فقا ل عثمان صدقت إن عمر رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره وإنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفا أما والله ما آكله من مال المسلمين ولكني آكله من مالي أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالا وأجدهم في التجارة ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه وقد بلغت سنا فأحب الطعام إلي ألينه ولا أعلم لأحد علي في ذلك تبعة قال محمد وحدثني ابن أبي سبرة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر قال كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيد وصغار الضأن كل ليلة وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولا ولا أكل من الغنم إلا مسانها فقلت لعثمان في ذلك فقال يرحم الله عمرومن يطيق ما كان عمر يطيق قال محمد وحدثني عبد الملك بن يزيد بن السائب عن عبد الله بن السائب قال أخبرني أبي قال أول فسطاط رأيته بمنى فسطاط لعثمان وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز وأول من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان وأول من نخل له الدقيق من الولاة عثمان رضي الله عنه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بلغ عثمان أن ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجا قال محمد بن سلمة إنما هو نيرج فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقر به فأوجعه فدعا به فسأله فقال إنما هو رفق وأمر يعجب منه فأمر به فعزر وأخبر الناس خبره وقرأ (2/681)
عليهم كتاب عثمان إنه قد جد بكم فعليكم بالجد وإياكم والهزال فكان الناس عليه وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره فغضب فنفر في الذين نفروا فضرب معهم فكتب إلى عثمان فيه فلما سير إلى الشام من سير سير كعب بن ذي الحبكة ومالك بن عبد الله وكان دينه كدينه إلى دنباوند لأنها أرض سحرة فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد ... لعمري لئن طردتني ما إلى التي ... طمعت بها من سقطتي لسبيل ... رجوت رجوعي بابن أروى ورجعتي ... إلى الحق دهرا غال ذلك غول ... وإن اغترابي في البلاد وجفوتي ... وشتمي في ذات الإله قليل ... وإن دعائي كل يوم وليلة ... عليك بدنبا وندكم لطويل ... (2/682)
فلما ولي سعيد أقفله وأحسن إليه واستصلحه فكفره فلم يزدد إلا فسادا واستعار ضابىء بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبا يدعى قرحان يصيد الظباء فحبسه عنهم فنافره الأنصاريون واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه فانتزعوه منه وردوه على الأنصار فهجاهم وقال في ذلك ... تحشم دوني وفد قرحان خطة ... تضل لها الوجناء وهي حسير ... فباتوا شباعا ناعمين كأنما ... حباهم ببيت المرزبان أمير ... فكلبكم لا تتركوا فهو أمكم ... فإن عقوق الأمهات كبير ...
فاستعدوا عليه عثمان فأرسل إليه فعزره وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين فاستثقل ذلك فما زال في الحبس حتى مات فيه وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه ... هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... فعلت ووليت البكاء حلائله ... وقائلة قد مات في السجن ضابىء ... ألا من لخصم لم يجد من يجادله ... وقائلة لا يبعد الله ضابئا ... فنعم الفتى تخلو به وتحاوله ...
فلذلك صار عمير بن ضابي سبيئا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن المستنير عن أخيه قال والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه ولا ركب إليه إلا قتل لقد اجتمع بالكوفة نفر فيهم الأشتر وزيد بن صوحان وكعب بن ذي الحبكة وأو زينب وأبو مورع وكميل بن زياد وعمير بن ضابىء فقالوا لا والله لا يرفع رأس ما دام عثمان على الناس فقال عمير بن ضابىء وكميل بن زياد نحن نقتله فركبا إلى المدينة فأما عمير فإنه نكل عنه وأما كميل بن زياد فإنه جسر وثاوره وكان جالسا يرصده حتى أتى عليه عثمان فوجأ عثمان وجهه فوقع على أسته وقال أوجعتني يا أمير المؤمنين قال أولست بفاتك قال لا والله الذي لا إله إلا هو فحلف وقد اجتمع عليه الناس فقالوا نفتشه يا أمير المؤمنين فقال لا قد رزق الله العافية ولا أشتهي أن أطلع منه على غير ما قال وقال إن كان كما قلت يا كميل فافتقد مني وجثا فوالله ما حسبتك إلا تريدني وقال إن كنت صادقا فأجزل الله وإن كنت كاذبا فأذل الله وقعد له على قدميه وقال دونك قال قد تركت فبقي حتى أكثر الناس في نجائهما فلما قدم الحجاج قال من كان من بعث المهلب فليواف مكتبه ولا يجعل على نفسه سبيلا فقام إليه عمير وقال إني شيخ ضعيف ولي ابنان قويان فأخرج أحدهما مكاني أو
كليهما فقال من أنت قال أنا عمير بن ضابىء فقال والله لقد عصيت الله عز و جل منذ أربعين سنة ووالله لأنكلن بك المسلمين غضبت لسارق الكلب ظالما إن أباك إذ غل لهم وإنك هممت ونكلت وإني أهم ثم لا أنكل فضربت عنقه كتب إلي السري عن شعيب عن سيف قال حدثنا رجل من بني أسد قال كان من حديثه انه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه فيمن غزاه فلما قدم الحجاج ونادى بما نادى به عرض رجل عليه ما عوض نفسه فقبل منه فلما قال أسماء بن خارجة لقد كان شأن عمير مما يهمني قال ومن عمير قال هذا الشيخ قال ... ذكرتني الطعن وكنت ناسيا ... (2/683)
أليس فيمن خرج إلى عثمان قال بلى قال فهل بالكوفة أحد غيره قال نعم كميل قال علي بعمير فضرب عنقه ودعا بكميل فهرب فأخذ النخع به فقال له الأسود بن الهيثم ما تريد من شيخ قد كفاكه الكبر فقال أما والله لتحبسن عني لسانك أو لأحسن رأسك بالسيف قال افعل فلما رأى كميل ما لقي قومه من الخوف وهم ألفا مقاتل قال الموت خير من الخوف إذا أخيف ألفان من سببي وحرموا فخرج حتى أتى الحجاج فقال له الحجاج أنت الذي أردت ثم لم يكشفك أمير المؤمنين ولم نرض حتى قعدته للقصاص إذ دفعك عن نفسه فقال على أي ذلك تقتلني تقتلني على عفوه أو على عافيتي قال يا أدهم بن المحرز اقتله قال والأجر بيني وبينك قال نعم قال أدهم بل الأجر لك وما كان من إثم فعلي وقال مالك بن عبدالله وكان من المسيرين ... مضت لابن أروى في كميل ظلامة ... عفاها له والمستقيد يلام ... وقال له لا أقبح اليوم مثلة ... عليك أبا عمرو وأنت إمام ... رويدك رأسي والذي نسكت له ... قريش بنا على الكبير حرام ... وللعفو أمن يعرف الناس فضله ... وليس علينا في القصاص أثام ... ولو علم الفاروق ما أنت صانع ... نهى عنك نهيا ليس فيه كلام ...
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن سحيم بن حفص قال كان ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شريك عثمان في الجاهلية فقال العباس بن ربيعة لعثمان اكتب لي إلى ابن عامر يسلفني مائة ألف فكتب فأعطاه مائة الف وصله بها وأقطعه داره دار العباس بن ربيعةاليوم
وحدثني عمر قال حدثنا علي عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة قال كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا فخرج عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه قال هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك
وحدثني عمر قال حدثنا علي عن عبد ربه عن نافع عن إسماعيلبن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال علي لطلحةأنشدك الله إلا رددت الناس عن عثمان قال لا والله حتى تعطي بنو أمية الحق من أنفسها
وحدثني عمر قال حدثنا علي قال حدثنا أبو بكر البكري عن هشام بن حسان عن الحسن أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة إن رجلا تتسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عز و جل لغرير بالله سبحانه فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم قال الحسن وجاء ها هنا يطلب الدينار والدرهم أو قال الصفراء والبيضاء وحج بالناس في هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين عبدالله بن عباس بأمر عثمان إياه بذلك حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر (2/684)
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان رضي الله عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن يحج بالناس في هذه السنة
ذكر محمد بن عمر الواقدي أن أسامة بن زيد حدثه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال لما حصر عثمان الحصر الآخر قال عكرمة فقلت لابن عباس أو كانا حصرين فقال ابن عباس نعم الحصر الأول حصر اثنتي عشرة وقدم المصريون فلقيهم علي بذي خشب فردهم عنه وقد كان والله علي له صاحب صدق حتى أوغر نفس علي عليه جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على علي فيتحمل ويقولون لو شاء ما كلمك أحد وذلك أن عليا كان يكلمه وينصحه ويغلظ عليه في المنطق في مروان وذويه فيقولون لعثمان هكذا يستقبلك وأنت إمامه وسلفه وابن عمه وابن عمته فما ظنك بما غاب عنك منه فلم يزالوا بعلي حتى أجمع ألا يقوم دونه فدخلت عليه اليوم الذي خرجت فيه إلى مكة فذكرت له أن عثمان دعاني إلى الخروج فقال لي ما يريد عثمان أن ينصحه أحد اتخذ بطانة أهل غش ليس منهم أحد إلا قد تسبب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها فقلت له إن له رحما وحقا فإن رأيت أن تقوم دونه فعلت فإنك لا تعذر إلا بذلك قال ابن عباس فالله يعلم أني رأيت فيه الانكسار والرقة لعثمان ثم إني لأراه يؤتى إليه عظيم ثم قال عكرمة وسمعت ابن عباس يقول قال لي عثمان يابن عباس اذهب إلى خالد بن العاص وهو بمكة فقال له يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام ويقول لك إني محصور منذ كذا وكذا يوما لا أشرب إلا من الأجاج من داري وقد منعت بئرا أشتريتها من صلب مالي رومة فإنما يشربها الناس ولا أشرب منها شيئا ولا آكل إلا مما في بيتي منعت أن آكل مما في السوق شيئا وأنا محصور كما ترى فآمره وقل له فليحج بالناس وليس بفاعل فإن أبى فاحجج أنت بالناس فقدمت الحج في العشر فجئت خالد بن العاص فقلت له ما قال لي عثمان فقال لي هل طاقة بعداوة من ترى فأبى أن يحج وقال فحج أنت بالناس فأنت ابن عم الرجل وهذا الأمر لا يفضي إلا إليه يعني عليا وأنت أحق ان تحمل له ذلك فحججت بالناس ثم قفلت في آخر الشهر فقدمت المدينة وإذا عثمان قد قتل وإذا الناس يتواثبون على رقبة علي بن أبي طالب فلما رآني علي ترك الناس وأقبل علي فانتجاني فقال ما ترى فيما وقع فإنه قد وقع أمر عظيم كما ترى لا طاقة لأحد به فقلت أرى أنه لا بد للناس منك اليوم فأرى أنه لا يبايع اليوم أحد إلا أتهم بدم هذا الرجل فأبى إلا أن يبايع فاتهم بدمه
قال محمد فحدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة قال قال ابن عباس قال لي عثمان رضي الله عنه إني قد استعملت خالد بن العاص بن هشام على مكة وقد بلغ أهل مكة ما صنع الناس فأنا خائف أن يمنعوه الموقف فيأبى فيقاتلهم في حرم الله جل وعز وأمنه وإن قوما جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم فرأيت أن أوليك أمر الموسم وكتب معه إلى أهل الموسم بكتاب يسألهم أن يأخذوا له بالحق ممن حصره فخرج ابن عباس فمر بعائشة في الصلصل فقالت يابن عباس أنشد الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار وتحلبوا من البلدان لأمر قد حم وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر قال قلت يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا فقالت ايها عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك قال ابن أبي سبرة فأخبرني عبد المجيد بن سهيل أنه انتسخ رسالة عثمان التي كتب بها من عكرمة فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني احمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني أذكركم بالله جل وعز الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر وأراكم البينات وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو وأسبغ عليكم نعمته فإن الله عز و جل يقول وقوله الحق وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الأنسان لظلوم كفار ( 1 ) وقال عز و جل يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا إلى قوله لهم عذاب عظيم ( 2 ) وقال وقوله الحق واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( 3 ) وقال وقوله الحق يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ إلى قوله فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم ( 4 ) وقوله عز و جل إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا إلى ولهم عذاب أليم ( 5 ) وقال وقوله الحق فاتقوا الله ما استطعتم إلى فأولئك هم المفلحون ( 6 ) وقال وقوله الحق ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها إلى قوله ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 7 ) وقال وقوله الحق أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم إلى قوله وأحسن تأويلا ( 8 ) وقال وقوله الحق وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات إلى قوله ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( 9 ) وقال وقوله الحق إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله إلى فسيؤتيه أجرا عظيما ( 10 ) أما بعد فإن الله عز و جل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة وحذركم المعصية والفرقة والاختلاف ونبأتكم ما قد فعله الذين من قبلكم وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم إن عصيتموه (2/685)
فاقبلوا نصيحة الله عز و جل واحذروا عذابه فإنكم لن تجدوا أمة هلكت من بعد أن تختلف إلا أن يكون لها رأس بجمعها ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعا وسلط عليكم عدوكم ويستحل بعضكم حرم بعض ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين وتكونوا شيعا وقد قال الله جل وعز لرسوله صلى الله عليه و سلم إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ( 1 ) وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه فإن شعيبا صلى الله عليه و سلم قال لقومه ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح إلى قوله رحيم ودود ( 2 ) أما بعد فإن أقواما ممن كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس انما يدعون إلى كتاب الله عز و جل والحق ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى منهم آخذ للحق ونازع عنه حين يعطاه ومنهم تارك للحق ونازل عنه في الأمر يريد أن يبتزه بغير الحق طال عليهم عمري وراث عليهم أملهم الإمرة فاستعجلوا القدر وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا بالذي أعطيتهم ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئا كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود فقلت أقيموها على من علمتم تعداها في أحد أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد قالوا كتاب الله يتلى فقلت فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب وقالوا المحروم يرزق والمال يوفى ليستن فيه السنة الحسنة ولا يعتدى في الخمس ولا في الصدقة ويؤمر ذو القوة والأمانة وترد مظالم الناس إلى أهلها فرضيت بذلك واصطبرت له وجئت نسوة النبي صلى الله عليه و سلم حتى كلمتهن فقلت ما تأمرنني فقلن تؤمر عمرو بن العاص وعبدالله بن قيس وتدع معاوية فإنما أمره أمير قبلك فإنه مصلح لأرضه راض به جنده واردد عمرا فإن جنده راضون به وأمره فليصلح أرضه فكل ذلك فعلت وإنه اعتدي علي بعد ذلك وعدي على الحق كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر استعجلوا القدر ومنعوا مني الصلاة وحالوا بيني وبين المسجد وابتزوا ما قدروا عليه بالمدينة كتبت إليكم كتابي هذا وهم يخيرونني إحدى ثلاث أما يقيدونني بكل رجل أصبته أو خطأ أو صوابا غير متروك منه شيء وإما أعتزل الأمر فيؤمرون آخر غيري وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة فقلت لهم أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطىء وتصيب فلم يستقد من أحد منهم وقد علمت أنما يريدون نفسي وأما أن أتبرأ من الإمارة فأن يكلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من عمل الله عز و جل وخلافته وأما قولكم يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي فلست عليكم بوكيل ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة ولكن أتوها طائعين يبتغون مرضاة الله عز و جل وإصلاح ذات البين ومن يكن منكم إنما يبتغي الدنيا فليس بنائل منها إلا ما كتب الله عز و جل له ومن يكن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء مرضاة الله عز و جل والسنة الحسنة التي استن بها رسول الله صلى الله عليه و سلم والخليفتان من بعده رضي الله عنهما فإنما يجزي بذلكم الله وليس بيدي جزاؤكم ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم ولم يغن عنكم شيئا فاتقوا (2/686)
الله واحتسبوا ما عنده فمن يرض بالنكث منكم فإني لا أرضاه له ولا يرضى الله سبحانه أن تنكثوا عهده وأما الذي يخبرونني فإنما كله النزع والتأمير فملكت نفسي ومن معي ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه وكرهت سنة السوء وشقاق الأمة وسفك الدماء فإني أنشدكم بالله والإسلام ألا تأخذوا إلا الحق وتعطوه مني وترك البغي على أهله وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز و جل فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والموازرة في أمر الله فإن الله سبحانه قال وقوله الحق وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ( 1 ) فإن هذه معذرة إلى الله ولعلكم تذكرون أما بعد فإني لا أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ( 2 ) وإن عاقبت أقواما فلما أبتغي بذلك إلا الخير وإني أتوب إلى الله عز و جل كل عمل عملته وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلا هو إن رحمة ربي وسعت كل شيء إنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون وأنا أسأل الله عز و جل أن يغفر لي ولكم وأن يؤلق قلوب هذه الأمة على الخير ويكره إليها الفسق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون قال ابن عباس فقرأت هذا الكتاب عليهم قبل التروية بمكة بيوم قال وحدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال دعاني عثمان فاستعملني على الحج قال فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي (2/687)
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه عثمان رضي الله عنه ومن صلى عليه وولي أمره بعد ما قتل إلى أن فرغ من أمره ودفنه
حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين بن عيسى عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن ثم إن حكم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزي وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلما عليا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل وأذن لهم علي فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما خرج به على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع فامر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين
وحدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن المجالد بن سعيد الهمداني عن يسار بن أبي كرب عن أبيه وكان أبو كرب عاملا على بيت مال عثمان قال دفن عثمان رضي الله نه بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة
فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه وأخذ الناس الحجارة وقالوا نعثل وكادت ترجم فقالوا الحائط الحائط فدفن في حائط خارجا وأما الواقدي فإنه ذكر أن سعد بن راشد حدثه عن صالح بن كيسان أنه قال لما قتل عثمان رضي الله عنه قال رجل يدفن بدير سلع مقبرة ا ليهود فقال حكيم بن حزام والله لا يكون هذا أبدا وأحد من ولد قصي حي حتى كاد الشر يلتحم فقال ابن عديس البلوي أيها الشيخ وما يضرك أين يدفن فقال حكيم بن حزام لا يدفن إلا ببقيع الغرقد حيث دفن سلفه وفرطه فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلا وفيهم الزبير فصلى عليه حكيم بن حزام قال الواقدي الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة فلم يقدروا على دفنه وأرسلت نائلة ابنة الفرافصة إلى حويطب بن عبدالعزى وجبير بن مطعم وأبي جهم بن حذيفة وحكيم بن حزام ونيار الأسلمي فقالوا إنا لا نقدر أن نخرج به نهارا وهؤلاء المصريون على الباب فأمهلوا حتى كان بين المغرب والعشاء فدخل القوم فحيل بينهم وبينه فقال أبو جهم والله لا يحول بيني وبينه أحد إلا مت دونه احملوه فحمل إلى البقيع قال وتبعتهم نائلة بسراج استسرجته بالبقيع وغلام لعثمان حتى انتهوا إلى نخلات عليها حائط فدقوا الجدار ثم قبروه في تلك النخلات وصلى عليه جبير بن مطعم فذهبت نائلة تريد أن تتكلم فزبرها القوم وقالوا إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه فرجعت نائلة إلى منزلها (2/688)
قال محمد وحدثني عبدالله بن يزيد الهذلي عن عبدالله بن ساعدة قال لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثم حمله أربعة حكيم بن حزام وجبير بن مطعم ونيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع فقال أبو جهم ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته فقالوا لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا فدفنوه في حش كوكب فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية
قال محمد وحدثني عبدلله بن موسى المخزومي قال لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهن فقال ابن عديس اتركوه فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الأنصار وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع على باب فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال سجنت ضابئا حتى مات في السجن
وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا أبو بكر بن عبدالله بن أبي أويس قال حدثني عم جدي الربيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه قال كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل حملناه على باب وإن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما حتى واريناه في قبره في حش كوكب وأما سيف فإنه روى فيما كتب به إلي السري عن شعيب عنه عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد
وطلحة أن عثمان لما قتل أرسلت نائلة إلى عبدالرحمن بن عديس فقالت له إنك أمس القوم رحما وأولاهم بأن تقوم بأمري أغرب عني هؤلاء الأموات قال فشتمها وزجرها حتى إذا كان في جوف الليل خرج مروان حتى أتى دار عثمان فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيدالله وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامة من ثم من صحابه فتوافى إلى موضع الجنائز صبيان ونساء فأخرجوا عثمان فصلى عليه مروان ثم خرجوا به حتى انتهوا إلى البقيع فدفنوه فيه مما يلي حش كوكب حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان الذين قتلوا معه فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوا فأدخلوهم حش كوكب فلما أمسوا خرجوا بعبدين منهم فدفنوهما إلى جنب عثمان ومع كل واحد منهما خمسة نفر وامرأة فاطمة أم إبراهيم بن عدي ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر فقالوا إنك أمس القوم بنا رحما فأمر بهاتين الجيفتين اللتين في الدار أن تخرجا فكلمهم في ذلك فأبوا فقال أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لف لفهم فأخرجوهما فارموا بهما فجروا بأرجلهما فرمى بهما على البلاط فأكلتها الكلاب وكان العبدان اللذان قتلا يوم الدار يقال لهما نجيح وصبيح فكان اسماهما الغالب على الرقيق لفضلهما وبلائهما ولم يحفظ الناس اسم الثالث ولم يغسل عثمان وكفن في ثيابه ودمائه ولا غسل غلاماه وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي قال دفن عثمان رضي الله عنه من الليل وصلى عليه مروان بن الحكم وخرجت ابنته تبكي في أثره ونائلة ابنة الفرافصة رحمهم الله (2/689)
ذكر الخبر عن الوقت الذي قتل فيه عثمان رضي الله عنه
اختلف في ذلك بعد إجماع جميعهم على أنه قتل في ذي الحجة فقال بعضهم قتل لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين من الهجرة فقال الجمهور منهم قتل لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ذكر الرواية بذلك عن بعض من قال إنه قتل في سنة ست وثلاثين
حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عثمان بن محمد الأخنسي قال الحارث وحدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبدالله بن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد عن أبيه قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة غير اثني عشر يوما وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقال أبو بكر أخبرنا مصعب بن عبدالله قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين بعد العصر وقال آخرون قتل في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين لثماني عشرة ليلة خلت منه ذكر من قال ذلك
حدثني جعفر بن عبدالله قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن المجالد بن سعيد الهمداني عن عامر الشعبي أنه قال حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه في الدار اثنتين
وعشرين ليلة وقتل صبحة ثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم (2/690)
وحدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان قالوا قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر رضي الله عنه
وحدثت عن زكرياء بن عدي قال حدثنا عبيدالله بن عمرو عن ابن عقيل قال قتل عثمان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة قالوا قتل عثمان رضي الله عنه لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة يوم الجمعة في آخر ساعة وقال آخرون قتل يوم الجمعة ضحوة ذكر من قال ذلك ذكر عن هشام بن الكلبي أنه قال قتل عثمان رضي الله عنه صبيحة الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا ثمانية أيام
حدثنا الحارث عن ابن سعد عن محمد بن عمر قال حدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وقال آخرون قتل في أيام التشريق ذكر من قال ذلك
حدثني احمد بن زهير قال حدثنا أبي أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال قتل عثمان رضي الله عنه فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق وقال بعضهم قتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة
ذكر الخبر عن قدر مدة حياته
اختلف السلف قبلنا في ذلك فقال بعضهم كانت مدة ذلك اثنتين وثمانين سنة ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر أن عثمان رضي الله عنه قتل وهو
ابن اثنتين وثمانين سنة قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي قال قتل عثمان رضي الله عنه وهوابن اثنتين وثمانين سنة قال محمد وحدثني سعد بن راشد عن صالح بن كيسان قال قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وأشهر وقال آخرون قتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانين ذكر من قال ذلك (2/691)
حدثت عن الحسن بن موسى الأشيب قال حدثنا أبو هلال عن قتادة أن عثمان رضي الله عنه قتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانين سنة وقال آخرون قتل وهو ابن خمس وسبعين سنة وذلك قول ذكر عن هشام بن محمد وقال بعضهم قتل وهو ابن ثلاث وستين وهذا قول نسبه سيف بن عمر إلى جماعة كتب إلي السري عن شعيب عن سيف أن أبا حارثة وأبا عثمان ومحمدا وطلحة قالوا قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال آخرون قتل وهو ابن ست وثمانين ذكر من قال ذلك
حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ست وثمانين
ذكر الخبر عن صفة عثمان
حدثني زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال زعم أبو المقدام عن الحسن بن أبي الحسن قال دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان رضي الله عنه متكئا على ردائه فنظرت إليه فإذا رجل حسن الوجه وإذا بوجهه نكتات من جدري وإذا شعره قد كسا ذراعيه
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال سألت عمرو بن عبدالله بن عنبسة وعروة بن خالد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان وعبدالرحمن بن أبي الزناد عن صفة عثمان فلم أر بينهم اختلافا قالوا كان رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه رقيق البشرة كث اللحية عظيمها أسمر اللون عظيم الكراديس عظيم ما بي المنكبين كثير شعر الرأس يصفر لحيته
وحدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي يقول سمعت يونس بن زيد الأيلي عن الزهري قال كان عثمان رجلا مربوعا حسن الشعر حسن الوجه أصلع أروح الرجلين
ذكر الخبر عن وقت إسلامه وهجرته (2/692)
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال كان إسلام عثمان قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم قال وكان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية ومعه فيهما جميعا امراته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم
ذكر الخبر عما كان يكنى به عثمان بن عفان رضي الله عنه
حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما كان في الإسلام ولد له من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم غلام فسماه عبدالله واكتنى به فكناه المسلمون أبا عبدالله فبلغ عبدالله ست سنين فنقره ديك على عينه فمرض فمات في جمادى الأولى سنة أربع من الهجرة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ونزل في حفرته عثمان رضي الله عنه وقال هشام بن محمد كان يكنى أبا عمرو
ذكر نسبه
هو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وأمه أروى ابنة كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وأمها أم حكيم بنت عبدالمطلب
ذكر أولاده وأزواجه
رقية وأم كلثوم ابنتا رسول الله صلى الله عليه و سلم ولدت له رقية عبدالله وفاختة ابنة غزوان بن جابر بن نسيب بن وهيب بن زيد بن مالك بن عبد بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ولدت له ابنا فسماه عبدالله وهو عبدالله الأصغر هلك وأم عمرو بنت جندب بن عمرو بن حممة بن الحارث بن رفاعة بن سعد بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غنم بن دهمان بن منهب بن دوس من الأزد ولدت له عمرا وخالدا وأبانا وعمر ومريم وفاطمة ابنة الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ولدت له الوليد وسعيدا وأم سعيد بني عثمان وأم البنين عيينة بن حص بن حذيفة بن بدر الفزاري ولدت له عبدالملك بن عثمان هلك ورملة ابنة شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو بنات عثمان ونائلة ابنة الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب ولدت له مريم ابنة عثمان وقال هشام بن الكلبي ولدت أم البنين بنت عيينة بن حصن لعثمان عبدالملك وعتبة وقال أيضا ولدت نائلة عنبسة
وزعم الواقدي أن لعثمان ابنة تدعى أم البنين بنت عثمان من نائلة قال وهي التي كانت عند عبدالله بن يزيد بن أبي سفيان وقتل عثمان رضي الله عنه وعنده رملة ابنة شيبة ونائلة وأم البنين بنت عيينة وفاختة ابنة غزوان غير أنه فيما زعم علي بن محمد طلق أم البنين وهو محصور فهؤلاء أزواجه ا للواتي كن له في الجاهلية والإسلام وأولاده رجالهم ونساؤهم (2/693)
ذكر أسماء عمال عثمان رضي الله عنه في هذه السنة على البلدان
قال محمد بن عمر قتل عثمان رضي الله عنه وعماله على الأمصار فيما حدثني عبدالرحمن بن أبي الزناد على مكة عبدالله بن الحضرمي وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبدالله بن أبي ربيعة وعلى البصرة عبدالله بن عامر بن كريز خرج منها فلم يول عليها عثمان أحدا وعلى الكوفة سعيد بن العاص أخرج منها فلم يترك يدخلها وعلى مصر عبدالله بن سعد بن أبي سرح قدم على عثمان وغلب محمد بن أبي حذيفة عليها وكان عبدالله بن سعد استخلف على مصر السائب بن هشام بن عمرو العامري فأخرجه محمد بن أبي حذيفة وعلى الشأم معاوية بن أبي سفيان وفيما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا مات عثمان رضي الله عنه وعلى الشام معاوية وعامل معاوية على حمص عبدالرحمن بن خالد بن الوليد وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني وعلى البحر عبدالله بن قيس الفزاري وعلى القضاء أبو الدرداء وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية قال مات عثمان رضي الله عنه وعلى الكوفة على صلاتها أبو موسى وعلى خراج السواد جابر بن عمرو المزني وهو صاحب المسناة إلى جانب الكوفة وسماك الأنصاري وعلى حربها القعقاع بن عمرو وعلى قرقيسياء جرير بن عبدالله وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وعلى ماه مالك بن حبيب وعلى همذان النسير وعلى الري سعيد بن قيس وعلى إصبهان السائب بن الأقرع وعلى ماسبذان حبيش وعلى بيت المال عقبة بن عمرو وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت
ذكر بعض خطب عثمان رضي الله عنه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن القاسم بن محمد عن عون بن عبدالله بن عتبة قال خطب عثمان الناس بعد ما بويع فقال أما بعد فإني قد حملت وقد قبلت ألا وإني متبع ولست بمبتدع ألا وإن لكم علي بعد كتاب الله عز و جل وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ثلاثا اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ والكف عنكم إلا فيما استوجبتم ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن بدر بن عثمان عن عمه قال آخر خطبة خطبها
عثمان رضي الله عنه في جماعة إن الله عز و جل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله جل وعز فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ( 1 ) إلى آخر القصة (2/694)
ذكر الخبر عمن كان يصلي بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حصر عثمان
قال محمد بن عمر حدثني ربيعة بن عثمان جاء المؤذن سعد القرظ إلى علي بن أبي طالب في ذلك اليوم فقال من يصلي بالناس فقال علي ناد خالد بن زيد فنادى خالد بن زيد فصلى بالناس فإنه لأول يوم عرف أن أبا أيوب خالد بن زيد فكان يصلي بهم أياما ثم صلى علي بعد ذلك بالناس قال محمد وحدثني عبدالرحمن بن عبدالعزيز عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم قال جاء المؤذن إلى عثمان فآذنه بالصلاة فقال لا أنزل أصلي اذهب إلى من يصلي فجاء المؤذن إلى علي فأمر سهل بن حنيف فصلى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر وهو ليلة رئي هلال ذي الحجة فصلى بهم حتى إذا كان يوم العيد صلى علي العيد ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه قال وحدثني عبدالله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال لما حصر عثمان صلى بالناس أبو أيوب أياما ثم صلى بهم علي الجمعة والعيد حتى قتل رضي الله عنه
ذكر ما رثي به من الأشعار
وتقاول الشعراء بعد مقتله فيه فمن مادح وهاج ومن نائح باك ومن سار فرح فكان ممن يمدحه حسان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريان وتميم بن أبي بن مقبل في آخرين غيرهم مما مدحه به وبكاه حسان وهجا به قاتله ... أتركتم غزو الدروب وراءكم ... وغزوتمونا عند قبر محمد ... فلبئس هدي المسلمين هديتم ... ولبئس أمر الفاجر المتعمد ... إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم ... حول المدينة كل لين مذود ... أو تدبروا فلبئس ما سافرتم ... ولمثل أمر أميركم لم يرشد ... وكأن أصحاب النبي عشية ... بدن تذبح عند باب المسجد ... أبكي أبا عمرو لحسن بلائه ... أمسى مقيما في بقيع الغرقد ...
وقال أيضا
إن تمس دار ابن أروى منه خاوية ... باب صريع وباب محرق خرب ... فقد يصادف باغي الخير حاجته ... فيها ويهوي إليها الذكر والحسب ... يأيها الناس أبدوا ذات أنفسكم ... لا يستوي الصدق عند الله والكذب ... قوموا بحق مليك الناس تعترفوا ... بغارة عصب من خلفها عصب ... فيهم حبيب شهاب الموت يقدمهم ... مستلئما قد بدا في وجهه الغضب ... (2/695)
وله فيه أشعار كثيرة وقال كعب بن مالك الأنصاري
... يا للرجال للبك المخطوف ... ولدمعك المترقرق المنزوف ... ويح لأمر قد أتاني رائع ... هد الجبال فأنقضت برجوف ... قتل الخليفة كان أمرا مفظعا ... قامت لذاك بلية التخويف ... قتل الإمام له النجوم خواضع ... والشمس بازغة له بكسوف ... يا لهف نفسي إذ تولوا غدوة ... بالنعش فوق عواتق وكتوف ... ولوا ودلوا في الضريح أخاهم ... ماذا أجن ضريحه المسقوف ... من نائل أو سؤدد وحمالة ... سبقت له في الناس أو معروف ... كم من يتيم كان يجبر عظمه ... أمسى بمنزله الضياع يطوف ... ما زال يقبلهم ويرأب ظلمهم ... حتى سمعت برنة التلهيف ... أمسى مقيما بالبقيع وأصبحوا ... متفرقين قد أجمعوا بخفوف ... النار موعدهم بقتل إمامهم ... عثمان ظهرا في البلاد عفيف ... جمع الحمالة بعد حلم راجح ... والخير فيه مبين معروف ... يا كعب لا تنفك تبكي مالكا ... ما دمت حيا في البلاد تطوف ... فابكي أبا عمرو عتيقا واصلا ... ولواءهم إذ كان غير سخيف ... وليبكه عند الحفاظ لمعظم ... والخيل بين مقانب وصفوف ... قتلوك يا عثمان غير مدنس ... قتلا لعمرك واقفا بسقيف ...
وقال حسان
... من سره الموت صرفا لا مزاج له ... فليأت مأسدة في دار عثمانا ... مستشعري حلق الماذي قد شفعت ... قبل المخاطم بيض زان أبدانا ... صبرا فدى لكم أمي وما ولدت ... قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا ... فقد رضينا بأهل الشام نافرة ... وبالأمير وبالإخوان إخوانا ... إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا ... ما دمت حيا وما سميت حسانا ... لتسمعن وشيكا في ديارهم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا ... يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ... ما كان شأن علي وابن عفانا ...
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرض عمارة بن عقبة
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة ... قتيل التجيبي الذي جاء من مصر ... فإن يك ظني بابن أمي صادقا ... عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر ... يبيت وأوتار ابن عفان عنده ... مخيمة بين الخورنق والقصر ... (2/696)
فأجابه الفضل بن عباس
... أتطلب ثأرا لست منه ولا له ... وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو ... كما اتصلت بنت الحمار بأمها ... وتنسى أباها إذ تسامى أولى الفخر ... ألا إن خير الناس بعد محمد ... وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر ... وأول من صلى وصنو نبيه ... وأول من أردى الغواة لدى بدر ... فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم ... لكانوا له من ظلمه حاضري النصر ... كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله ... وأن يسلموه للأحابيش من مصر ...
وقال الحباب بن يزيد المجاشعي عم الفرزدق
... لعمر أبيك فلا تجزعن ... لقد ذهب الخير إلا قليلا ... لقد سفه الناس في دينهم ... وخلى ابن عفان شرا طويلا ... أعاذل كل امرئ هالك ... فسيري إلى الله سيرا جميلا ... خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وفي هذه السنة بويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة بالخلافة
ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه
اختلف السلف من أهل السير في ذلك فقال بعضهم سأل عليا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يتقلد لهم وللمسلمين فأبى عليهم فلما أبوا عليه وطلبوا إليه تقلد ذلك لهم ذكر الرواية بذلك عمن رواه
حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين عن أبيه عن عبدالملك بن أبي سليمان الفزاري عن سالم بن ابي الجعد الأشجعي عن محمد بن الحنفية قال كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين قال سالم بن أبي الجعد فقال عبدالله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه وأبى هو إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس
وحدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال كنت بالمدينة حين قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة
والزبير فأتوا عليا فقالوا يا أبا حسن هلم نبايعك فقال لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا والله فقالوا ما نختار غيرك قال فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة وقد طال الأمر فقال لهم إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه قالوا ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله فجاء فصعد المنبر فاجتمع الناس إليه فقال إني كنت كارها لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهما دونكم رضيتم قالوا نعم قال اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على لى ذلك قال أبو بشير وأنا يومئذ عند منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم أسمع ما يقول (2/697)
وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرنا أبو بكر الهذلي عن أبي المليح قال لما قتل عثمان رضي الله عنه خرج علي إلى السوق وذلك يوم السبت لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس وبهشوا في وجهه فدخل حائط بني عمرو بن مبذول وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب فجاء الناس فقرعوا الباب فدخلوا فيهم طلحة والزبير فقالا يا علي ابسط يدك فبايعه طلحة والزبير فنظر حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز ونعلاه في يده متوكئا على قوس فبايعه الناس وجاؤوا بسعد فقال علي بايع قال لا أبايع حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس قال خلوا سبيله وجاؤوا بابن عمر فقال بايع قال لا أبايع حتى يبايع الناس قال ائتني بحميل قال لا أرى حميلا قال الأشتر خل عني أضرب عنقه قال علي دعوه أنا حميله إنك ما علمت لسيء الخلق صغيرا وكبيرا
وحدثني محمد بن سنان القزاز قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا هشيم قال أخبرنا حميد عن الحسن قال رأيت الزبير بن العوام بايع عليا في حش من حشان المدينة
وحدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بايع الناس عليا بن أبي طالب فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طلحة فقام مالك الأشتر وسل سيفه قال والله لتبايعن أو لأضربن به ما بين عينيك فقال طلحة وأين المهرب عنه فبايعه وبايعه الزبير والناس وسأل طلحة والزبير أن يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال تكونان عندي فأتحمل بكما فإني وحش لفراقكما قال الزهري وقد بلغنا أنه قال مهما إن أحببتما أن تبايعا لي وإن أحببتما بايعتكما فقالا بل نبايعك وقالا بعد ذلك إنما صنعنا ذلك خشية على أنفسنا وقد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا فظهرا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر
وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن عبدالملك بن أبي سليمان عن سالم بن أبي ا لجعد عن محمد بن الحنفية قال كنت أمسي مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه حتى دخل بيته فأتاه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إن هذا الرجل قد قتل ولا بد من إمام للناس قال أو تكون شورى قالوا أنت لنا رضا قال فالمسجد إذا يكون عن رضا من الناس فخرج إلى المسجد فبايعه من
بايعه وبايعت الأنصار عليا إلا نفيرا يسيرا فقال طلحة مالنا من هذا الأمر إلا كحسة أنف الكلب (2/698)
وحدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا شيخ من بني هاشم عن عبدالله بن الحسن قال لما قتل عثمان رضي الله عنه بايعت الأنصار عليا إلا نفيرا يسيرا منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن عجرة كانوا عثمانية فقال رجل لعبدالله بن حسن كيف أبى هؤلاء بيعة علي وكانوا عثمانية قال أما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع وأما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصارا لله مرتين فقال أبو أيوب ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان فأما كعب بن مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له قال وحدثني من سمع الزهري يقول هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليا ولم يبايعه قدامة بن مظعون وعبدالله بن سلام والمغيرة بن شعبة وقال آخرون إنما بايع طلحة والزبير عليا كرها وقال بعضهم لم يبايعه الزبير ذكر من قال ذلك
حدثني عبدالله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبدالله عن جرير بن حازم قال حدثني هشام بن أبي هشام مولى عثمان بن عفان عن شيخ من أهل الكوفة يحدثه عن شيخ آخر قال حصر عثمان وعلي بخيبر فلما قدم أرسل إليه عثمان يدعوه فانطلق فقلت لأنطلقن معه ولأسمعن مقالتهما فلما دخل عليه كلمه عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن لي عليك حقوقا حق الإسلام وحق الإخاء وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين آخى بين الصحابة آخى بيني وبينك وحق القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق فوالله لو لم يكن من هذا شيء ثم كنا إنما نحن في جاهلية لكان مبطأ على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم فتكلم علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فكل ما ذكرت من حقك علي على ما ذكرت أما قولك لو كنا في جاهلية لكان مبطأ على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم فصدقت وسيأتيك الخبر ثم خرج فدخل المسجد فرأى أسامة جالسا فدعاه فاعتمد على يده فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار طلحة بن عبيدالله وهي دحاس من الناس فقام إليه فقال يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه فقال يا أبا حسن بعدما مس الحزام الطبيين فانصرف علي ولم يحر إليه شيئا حتى أتى بيت المال فقال افتحوا هذا الباب فلم يقدر على المفاتيح فقال اكسروه فكسر باب بيت المال فقال أخرجوا المال فجعل يعطي الناس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع علي فجعلوا يتسللون إليه حتى ترك طلحة وحده وبلغ الخبر عثمان فسر بذلك ثم أقبل طلحة يمشي عائدا إلى دار عثمان فقلت والله لأنظرن ما يقول هذا فتبعته فاستأذن على عثمان فلما دخل عليه قال يا أمير المؤمنين أستغفر الله وأتوب إليه أردت أمرا فحال الله بيني وبينه فقال عثمان إنك والله ما جئت تائبا ولكنك جئت مغلوبا الله حسيبك يا طلحة
وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن سعد قال قال طلحة بايعت والسيف فوق رأسي فقال سعد لا أدري والسيف على رأسه أم لا إلا أني أعلم أنه بايع كارها قال وبايع الناس عليا بالمدينة وتربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم ابن عمر وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش وأسامة بن زيد ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع فيما نعلم (2/699)
وحدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب بن عبدالله قال حدثني أبي عبدالله بن مصعب عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير قال لما قتل الناس عثمان رضي الله عنه وبايعوا عليا جاء علي إلى الزبير فاستأذن عليه فأعلمته به فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم على الزبير وهو واقف بنحره ثم خرج فقال الزبير لقد دخل المرء ما أقصاه قم في مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال ذاك أعجل الرجل فلما خرج علي سأله الناس فقال وجدت أبر ابن أخت وأوصله فظن الناس خيرا فقال علي إنه بايعه ومما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف بن عمر قال حدثنا محمد بن عبدالله بن سواد بن نويرة وطلحة بن الأعلم وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا بقيت المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه يأتي المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا لا نولي أحدا من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا إنك من أهل الشورى فرأينا فيك مجتمع فاقدم نبايعك فبعث إليهم إني وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال وتمثل ... لا تخلطن خبثات طيبة ... واخلع ثيابك منها وانج عريانا ...
ثم إنهم أتوا ابن عمر عبدالله فقالوا أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر فقال إن لهذا الأمر انتقاما والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون والأمر أمرهم وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال كانوا إذا لقوا طلحة أبى وقال ... ومن عجب الأيام والدهر أنني ... بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلي ...
فيقولون إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال ... متى أنت عن دار بفيحان راحل ... وباحتها تخنو عليك الكتائب ...
فيقولون إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال ... لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
فيقولن إنك لتوعدنا فيقومون ويتركونه (2/700)
وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال أخبرنا مسلمة بن محارب عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال لما قتل عثمان رضي الله عنه أتى الناس عليا وهو في سوق المدينة وقالوا له ابسط يدك نبايعك قال لا تعجلوا فإن عمر كان رجلا مباركا وقد أوصى بها شورى فأمهلوا يجتمع الناس ويتشاورون فارتد الناس عن علي ثم قال بعضهم إن رجع الناس إلى أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الأمر لم نأمن اختلاف الناس وفساد الأمة فعادوا إلى علي فأخذ الأشتر بيده فقبضها علي فقال أبعد ثلاثة أما والله لئن تركتها لتقصرن عنيتك عليها حينا فبايعته العامة وأهل الكوفة يقولون إن أول من بايعه الأشتر وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه جمعوا أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا بني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابر على الأمة فانظروا رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور علي بن أبي طالب نحن به راضون
وأخبرنا علي بن مسلم قال حدثنا حبان بن هلال قال حدثنا جعفر بن سليمان عن عوف قال أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول إن عليا جاء فقال لطلحة ابسط يدك يا طلحة لأبايعك فقال طلحة أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فابسط يدك قال فبسط علي يده فبايعه وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فقالوا لهم دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشى الناس عليا فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى فقال علي دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله ألا ترى ما نرى ألا ترى الإسلام ألا ترى الفتنة ألا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا إن دخل طلحة والزبير فقد استقامت فبعث البصريون إلى الزبير بصريا وقالوا احذر لاتحاده وكان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف وإلى طلحة كوفيا وقالوا له احذر لاتحاده فبعثوا الأشتر في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا أتباعا لأهل مصر وحشوة فيهم وازدادوا بذلك على طلحة والزبير غيظا فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد جاء علي حتى صعد المنبر فقال يا أيها الناس عن ملاء وإذن إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك عليه بالأمس وجاء القوم بطلحة فقالوا بايع فقال إني إنما أبايع كرها فبايع وكان به شلل أول
الناس وفي الناس رجل يعتاف فنظر من بعيد فلما رأى طلحة أول من بايع قال إن لله وإنا إليه راجعون أول يد بايعت أمير المؤمنين يد شلاء لا يتم هذا الأمر ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك وبايع وفي الزبير اختلاف ثم جيء بقوم كانوا قد تخلفوا فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي زهير الأزدي عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه قال لما قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع الناس على علي ذهب الأشتر فجاء بطلحة فقال له دعني أنظر ما يصنع الناس فلم يدعه وجاء به يتله تلا عنيفا وصعد المنبر فبايع وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن الحارث الوالبي قال جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتى بايع فكان الزبير يقول جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللج على عنقي وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبايع الناس كلهم قال أبو جعفر وسمح بعد هؤلاء الذين اشترطوا الذين جيء بهم وصار الأمر أمر أهل المدينة وكانوا كما كانوا فيه وتفرقوا إلى منازلهم لولا مكان النزاع والغوغاء فيهم (2/701)
اتساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام
وبويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة والناس يحسبون من يوم قتل عثمان رضي الله عنه فأول خطبة خطبها علي حين استخلف فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبي المغيرة عن علي بن الحسين حمد الله وأثنى عليه فقال إن الله عز و جل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذو بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادرو أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإن ما من خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أخراهم اتقوا الله عباده في عباده وبلاده إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم أطيعوا الله عز و جل ولا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ( 1 ) ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال المصريون ... خذها واحذرا أبا حسن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن ... وإنما الشعر ... خذها إليك واحذرا أبا حسن
فقال علي مجيبا ... إني عجزت عجزة ما أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر ... (2/702)
وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما أراد علي الذهاب إلى بيته قالت السبئية ... خذها إليك واحذرا ابا حسن ... إنا نمر الأمر إمرار الرسن ... صولة أقوام كأسداد السفن ... بمشرفيات كغدران اللبن ... ونطعن الملك بلين كالشطن ... حتى يمرن على غير عنن ... فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما منوا حين غمزوهم ورجعوا إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى ... إني عجزت عجزة لا أعتذر ... سوف أكيس بعدها وأستمر ... أرفع من ذيلي ما كنت أجر ... وأجمع الأمر الشتيت المنتشر ... إن لم يشاغبني العجول المنتصر ... أو يتركوني والسلاح يبتدر ...
واجتمع إلى علي بعد ما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا بأنفسهم فقال لهم يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننان ولا نملكهم ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون قالوا لا قال فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الأمر أمر جاهلية وإن لهؤلاء القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا إن الناس من هذا الأمر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق فاهدؤوا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا واشتد على قريش وحال بينهم وبين الخروج على حال وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية وتفرق القوم وبعضهم يقول والله لئن ازداد الأمر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار لترك هذا إلى ما قال علي أمثل وبعضهم يقول نقضي الذي علينا ولا نؤخره ووالله إن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه إلا سيكون على قريش أشد من غيره فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم وقيامه دونهم وأنه ليس له من سلطانهم إلا ذلك والأجر من الله عز و جل عليه ونادى برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه فتذامرت السبئية والأعراب وقالوا لنا غدا مثلها ولا نستطيع نحتج فيهم بشيء وكتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا خرج علي في اليوم الثالث على الناس يا أيها الناس أخرجوا عنكم الأعراب وقال يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم فأبت السبئية وأطاعهم الأعراب ودخل علي بيته ودخل عليه طلحة والزبير وعدة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال دونكم ثأركم فاقتلوه فقالوا عشوا عن ذلك قال هم والله بعد اليوم أعشى وآبى وقال
لو أن قومي طاوعتني سراتهم ... أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا ... (2/703)
وقال طلحة دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر في ذلك وقال الزبير دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر في ذلك وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه فقال إن لك حق الطاعة والنصيحة وإن الرأي اليوم تحرز به ما في غد وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد أقرر معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت قال حتى أنظر فخرج من عنده وعاد إليه من الغد فقال إني أشرت عليك بالأمس برأي وإن الرأي أن تعاجلهم بالنزوع فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك ثم خرج وتلقاه ابن عباس خارجا وهو داخل فلما انتهى إلى علي قال رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك قال جاءني أمس بذية وذية وجاءني اليوم بذية وذية فقال أما أمس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال فما الرأي قال كان الرأي أن تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتي مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك فإن كانت العرب جائلة مضطربة في أثرك لا تجد غيرك فأما اليوم فإن في بني أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر ويشبهون على الناس ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر على ما يريدون ولا يقدرون عليه ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك أموت لحقوقهم وأترك لها إلا ما يعجلون من الشبهة وقال المغيرة نصحته والله فلما لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق بمكة
حدثني الحارث عن ابن سعد عن الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن عبدالمجيد بن سهيل عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال دعاني عثمان فاستعملني على الحج فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليا به فحبسني حتى خرج من عنده فقلت ماذا قال لك هذا فقال قال لي قبل مرته هذه أرسل إلى عبدالله بن عامر وإلى معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس فإنهم يهدئون البلاد ويسكنون الناس فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى قال ثم انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أني مخطئ ثم عاد إلي الآن فقال إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه ثم رأيت بعد ذلك رأيا وأنا أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به فقد كفى الله وهم أهون شوكة مما كان قال ابن عباس فقلت لعلي أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الآخرة فقد غشك قال له علي ولم نصحني قال ابن عباس لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر ومتى تعزلهم يقولوا أخذ هذا الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك فقال علي أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدا أبدا فإن أقبلوا فذلك خير لهم وإن أدبروا بذلت لهم السيف قال ابن عباس فأطعني وادخل دارك والحق بمالك بينبع وأغلق بابك عليك فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك فإنك والله لئن نهضت مع
هؤلاء اليوم ليحملنك الناس دم عثمان غدا فأبى علي فقال لابن عباس سر إلى الشام فقد وليتكها فقال ابن عباس ما هذا برأي معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علي فقال له علي ولم قال لقرابة ما بيني وبينك وإن كل ما حمل عليك حمل علي ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده فأبى علي وقال والله لا كان هذا أبدا (2/704)
قال محمد وحدثني هشام بن سعد عن أبي هلال قال قال ابن عباس قدمت المدينة من مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بخمسة أيام فجئت عليا أدخل عليه فقيل لي عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب ساعة فخرج المغيرة فسلم علي فقال متى قدمت فقلت الساعة فدخلت على علي فسلمت عليه فقال لي لقيت الزبير وطلحة قال قلت لقيتهما بالنواصف قال من معهما قالت أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش فقال علي أما إنهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون نطلب بدم عثمان والله نعلم أنهم قتلة عثمان قال ابن عباس يا أمير المؤمنين أخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي أخلني ففعلت فقال إن النصح رخيص وأنت بقية الناس وإني لك ناصح وإني أشير عليك برد عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم فإذا بايعوا لك واطمأن الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت فقلت والله لا أدهن في ديني ولا أعطي الدني في أمري قال فإن كنت قد أبيت علي فانزع من شئت واترك معاوية فإن لمعاوية جرأة وهو في أهل الشام يسمع منه ولك حجة في إثباته كان عمر بن الخطاب قد ولاه الشام كلها فقلت لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبدا فخرج من عندي على ما أشار به ثم عاد فقال لي إني أشرت عليك بما أشرت به فأبيت علي ثم نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة ولا يكون في أمرك دلسة قال فقال ابن عباس فقلت لعلي أما أول ما أشار به عليك فقد نصحك وأما الآخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله قال علي لا والله لا أعطيه إلا السيف قال ثم تمثل بهذا البيت ... ما ميتة إن متها غير عاجز ... بعار إذا ما غالت النفس غولها ...
فقلت يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الحرب خدعة فقال علي بلى فقال ابن عباس أما والله لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورد ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم لك فقال يا بن عباس لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء تشير علي وأرى فإذا عصيتك فأطعني قال فقلت أفعل إن أيسر ما لك عندي الطاعة
مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين
وفي هذه السنة أعني سنة خمس وثلاثين سار قسطنطين بن هرقل فيما ذكر محمد بن عمر الواقدي عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي في ألف مركب يريد أرض المسلمين فسلط الله عليهم قاصفا من الريح فغرقهم ونجا قسطنطين بن هرقل فأتى صقلية فصنعوا له حماما فدخله فقتلوه فيه وقالوا قتلت رجالنا
بسم الله الرحمن الرحيم (3/3)
ثم دخلت سنة ست وثلاثين
تفريق علي عماله على الأمصار
ولما دخلت سنة ست وثلاثين فرق علي عماله فمما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بعث علي عماله على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشأم فأما سهل فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا من أنت قال أمير قالوا على أي شيء قال على الشأم قالوا إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال أوما سمعتم بالذي كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل فقالوا من أنت قال من فالة عثمان فأنا أطلب من آوي إليه وأنتصر به قالوا من أنت قال قيس بن سعد قالوا امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه وفرقة وقفت واعتزلت إلى خربتا وقالوا إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأي ولا حزم ولا استقلال بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعو إلى الطلب بدمه ويقول لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه ... يا ليتني فيها جذع ... أكر فيها وأضع ...
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة فطلع عليه عمارة قادما على الكوفة فقال له ارجع فإن القوم لا يريدون بأميرهم بدلا وإن أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة وهو يقول احذر الخطر ما يماسك الشر خير من شر منه
فرجع إلى علي بالخبر وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن أمية كل شيء من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشأم وأتته الأخبار ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير فقال إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم وإن الأمر الذي وقع لا يدرك إلا بإماتته وإنها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت واستنارت فقالا له فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن نكابر وإما
أن تدعنا فقال سأمسك الأمر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخرالدواء الكي (3/4)
وكتب إلى معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبى موسى بطاعة أهل الكوف وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن بين ذلك حتى كأن عليا على المواجهة من أمر أهل الكوفة وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشيء ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله ... أدم إدامة حصن أو خدا بيدي ... حربا ضروسا تشب الجزل والضرما ... في جاركم وابنكم إذ كان مقتله ... شنعاء شيبت الأصداغ واللمما ... أعيا المسود بها والسيدون فلم ... يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما ...
وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد بني رواحة يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية إلى علي فقال إذا دخلت المدينة فاقبض على أسف الطومار ثم أوصاه بما يقول وسرح علي وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته فلما دخلا المدينة رفع العبسي الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على علي فدفع إليه الطومار ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول ما وراءك قال آمن أنا قال نعم إن الرسل آمنة لا تقتل قال ورائي اني تركت قوما لا يرضون إلا بالقود قال ممن قال من خيط نفسك وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق فقال مني يطلبون دم عثمان ألست موتورا كترة عثمان اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله فإنه إذا أراد أمرا أصابه اخرج قال وأنا آمن قال وأنت آمن فخرج العبسي وصاحت السبئية قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه فنادى يا آل مضر يا آل قيس الخيل والنبل إني أحلف بالله جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصي فانظروا كم الفجولة والركاب وتعاووا عليه ومنعنه مضر وجعلوا يقولون له اسكت فيقول لا والله لا يفلح هؤلاء أبدا فلقد أتاهم ما يوعدون فيقولون له اسكت فيقول لقد حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا حتى عرف الذل فيهم
استئذان طلحة والزبير عليا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رايه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه أو ينكل عنه وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إلى علي فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي يا زياد تيسر فقال لأي شيء فقال تغزو الشأم فقال زياد الأناة والرفق أمثل فقال ... ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطا بمنسم ...
فتمثل علي وكأنه لا يريده
متى تجمع القلب الذكي وصارما ... وأنفا حميا تجتنبك المظالم ... (3/5)
فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا ما وراءك فقال السيف يا قوم فعرفوا ما هو فاعل ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ولاه ميسرته ودعا أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح فجعله على مقدمته واستخلف على المدينة قثم بن عباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك وأقبل على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة وقال إن الله عز و جل بعث رسولا هاديا معديا بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا من حفظ الله وإن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الإسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الأمر إليها انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذي عليكم فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر وتمام على خلاف فقام فيهم بذلك فقال إن الله عز و جل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالؤوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح وسأصبر مالم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم
ثم أتاه إنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح فتعبى للخروج إليهم وقال إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه فاشتد على أهل المدينة الأمر فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي فجاء به فقال إنهض معي فقال أنا مع أهل المدينة إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد قال فأعطني زعيما بألا تخرج قال ولا أعطيك زعيما قال لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني دعوه فأنا به زعيم فرجع عبدالله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون لا والله ما ندري كيف نصنع فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر
فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة وأنه يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض وكان صدوقا فاستقر عندها وأصبح علي فقيل له حدث البارحة حدث هو أشد عليك من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومعاوية قال وما ذلك قال خرج ابن عمر إلى الشام فأتى علي السوق ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طلابا وماج أهل المدينة وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليا وهو واقف في السوق يفرق الرجال في طلبه فقالت مالك لا تزند من هذا الرجل إن الأمر على خلاف ما بلغته وحدثته قالت أنا ضامنة له فطابت نفسه وقال انصرفوا لا والله ما كذبت ولا كذب وإنه عندي ثقة فانصرفوا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما رأى علي من أهل المدينة ما رأى لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة وقال إن آخر هذا الأمر لا
يصلح إلا بما صلح أوله فقد رأيتم عواقب قضاء الله عز و جل على من مضى منكم فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فأجابه رجلان من أعلام الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثابت وليس بذي الشهادتين مات ذو الشهادتين في زمان عثمان رضي الله عنه (3/6)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن عبيد الله عن الحكم قال قيل له أشهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الجمل فقال ليس به ولكنه غيره من الأنصار مات ذو الشهادتين في زمان عثمان بن عفان رضي الله عنه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد عن مجالد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين مالهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في ذلك الأمر إلا ستة بدريين ما لهم سابع فقلت اختلفتما قال لم نختلف إن الشعبي شك في أبي أيوب أخرج حيث أرسلته أم سلمة إلى علي بعد صفين أم لم يخرج إلا أنه قدم عليه فمضى إليه وعلي يومئذ بالنهروان
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت عن رجل عن سعيد بن زيد قال ما اجتمع اربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم
ثم إن زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن علي ابتدر إليه وقال من تثاقل عنك فإنا نخف معك ونقاتل دونك وبينما علي يمشي في المدينة إذ سمع زينب ابنة أبي سفيان وهي تقول ظلامتنا عند مدمم وعند مكحلة فقال إنها لتعلم ما هما لها بثأر
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة أن عثمان قتل في ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرمي وعلى الموسم يومئذ عبدالله بن عباس بعثه عثمان وهو محصور فتعجل أناس في يومين فأدركوا مع ابن عباس فقدموا المدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع علي وهرب بنو أمية فلحقوا بمكة وبويع علي لخمس بقين من ذي الحجة يوم الجمعة وتساقط الهراب إلى مكة وعائشة مقيمة بمكة تريد عمرة المحرم فلما تساقط إليها الهراب استخبرتهم فأخبروها أن قد قتل عثمان رضي الله عنه ولم يجبهم إلى التأمير أحد فقالت عائشة رضي الله عنها ولكن أكياس هذا غب ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح حتى إذا قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث وكانت واصلة لهم رفيقة عليهم يقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمه أم كلاب فقالت مهيم فأصم ودمدم فقالت ويحك علينا أو لنا فقال لا تدري قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا فقال أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على علي والقوم الغالبون على المدينة فرجعت إلى مكة وهي لا تقول شيئا ولا يخرج منها شيء حتى نزلت على باب المسجد وقصدت للحجر فسترت فيه واجتمع الناس إليها فقالت يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد اهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه وقد استعمل أسنانهم قبله ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي
أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا خلجوا وبادوا بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء فقال عبدالله بن عامر الحضرمي هأنذا لها أول طالب وكان أول مجيب ومنتدب (3/7)
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال حدثنا سحيم مولى وبرة التميمي عن عبيد بن عمرو القرشي قال خرجت عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له أخضر فقالت ما صنع الناس فقال قتل عثمان المصريين قالت إنا لله وإنا إليه راجعون أيقتل قوما جاؤوا يطلبون الحق وينكرون الظلم والله لا نرضى بهذا ثم قدم آخر فقالت ما صنع الناس قال قتل المصريون عثمان قالت العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القاتل فكان يضرب به المثل أكذب من أخضر
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال خرجت عائشة رضي الله عنها نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت ما وراءك قال قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء فقالت ما أظن ذلك تاما ردوني فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذ دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي وكان أمير عثمان عليها فقال ما ردك يا أم المؤمنين قالت ردني أن عثمان قتل مظلوما وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رؤوسهم وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية وقد قدم عليهم عبدالله بن عامر من البصرة ويعلى بن أمية من اليمن وطلحة والزبير من المدينة واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة وقالت أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم لعل الله عز و جل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل عثمان ثم قدم عبد الله بن عامر ثم قدم يعلى بن أمية فاتفقا بمكة ومع يعلى ستمائة بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح معسكرا وقدم معهما طلحة والزبير فلقيا عائشة رضي الله عنها فقالت ما وراءكما فقالا وراءنا أنا تحملنا بقليتنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم قالت فائتمروا أمرا ثم انهضوا إلى هذه الغوغاء
وتمثلت ... ولو أن قومي طاوعتني سراتهم ... لأنقذتهم من الحبال أو الخبل ...
وقال القوم فيما ائتمروا به الشام فقال عبدالله بن عامر قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته فقال
له طلحة والزبير فأين قال البصرة فإن لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى قالوا قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك ونأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة قالوا يا أم المؤمنين دعي المدينة فإن من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها واشخصي معنا إلى البصرة فإنا نأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما أنهضت أهل مكة ثم تقعدين فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين وإلا احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بمهدنا حتى يقضي الله ما أراده (3/8)
فلما قالوا ذلك لها ولم يكن ذلك مستقيما إلا بها قالت نعم وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه و سلم معها على قصد المدينة فلما تحول رأيها إلى البصرة تركن ذلك وانطلق القوم بعدها إلى حفصة ففالت رأيي تبع لرأي عائشة حتى إذا لم يبق إلا الخروج قالوا كيف نستقل وليس معنا مال نجهز به الناس فقال يعى بن أمية معن ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها وقال ابن عامر معني كذا وكذا فتجهزوا به فنادى المنادي إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب وكانوا جميعا ألفا وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين وأرادت حفصة الخروج فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى عائشة أن عبد الله حال بيني وبين الخروج فقالت يغفر الله لعبد الله وبعثت أم الفضل بنت الحارث رجلا من جهينة يدعى ظفرا فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليا بكتابها فقدم على علي بكتاب أم الفضل بالخبر
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي عن أبي مخنف قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه قال قال أبو قتادة لعلي يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قلدني هذا السيف وقد شمته فطال شيمه وقد أنى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشا فإن أحببت أن تقدمني فقدمني وقامت أم سلمة فقالت يا أمير المؤمنين لولا أن أعصي الله عز و جل وأنك لا تقبله مني لخرجت معك وهذا ابني عمر والله لهو أعز علي من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك فخرج فلم يزل معه واستعمله على البحرين ثم عزله واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا مسلمة عن عوف قال أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة رضي الله عنها على جمل يقال له عسكر أخذه بثمانين دينارا وخرجوا فنظر عبد الله بن الزبير إلى البيت فقال ما رأيت مثلك بركة طالب خير ولا هارب من شر
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم مرحلة من مكة فقال سعيد للمغيرة ما الرأي قال الرأي والله الاعتزال فإنهم ما يفلح أمرهم فإن أظفره الله أتيناه فقلنا كان هوانا وصغونا معك فاعتزلا فجلسا فجاء سعيد مكة فأقام بها ورجع معهما عبد الله بن خالد بن أسيد
حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي قال
سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعة أشهر وابن عامر بها يجر الدنيا وقدم يعلى بن أمية معه بمال كثير وزيادة على أربعمائة بعير فاجتمعوا في بيت عائشة رضي الله عنها فأرادوا الراي فقالوا نسير إلى علي فنقاتله فقال بعضهم ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة فأعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرا وإبلا فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري وخرج فسار حتى نزل ذاقار وكان مسيره إليها ثمان ليال ومعه جماعة من أهل المدينة (3/9)
حدثني أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء عن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم عرضوا الناس بذات عرق واستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام فردوهما
حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا أبو عمرو عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم قالوا بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني قالا لأحدنا أينا اختاره الناس قال بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم قال أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد فقال المغيرة بن شعبة الرأي ما رأى سعيد من كان ها هنا من ثقيف فليرجع فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان فاختلفوا في الطريق فقالوا من ندعو لهذا الأمر فخلا الزبير بابنه عبد الله وخلا طلحة بعلقمة بن وقاص الليثي وكان يؤثره على ولده فقال أحدهما ائت الشام وقال الآخر أئت العراق وحاور كل واحد منهما صاحبه ثم اتفقا على البصرة
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن الأغر قال لما اجتمع إلى مكة بنو أمية ويعلى بن منية وطلحة والزبير ائتمروا أمرهم وأجمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئية حتى يثأروا وينتقموا فأمرتهم عائشة رضي الله عنها بالخروج إلى المدينة واجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها وقال لها طلحة والزبير إنا نأتي أرضا قد أضيعت وصارت إلى علي وقد أجبرنا علي على بيعته وهم محتجون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت بمكة ثم ترجعي فنادى المنادي إن عائشة تريد البصرةوليس في ستمائة بعير ما تغنون به غوغاء وجلبة الأعراب وعبيدا قد انتشروا وافترشوا أذرعهم مسعدين لأول واعية وبعثت إلى حفصة فأرادت الخروج فعزم عليها ابن عمر فأقامت فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبير وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكان يصلي بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل وخرج معها مروان وسائر بني أمية إلا من خشع وتيامنت عن أوطاس وهم ستمائة
راكب سوى من كانت له مطية فتركت الطريق ليلة وتيامنت عنها كأنهم سيارة ونجعة مساحلين لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد حتى أتوا البصرة في عام خصيب وتمثلت ... دعى بلاد جموع الظلم إذ صلحت ... فيها المياه وسيري سير مذعور ... تخيري النبت فارعي ثم ظاهرة ... وبطن واد من الضمار ممطور ... (3/10)
حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن عمر بن راشد اليمامي عن أبي كثير السحيمي عن ابن عباس قال خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي فلما جاوزا بئر ميمون إذا هم بجزور قد نحرت ونحرها ينثعب فتطيروا وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء حتى وقف عليهما فقال أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليصل ابن أختي فكان يصلي بهم عبدالله بن الزبير حتى قدم البصرة فكان معاذ بن عبيد الله يقول والله لو ظفرنا لافتتنا ما خلى الزبير بين طلحة والأمر ولا خلى طلحة بين الزبيرو والأمر
خروج علي إلى الربذة يريد البصرة
كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال جاء عليا الخبر عن طلحة والزبير وأم المؤمنين فأمر على المدينة تمام بن العباس وبعث إلى مكة قثم بن العباس وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق وأراد أن يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن
كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بلغ عليا الخبر وهو بالمدينة باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالذي اجتمع عليه ملؤهم طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم وبلغه قول عائشة وخرج علي يبادرهم في تعبيته التي كان تعبى بها إلى الشام وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخفيين في سبعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فسبوه فقال دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وسار حتى انتهى إلى الربذة فبلغه ممرهم فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة
كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن خالد بن مهران البجلي عن مروان بن عبد الرحمن الخميسي عن طارق بن شهاب قال خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه فلما انتهينا إلى الربذة وذلك في وجه الصبح إذا الرفاق وإذا بعضهم يحدو بعضا فقلت ما هذا فقالوا أمير المؤمنين فقلت ماله قالوا غلبه طلحة والزبير فخرج يعترض لهما ليردهما فبلغه أنهما قد فاتاه فهو يريد أن يخرج في آثارهما فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون آتي عليا فأقاتل معه هذين الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه إن هذا لشديد فخرجت فأتيته فأقيمت الصلاة بغلس فتقدم فصلى فلما انصرف أتاه ابنه الحسن فجلس فقال قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك فقال علي إنك لا تزال تخن خنين الجارية وما الذي أمرتني فعصيتك قال أمرتك يوم أحيط بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ثم
أمرتك يوم قتل الا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر ثم أمرتك حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يدي غيرك فعصيتني في ذلك كله قال أي بني أما قولك لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به وأما قولك لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار فإن الأمر أمر أهل المدينة وكرهنا أن يضيع هذا الأمر وأما قولك حين خرج طلحة والزبير فإن ذلك كان وهنا على أهل الإسلام ووالله ما زلت مقهورا مذ وليت منقوصا لا أصل إلى شيء مما ينبغي وأما قولك اجلس في بيتك فكيف لي بما قد لزمني أو من تريدني أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها ويقال دباب دباب ليست ها هنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني فمن ينظر فيه فكف عنك أي بني (3/11)
شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوأب
حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا علي بن عابس الأزرق قال حدثنا أبو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الأحمسي قال حدثني العرني صاحب الجمل قال بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال يا صاحب الجمل تبيع جملك قلت نعم قال بكم قلت بألف درهم قال مجنون أنت جمل يباع بألف درهم قال قلت نعم جملي هذا قال ومم ذلك قلت ما طلبت عليه أحدا قط إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فته قال لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا قال قلت ولمن تريده قال لأمك قلت لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد براحا قال إنما أريده لأم المؤمنين عائشة قلت فهو لك فخذه بغير ثمن قال لا ولكن ارجع معنا إلى الرحل فلنعطك ناقة مهرية ونزيدك دراهم قال فرجعت فأعطوني ناقة لها مهرية وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم فقال لي يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق قال قلت نعم أنا من أدرك الناس قال فسر معنا فسرت معهم فلا أمر على واد ولا ماء إلا سألوني عنه حتى طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا أي ماء هذا قلت ماء الحواب قال فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت أنا والله وصاحبة كلال الحوأب طروقا ردوني تقول ذلك ثلاثا فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد قال فجاءها ابن الزبير فقال النجاء النجاء فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب قال فارتحلوا وشتموني فانصرفت فما سرت إلا قليلا وإذا أنا بعلي وركب معه نحو من ثلثمائة فقال لي علي يا أيها الراكب فأتيته فقال أين أتيت الظعينة قلت في مكان كذا وكذا وهذه ناقتها وبعتهم جملي قال وقد ركبته قلت نعم وسرت معهم حتى أتينا ماء الحوأب فنبحت عليها كلابها فقالت كذا وكذا فلما رأيت اختلاط أمرهم انفتلت وارتحلوا فقال علي هل لك دلالة بذي قار قلت لعلي أدل الناس قال فسر معنا فسرنا حتى نزلنا ذا قار فأمر علي بن أبي طالب بجوالقين فضم أحدهما إلى صاحبه ثم جيء برحل فوضع عليهما ثم جاء يمشي حتى صعد عليه وسدل رجليه من جانب واحد ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه و سلم ثم قال قد رأيتم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة فقام إليه الحسن فبكى فقال له علي قد جئت تخن خنين الجارية فقال أجل أمرتك فعصيتني فأنت اليوم تقتل بمضيعة لا ناصر لك قال حدث القوم بما أمرتني به قال أمرتك حين سار الناس إلى عثمان الآ تبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب فإنهم لن يقطعوا أمرا دونك فأبيت علي وأمرتك حين سارت هذه المرأة وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن تلزم المدينة
وترسل إلى من استجاب لك من شيعتك قال علي صدق والله ولكن والله يا بني ما كنت لأكون كالضبع تستمع للدم إن النبي صلى الله عليه و سلم قبض وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ثم إن أبا بكر رضي الله عنه هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ثم إن عمر رضي الله عنه هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر مني فجعلني سهما من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعت كما بايعوا ثم سار الناس إلى عثمان رضي الله عنه فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين فأنا مقاتل من خالفني بمن اتبعني حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خبر الحاكمين (3/12)
قول عائشة رضي الله عنها والله لأطلبن بدم عثمان وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة
كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي أن الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبدالله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له مهيم قال قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إل مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن ام كلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن ام كلام ... فمنك البداء ومنك الغير ... ومنك الرياح ومنك المطر ... وأنت أمرت بقتل الإمام ... وقلت لنا إنه قد كفر ... فهبنا أطعناك في قتله ... وقاتله عندنا من أمر ... ولم يسقط السقف من فوقنا ... ولم تنكسف شمسنا والقمر ... وقد بايع الناس ذا تدرإ ... يزيل الشبا ويقيم الصعر ... ويلبس للحرب أثوابها ... وما من وفى مثل من قد غدر ...
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان علي في هم من توجه القوم لا يدري إلى أين يأخذون وكان أن يأتوا البصرة أحب إليه فلما تيقن أن القوم يعارضون طريق البصرة سر بذلك وقال الكوفة فيها رجال العرب وبيوتاتهم فقال له ابن عباس إن الذي يسرك من ذلك ليسوؤني إن الكوفة فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيهم من يسمو إلى ألأمر لا يناله فإذا كان كذلك شغب علي الذي قد نال حتى يفثأه فيفسد بعضهم علىبعض فقال علي إن الأمر ليشبه ما
تقول ولكن الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم سابقة وقدمة فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم فإن أقنعهم ذلك كان خيرا لهم وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شرا على من هو شر له فقال ابن عباس إن ذلك الأمر لا يدرك إلا بالقنوع (3/13)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما اجتمع الرأي من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومن بمكة من المسلمين على السيرإلى البصرة والانتصار من قتلة عثمان رضي الله عنه خرج الزبير وطلحة حتى لقيا ابن عمر ودعواه إلى الخفوف فقال إني امرؤ من أهل المدينة فإن يجتمعوا على النهوض أنهض وإن يجتمعوا على القعود أقعد فتركاه ورجعا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن سعيد بن بعبد الله عن ابن أبي مليكة قال جمع الزبير بنيه حين أراد الرحيل فودع بعضهم وأخرج بعضهم وأخرج ابني أسماء جميعا فقال يا فلان أقم يا عمرو أقم فلما رأى ذلك عبد الله بن الزبير قال يا عروة أقم ويا منذر أقم فقال الزبير ويحك أستصحب ابني وأستمتع منهما فقال إن خرجت بهم جميعا فاخرج وإن خلفت منهم أحدا فخلفهما ولا تعرض أسماء للثكل من بين نسائك فبكى وتركهما حتى إذا انتهوا إلى جبال أوطاس تيامنوا وسلكوا طريقا نحو البصرة وتركوا طريقها يسارا حتى إذا دنوا منها فدخلوها ركبو المنكدر
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن ابن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال خرج الزبير وطلحة ففصلا ثم خرجت عائشة فتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فلم ير يوم كان أكثر باكيا على الإسلام أو باكيا له من ذلك اليوم كان يسمى النحيب وأمرت عبدالرحمن بن عتاب فكان يصلي بالناس وكان عدلا بينهم
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن يزيد بن معن السلمي قال لما تيامن عسكرها عن أوطاس أتوا على مليح بن عوف السلمي وهو مطلع ماله فسلم على الزبير وقال يا أبا عبد الله ما هذا قال عدي على أمير المؤمنين رضي الله عنه فقتل بلا ترة ولا عذر قال ومن قال الغوغاء من الأمصار ونزاع القبائل وظاهرهم الأعراب والعبيد قال فتريدون ماذا قال ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب قال والله إن ترك هذا لشديد ولا تدرون إلى أين ذلك يسير فودع كل واحد منهما صاحبه وافترقا ومضى الناس
دخولهم البصره والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى الناس حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبد الله التميمي فقال يا أم المؤمنين أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي منهم أحدا فيكفيكهم فقالت جئتني بالرأي امرؤ صالح قال فعجلي ابن عامر فليخل فإن له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي ويسمعوا ما جئتم فيه فأرسلته فاندس إلى البصرة قأتى القوم وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى رجال من أهل البصرة وكتبت إلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم من الوجوه ومضت حتى إذا كانت بالحفير انتظرت الجواب بالخبر ولما بلغ ذلك
أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة وألزه بأبي الأسود الدؤلي وكان رجل خاصة فقال انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها فخرجا فانتهيا إليها وإلى الناس وهم بالحفير فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ( 1 ) ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز و جل وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره (3/14)
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فخرج أبو الأسود وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان ثم أتيا الزبير فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما أستقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت يا أبا الأسود إياك أن يقودك الهوى إلى النار كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ( 2 ) الآية فسرحتهما ونادى مناديها بالرحيل ومضى الرجلان حتى دخلا على عثمان بن حنيف فبدر أبو الأسود عمران فقال ... يابن حنيف قد أتيت فانفر ... وطاعن القوم وجالد واصبر ... ابرز لهم مستلئما وشمر ...
فقال عثمان إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحا الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف فقال عمران أي والله لتعركنكم عركا طويلا ثم لا يساوي ما بقي منكم كثير شيء قال فأشر علي يا عمران قال إني قاعد فاقعد فقال عثمان بل امنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي قال عمران بل يحكم الله ما يريد فانصرف إلى بيته وقام عثمان في أمره فأتاه هشام بن عامر فقال يا عثمان إن هذا الأمر الذي تروم يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتق لا يرتق وصدع لا يجبر فسامحهم حتى يأتي أمر علي ولا تحادهم فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع وأقبل عثمان على الكيد فكاد الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ وأمر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال يا أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إن هؤلاء القوم الذين جاؤوكم إن كانوا جاؤوكم خائفين فقد جاؤوا من
المكان الذي يأمن فيه الطير وإن كانوا جاؤوا يطلبون بدم عثمان رضي الله عنه فما نحن بقتلة عثمان أطيعوني في هؤلاء القوم فردوهم من حيث جاؤوا فقام الأسود بن سريع السعدي فقال أوزعموا أنا قتلة عثمان رضي الله عنه فإنما فزعوا إلينا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال أو البلدان فحصبه الناس فعرف عثمان أن لهم بالبصرة ناصرا ممن يقوم معهم فكسره ذلك وأقبلت عائشة رضي الله عنها فيمن معها حتى إذا انتهوا إلى المربد ودخلوا من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يثوبون حتى غص بالناس (3/15)
فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد ومعه الزبير وعثمان في ميسرته فأنصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان رضي الله عنه وفضله والبلد وما استحل منه وعظم ما أتي إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال إن في ذلك إعزاز دين الله عز و جل وسلطانه وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حد من حدود الله وإنكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم وإن تركتم لم يقم لكم سلطان ولم يكن لكم نظام
فتكلم الزبير بمثل ذلك فقال من في ميمنة المربد صدقا وبرا وقالا الحق وأمرا بالحق وقال من في ميسرته فجرا وغدرا وقالا الباطل وأمرا به قد بايعا ثم جاءا يقولان ما يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا فتكلمت عائشة وكانت جهورية يعلو صوتها كثرة كأنه صوت امرأة جليلة فحمدت الله جل وعز وأثنت عليه وقالت كان الناس يتجنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ويرون حسنا من كلامنا في صلاح بينهم فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عز و جل ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ( 2 )
فافترق أصحاب عثمان بن حنيف فرقتين فقالت فرقة صدقت والله وبرت وجاءت والله بالمعروف وقال الآخرون كذبتم والله ما نعرف ما تقولون فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا فلما رأت ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في موضع الدباغين وبقي أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا ومال بعضهم إلى عائشة وبقي بعضهم مع عثمان على فم السكة وأتى عثمان بن حنيف فيمن معه حتى إذا كانوا على فم السكة سكة المسجد عن يمين الدباغين استقبلوا الناس فأخذوا عليهم بفمها
وفيما ذكر نصر بن مزاحم عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال وأقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك وإن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني
بالناس قال فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال أما أنت يا زبير فحواري رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدك وأرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكما في شيء واعتزل وقال السعدي في ذلك ... صنتم حلائلكم وقدتم أمكم ... هذا لعمرك قلة الإنصاف ... أمرت بجر ذيولها في بيتها ... فهوت تشق البيد بالإيجاف ... غرضا يقاتل دونها أبناؤها ... بالنبل والخطي والأسياف ... هتكت بطلحة والزبير ستورها ... هذا المخبر عنهم والكافي ... (3/16)
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة وكان محمد رجلا عابدا فقال أخبرني عن قتلة عثمان فقال نعم دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب وضحك الغلام وقال ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال في ذلك شعرا ... سألت ابن طلحة عن هالك ... بجوف المدينة لم يقبر ... فقال ثلاثة رهط هم ... أماتوا ابن عفان واستعبر ... فثلث على تلك في خدرها ... وثلث على راكب الأحمر ... وثلث على ابن أبي طالب ... ونحن بدوية قرقر ... فقلت صدقت على الأولين ... وأخطأت في الثالث الأزهر ...
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قال فخرج أبو الأسود وعمران وأقبل حكيم بن جبلة وقد خرج وهو على الخيل فأنشب القتال وأشرع أصحاب عائشة رضي الله عنها رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن فقاتلهم وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول إنها قريش ليردينها جبنها والطيش واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من الفريقين هوى فرموا باقي الآخرين بالحجارة وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلىمقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا وثار إليهم الناس فحجز الليل بينهم فرجع عثمان إلى القصر ورجع الناس إلى قبائلهم وجاء أبو الجرباء أحد بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم إلى عائشة وطلحة والزبير فأشار عليهم بأمثل من مكانهم فاستنصحوه وتابعوا رأيه فساروا من مقبرة بني مازن فأخذوا على مسناة البصرة من قبل الجبانة حتى انتهوا إلى الزابوقة ثم أتوا مقبرة بني حصن وهي متنحية إلى دار الرزق فباتوا يتأهبون وبات الناس يسيرون إليهم وأصبحوا وهم على رجل في ساحة دار الرق وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم وغدا حكيم بن جبلة وهو يبربر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القيس من هذا الذي تسب وتقول له ما أسمع قال عائشة قال يابن الخبيثة الأم المؤمنين تقول هذا فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله ثم مر بامرأة وهو يسبها يعني عائشة فقالت من هذا الذي ألجأك إلى هذا قال عائشة قالت يابن الخبيثة ألأم المؤمنين تقول هذا فطعنها بين ثدييها فقتلها ثم سار فلما اجتمعوا واقفوهم فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا من حين بزغت الشمس إلى أن زال النهار وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف وفشت الجراحة في الفريقين
ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف فيأبون حتى إذا مسهم الشر وعضهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح والمتات فأجابوهم وتواعدوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة وحتى يرجع الرسول من المدينة فإن كانا أكرها خرج عثمان عنهما وأخلى لهما البصرة وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير (3/17)
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين والمسلمين إن عثمان يقيم حيث أدركه الصلح على ما في يده وإن طلحة والزبير يقيمان حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهما حتى يرجع أمين الفريقين ورسولهم كعب بن سور من المدينة ولا يضار واحد من الفريقين الآخر في مسجد ولا سوق ولا طريق ولا فرضة بينهم عيبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر فإن رجع بأن القوم أكرهوا طلحة والزبير فالأمر أمرهما وإن شاء عثمان خرج حتى يلحق بطيته وإن شاء دخل معهما وإن رجع بأنهما لم يكرها فالأمر أمر عثمان فإن شاء طلحة والزبير أقاما على طاعة علي وإن شاءا خرجا حتى يلحقا بطيتهما والمؤمنون أعوان الفالح منهما
فخرج كعب حتى يقدم المدينة فاجتمع الناس لقدومه وكان قدومه يوم جمعة فقام كعب فقال يا أهل المدينة إني رسول أهل البصرة إليكم أأكره هؤلاء القوم هذين الرجلين على بييعة علي أم أتياها طائعين فلم يجبه أحد من القوم إلا ما كان من أسامة بن زيد فإنه قام فقال اللهم إنهما لم يبايعا إلا وهما كارهان فأمر به تمام فواثبه سهل بن حنيف والناس وثار صهيب بن سنان وأبو أيوب بن زيد في عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة فقال اللهم نعم فانفرجوا عن الرجل فانفرجوا عنه وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزله وقال قد علمت أن أم عامر حامقة أما وسعك ما وسعنا من السكوت قال لا والله ما كنت أرى أن الأمر يترامى إلى ما رأيت وقد أبسلنا لعظيم فرجع كعب وقد اعتد طلحة والزبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتد به منها أن محمد بن طلحة وكان صاحب صلاة قام مقاما قريبا من عثمان بن حنيف فخشي بعض الزط والسيابجة أن يكون جاء لغير ما جاء له فنحياه فبعثا إلى عثمان هذه واحدة وبلغ عليا الخبر الذي كان بالمدينة من ذلك فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول والله ما أكرها إلا كرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظرا فقدم الكتاب على عثمان بن حنيف وقدم كعب فأرسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا فاحتج عثمان بالكتاب وقال هذا أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح وندى ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم فأقبلوا عليهم فاقتلوا في المسجد وصبروا لهم فأناموهم وهم أربعون وأدخلوا الرجال على عثمان ليخرجوه إليهما فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة فاستعظما ذلك وأرسلا إلى عائشة بالذي كان واستطلعا رأيها فأرسلت إليهما أن خلوا سبيله فليذهب حيث شاء ولا تحبسوه فأخرجوا الحرس الذين كانوا مع عثمان في القصر ودخلوه وقد كانوا يعتقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون فصلى عبدالرحمن بن عتاب بالناس العشاء والفجر وكان الرسول فيما بين عائشة وطلحة والزبير هو أتاها بالخبر وهو رجع إليهما بالجواب فكان رسول القوم
حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن سهل بن سعد قال لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه و سلم قالت ردوا أبانا فردوه فقالت احبسوه ولا تقتلوه قال لو علمت أنك تدعيننيي لهذا لم أرجع فقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا شعر لحيته فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه (3/18)
حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثني وهب بن جرير بن حازم قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بلغني أنه لما بلغ طلحة والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر فسمعت عائشة رضي الله عنها نباح الكلاب فقالت أي ماء هذا فقالوا الحوأب فقالت إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وعنده نساؤه ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب فأرادت الرجوع فأتاها عبدالله بن الزبير فزعم أنه قال كذب من قال إن هذا الحوأب ولم يزل حتى مضت فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف فقال لهم عثمان ما نقمتم على صاحبكم فقالو لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع قال فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عليه وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده فقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة توبة بحوبة إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد قتله فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا فقال الزبير فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ثم ذكر قتل عثمان رضي الله عنه وما أتى إليه وأظهر عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبدالله بن الزبير ومالك وللكلام فقال العبدي يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس في الإسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم بايعتم رجلا منكم والله ما استأمرتمونا في شيء من ذلك فرضينا واتبعناكم فجعل الله عز و جل للمسلمين في إمارته بركة ثم مات رضي الله عنه واستخلف عليكم رجلا منكم فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفي الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفيء أو عمل بغي الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا فهموا بقتل ذلك الرجل فقام من دونه عشريته فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلا
رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة قالا فأصبح طلحة والزبير وبيت المال والحرس في أيديهما والناس معهما ومن لم يكن معهما مغمور مستسر وبعثا حين أصبحا بأن حكيما في الجمع فبعثت لا تحبسا عثمان ودعاه ففعلا فخرج عثمان فمضى لطلبته وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع إليهم من أفناء ربيعة ثم وجهوا نحو دار الرزق وهو يقول لست بأخيه إن لم أنصره وجعل يشتم عائشة رضي الله عنها فسمعته امرأة من قومه فقالت يابن الخبيثة أنت أولى بذلك فطعنها فقتلها فغضبت عبد القيس إلا من كان اغتمر منهم فقالوا فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم والله
لندعنك حتى يقيدك الله فرجعوا وتركوه ومضى حكيم بن جبلة فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصره من نزاع القبائل كلها وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة فاجتمعوا إليه فانتهى بهم إلى الزابوقة عند دار الرزق وقالت عائشة لا تقتلوا إلا من قاتلكم ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدا فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى فقال طلحة والزبير الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة اللهم لا تبق منهم أحدا وأقد منهم اليوم فاقتلهم فجادوهم القتال فاقتتلوا أشد قتال ومعه أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريج بحيال الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول ... اضربهم باليابس ... ضرب غلام عابس ... من الحياة آيس ... في الغرفات نافس ... فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فأصاب جسده فصرعه فأتاه حتى قتله ثم اتكأ عليه وقال ... يا فخذ لن تراعي ... إن معي ذراعي ... أحمي بها كراعي ... (3/19)
وقال وهو يرتجز ... ليس علي أن أموت عار ... والعار في الناس هو الفرار ... والمجد لا يفضحه الدمار ...
فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على الآخر فقال مالك يا حكيم قال قتلت قال من قتلك قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم إنهما لم يريدا عثمان فنادى مناد يا خبيث جزعت حين عضك نكال الله عز و جل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة وأصبتم من الدماء ونلتم من ا لدنيا فذق وبال الله عز و جل وانتقامه وأقيموا فيمن أنتم
وقتل ذريح ومن معه وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجؤوا إلى قومهم ونادى منادي الزبير وطلحة بالبصرة ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير فإن بني سعد منعوه وكان من بني سعد فمسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه أجلا وخشنوا صدور بني سعد وإنهم لعثمانية حتى قالوا نعتزل وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي فأمرا للناس بأعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم وفضلا بالفضل أهل السمع والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضول فبادروا إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرج القوم حتى نزلوا على طريق علي وأقام طلحة