صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : البداية والنهاية |
عبد الله الجيري عن عائشة وحفصة بنحو ما تقدم. (7/233)
ورواه قيس بن أبي حازم وأبو سلمة عنها.
ورواه أبو سهلة عن عثمان: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صابر نفسي عليه " ورواه فرج ابن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره، قال الدارقطني: تفرد به الفرج بن فضالة ورواه أبو مروان محمد عن عثمان بن خالد العماني، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه [ عن هشام بن عروة عن أبيه ] عن عائشة.
ورواه ابن عساكر من طريق المنهال بن عمر عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.
ورواه ابن أسامة عن الجريري: حدثني أبو بكر العدوي.
قال: سألت عائشة، وذكر عنها نحو ما تقدم [ تفرد به الفرج بن فضالة ] (1) ورواه حصين عن مجاهد عن عائشة بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن كنانة الاسدي، أبو يحيى، ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه.
قال: بلغني أن عائشة قالت: " ما استمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة، فإن عثمان جاءه في
حر الظهيرة فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه فسمعته يقول: إن الله ملبسك قميصا تريدك أمتي على خلعه فلا تخلعه.
فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه (2).
طريق أخرى قال الطبراني: حدثنا مطلب بن سعيد الازدي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، قال: كنا عند شفى الاصبحي فقال: حدثنا عبد الله بن عمر قال: " التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان إن الله كساك قميصا فأرادك الناس على خلعه قلا تخلعه، فوالله لئن خلعته لا ترى الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " وقد رواه أبو يعلى من طريق عبد الله بن عمر عن أخته حفصة أم المؤمنين.
وفي سياق متنه غرابة والله أعلم.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد حدثتني فاطمة بنت عبد الرحمن قالت: حدثتني أمي أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال: قولي إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن
__________
(1) ما بين معكوفتين سقط من الاصل، واستدرك من المخطوطة الحلبية.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 114.
ورواه الترمذي في المناقب عن النعمان بن بشير عن عائشة ح (3705) ص 5 / 628.
(*)
عفان فإن الناس قد شتموه، فقالت: " لعن الله من لعنه، فوالله لقد كان قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن رسول الله لمسند ظهره إلي، وإن جبريل ليوحي إليه القرآن، وإنه ليقول له: اكتب يا عثيم، قالت عائشة: فما كان الله لينزل تلك المنزلة إلا كريما على الله ورسوله (1) " ثم رواه الامام أحمد عن يونس عن عمر بن إبراهيم اليشكري عن أمه عن أمها أنها سألت عائشة عند الكعبة عن عثمان فذكرت مثله. (7/234)
حديث آخر قال البزار: حدثنا عمر بن الخطاب قال: ذكر أبو المغيرة عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التميمي، عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة فقال أبو بكر: أنا أدركها ؟ فقال: لا ! فقال عمر: أنا يا رسول الله أدركها ؟ قال: لا ! فقال عثمان: يا رسول الله فأنا أدركها ؟ قال: بك يبتلون " قال البزار: وهذا لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عمر، ثنا سنان بن هارون، ثنا كليب بن واصل (2)، عن ابن عمر.
قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوما، فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان ".
ورواه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد عن شاذان به وقال: حسن غريب.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا موسى بن عقبة حدثني أبو أمي أبو حنيفة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا - أو قال: اختلافا وفتنة - فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ قال: عليكم
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 250 ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 86 وقال: رواه أحمد والطبراني في الاوسط إلا أنه قال: " عن أم كلثوم بنت ثمامة الحنطي أن أخاها المخارق بن ثمامة الحنطي ".
قال: وأم كلثوم لم أعرفها وبقية رجال الطبراني ثقات.
(2) رواه الترمذي في المناقب ح 3708 ص 5 / 630.
وفيه حدثنا شاذان الاسود بن عامر عن سنان بن هرون البرجمي عن كليب بن وائل.
(*)
بالامين وأصحابه وهو يشير إلى عثمان بذلك (1) " تفرد به أحمد وإسناده جيد حسن ولم يخرجوه من (7/235)
هذا الوجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو أسامة ثنا حماد بن أسامة ثنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله ابن شقيق، حدثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم - وكانا يغازيان - فحدثاني حديثا ولم يشعر كل واحد منهما أن صاحبه حدثنيه عن مرة البهزي قال: " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة فقال: كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الارض كأنها صياصي بقر ؟ نصنع ماذا يا رسول الله ؟ قال: عليكم هذا وأصحابه - أو اتبعوا هذا وأصحابه - قال: فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا، فإذا هو عثمان بن عفان (2) " فقال: هذا وأصحابه فذكره.
طريق أخرى وقال الترمذي في جامعه: حدثنا محمد بن بشار، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أبي الاشعث الصنعاني أن خطباء قامت بالشام وفيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له مرة بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تكلمت، وذكر الفتن فقر بها فمر رجل متقنع في ثوب، فقال: هذا يومئذ على الهدى فقمت إليه.
فإذا هو عثمان ابن عفان، فأقبلت عليه بوجهه فقلت: هذا ؟ قال نعم ! (3) " ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة.
قلت: وقد رواه أسد بن موسى عن معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر، عن جبير بن نفير، عن مرة بن كعب البهزي فذكر نحوه، وقد رواه الامام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية، عن صالح، عن سليم بن عامر، عن جبير بن نفير عن كعب بن مرة البهزي.
الصحيح مرة بن كعب كما تقدم، وأما حديث ابن حواله، فقال حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن عبد الله بن سفيان (4) عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن حوالة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف وأنت وفتنة تكون في أقطار الارض ؟ قلت: ما خار الله لي ورسوله، قال اتبع هذا الرجل، فإنه يومئذ ومن اتبعه على الحق قال: فاتبعته فأخذت بمنكبه فقتلته فقلت: هذا يا رسول الله ؟ فقال: نعم ! فإذا هو
عثمان بن عفان " وقال حرملة عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن ابن حوالة.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من نجا منهن فقد نجا، موتي،
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 2 / 345.
(2) أخرجه الامام أحمد ج 5 / 35.
(3) أخرجه الترمذي في المناقب ح 3704 ص (5 / 628).
(4) في هامش النسخة المطبوعة: كذا بالمصرية بزيادة عبد الله بن سفيان.
(*)
وخروج الدجال وقتل خليفة مصطبر قوام بالحق يعطيه. (7/236)
وأما حديث كعب بن عجرة.
فقال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي، أخبرني معاوية بن مسلم، عن مطر الوراق، عن ابن سيرين عن كعب بن عجرة قال: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها قال: ثم مر رجل مقنع في ملحفة فقال: هذا يومئذ على الحق قال فانطلقت مسرعا أو محضرا وأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله ؟ قال: هذا فإذا هو عثمان بن عفان (1) " ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كعب بن عجرة فذكر مثله.
ورواه أبو يعلى عن هدبة، عن همام، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن كعب بن عجرة.
وكذا رواه أبو عون عن ابن سيرين عن كعب.
وقد تقدم حديث أبي ثور التميمي عنه في قوله في الخطبة التي خاطب بها الناس من داره: والله ما تغنيت ولا تمنيت ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يعتق كل يوم جمعة عتيقا فإن تعذر عليه أعتق في الجمعة الاخرى عتيقين.
وقال مولاه حمران: كان عثمان يغتسل كل يوم منذ أسلم.
رضي الله عنه.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا علي بن عياش، ثنا الوليد بن مسلم، أنبأنا الاوزاعي، عن محمد ابن عبد الملك بن مروان أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة: أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال:
" إنك إمام العامة وقد نزل بك ما ترى وإني أعرض عليك خصالا ثلاثا اختر إحداهن، إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددا وقوة وأنت على الحق وهم على الباطل، وإما أن تخرق بابا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق مكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية.
فقال عثمان: أما أن أخرج فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء، وأما أن أخرج إلى مكة فإنهم لن يستحلوني بها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم، ولن أكون أنا، وأما أن ألحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) ".
وقال الامام أحمد: ثنا أبو المغيرة ثنا أرطاة - يعني ابن المنذر - حدثني أبو عون الانصاري أن عثمان قال لابن مسعود: " هل أنت منته عما بلغني عنك ؟ فاعتذر بعض العذر، فقال عثمان: ويحك ! إني قد سمعت وحفظت - وليس كما سمعت -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيقتل أمير، ويتبرى متبرئ (3)، وإني أنا المقتول، وليس عمر، إنما قتل عمر واحد، وأنه
__________
(1) الحديث أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 242.
(2) مسند الامام أحمد ج 1 / 67.
(3) مسند الامام أحمد 1 / 66.
وفيه: وينتزي منتز بدل ويتبرى متبرئ.
(*)
يجتمع علي " وهذا الذي قاله لابن مسعود قبل مقتله بنحو من أربع سنين فإنه مات قبله بنحو ذلك. (7/237)
حديث آخر [ قال عبد الله بن أحمد: ثنا عبيد الله بن عمر الفربري: ثنا القاسم بن الحكم بن أوس الانصاري، حدثني أبو عبادة الزرقي الانصاري - من أهل المدينة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " شهدت عثمان يوم حصر في موضع الجنائز ولو ألقى حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان أشرف من الخوخة التي تلي باب مقام جبريل، فقال: أيها الناس ! أفيكم طلحة ؟ فسكتوا، ثم قال: أيها الناس ! أفيكم طلحة بن عبيد الله ؟ فسكتوا، ثم قال: أيها الناس !
أفيكم طلحة ؟ فقام طلحة بن عبيد الله فقال له عثمان: ألا أراك ههنا ؟ ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم تسمع نداي آخر ثلاث مرات، ثم لا تجيئني ؟ أنشدك الله يا طلحة تذكر يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع كذا وكذا ليس معه أحد من أصحابه غيري وغيرك ؟ فقال: نعم ! قال: فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ما من نبي إلا ومعه من أصحابه رفيق في الجنة، وإن عثمان بن عفان هذا - يعني نفسه - رفيقي في الجنة ؟ فقال طلحة: اللهم نعم ! " تفرد به أحمد ] (1).
حديث آخر عن طلحة قال الترمذي: حدثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا يحيى بن اليمان، عن شريح بن زهرة (2)، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب (3)، عن طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل نبي رفيق ورفيقي في الجنة عثمان " ثم قال: هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي، وإسناده منقطع.
ورواه أبو عثمان محمد بن عثمان عن أبيه عن أبي الزناد عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة، وقال الترمذي: حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي وغير واحد قالوا: حدثنا عثمان ابن زفر، حدثنا محمد بن زياد، عن محمد بن عجلان عن أبي الزبير عن جابر قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل ليصلي عليه فلم يصل عليه، فقيل يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد قبل هذا ؟ فقال: إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله عز وجل (4) " ثم قال الترمذي: هذا حديث
__________
(1) هذا الحديث تكرر في النسختين المصرية والحلبية.
انظر صفحة 198 - 199 من هذا الجزء والتعليق عليه هناك فليراجع.
(2) في الترمذي: شيخ من بني زهرة.
(3) من الترمذي ح 3698 ص 5 / 624 وفي الاصل وتاب.
(4) كتاب المناقب - ح 3709 ص 5 / 630.
(*)
غريب، ومحمد بن زياد هذا صاحب ميمون بن مهران ضعيف الحديث جدا، ومحمد بن زياد (7/238)
صاحب أبي هريرة بصري ثقة، يكنى أبا الحارث، ومحمد بن زياد الالهاني صاحب أبي أمامة ثقة شامي يكنى أبا سفيان.
حديث آخر روى الحافظ ابن عساكر من حديث أبي مروان العثماني، ثنا أبي عثمان بن خالد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن الاعرج عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عثمان بن عفان على باب المسجد فقال: يا عثمان ! هذا جبريل يخبرني أن الله قد زوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية، على مثل مصاحبتها " وقد روى ابن عساكر أيضا من حديث ابن عباس وعائشة وعمارة بن روبية وعصمة بن مالك، الخطمي، وأنس بن مالك وابن عمر وغيرهم، وهو غريب ومنكر من جميع طرقه، وروي بإسناد ضعيف عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كان لي أربعون ابنة لزوجتهن بعثمان واحدة بعد واحدة، حتى لا يبقى منهن واحدة " وقال محمد بن سعيد الاموي، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن المهلب بن أبي صفرة قال: " سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم قلتم في عثمان: أعلانا فوقا ؟ قالوا: لانه لم يتزوج رجل من الاولين والآخرين ابنتي نبي غيره رواه ابن عساكر.
وقال إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه حتى يبدو ضبعيه إلا لعثمان بن عفان، إذا دعا له.
وقال مسعر عن عطية عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان يقول: " اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه " وفي رواية يقول لعثمان: " غفر الله لك ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن إلى يوم القيامة " ورواه الحسن بن عرفة عن محمد بن القاسم الاسدي عن الاوزاعي عن حسان بن عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال ابن عدي عن أبي يعلى عن عمار بن ياسر المستملي عن إسحاق بن إبراهيم المستملي، عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن حذيفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان يستعينه في غزاة غزاها، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه، فجعل يقلبها بين يديه ويدعو له: " غفر
الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها ".
حديث آخر وقال ليث بن أبي سليم: أول من خبص الخبيص عثمان خلط بين العسل والنقي ثم بعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أم سلمة، فلم يصادفه، فلما جاء وضعوه بين يديه، فقال: من
بعث هذا ؟ قالوا: عثمان: قالت: فرفع يديه إلى السماء فقال: " اللهم إن عثمان يترضاك فارض عنه ". (7/239)
حديث آخر روى أبو يعلى عن سنان بن فروخ عن طلحة بن يزيد عن عبيدة بن حسان عن عطاء الكيخاراني عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنق عثمان وقال: " رأيت وليي في الدنيا ووليي في الآخرة ".
حديث آخر قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تهجمون على رجل معتجر ببرده من أهل الجنة، يبايع الناس " قال فهجمنا على عثمان بن عفان فرأيناه معتجرا يبايع الناس.
ذكر شئ من سيرته وهي دالة على فضيلته قال ابن مسعود: لما توفي عمر بايعنا خيرنا ولم نأل، وفي رواية بايعوا خيرهم ولم يألوا، وقال الاصمعي عن أبي الزناد عن أبيه عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى.
وقال محمد بن المبارك بلغني أنه كان نقش خاتم عثمان آمن عثمان بالله العظيم.
وقال البخاري في التاريخ: ثنا موسى بن إسماعيل ثنا مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قل ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون
فيه خيرا، يقال لهم: يا معشر المسلمين اغدوا على أعطياتكم، فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم اغدوا على السمن والعسل، الاعطيات جارية، والارزاق دارة، والعدو متقى، وذات البين حسن، والخير كثير، وما من مؤمن يخاف مؤمنا، ومن لقبه فهو أخوه، قد كان من إلفته ونصيحته ومودته قد عهد إليهم أنها ستكون أثرة، فإذا كانت فاصبروا " قال الحسن: فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير، بل قالوا: لا والله ما نصابرها: فوالله ما وردوا وما سلموا، والاخرى كان السيف مغمدا عن أهل الاسلام فسلوه على أنفسهم، فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس، هذا وأيم الله إني لاراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة " وقال غير واحد عن الحسن البصري قال: سمعت عثمان يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب.
وروى سيف بن عمر أن أهل المدينة اتخذ بعضهم الحمام ورمى بعضهم بالجلا هقات [ فوكل عثمان رجلا من بني ليث يتبع ذلك، فيقص
الحمام ويكسر الجلاهقات ] (1) - وهي قسي البندق - وقال محمد بن سعد: " أنبأنا القعنبي وخالد بن مخلد ثنا محمد بن هلال عن جدته - وكانت تدخل على عثمان وهو محصور - فولدت هلالا، ففقدها يوما فقيل له: إنها قد ولدت هذه الليلة غلاما، قالت: فأرسل إلي بخمسين درهما وشقيقة سنبلانية، وقال: هذا عطاء ابنك وكسوته، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة " وروى الزبير بن أبي بكر عن محمد بن سلام عن ابن بكار، قال: قال ابن سعيد بن يربوع بن عتكة المخزومي: انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله في المسجد، والمسجد بيننا، فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم، تحت رأسه لبنة أو بعض لبنة، فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله، ففتح عينيه فقال: من أنت يا غلام ؟ فأخبرته، فإذا غلام نائم قريبا منه فدعاه فلم يجبه، فقال لي: ادعه ! فدعوته فأمره بشئ وقال لي: اقعد ! فذهب الغلام فجاء بحلة وجاء بألف درهم، ونزع ثوبي وألبسني الحلة ؟ وجعل الالف درهم فيها، فرجعت إلى أبي فأخبرته ؟ فقال: يا بني من فعل هذا بك ؟ فقلت: لا أدري إلا أنه رجل في المسجد نائم لم أر قط أحسن منه، قال: ذاك أمير المؤمنين (7/240)
عثمان بن عفان " وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني يزيد بن خصيفة عن أبي السائب بن يزيد " أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التميمي أهي صلاة طلحة بن عبيد الله عن صلاة عثمان قال: نعم ! قال: قلت لاغلبن الليلة النفر على الحجر - يعني المقام - فلما قمت فإذا رجل يرجمني مقنعا قال فالتفت فإذا بعثمان يرحمني فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد بسجود القرآن، حتى إذا قلت هذا هو أذان الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق ".
وقد روى هذا من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الاسود، أيام الحج، وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه.
ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) * [ الزمر: 9 ] قال: هو عثمان بن عفان.
وقال ابن عباس في قوله تعالى * (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم) * [ النحل: 76 ] قال: هو عثمان.
وقال حسان (2): ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا وقال سفيان بن عيينة: ثنا إسرائيل بن موسى سمعت الحسن يقول قال عثمان: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لاكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف، وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه.
وقال أنس ومحمد بن سيرين: قالت امرأة عثمان يوم الدار: اقتلوه أو دعوه، فوالله لقد كان يحيي الليل بالقرآن في ركعة.
وقال غير واحد: إنه رضي الله عنه كان لا يوقظ أحدا من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه، إلا أن يجده يقظانا، وكان يصوم
__________
(1) الطبري 5 / 135 والكامل 3 / 181 وكان ذلك سنه ثمان من خلافته.
(2) انظر حاشية 4 صفحة 219 من هذا الجزء.
(*)
الدهر، وكان يعاتب فيقال: لو أيقظت بعض الخدم ؟ فيقول: لا ! الليل لهم يستريحون فيه. (7/241)
وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه، وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه رضي الله عنه.
شئ من خطبه قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي عن أبيه أن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس أول كل مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش تأتكم الخطب على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله (1).
وقال الحسن: خطب عثمان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس ! اتقوا الله فإن تقوى الله غنم، وإن أكيس الناس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، واكتسب من نور الله نورا لظلمة القبر، وليخش عبد أن يحشره الله أعمى، وقد كان بصيرا، وقد يلقى الحكيم جوامع الكلم، والاصم ينادي من مكان بعيد، واعلموا أن من كان الله له لم يخف شيئا، ومن كان الله عليه فمن يرجو بعده ؟.
وقال مجاهد: خطب عثمان فقال: ابن آدم ! اعلم أن ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك منذ أنت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك، وقصدك، فخذ حذرك، واستعد له، ولا تغفل فإنه لا يغفل عنك، واعلم ابن آدم إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك، ولابد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكلها إلى غيرك والسلام.
وقال سيف بن عمر عن بدر بن عثمان عن عمه.
قال: آخر خطبة خطبها عثمان في جماعة " إن الله إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكموها لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، لا تبطرنكم الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، وآثروا ما يبقى على ما يفنى، فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله، اتقوا الله فإن تقواه جنة من بأسه، ووسيلة عنده، واحذروا من الله الغير، والزموا جماعتكم لا تصيروا أحزابا * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) * إلى آخر الآيتين (2).
فصل قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا محمد بن قيس الاسدي، عن موسى بن طلحة.
__________
(1) طبقات ابن سعد 3 / 62.
العقد الفريد 2 / 133 وذكر الطبري في تاريخه خطبة أخرى لما بايعه أهل الشورى.
كانت مثالا في الزهد واحتقار الدنيا وعدم الركون إليها (الطبري 5 / 43).
(2) سورة آل عمران الاية 103، والخطبة في تاريخ الطبري 5 / 149.
(*)
قال: سمعت عثمان بن عفان وهو على المنبر والمؤذن يقيم الصلاة وهو يستخير الناس يسألهم عن أخبارهم، وأسفارهم. (7/242)
وقال أحمد: حدثنا إسماعيل ثنا إبراهيم ثنا يونس - يعني ابن عبيد - حدثني عطاء بن فروخ مولى القرشيين أن عثمان اشترى من رجل أرضا فأبطأ عليه فلقيه فقال: ما منعك من قبض مالك ؟ قال: إنك غبنتني، فما ألقى من الناس أحدا إلا وهو يلومني، قال: أذلك يمنعك ؟ قال: نعم ! قال: فاختر بين أرضك ومالك، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدخل الله الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا (1) ".
وروى ابن جرير أن طلحة لقي عثمان وهو خارج إلى المسجد فقال له طلحة: إن الخمسين ألفا التي لك عندي قد حصلت فأرسل من يقبضها، فقال له عثمان: إنا قد وهبناكها لمروءتك (2).
وقال الاصمعي: استعمل ابن عامر (3) قطن بن عوف الهلالي على كرمان، فأقبل جيش من المسلمين - أربعة آلاف - وجرى الوادي فقطعهم عن طريقهم، وخشى قطن الفوت فقال: من جاز الوادي فله ألف درهم، فحملوا أنفسهم على العوم، فكان إذا جاز الرجل منهم قال قطن: اعطوه جائزته، حتى جاوزا جميعا وأعطاهم أربعة آلاف ألف درهم، فأبى ابن عامر أن يحسبها له، فكتب لذلك إلى عثمان بن عفان، فكتب عثمان: أن احسبها له، فإنه إنما أعان المسلمين في سبيل الله فمن ذلك اليوم سميت الجوائز لاجازة الوادي، فقال الكناني (4) في ذلك: فدى للاكرمين بني هلال * على علاتهم أهلي ومالي هموا سنوا الجوائز في معد * فعادت سنة أخرى الليالي (5) رماحهم تزيد على ثمان * وعشر قبل تركيب النصال (6) فصل ومن مناقبه الكبار وحسنأته العظيمة أنه جمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على
الفرضة الاخيرة، التي درسها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سني حياته، وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في بعض الغزوات، وقد اجتمع فيها خلق من أهل الشام، ممن يقرأ على
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 58، وفي نسخ البدايه المطبوعة: اسماعيل بن ابراهيم ثنا يونس تحريف.
والصواب ما اثبتناه حسب سياق المسند.
(2) تاريخ الطبري 5 / 139.
(3) في فتوح البلدان 2 / 482: ولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي على كرمان وفارس.
وكذره في الاصابة: قطن بن عبد عوف الهلالي له ادراك، استعمله عبد الله بن عامر على كرمان.
(4) ذكره في فتوح البلدان: الحجاف بن حكيم.
(5) في الاصابة: فكانت سنة إحدى الليالي.
وفي فتوح البلدان: فصارت سنة...(6) في فتوح البلدان: وعشر حين تختلف العوالي.
(*)
قراءة المقداد بن الاسود، وأبي الدرداء، وجماعة من أهل العراق، ممن يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف، يفضل قراءته على قراءة عبد الله بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بسوغان القراءة على سبعة أحرف، يفضل قراءته على قراءة غيره، وربما خطأ الآخر أو كفره، فأدى ذلك إلى اختلاف شديد، وانتشار في الكلام السئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الامة قبل أن تختلف في كتابها كاختلاف اليهود والنصارى في كتبهم. (7/243)
وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الاقاليم على القراءة به، دون ما سواه، لما رأى في ذلك من مصلحة كف المنازعة، ودفع الاختلاف، فاستدعى بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين، فاستدعى بها عثمان وأمر زيد بن ثابت الانصاري أن يكتب وأن يملي عليه سعيد بن
العاص الاموي، بحضرة عبد الله بن الزبير الاسدي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وأمرهم إذا اختلفوا في شئ أن يكتبوه بلغة قريش، فكتب لاهل الشام مصحفا، ولاهل مصر آخر، وبعث إلى البصرة مصحفا وإلى الكوفة بآخر، وأرسل إلى مكة مصحفا وإلى اليمن مثله، وأقر بالمدينة مصحفا.
ويقال لهذه المصاحف الائمة، وليست كلها بخط عثمان، بل ولا واحد منها، وإنما هي بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمره وزمانه، وإمارته، كما يقال دينار هرقلي، أي ضرب في زمانه ودولته.
قال الواقدي: حدثنا ابن أبي سبرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
ورواه غيره من وجه آخر عن أبي هريرة قال: " لما نسخ عثمان المصاحف دخل عليه أبو هريرة فقال: أصبت ووفقت، أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أنشد أمتي حبا لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني، يعملون بما في الورق المعلق (1) " فقلت: أي ورق ؟ حتى رأيت المصاحف، قال: فأعجب ذلك عثمان وأمر لابي هريرة بعشرة آلاف، وقال: والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث نبينا صلى الله عليه وسلم "، ثم عمد إلى بقية المصاحف التي بأيدي الناس مما يخالف ما كتبه فحرقه، لئلا يقع بسببه اختلاف، فقال أبو بكر بن أبي داود - في كتاب المصاحف - حدثنا محمد بن بشار، ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن قالا: ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن رجل عن سويد بن غفلة قال: قال لي علي حين حرق عثمان المصاحف: لو لم يصنعه هو لصنعته (2) " وهكذا رواه أبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق عن شعبة مثله، وقد رواه البيهقي وغيره من حديث محمد بن أبان - زوج أخت حسين - عن
__________
(1) روى البيهقي في الدلائل 6 / 538 عن أبي صالح حديثا مرسلا بنحوه.
ورورى نحوه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وروي موصولا عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس.
(2) كتاب المصاحف ص 19.
(*)
علقمة بن مرثد قال: سمعت العيزار بن جرول سمعت سويد بن غفلة قال: " قال علي: أيها الناس ! إياكم والغلو في عثمان تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملا من أصحاب (7/244)
محمد صلى الله عليه وسلم، ولو وليت مثل ما ولي لفعلت مثل الذي فعل (1) " وقد روي عن ابن مسعود أنه تعتب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلم في تقدم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، وأمر أصحابه أن يغلوا مصاحفهم، وتلا قوله تعالى * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * [ آل عمران: 161 ] فكتب إليه عثمان رضي الله عنه يدعوه إلى اتباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب وأجاب إلى المتابعة وترك المخالفة رضي الله عنهم أجمعين.
وقد قال أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أن عبد الله بن مسعود دخل مسجد منى فقال: كم صلى أمير المؤمنين الظهر ؟ قالوا: أربعا، فصلى ابن مسعود أربعا فقالوا: ألم تحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صلوا ركعتين ؟ فقال: نعم ! وأنا أحدثكموه الآن، ولكني أكره الاختلاف.
وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: ليت حظي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين.
وقال الاعمش: حدثني معاوية بن قرة - بواسط - عن أشياخه قالوا: صلى عثمان الظهر بمنى أربعا فبلغ ذلك ابن مسعود فعاب عليه، ثم صلى بأصحابه العصر في رحله أربعا، فقيل له: عتبت على عثمان وصليت أربعا ؟ فقال: إني أكره الخلاف.
وفي رواية الخلاف شر فإذا كان هذا متباعة من ابن مسعود إلى عثمان في هذا الفرع فكيف بمتابعته إياه في أصل القرآن ؟ والاقتداء به في التلاوة التي عزم على الناس أن يقرأوا بها لا بغيرها ؟ وقد حكى الزهري وغيره أن عثمان إنما أتم خشية على الاعراب أن يعتقدوا أن فرض الصلاة ركعتان، وقيل بل قد تأهل بمكة، فروى يعلى وغيره من حديث عكرمة بن إبراهيم حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذباب عن أبيه أن عثمان صلى بهم بمنى أربع ركعات، ثم أقبل عليهم فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله " وإني أتممت لاني تزوجت بها منذ قدمتها.
وهذا الحديث لا يصح، وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء بميمونة بنت الحارث ولم يتم الصلاة، وقد قيل إن عثمان تأول أنه أمير المؤمنين حيث كان وهكذا تأولت عائشة فأتمت، وفي هذا التأويل نظر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حيث كان، ومع هذا ما أتم الصلاة في الاسفار.
ومما كان
يعتمده عثمان بن عفان أنه كان يلزم عماله بحضور الموسم كل عام، ويكتب إلى الرعايا: من كانت له عند أحد منهم مظلمة فليواف إلى الموسم فإني آخذ له حقه من عامله، وكان عثمان قد سمح لكثير من كبار الصحابة في المسير حيث شاؤوا من البلاد، وكان عمر يحجر عليهم في ذلك، حتى ولا في الغزو، ويقول: إني أخاف أن تروا الدنيا وأن يراكم أبناؤها، فلما خرجوا في زمان
__________
(1) رواه أبو بكر السجساتي في المصاحف مطولا 29 - 30.
(*)
عثمان اجتمع عليهم الناس، وصار لكل واحد أصحاب، وطمع كل قوم في تولية صاحبهم الامارة العامة بعد عثمان، فاستعجلوا موته، واستطالوا حياته، حتى وقع ما وقع من بعض أهل الامصار، كما تقدم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، العلي العظيم. (7/245)
ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم تزوج برقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولد له منها عبد الله (1)، وبه كان يكنى، بعد ما كان يكنى في الجاهلية بأبي عمرو، ثم لما توفيت تزوج بأختها أم كلثوم، ثم توفيت فتزوج بفاختة بنت غزوان ابن جابر، فولد له منها عبيد الله الاصغر، وتزوج بأم عمرو بنت جندب بن عمرو الازدية، فولدت له عمرا، وخالدا، وأبانا، وعمر ومريم، وتزوج بفاطمة بنت الوليد بن عبد شمس المخزومية، فولدت له الوليد وسعيدا.
وتزوج أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارية، فولدت له عبد الملك، ويقال وعتبة، وتزوج رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي فولدت له عائشة وأم أبان وأم عمرو، بنات عثمان.
وتزوج نائلة بنت الفرافصة بن الاحوص بن عمرو بن ثعلبة (2) بن حصن بن ضمضم بن عدي بن حيان بن كليب، فولدت له مريم ويقال وعنبسة (3) وقتل رضي الله عنه وعنده أربع نائلة، ورملة، وأم البنين، وفاختة.
ويقال إنه طلق أم البنين وهو محصور.
فصل
تقدم في دلائل النبوة الحديث الذي رواه الامام أحمد وأبو داود من حديث سفيان الثوري عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي، عن عبد الله بن مسعود، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن رحا الاسلام ستدور لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن تهلك فسبيل ما هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال: فقال عمر يا رسول الله أبما مضى أم بما بقي ؟ قال: بل بما بقي " وفي لفظ له ولابي داود " تدور رحا الاسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين " الحديث.
وكأن هذا الشك من الراوي، والمحفوظ في نفس الامر خمس وثلاثين، فإن
__________
(1) بلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك في عينه فمرض فمات في جمادى الاولى سنة أربع من الهجرة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) في الطبري وابن سعد: ابن ثعلبة بن الحارث بن حصن.
(3) قال الواقدي وكان له بنت تدعى أم البنين بنت عثمان بن نائلة وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان.
وقال ابن سعد أم البنين وأمها أم ولد.
(الطبري 5 / 149 وطبقات ابن سعد 3 / 54).
فيها قتل أمير المؤمنين عثمان على الصحيح، وقيل ست وثلاثين، والصحيح الاول وكانت أمور شنيعة ولكن الله سلم ووقى بحوله وقوته فلم يكن بأسرع من أن بايع الناس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانتظم الامر، واجتمع الشمل، ولكن جرت بعد ذلك أمور في يوم الجمل وأيام صفين على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. (7/246)
في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الانصاري النجاري، ويقال له أنيس أيضا، شهد المشاهد كلها رضي الله عنه.
أوس بن الصامت، أخو عبادة بن الصامت الانصاريان، شهد بدرا، وأوس هو زوج المجادلة المذكورة في قوله تعالى * (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير) * [ المجادلة: 1 ] وامرأته خولة بنت ثعلبة.
أوس بن خولى الانصاري من بني الحبلى، شهد بدرا، وهو المنفرد من بين الانصار بحضور غسل النبي صلى الله عليه وسلم، والنزول مع أهله في قبره، عليه الصلاة والسلام.
الحر بن قيس، كان سيدا في الانصار، ولكن كان بخيلا ومتهما بالنفاق، يقال إنه شهد بيعة الرضوان فلم يبايع، واستتر ببعير له، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا) * [ التوبة: 49 ].
وقد قيل إنه تاب وأقلع فالله أعلم.
الحطيئة الشاعر المشهور.
قيل اسمه جرول ويكنى بأبي مليكة، من بني عبس، أدرك أيام الجاهلية، وأدرك صدرا من الاسلام، وكان يطوف في الآفاق يمتدح الرؤساء من الناس، ويستجديهم ويقال كان بخيلا مع ذلك، سافر مرة فودع امرأته فقال لها: عدي السنين إذا خرجت لغيبة * ودعي الشهور فانهن قصار وكان مداحا هجاء، وله شعر جيد، ومن شعره ما قاله بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فاستجاد منه قوله: من يفعل الخير لم يعدم جوائزه * لا يذهب العرف بين الله والناس خبيب بن يساف بن عتبة الانصاري أحد من شهد بدرا * سلمان بن ربيعة الباهلي، يقال له صحبة، كان من الشجعان الابطال المذكورين، والفرسان المشهورين، ولاه عمر قضاء الكوفة، ثم ولي في زمن عثمان إمرة على قتال الترك، فقتل ببلنجر، فقيرة هناك في تابوت يستسقي به الترك إذا قحطوا * عبد الله بن حذافة بن قيس القرشي السهمي، هاجر هو وأخوه قيس إلى الحبشة،
وكان من سادات الصحابة، وهو القائل: يا رسول الله من أبي ؟ - وكان إذا لاحى الرجال دعي لغير أبيه - فقال: أبوك حذافة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى كسرى فدفع كتابه إلى عظيم بصرى فبعث معه من يوصله إلى هرقل كما تقدم، وقد أسرته الروم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في جملة ثمانين من المسلمين، فأرادوه على الكفر فأبى عليهم، فقال له الملك: قبل رأسي وأنا أطلقك ومن معك من المسلمين، فقبل رأسه فأطلقهم، فلما قدم على عمر قال له: (7/247)
حق على كل مسلم أن يقبل رأسك، ثم قام عمر فقبل رأسه قبل الناس رضي الله عنه * عبد الله بن سراقة بن المعتمر، العدوي صحابي أحدي، وزعم الزهري أنه شهد بدرا فالله أعلم * عبد الله بن قيس بن خالد الانصاري، شهد بدرا * عبد الرحمن بن سهل بن زيد الانصاري الحارثي، شهد أحدا وما بعدها، وقال ابن عبد البر شهد بدرا، استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان، وقد نهشته حية فرقاه عمارة بن حزم، وهو القائل لابي بكر - وقد جاءته جدتان فأعطى السدس أم الام وترك الاخرى وهي أم الاب - فقال له: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت لورثها، فشرك بينهما * عمرو بن سراقة بن المعتمر العدوي أخو عبد الله بن سراقة، وهو بدري كبير، روى أنه جاع مرة فربط حجرا على بطنه من شدة الجوع، ومشى يومه ذلك إلى الليل، فأضافه قوم من العرب ومن معه، فلما شبع قال لاصحابه: كنت أحسب الرجلين يحملان البطن، فإذا البطن يحمل الرجلين.
عمير بن سعد الانصاري الاوسي، صحابي جليل القدر، كبير المحل كان يقال له نسيج وحده، لكثرة زهادته وعبادته، شهد فتح الشام مع أبي عبيدة، وناب بحمص وبدمشق أيضا في زمان عمر، فلما كانت خلافة عثمان عزله وولى معاوية الشام بكماله، وله أخبار يطول ذكرها * عروة بن حزام أبو سعيد العدوي كان شاعر مغرما في ابنة عم له، وهي عفراء بنت مهاجر، يقول فيها الشعر واشتهر بحبها، فارتحل أهلها من الحجاز إلى الشام، فتبعهم عروة فخطبها إلى عمه فامتنع من تزويجه لفقره وزوجها بابن عمها الآخر، فهلك عروة هذا في محبتها، وهو مذكور في كتاب مصارع العشاق، ومن شعره فيها قوله: وما هي إلا أن أراها فجاءة * فأبهت حتى ما أكاد أجيب وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتأي * وأنسى الذي أعددت حين تغيب قطبة بن عامر أبو زيد الانصاري عقبي بدري * قيس بن مهدي بن قيس بن ثعلبة الانصاري النجاري، له حديث في الركعتين قبل الفجر، وزعم ابن ماكولا أنه شهد بدرا، قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الانصاري، وقال الاكثرون: بل هو جد أبي مريم
عبد الغفار بن القاسم الكوفي فالله أعلم * لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري الشاعر المشهور: صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل " * وتمام البيت: وكل نعيم لا محالة زائل
فقال عثمان بن مظعون: إلا نعيم الجنة، وقد قيل إنه توفي سنة إحدى وأربعين فالله أعلم * المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي، شهد بيعة الرضوان وهو والد سعيد بن المسيب سيد التابعين * معاذ بن عمرو بن الجموح الانصاري شهد بدرا، وضرب يومئذ أبا جهل بسيفه فقطع رجله، وحمل عكرمة بن أبي جهل على معاذ هذا فضربه بالسيف فحل يده من كتفه، فقاتل بقية يومه وهي معلقة يسحبها خلفه، قال معاذ: فلما انتهيت وضعت قدمي عليها ثم تمطأت عليها حتى طرحتها رضي الله عنه. (7/248)
وعاش بعد ذلك إلى هذه السنة سنة خمس وثلاثين * محمد بن جعفر بن أبي طالب، القرشي الهاشمي، ولد لابيه وهو بالحبشة، فلما هاجر إلى المدينة سنة خيبر، وتوفي يوم مؤتة شهيدا، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزلهم فقال لامهم أسماء بنت عميس: " إيتيني ببني أخي، فجئ بهم كأنهم أفرخ فجعل يقبلهم ويشمهم ويبكي، فبكت أمهم فقال: أتخافين عليهم العيلة وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ؟ ثم أمر الحلاق فحلق رؤوسهم " وقد مات محمد وهو شاب في أيام عثمان كما ذكرنا، وزعم ابن عبد البر أنه توفي في تستر فالله أعلم * معبد بن العباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتل شابا بأفريقية من بلاد المغرب * معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، صاحب خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، قيل توفي في أيام عثمان، وقيل قبل ذلك، وقيل سنة أربعين والله أعلم * منقذ بن عمرو الانصاري، أحد بني مازن بن النجار.
كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه، وضعف عقله، وكان يكثر من البيع والشراء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " من بايعت فقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار في كل ما تشتريه ثلاثة أيام " قال الشافعي: كان مخصصا بإثبات الخيار في كل بيع، سواء اشترط الخيار أم لا * نعيم بن مسعود، أبو سلمة الغطفاني وهو الذي خذل بين الاحزاب وبين بني قريظة كما قدمناه، فله بذلك
اليد البيضاء، والراية العليا أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، الشاعر، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد يوم السقيفة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشعر هذيل، وهذيل أشعر العرب وهو القائل: وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع وتجلدي للشامتين أربهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع توفي غازيا بأفريقية في خلافة عثمان * أبو رهم سبرة بن عبد العزى القرشي الشاعر ذكره في هذا الفصل محمد بن سعد وحده * أبو زبيد الطائي، الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر كان نصرانيا (1) وكان يجالس الوليد بن عقبة فأدخله على عثمان فاستنشده شيئا من شعره فأنشده قصيدة
__________
(1) تذهب أغلب المصادر القديمة إلى أنه كان نصرانيا وأدرك الاسلام ولم يسلم وانه على دينه (النصرانية) مات.
(الشعر والشعراء، الاغاني، تاريخ ابن عساكر، الارشاد لياقوت) إلا أن هناك اشارة في الطبري اغفلها المؤرخون، وهي رغبته واستعداده للقتال، وقد تمثل ذلك في قتاله إلى جانب المسلمين يوم الجسر حمية = (*)
له في الاسد بديعة (1)، فقال له عثمان: تفتأ تذكر الاسد ما حييت ؟ إني لاحسبك جبابا نصرانيا * أبو سبرة بن أبي رهم العامري، أخو أبي سلمة بن عبد الاسد، أمهما برة بنت عبد المطلب، هاجر إلى الحبشة وشهد بدرا وما بعدها، قال الزبير: لا نعلم بدريا سكن مكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم سواه، قال: وأهله ببدر في ذلك * أبو لبابة بن عبد المنذر أحد نقباء ليلة العقبة، وقيل إنه في خلافة علي والله أعلم * أبو هاشم بن عتبة تقدم وفاته في سنة إحدى وعشرين، وقيل في خلافة عثمان والله أعلم. (7/249)
خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه شيبة بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف، واسمه المغيرة بن قصي، واسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان أبو الحسن والحسين، ويكنى بأبي تراب، وأبي القسم الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختنه على ابنته فاطمة الزهراء.
وأمة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، ويقال إنها أول هاشمية ولدت هاشميا.
وكان له من الاخوة طالب، وعقيل، وجعفر، وكانوا أكبر منه، بين كل واحد منهم وبين الآخر عشر سنين، وله أختان، أم هانئ وجمانة، وكلهم من فاطمة بنت أسد، وقد أسلمت وهاجرت * كان علي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة واحد الستة أصحاب الشورى، وكان ممن توفي ورسول الله صلى الله عليه وسلم راض عنهم وكان رابع الخلفاء
__________
= للمسلمين وقد استعمله بعدها عمر على صدقات قومه.
وصاحب الوليد بن عقبة، الذي لم يزل به حتى اسلم في آخر امارة الوليد وحسن اسلامه.
وأيد ابن الاثير هذه الرواية.
ولم يرد في شعره ما يؤيد نصرانيته كما هو الحال عند غيره من الشعراء.
في موته أقوال والثابت، وفي ديوانه اشارة إلى انه رثى عبيد الله بن عمر بن الخطاب والمعروف أن عبيد الله قتل في صفين.
وله قصيدة في رثاء الامام علي فهذا يعني صراحة إلى انه كان حيا سنة (40) ويذكر السيوطي في المزهر 1 / 125 - 129 عن ابن دريد في اماليه أن أبا زبيد الطائي وجميل بن معمر العذري والاخطل اجتمعوا عند يزيد يتناشدون وصف الاسد.
هذا يرجح انه مات بعد سنة 41، وهذا يضع علامة استفهام كبرى على صحة رواية بروكلمن الذي قال: مات نصرانيا في خلافة عثمان (تاريخ الادب العربي 1 / 173).
(1) ومنها: في الطرائف الادبية، وحماسة البحتري والمحكم وأمالي المرتضى وشرح سقط الزند: من مبلغ قومنا النائين إذا شحطوا * أن الفؤاد إليهم شيق ولع فالدار تنبيهم عني فإن لهم * ودي ونصري إذا اعداؤهم نصعوا إلى أن يقول: ضرغامة أهرت الشدقين ذي لبد * كأنه برنسا في الغاب ملتفع أفر عنه بني الخالات جرأته * لا الصيد يمنع منه وهو ممتنع (*)
الراشدين وكان رجلا آدم شديد الادمة أشكل (1) العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، وهو إلى (7/250)
القصر أقرب وكان عظيم اللحية، قد ملات صدره ومنكبيه، أبيضها، وكان كثير شعر الصدر والكتفين، حسن الوجه، ضحوك السن، خفيف المشي على الارض * أسلم علي قديما، وهو ابن سبع وقيل ابن ثمان، وقيل تسع، وقيل عشر، وقيل أحد عشر، وقيل اثني عشر، وقيل ثلاثة عشر، وقيل أربع عشرة، وقيل ابن خمس عشرة، أو ست عشرة سنة قاله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن، ويقال إنه أول من أسلم والصحيح أنه أول من أسلم من الغلمان، كما أن خديجة أول من أسلمت من النساء، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي، وأبو بكر الصديق أول من أسلم من الرجال الاحرار، وكان سبب اسلام علي صغيرا أنه كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانه كان قد أصابتهم سنة مجاعة، فأخذه من أبيه، فكان عنده، فلما بعثه الله بالحق آمنت خديجة وأهل البيت ومن جملتهم علي، وكان الايمان النافع المتعدي نفعه إلى الناس إيمان الصديق رضي الله عنه.
وقد ورد عن علي أنه قال: أنا أول من أسلم ولا يصح إسناده إليه.
وقد روي في هذا المعنى أحاديث أوردها ابن عساكر كثيرة منكرة لا يصح شئ منها والله أعلم.
وقد روى الامام أحمد: من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة سمعت أبا حمزة - رجلا من موالي الانصار - قال سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي * وفي رواية أول من صلى.
قال عمرو: فذكرت ذلك للنخعي فأنكره، وقال أبو بكر: أول من أسلم * وقال محمد بن كعب القرظي: أول من آمن من النساء خديجة وأول رجلين آمنا أبو بكر وعلي ولكن كان أبو بكر يظهر إيمانه وعلي يكتم إيمانه، قلت: يعني خوفا من أبيه، ثم أمره أبوه بمتابعة ابن عمه ونصرته، وهاجر علي بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وكان قد أمره بقضاء ديونه ورد ودائعه، ثم يلحق به، فامتثل ما أمره به، ثم هاجر، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سهل بن حنيف، وذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين نفسه، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة لا يصح شئ منها لضعف أسانيدها، وركة بعض متونها، فإن في بعضها " أنت أخي ووارثي وخليفتي وخير من أمر بعدي " وهذا الحديث موضوع مخالف لما ثبت في الصحيحين وغيرهما والله أعلم * وقد شهد علي بدرا وكانت له اليد البيضاء فيها، بارز يومئذ
فغلب وظهر وفيه وفي عمه حمزة وابن عمه عبيدة بن الحارث وخصوصهم الثلاثة - عتبة وشيبة والوليد بن عتبة - نزل قوله تعالى * (هذان خصمان اختصموا في ربهم) * [ الحج: 19 ] الآية.
وقال الحكم وغيره عن مقسم عن ابن عباس قال: " دفع النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة " وقال الحسن بن عرفة: حدثني عمار بن محمد عن سعيد بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر محمد بن علي قال: نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
قال ابن عساكر وهذا مرسل وإنما تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم
__________
(1) في الطبري وابن سعد: ثقيل العينين، وعن أبي الحجاج: كان فيهما أثر الكحل.
(*)
وهبه من علي بعد ذلك وقال يونس بن بكير: عن مسعر، عن أبي عوف، عن أبي صالح، عن علي قال: قيل لي يوم بدر ولابي بكر قيل لاحدنا معك جبريل ومع الآخر ميكائيل قال وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل ويكون في الصف. (7/251)
وشهد علي أحدا وكان على الميمنة ومعه الراية بعده مصعب بن عمير، وعلى الميسرة المنذر بن عمرو الانصاري، وحمزة بن عبد المطلب، على القلب وعلى الرجالة الزبير بن العوام، وقيل المقداد بن الاسود، وقد قاتل علي يوم أحد قتالا شديدا، وقتل خلقا كثيرا من المشركين، وغسل عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم الدم الذي كان أصابه من الجراح حين شج في وجهه وكسرت رباعيته وشهد يوم الخندق فقتل يومئذ فارس العرب، وأحد شجعانهم المشاهير، عمرو بن عبدود العامري، كما قدمنا ذلك في غزوة الخندق، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، وشهد خيبر وكانت له بها مواقف هائلة، ومشاهد طائلة، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله " فبات الناس يذكرون أيهم يعطاها، فدعا عليا - وكان أرمد - فدعا له، وبصق في عينه فلم يرمد بعدها، فبرأ وأعطاه الراية، ففتح الله على يديه، وقتل مرحبا اليهودي.
وذكر محمد بن إسحاق عن عبد الله بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع أن يهوديا ضرب عليا فرطح ترسه، فتناول بابا عند الحصن فتترس به، فلم يزل في يده حتى فتح الله على يديه ثم
ألقاه من يده، قال أبو رافع: فلقد رأيتني أنا وسبعة معي نجتهد أن نقلب ذلك الباب على ظهره يوم خيبر فلم نستطع.
وقال ليث عن أبي جعفر عن جابر أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها، فلم يحملوه إلا أربعون رجلا * ومنها أنه قتل مرحبا فارس يهود وشجعانهم * وشهد علي عمرة القضاء وفيها قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت مني، وأنا منك " وما يذكره كثير من القصاص في مقاتلته الجن في بئر ذات العلم - وهو بئر قريب من الجحفة - فلا أصل له، وهو من وضع الجهلة من الاخباريين فلا يغتر به.
وشهد الفتح وحنينا والطائف، وقاتل في هذه المشاهد قتالا كثيرا، واعتمر من الجعرانة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك واستخلفه على المدينة، قال له: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي " وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا وحاكما على اليمن، ومعه خالد بن الوليد، ثم وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، إلى مكة، وساق معه هديا، وأهل كأهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فأشركه في هديه، واستمر على إحرامه، ونحرا هديهما بعد فراغ نسكهما كما تقدم ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له العباس: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن الامر بعده ؟ فقال: والله لا أسأله فإنه إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدا، والاحاديث الصحيحة الصريحة دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص إليه ولا إلى غيره بالخلافة، بل لوح بذكر الصديق، وأشار إشارة مفهمة ظاهرة جدا إليه، كما قدمنا ذلك ولله الحمد.
وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الاغبياء، من أنه أوصى إلى علي بالخلافة،
فكذب وبهت وافتراء عظيم يلزم به خطأ كبير، من تخوين الصحابة وممالاتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره، لا لمعنى ولا لسبب، وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الاسلام هو الحق، يعلم بطلان هذا الافتراء، لان الصحابة كانوا خير الخلق بعد الانبياء، وهم خير قرون هذه الامة، التي هي أشرف الامم بنص القرآن، وإجماع السلف والخلف، في الدنيا والآخرة، ولله الحمد. (7/252)
وما قد يقصه بعض القصاص من العوام
وغيرهم في الاسواق وغيرها من الوصية لعلي في الآداب والاخلاق في المأكل والمشرب والملبس، مثل ما يقولون: يا علي لا تعتم وأنت قاعد، يا علي لا تلبس سراويلك وأنت قائم، يا علي لا تمسك عضادتي الباب، ولا تجلس على أسكفة الباب، ولا تخيط ثوبك وهو عليك، ونحو ذلك، كل ذلك من الهذيانات فلا أصل لشئ منه، بل هو اختلاف بعض السفلة الجهلة، ولا يعول على ذلك ويغتر به إلا غبي عيي.
ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي من جملة من غسله وكفنه وولي دفنه كما تقدم ذلك مفصلا ولله الحمد والمنة.
وسيأتي في باب فضائله ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم له من فاطمة بعد وقعة بدر فولد منها حسن وحسين ومحسن كما قدمنا.
وقد وردت أحاديث في ذلك لا يصح شئ منها بل أكثرها من وضع الروافض والقصاص.
ولما بويع الصديق يوم السقيفة كان علي من جملة من بايع بالمسجد كما قدمنا.
وكان بين يدي الصديق كغيره من أمراء الصحابة يرى طاعته فرضا عليه، وأحب الاشياء إليه، ولما توفيت فاطمة بعد ستة أشهر - وكانت قد تغضبت بعض الشئ على أبي بكر بسبب الميراث الذي فاتها من أبيها عليه السلام، ولم تكن اطلعت على النص المختص بالانبياء وأنهم لا يورثون، فلما بلغها سألت أبا بكر أن يكون زوجها ناظرا على هذه الصدقة، فأبى ذلك عليها، فبقي في نفسها شئ كما قدمنا، واحتاج علي أن يداريها بعض المداراة - فلما توفيت جدد البيعة مع الصديق رضي الله عنهما، فلما توفي أبو بكر وقام عمر في الخلافة بوصية أبي بكر إليه بذلك، كان علي من جملة من بايعه، وكان معه يشاوره في الامور، ويقال إنه استقضاه في أيام خلافته، وقدم معه من جملة سادات أمراء الصحابة إلى الشام، وشهد خطبته بالجابية، فلما طعن عمر وجعل الامر شورى في ستة أحدهم علي، ثم خلص منهم بعثمان وعلي كما قدمنا، فقدم عثمان على علي، فسمع وأطاع، فلما قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين على المشهور.
عدل الناس إلى علي فبايعوه، قبل أن يدفن عثمان، وقيل بعد دفنه كما تقدم (1)، وقد امتنع علي من إجابتهم إلى قبول الامارة حتى تكرر قولهم
__________
(1) في الطبري والكامل: بويع لخمس بقين من ذي الحجة بقيت المدينة خمسة أيام، بعد مقتل عثمان، وأميرها الغافقي بن حرب حتى غشى الناس عليا فبايعوه 3 / 193، وذكرها الطبري عن سيف عن أبي حارثة 5 / 156
وقال ابن الاعثم: ترك عثمان قتيلا إلى أن بويع علي وأتي به إلى حفرته 2 / 241 وفي مروج الذهب: بويع علي في اليوم الذي قتل فيه عثمان.
(*)
له وفر منهم إلى حائط بني عمرو بن مبذول (1)، وأغلق بابه فجاء الناس فطرقوا الباب وولجوا عليه، وجاؤوا معهم بطلحة والزبير، فقالوا له: إن هذا الامر لا يمكن بقاؤه بلا أمير، ولم يزالوا به حتى أجاب. (7/253)
ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة يقال أن أول من بايعه طلحة بيده اليمنى وكانت شلاء من يوم أحد - لما وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال بعض القوم: والله إن هذا الامر لا يتم، وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وعمامة خز ونعلاه في يده، توكأ على قوسه، فبايعه عامة الناس، وذلك يوم السبت التاسع عشر من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، ويقال إن طلحة والزبير إنما بايعاه بعد أن طلبهما وسألاه أن يؤمرهما على البصرة والكوفة، فقال لهما: بل تكونا عندي أستأنس بكما، ومن الناس من يزعم أنه لم يبايعه طائفة من الانصار، منهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد، ومحمد بن مسلمة، والنعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وفضالة بن عبيد، وكعب بن عجرة (2) ذكره ابن جرير من طريق المدائني عن شيخ من بني هاشم عن عبد الله بن الحسن قال المدائني: حدثني من سمع الزهري يقول: هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم بايعوا عليا، ولم يبايعه قدامة بن مظعون، وعبد الله بن سلام، والمغيرة بن شعبة، قلت: وهرب مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وآخرون إلى الشام.
وقال الواقدي: بايع الناس عليها بالمدينة، وتربص سبعة نفر لم يبايعوا، منهم ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وصهيب، وزيد بن ثابت، ومحمد بن أبي سلمة، وسلمة بن سلامة بن رقش، وأسامة بن زيد، ولم يتخلف أحد من الانصار إلا بايع فيما نعلم.
وذكر سيف بن عمر عن جماعة من شيوخه قالوا: بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب، يلتمسون من يجييبهم إلى القيام
بالامر.
والمصريون يلحون على علي وهو يهرب منهم إلى الحيطان، ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه، والبصريون يطلبون طلحة فلا يجيبهم، فقالوا فيما بينهم لا نولي أحد من هؤلاء الثلاثة، فمضوا إلى سعد بن أبي وقاص فقالوا: إنك من أهل الشورى فلم يقبل منهم، ثم راحوا إلى ابن عمر فأبى عليهم، فحاروا في أمرهم، ثم قالوا: ان نحن رجعنا إلى أمصارنا بقتل عثمان من غير إمرة اختلف الناس في أمرهم ولم نسلم، فرجعوا إلى علي فألحوا عليه، وأخذ الاشتر بيده فبايعه وبايعه الناس، وأهل الكوفة يقولون، أول من بايعه الاشتر النخعي وذلك يوم الخميس الرابع
__________
(1) كذا بالاصل والطبري، وفي الكامل كان في بيته، 3 / 191 وفي فتوح ابن الاعثم: كان يعرف الضبع 2 / 243.
(2) في فتوح ابن الاعثم 2 / 256: اسامة بن زيد وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك - لم يدخلوا في بيعة الناس من المهاجرين والانصار - ورفض علي استدعاءهم لسعته.
(*)
والعشرون من ذي الحجة، وذلك بعد مراجعة لهم في ذلك، وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي، فلما كان يوم الجمعة وصعد علي المنبر بايعه من لم يبايعه بالامس، وكان أول من بايعه طلحة بيده الشلاء، فقال قائل: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم الزبير، ثم قال الزبير: إنما بايعت عليا واللج على عنقي والسلام، ثم راح إلى مكة فأقام أربعة أشهر، وكانت هذه البيعة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة، وكان أول خطبة خطبها أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، إن الله حرم حرما غير (1) مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالاخلاص والتوحيد حقوق المسلمين، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلا بالحق، لا يحل لمسلم أذى مسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامة، وخاصة أحدكم الموت، فإن الناس أمامكم، وإنما خلفكم الساعة تحدو بكم فتخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر بالناس أخراهم، اتقوا الله عباده في عباده وبلاده، فانكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، ثم أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر (7/254)
فدعوه * (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض) * [ الانفال: 26 ] الآية، فلما فرغ من خطبته قال المصريون: خذها إليك واحذرن أبا الحسن * إنا نمر الامر إمرار الرسن صولة آساد كآساد السفن * بمشرفيات كغدران اللبن ونطعن الملك بلين كالشطن * حتى يمرن على غير عنن فقال علي مجيبا لهم ! ان عجزت عجزة لا أعتذر * سوف أكيس بعدها وأستمر أرفع من ذيلي ما كنت أجر * وأجمع الامر الشتيت المنتشر إن لم يشاغبني العجول المنتصر * أو يتركوني والسلاح يبتدر وكان على الكوفة أبو موسى الاشعري على الصلاة وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى الخراج جابر بن فلان المزني، وعلى البصرة عبد الله بن عامر، وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وقد تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان، ونوابه على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة، وعلى الاردن أبو الاعور، وعلى فلسطين حكيم بن علقمة (2)، وعلى أذربيجان الاشعث بن قيس، وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله البجلي، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس، وعلى قيسارية مالك بن حبيب، وعلى همذان (3) حبيش.
هذا ما ذكره ابن جرير من نواب عثمان الذي توفي وهم نواب الامصار، وكان
__________
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2) في الطبري والكامل: علقمة بن حكيم الكناني.
(3) في الطبري والكامل: وعلى همذان النسير، أما حبيش (وفي الكامل حنيس) فكان على ماسبذان.
(*)
على بيت المال عقبة بن عمرو (1)، وعلى قضاء المدينة زيد بن ثابت، ولما قتل عثمان بن عفان خرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان مضمخ بدمه، ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين حاجفت (7/255)
عنه بيدها، فقطعت مع بعض الكف فورد به على معاوية بالشام، فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس، وعلق الاصابع في كم القميص، وندب الناس إلى الاخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه، فتباكى الناس حول المنبر، وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله سنة، وحث بعضهم بعضا على الاخذ بثأره، واعتزل أكثر الناس النساء في هذا العام، وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان، ممن قتله من أولئك الخوارج: منهم عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء (2)، وأبو أمامة، وعمرو بن عنبسة وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: شريك بن حباشة، وأبو مسلم الخولاني، وعبد الرحمن بن غنم، وغيرهم من التابعين.
ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤس الصحابة رضي الله عنهم، وطلبوا منه إقامة الحدود، والاخذ بدم عثمان.
فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان، وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا، فطلب منه الزبير أن يوليه إمرة الكوفة ليأتيه بالجنود، وطلب منه طلحة أن يوليه إمرة البصرة، ليأتيه منها بالجنود ليقوى بهم على شوكة هؤلاء الخوارج، وجهلة الاعراب الذين كانوا معهم في قتل عثمان رضي الله عنه فقال لهما: مهلا علي، حتى انظر في هذا الامر.
ودخل عليه المغيرة بن شعبة على إثر ذلك فقال له.
إني أرى أن تقر عمالك على البلاد، فإذا أتتك طاعتهم استبدلت بعد ذلك بمن شئت وتركت من شئت، ثم جاءه من الغد فقال له: إني أرى أن تعزلهم لتعلم من يطيعك ممن يعصيك، فعرض ذلك علي على ابن عباس قال: لقد نصحك بالامس وغشك اليوم، فبلغ ذلك المغيرة فقال: نعم نصحته فلما لم يقبل غششته ثم خرج المغيرة فلحق بمكة، ولحقه جماعة منهم طلحة والزبير: وكانوا قد استأذنوا عليا في الاعتمار فأذن لهم، ثم إن ابن عباس أشار على علي باستمرار نوابه في البلاد، إلى أن يتمكن الامر، وأن يقر معاوية خصوصا على الشام وقال له: إني أخشى إن عزلته عنها أن يطلبك بدم عثمان ولا آمن طلحة والزبير أن يتكلما عليك بسبب ذلك، فقال علي: إني لا أرى هذا ولكن اذهب أنت إلى الشام فقد وليتكها، فقال ابن عباس لعلي: إني أخشى من معاوية أن يقتلني بعثمان، أو يحبسني لقرابتي منك ولكن اكتب معي إلى معاوية فمنه وعده، فقال علي: والله إن هذا مالا يكون أبدا، فقال ابن
عباس: يا أمير المؤمنين الحرب خدعة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لئن أطعتني لاوردنهم بعد صدرهم ونهى ابن عباس عليا فيما أشار عليه أن يقبل من هؤلاء الذين يحسنون إليه الرحيل إلى
__________
(1) في الكامل: عامر.
(2) قال ابن الاثير: والصحيح أن أبا الدرداء توفي قبل أن قتل عثمان.
قال في الاصابة: والاصح عند أصحاب الحديث انه مات في خلافة عثمان فيما قال الواقدي: مات سنة ثنتين وثلاثين.
(*)
العراق، ومفارقة المدينة، فأبى عليه ذلك كله، وطاوع أمر أولئك الامراء من أولئك الخوارج من أهل الامصار. (7/256)
قال ابن جرير: وفي هذه السنة قصد قسطنطين بن هرقل بلاد المسلمين في ألف مركب، فأرسل الله عليه قاصفا من الريح فغرقه الله بحوله وقوته، ومن معه، ولم ينج منهم أحد إلا الملك في شرذمة قليلة من قومه، فلما دخل صقلية عملوا له حماما فقتلوه فيه، وقالوا: أنت قتلت رجالنا.
ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة استهلت هذه السنة وقد تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخلافة، وولى على الامصار نوابا، فولى عبيد الله بن عباس على اليمن، وولى سمرة بن جندب (1) على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وقيس بن سعد بن عبادة على مصر، وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية (2) فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية، فقالوا: من أنت ؟ أمير، قالوا: على أي شئ ؟ قال: على الشام، فقالوا: إن كان عثمان بعثك فحي هلابك، وإن كان غيره فارجع.
فقال: أو ما سمعتم الذي كان ؟ قالوا: بلى، فرجع إلى علي.
وأما قيس بن سعد فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور، وقالت طائفة: لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان، وكذلك أهل البصرة، وأما عمارة بن شهاب المبعوث أميرا على الكوفة فصده عنها طلحة بن خويلد غضبا لعثمان، فرجع إلى علي فأخبره، وانتشرت الفتنة وتفاقم الامر، واختلفت الكلمة، وكتب أبو
موسى إلى علي بطاعة أهل الكوفة ومبايعتهم إلا القليل منهم، وبعث علي إلى معاوية كتبا كثيرة فلم يرد عليه جوابها، وتكرر ذلك مرارا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، ثم بعث معاوية طومارا مع رجل (3) فدخل به على علي فقال: ما وراءك ؟ قال جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود كلهم موتور، تركت سبعين ألف (4) شيخ يبكون تحت قميص عثمان، وهو على منبر دمشق، فقال علي: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ثم خرج رسول معاوية من بين يدي علي فهم به أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان يريدون قتله، فما أفلت إلا بعد جهد.
وعزم علي رضي الله عنه على قتال أهل الشام، وكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم، وإلى أبي موسى
__________
(1) في الطبري والكامل: عثمان بن حنيف.
(2) زاد ابن الاعثم في فتوحه 2 / 268: وولى جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي بلاد خراسان، وولى عبد الرحمن مولى بديل من ورقاء الخزاعي أميرا وعاملا على الماهين، والماهان: الدينور ونهاوند احداهما ماه الكوفة والاخرى ماه البصرة.
(3) ذكره الطبري: من بني عبس ثم من بني رواحة يدعى قبيصة.
(4) في الطبري والكامل: ستين ألف.
(*)
بالكوفة: وبعث إلى عثمان بن حنيف بذلك، وخطب الناس فحثهم على ذلك (1). (7/257)
وعزم على التجهز.
وخرج من المدينة، واستخلف عليها قثم بن العباس، وهو عازم أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه وخرج عن أمره ولم يبايعه مع الناس، وجاء إليه ابنه الحسن بن علي فقال: يا أبتي دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين، ووقوع الاختلاف بينهم، فلم يقبل منه ذلك، بل صمم على القتال، ورتب الجيش، فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية، وجعل ابن العباس على الميمنة، وعمرو بن أبي سلمة على الميسرة، وقيل جعل على الميسرة عمرو بن سفيان بن عبد الاسد، وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة، واستخلف على المدينة قثم بن العباس ولم يبق شئ إلا أن يخرج من المدينة قاصدا إلى الشام، حتى جاءه ما شغله عن ذلك وهو
ما سنورده.
ابتداء وقعة الجمل لما وقع قتل عثمان بعد أيام التشريق، كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في هذا العام فرارا من الفتنة، فلما بلغ الناس أن عثمان قد قتل، أقمن بمكة بعدما خرجوا منها، ورجعوا إليها وأقاموا بها وجعلوا ينتظرون ما يصنع الناس ويتجسسون الاخبار فلما بويع لعلي وصار حظ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي، لا عن اختيار منه لذلك رؤس أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان، مع أن عليا في نفس الامر يكرههم، ولكنه تربص بهم الدوائر، ويود لو تمكن منهم ليأخذ حق الله منهم، ولكن لما وقع الامر هكذا واستحوذوا عليه، وحجبوا عنه علية الصحابة فر جماعة من بني أمية (2) وغيرهم إلى مكة، واستأذنه طلحة بن الزبير في الاعتمار، فأذن لهما فخرجا إلى مكة وتبعهم خلق كثير، وجم غفير، وكان علي لما عزم على قتال أهل الشام قد ندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه، فطلب عبد الله بن عمر بن الخطاب وحرضه على الخروج معه، فقال: إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة، وقدم إلى مكة أيضا في هذا العام يعلى بن أمية (3) من اليمن، - وكان عاملا عليها لعثمان -، ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم (4)، وقدم لها عبد الله بن عامر من البصرة، وكان نائبها لعثمان، فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة، وأمهات المؤمنين، فقامت عائشة رضي الله عنها في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان، وذكرت ما افتات به أولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام، ولم يراقبوا
__________
(1) انظر خطبته في أهل المدينة في الطبري 5 / 163 - 164 والكامل لابن الاثير 3 / 204.
(2) منهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط - أخو عثمان - مروان بن الحكم - عبد الله بن عامر - ابن خال عثمان - وعبد الله بن عامر الحضرمي وسعيد بن العاص.
(3) الصواب يعلى بن منية.
(4) كذا في الاصل والطبري والكامل.
وفي فتوح ابن الاعثم: أربعمائة بعير.
(*)
جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سفكوا الدماء، وأخذوا الاموال. (7/258)
فاستجاب الناس لها، وطاوعوها على ما تراه من الامر بالمصلحة، وقالوا لها: حيثما ما سرت سرنا معك، فقال قائل نذهب إلى الشام، فقال بعضهم: إن معاوية قد كفاكم أمرها، ولو قدموها لغلبوا، واجتمع الامر كله لهم، لان أكابر الصحابة معهم وقال آخرون: نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا، وقال آخرون: بل نذهب إلى البصرة فنتقوى من هنالك بالخيل والرجال، ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان.
فاتفق الرأي على ذلك وكان بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على المسير إلى المدينة، فلما اتفق الناس على المسير إلى البصرة رجعن عن ذلك وقلن: لا نسير إلى غير المدينة، وجهز الناس يعلى بن أمية فأنفق فيهم ستمائة بعير وستمائة ألف درهم (1) وجهزهم ابن عامر أيضا بمال كثير، وكانت حفصة بنت عمر أم المؤمنين قد وافقت عاشئة على المسير إلى البصرة، فمنعها أخوها عبد الله من ذلك، وأبى هو أن يسير معهم إلى غير المدينة، وسار الناس صحبة عاشئة في ألف فارس، وقيل تسعمائة فارس من أهل المدينة ومكة، وتلاحق بهم آخرون، فصاروا في ثلاثة آلاف، وأم المؤمنين عاشئة تحمل في هودج على حمل اسمه عسكر، اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار، وقبل بثمانين دينارا، وقيل غير ذلك، وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع، وتباكى الناس، وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب، وسار الناس قاصدين البصرة، وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عاشئة ابن أختها عبد الله ابن الزبير (2)، ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات، وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عاشئة قالت: ما اسم هذا المكان ؟ قالوا الحوأب، فضربت باحدى يديها على الاخرى وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أطنني إلا راجعة، قالوا: ولم ؟ قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه: " ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب "، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني، أنا والله صاحبة ماء الحوأب، وقد أوردنا هذا الحديث بطرقه وألفاظه في دلائل النبوة كما سبق،
فأناخ الناس حولها يوما وليلة، وقل لها عبد الله بن الزبير: إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب (3)، ثم قال الناس: النجا النجا، هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل، فارتحلوا نحو البصرة، فلما اقتربت من البصرة كتبت إلى الاحنف بن قيس وغيره من رؤوس الناس، أنها قد قدمت، فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الاسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم: ستين ألف دينار وفي رواية عوف أعان يعلى بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش.
(2) في رواية في الطبري: عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد.
(3) جاء ابن الزبير بخمسين رجلا شهدوا عند عائشة هذا الماء ليس بماء الحوأب، فكانت هذه أول شهادة زور شهد بها في الاسلام.
(*)
بطلب دم عثمان، لانه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام. (7/259)
وتلت قوله تعالى * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك بتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * [ النساء: 114 ] فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة فقالا له: ما أقدمك ؟ فقال: الطلب بدم عثمان، فقالا: ما بايعت عليا ؟ قال: بلى والسيف على عنقي، ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان.
فذهبا إلى الزبير فقال مثل ذلك، قال: فرجع عمران وأبو الاسود إلى عثمان بن حنيف، فقال أبو الاسود: يا بن الاحنف (1) قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر * واخرج لهم مستلثما وشمر * فقال عثمان بن حنيف: إنا لله وإنا إليه راجعون، دارت رحا الاسلام ورب الكعبة، فانظروا بأي زيفان نزيف، فقال عمران إي والله لتعركنكم عركا طويلا، يشير عثمان بن حنيف إلى حديث ابن مسعود مرفوعا " تدور رحا الاسلام لخمس وثلاثين " الحديث كما تقدم، ثم قال عثمان بن حنيف لعمران بن حصين: أشر علي، فقال اعتزل فإني قاعد في منزلي، أو قال قاعد
على بعيري، فذهب فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح والاجتماع في المسجد، فاجتمعوا فأمرهم بالتجهز، فقام رجل وعثمان على المنبر فقال: أيها الناس إن كان هؤلاء القوم جاؤوا خائفين فقد جاؤوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته، فاطيعوني وردوهم من حيث جاؤوا، فقام الاسود بن سريع السعدي فقال: إنما جاؤوا يستعينون بنا على قتلة عثمان ومنا ومن غيرنا، فحصبه الناس، فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصارا، فكره ذلك، وقدمت أم المؤمنين بمن معها من الناس، فنزلوا المربد من أعلاه قريبا من البصرة، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد، فتكلم طلحة - وكان على الميمنة - فندب إلى الاخذ بثأر عثمان، والطلب بدمه، وتابعه الزبير فتكلم بمثل مقالته فرد عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف، وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة، ثم تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته، وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة، فكثروا، وجاء حارثة (2) بن قدامة السعدي فقال: يا أم المؤمنين ! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة السلاح، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مكرهة فاستعيني بالناس في الرجوع وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن
__________
(1) في الطبري والكامل: يا بن حنيف.
(2) في الطبري والكامل: جارية.
(*)
حنيف - فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، وحجز الليل بينهم، فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال، فاقتتلوا قتالا شديدا، إلى أن زال النهار، وقتل خلق كثير من أصحاب ابن حنيف، وكثرت الجراح في الفريقين، فلما (7/260)
عضتهم الحرب تداعوا إلى الصلح على أن يكتبوا بينهم كتابا ويبعثوا رسولا إلى أهل المدينة يسأل أهلها، إن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة، خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها، وإن لم يكونا أكرها على البيعة خرج طلحة الزبير عنها وأخلوها لهم، وبعثوا بذلك كعب بن سور القاضي، فقدم المدينة يوم الجمعة، فقام في الناس، فسألهم: هل بايع طلحة والزبير طائعين أو مكرهين ؟ فسكت الناس فلم يتكلم إلا أسامة بن زيد، فقال: بل كانا مكرهين، فثار إليه بعض الناس فأرادوا ضربه، فحاجف دونه صهيب، وأبو أيوب، وجماعة حتى خلصوه، وقالوا له: ما وسعك ما وسعنا من السكوت ؟ فقال: لا والله ما كنت أرى أن الامر ينتهي إلى هذا، وكتب علي إلى عثمان بن حنيف يقول له: إنهما لم يكرها على فرقة، ولقد أكرها على جماعة وفضل فإن كان يريدان الخلع فلا عذر لهما، وإن كانا يريدان غير ذلك نظرا ونظرنا، وقدم كعب بن سور على عثمان بكتاب علي، فقال عثمان: هذا أمر آخر غير ما كنا فيه، وبعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى، فجمعا الرجال في ليلة مظلمة وشهدا بهم صلاة العشاء في المسجد الجامع، ولم يخرج عثمان بن حنيف تلك الليلة، فصلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد، ووقع من رعاع الناس من أهل البصرة كلام وضرب، فقتل منهم نحوا أربعين رجلا، ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير، ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها، فاستعظما ذلك وبعثا إلى عائشة فأعلماها الخبر، فأمرت أن تخلي سبيله، فأطلقوا وولوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر، وقسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس وفضلوا أهل الطاعة، وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم، وأخذوا الحرس، واستبدوا في الامر بالبصرة، فحمى لذلك جماعة من قوم قتلة عثمان وأنصارهم، فركبوا في جيش قريب من ثلثمائة، ومقدمهم حكيم بن جبلة، هو أحد من باشر قتل عثمان، فبارزوا وقاتلوا، فضرب رجل رجل حكيم بن جبلة فقطعها، فزحف حتى أخذها وضرب بها ضاربه فقتله ثم اتكأ عليه وجعل يقول: يا ساق لن تراعي * * إن لك ذراعي
أحمي بها كراعي وقال أيضا: ليس على أن أموت عار * * والعار في الناس هو الفرار والمجد لا يفضحه الدمار فمر عليه رجل وهو متكئ برأسه على ذلك الرجل، فقال له: من قتلك ؟ فقال له
وسادتي. (7/261)
ثم مات حكيم قتيلا هو ونحو من سبعين من قتلة عثمان وأنصارهم أهل المدينة، فضعف جأش من خالف طلحة والزبير من أهل البصرة، ويقال: إن أهل البصرة بايعوا طلحة والزبير، وندب الزبير ألف فارس يأخذها معه ويلتقي بها عليا قبل أن يجئ فلم يجبه أحد، وكتبوا بذلك إلى أهل الشام يبشرونهم بذلك، وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وقد كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان تدعوه إلى نصرتها والقيام معها فإن لم يجئ فليكف يده وليلزم منزله، أي لا يكون عليها ولا لها، فقال: أنا في نصرتك ما دمت في منزلك، وأبى أن يطيعها في ذلك، وقال: رحم الله أم المؤمنين أمرها الله أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا، وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك (1).
مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام بعد أن كان قد تجهز قاصدا الشام كما ذكرنا، فلما بلغه قصد طلحة والزبير البصرة، خطب الناس وحثهم على المسير إلى البصرة ليمنع أولئك من دخولها، إن امكن، أو يطردهم عنها إن كانوا قد دخلوها، فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، واستجاب له بعضهم، قال الشعبي: ما نهض معه في هذا الامر غير ستة نفر من البدريين، ليس لهم سابع.
وقال غيره أربعة.
وذكر ابن جرير وغيره قال كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتاده الانصاري، وزياد بن حنظلة، وخزيمة بن ثابت.
قالوا: وليس بذي الشهادتين، ذاك مات في زمن عثمان
رضي الله عنه.
وسار علي من المدينة نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها، غير أنه استخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وخرج علي من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل (2)، وقد لقي عبد الله بن سلام رضي الله عنه عليا وهو بالربذة، فأخذ بعنان فرسه وقال: يا أمير المؤمنين ! لا تخرج منها، فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا، فسبه بعض الناس، فقال علي: دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق فقال: لقد نهيتك فعصيتني تقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك.
فقال له علي: إنك لا تزال تحن علي حنين الجارية، وما الذي نهيتني عنه فعصيتك ؟ فقال: ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل أو يتحدث متحدث ؟ ألم آمرك أن لا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم ؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله ؟ فقال له علي: أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان فلقد أحيط بنا كما أحيط
__________
(1) انظر كتاب عائشة إلى أهل الكوفة في الطبري 5 / 181 - 182.
(2) في الطبري سبعمائة رجل.
(*)
به، وأما مبايعتي قبل مجئ بيعة الامصار فكرهت أن يضيع هذا الامر، وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه. (7/262)
فتريد مني أن يكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال ليست ها هنا، حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم أنضر فيما يلزمني في هذا الامر ويعنيني، فمن ينظر فيه ؟ فكف عني يا بني، ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الامر الذي قدمنا كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر، إني قد اخترتكم على أهل الامصار، فرغبت إليكم وفزعت لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، [ وأيدونا ] وانهضوا إلينا فالاصلاح نريد لتعود هذه الامة إخوانا (1)، فمضيا، وأرسل إلى المدينة فأخذ ما أراد من سلاح ودواب، وقام في الناس خطيبا فقال: إن الله أعزنا بالاسلام ورفعنا به، وجعلنا به إخوانا، بعد ذلة وقلة وتباغض
وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الاسلام دينهم، والحق قائم بينهم، والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الامة، ألا وإن هذه الامة لابد مفترقة كما افترقت الامم قبلها، فنعوذ بالله من شر ما هو كائن.
ثم عاد ثانية فقال: إنه لابد مما هو كائن أن يكون، ألا وإن هذه الامة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تحبني ولا تعمل بعملي، وقد أدركتم ورأيتم، فالزموا دينكم، واهتدوا بهديي فإنه هدى نبيكم، واتبعوا سنته، وأعرضوا عما أشكل عليكم، حتى تعرضوه على الكتاب، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردوه، وارضوا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن حكما وإماما.
قال فلما عزم على المسير من البربذة قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع، فقال: يا أمير المؤمنين أي شئ تريد ؟ وأين تذهب بنا ؟ فقال: أما الذي نريد وننوي فالاصلاح، إن قبلوا منا وأجابوا إليه، قال: فإن لم يجيبوا إليه ؟ قال: ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر.
قال: فإن لم يرضوا ؟ قال: ندعهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا ؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذا.
فقام إليه الحجاج بن غزية الانصاري فقال: لارضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول، والله لينصرني الله كما سمانا أنصارا.
قال: وأتت جماعة من طئ وعلي بالبربذة، فقيل له: هؤلاء جماعة جاؤوا من طئ منهم من يريد الخروج معك ومنهم من يريد السلام عليك، فقال: جزى الله كلا خيرا * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * [ النساء: 95 ] قالوا: فسار علي من الربذة على تعبئته وهو راكب ناقة حمراء يقود فرسا كميتا فلما كان بفيد (2) جاءه جماعة من أسد وطئ، فعرضوا أنفسهم عليه فقال: فيمن معي كفاية، وجاء رجل من أهل الكوفة يقال له عامر بن مطر الشيباني، فقال له علي: ما وراءك ؟ فأخبره الخبر، فسأله عن أبي موسى فقال: إن أردت الصلح فأبو موسى صاحبه، وإن أردت القتال فليس بصاحبه، فقال علي: والله ما أريد إلا الصلح ممن تمرد علينا.
وسار، فلما اقترب من الكوفة وجاءه الخبر بما وقع من الامر على جليته،
__________
(1) زاد الطبري في كتابه: ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه.
(2) فيد: بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة عامرة إلى الآن (معجم البلدان).
(*)
من قتل ومن إخراج عثمان بن حنيف من البصرة، وأخذهم أموال بيت المال، جعل يقول: اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير، فلما انتهى إلى ذي قار أتاه عثمان بن حنيف مهشما، وليس في وجهه شعرة فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية، وقد جئتك أمردا، فقال: أصبت خيرا وأجرا. (7/263)
وقال عن طلحة والزبير: اللهم احلل ما عقدا، ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا - يعني في هذا الامر - وأقام علي بذي قار ينتظر جواب ما كتب به مع محمد بن أبي بكر وصاحبه محمد بن جعفر - وكانا قد قدما بكتابه على أبي موسى وقاما في الناس بأمره - فلم يجابا في شئ، فلما أمسوا دخل أناس من دوي الحجبى على أبي موسى يعوضون عليه الطاعة لعلي، فقال: كان هذا بالامس فغضب محمد ومحمد فقالا له قولا غليظا: فقال لهما: والله إن بيعة عثمان لفي عنقي وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بد من قتال فلا نقاتل أحدا حتى نفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا ومن كانوا، فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر، وهو بذي قار، فقال للاشتر: أنت صاحب أبي موسى والمعرض في كل شئ فاذهب أنت وابن عباس فأصلح ما أفسدت، فخرجا فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بنفر من الكوفة فقام في الناس فقال: أيها الناس، إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه أعلم بالله ورسوله ممن لم يصحبه، وإن لكم علينا حقا وأنا مؤد إليكم نصيحة، كان الرأي أن لا تستخفوا بسلطان الله وأن لا تجترئوا على أمره، وهذه فتنة النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان خير من القاعد، والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب، والراكب خير من الساعي فاغمدوا السيوف وانصلوا الاسنة، واقطعوا الاوتار، وأووا المضطهد والمظلوم حتى يلتئم هذا الامر، وتتجلي هذه الفتنة، فرجع ابن عباس والاشتر إلى علي فأخبراه الخبر، فأرسل الحسن وعمار بن ياسر، وقال لعمار: انطلق فأصلح ما أفسدت، فانطلقا حتى دخلا المسجد فكان أول من سلم عليهما مسروق بن الاجدع، فقال لعمار: علام قتلتم عثمان ؟ فقال: علي شتم أعراضنا وضرب أبشارنا، فقال: والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به، ولو صبرتم لكان خيرا للصابرين.
قال: وخرج أبو موسى فلقي الحسن بن
علي فضمه إليه، وقال لعمار: يا أبا اليقظان أعدوت على أمير المؤمنين عثمان قتلته ؟ فقال: لم أفعل، ولم يسؤني ذلك، فقطع عليهما الحسن بن علي فقال لابي موسى: لم تثبط الناس عنا ؟ فوالله ما أردنا إلا الاصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ، فقال: صدقت بأبي وأمي، ولكن المستشار مؤتمن، سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب " (1) وقد جعلنا الله إخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا، فغضب عمار وسبه، وقال: يا أيها الناس، إنما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدة أنت فيها قاعدا خير منك قائما، فغضب رجل من بني تميم لابي موسى ونال من عمار، وثار آخرون، وجعل
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في الفتن.
(3) باب نزول الفتن ح (13) ص (2212) ورواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 408 عن أبي بكرة.
(*)
أبو موسى يكفكف الناس، وكثر اللغط، وارتفعت الاصوات، وقال أبو موسى أيها الناس، أطيعوني وكونوا خير قوم من خير أمم العرب، يأوي إليهم المظلوم، ويأمن فيهم الخائف، وإن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت تبينت ثم أمر الناس بكف أيديهم ولزوم بيوتهم، فقام زيد بن صوحان فقال: أيها الناس سيروا إلى أمير المؤمنين، وسيد المسلمين سيروا إليه. (7/264)
أجمعون، فقام القعقاع بن عمرو فقال: إن الحق ما قاله الامير، ولكن لابد للناس من أمير يردع الظالم ويعدي المظلوم، وينتظم به شمل الناس، وأمير المؤمنين علي ولي بما ولي، وقد أنصف بالدعاء، وإنما يريد الاصلاح، فانفروا إليه، وقام عبد خير فقال: الناس أربع فرق، علي بمن معه في ظاهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة، ومعاوية بالشام، وفرقة بالحجاز لا تقاتل ولا عناء بها، فقال أبو موسى: أولئك خير الفرق، وهذه فتنة.
ثم تراسل الناس في الكلام ثم قام عمار والحسن بن علي في الناس على المنبر يدعوان الناس إلى النفير إلى أمير المؤمنين، فإنه إنما يريد الاصلاح بين الناس، وسمع عمار رجلا يسب عائشة فقال: اسكت مقبوحا منبوحا، والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها، رواه
البخاري وقام حجر بن عدي فقال: أيها الناس، سيروا إلى أمير المؤمنين، * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وانفسكم في سبيل الله ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون) * [ التوبة: 41 ] وجعل الناس كلما قام رجل فحرض الناس على النفير يثبطهم أبو موسى من فوق المنبر، وعمار والحسن معه على المنبر حتى قال له الحسن بن علي: ويحك ! اعتزلنا لا أم لك، ودع منبرنا، ويقال إن عليا بعث الاشتر فعزل أبا موسى عن الكوفة وأخرجه من قصر الامارة من تلك الليلة، واستجاب الناس للنفير فخرج مع الحسن تسعة آلاف في البر وفي دجلة (1)، ويقال سار معه اثني عشر ألف رجل ورجل واحد، وقدموا على أمير المؤمنين فتلقاهم بذي قار إلى أثناء الطريق في جماعة، منهم ابن عباس فرحب بهم وقال: يا أهل الكوفة ! أنتم لقيتم ملوك العجم ففضضتم جموعهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة، فإن يرجعوا فذاك الذي نريده، وإن أبوا داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم، ولم ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى.
فاجتمعوا عنده بذي قار، وكان من المشهورين من رؤساء من الفاف إلى علي، القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وزيد بن صوحان، والاشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجبة، ويزيد بن قيس، وحجر بن عدي وأمثالهم، وكانت عبد القيس بكمالها بين علي وبين البصرة ينتظرونه وهم ألوف، فبعث علي القعقاع رسولا إلى طلحة والزبير بالبصرة يدعوهما إلى الالفة والجماعة، ويعظم عليهما الفرقة والاختلاف، فذهب القعقاع إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين.
فقال: أي أماه ! ما أقدمك
__________
(1) في الكامل 3 / 231 ستة آلاف ومائتان في البر، وفي الماء ألفان وأربعمائة (انظر الطبري 5 / 191 وفتوح ابن الاعثم 2 / 292).
(*)
هذا البلد ؟ فقالت: أي بني ! الاصلاح بين الناس، فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضرا عندها، فحضرا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها ؟ فقالت إنما جئت للاصلاح بين الناس، فقالا: ونحن كذلك قال: فأخبراني ما وجه هذا الاصلاح ؟ وعلى أي شئ يكون ؟ (7/265)
فوالله لئن عرفناه لنصطلحن، ولئن أنكرناه لا نصطلحن، قالا: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن، فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة، وأنتما قبل قتلهم أقرب منكم إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل، فغضب لهم ستة آلاف فاعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، وإن قاتلتموهم فأديلوا عليكم كان الذي حذرتم وفرقتم من هذا الامر أعظم مما أراكم تدفعون وتجمعون منه - يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة، ولكنه يترتب عليه مفسدة هي أربى منها - وكما أنكم عجزتم عن الاخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير، لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله، فعلي أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان، وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم، فإن الكلمة في جميع الامصار مختلفة، ثم أعلمهم أن خلقا من ربيعة ومضر قد اجتمعوا لحربهم بسبب هذا الامر الذي وقع.
فقالت له عائشة أم المؤمنين: فماذا تقول أنت ؟ قال: أقول إن هذا الامر الذي وقع دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة، وإدراك الثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الامر وائتنافه كانت علامة شر وذهاب هذا الملك، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح خير كما كنتم أولا، ولا تعرضونا للبلاء فتتعرضوا له، فيصرعنا الله وإياكم، وايم الله إني لاقول قولي هذا وأدعوكم إليه، وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الامة التي قل متاعها، ونزل بها ما نزل، فإن هذا الامر الذي قد حدث أمر عظيم، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة القبيلة.
فقالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح الامر، قال: فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشر القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الاسلام وسعادة أهله بالالفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الامة أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي من الله بها، وأرادوا رد
الاسلام والاشياء على أدبارها، والله بالغ أمره.
ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد اعان على قتل عثمان بشئ من أمور الناس.
فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالاشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف
بابن السوداء، وسالم بن ثعلبة، وغلاب (1) بن الهيثم، وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا، الرأي وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدا يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم ؟ فقال الاشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الامر هكذا ألحقنا عليا بعثمان، فرضي القوم منا بالسكوت، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، لو قتلناه قتلنا، فإنا يا معشر قتلة عثمان في ألفين وخمسمائة وطلحة والزبير وأصحابهما في خمسة آلاف، ولا طاقة لكم بهم، وهم إنما يريدونكم، فقال غلاب (1) بن الهيثم دعوهم وارجعوا بنا حتى نتعلق ببعض البلاد فنمتنع بها، فقال ابن السوداء: بئس ما قلت، إذا والله كان يتخطفكم الناس، ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون فمن أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع، ويشغل الله طلحة والزبير ومن معهما عما يحبون، ويأتيهم ما يكرهون، فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه، وأصبح علي مرتحلا ومر بعبد القيس فسار، ومن معه حتى نزلوا بالزاوية، وسار منها يريد البصرة وسار طلحة والزبير ومن معهما للقائه، فاجتمعوا عند قصر عبيد الله بن زياد، ونزل الناس كل في ناحية، وقد سبق على جيشه وهم يتلاحقون به، فمكثوا ثلاثة أيام والرسل بينهم، فكان ذلك للنصف من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين، فأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة، من قتلة عثمان، فقالا: إن عليا أشار بتسكين هذا الامر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك، وقام علي في الناس خطيبا، فقام إليه الاعور بن نيار (2) المنقري، فسأله عن (7/266)
إقدامه على أهل البصرة، فقال: الاصلاح وإطفاء الثائرة (3) ليجتمع الناس على الخير، ويلتئم شمل هذه الامة، قال: فإن لم يجيبونا ؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال فإن لم يتركونا ؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال فهل لهم في هذا الامر مثل الذي لنا، قال: نعم ! وقام إليه أبو سلام (4) الدالاني فقال هل لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم، إن كانوا أرادوا الله في ذلك ؟ قال: نعم ! قال: فهل لك من حجة في تأخيرك ذلك ؟ قال: نعم ! قال فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا ؟ قال: إني لارجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه لله إلا أدخله الله الجنة، وقال في خطبته: أيها الناس أمسكوا عن هؤلاء القوم أيديكم وألسنتكم، وإياكم أن يسبقونا غدا، فان المخصوم غدا مخصوم اليوم وجاء في غبون ذلك الاحنف بن قيس في جماعة فانضاف إلي علي - وكان
__________
(1) في الطبري والكامل: علباء.
(2) في الطبري والكامل: بنان.
(3) في الطبري والكامل: النائرة، وهي العداوة والشحناء.
(4) في الطبري والكامل: أبو سلامة.
(*)
قد منع حرقوص بن زهير من طلحة والزبير وكان قد بايع عليا بالمدينة وذلك أنه قدم المدينة وعثمان محصور فسأل عائشة وطلحة والزبير: إن قتل عثمان من أبايع ؟ فقالوا بايع عليا فلما قتل عثمان بايع عليا قال: ثم رجعت إلى قومي فجاءني بعد ذلك ما هو أفظع، حتى قال الناس هذه عائشة جاءت لتأخذ بدم عثمان، فحرت في أمري لمن أتبع، فمنعني الله بحديث سمعته من أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغه أن الفرس قد ملكوا عليهم ابنة كسرى فقال: " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة " (1) وأصل هذا الحديث في صحيح البخاري، والمقصود أن الاحنف لما انحاز إلى علي ومعه ستة آلاف قوس، فقال لعلي: إن شئت قاتلت معك، وإن شئت كففت عنك عشرة آلاف سيف (2)، فقال: اكفف عنا عشرة آلاف سيف، ثم بعث علي إلى طلحة والزبير يقول: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا حتى ننزل فننظر في هذا الامر، فأرسلا إليه في جواب (7/267)
رسالته: إنا على ما فارقنا القعقاع بن عمرو من الصلح بين الناس، فاطمأنت النفوس وسكنت، واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين، فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم، وبعثوا إليه محمد بن طليحة السجاد وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا طرقتنا أهل الكوفة ليلا، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملا من أصحاب علي فبلغ الامر عليا فقال: ما للناس ؟ فقالوا، بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه ولبسوا اللامة وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الامر عليه في نفس الامر، وكان أمر الله قدرا مقدورا وقامت الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفا، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفا، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد، وجاء كعب بن سوار قاضي البصرة فقال: يا أم المؤمنين أدركي الناس لعل الله أن يصلح بك بين الناس، فجلست في هودجها فوق بعيرها وستروا الهودج بالدروع، وجاءت فوقفت بحيث تنظر إلى الناس عند حركاتهم، فتصاولوا وتجاولوا، وكان في جملة من تبارز الزبير وعمار، فجعل عمار ينخره بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول له، أتقتلني يا أبا اليقظان ؟ فيقول: لا يا أبا عبد الله، وإنما تركه الزبير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتلك الفئة الباغية " (3) وإلا فالزبير أقدر
__________
(1) أخرجه البيهقي في دلائله 4 / 390.
(2) في فتوح ابن الاعثم 2 / 297: أكون معك مع مائتي رجل من قومي وأما أن أرد معك أربعة آلاف سيف.
(3) أخرجه البخاري في الجهاد عن ابراهيم بن موسى ومسلم في الفتن 4 / 2335 والترمذي في مناقب عمار 5 / 669 ومسند الامام أحمد 2 / 161 و 3 / 5 و 6 / 289 و 4 / 319 و 199 والحاكم في المستدرك 3 / 389 وقال صحيح = (*)
عليه منه عليه، فلهذا كف عنه، وقد كان من سنتهم في هذا اليوم أنه لا يذفف على جريح، ولا يتبع مدبر، وقد قتل مع هذا خلق كثير جدا، حتى جعل علي يقول لابنه الحسن: يا بني ليت أباك مات قبل هذا اليوم بعشرين عاما فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا. (7/268)
قال سعيد بن أبي عجرة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبه قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني إني لم أر أن الامر يبلغ هذا.
وقال مبارك بن فضالة عن الحسن بن أبي بكرة: لما اشتد القتال يوم الجمل، ورأى علي الرؤوس تندر أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره ثم قال: إنا لله يا حسن ! أي خير يرجى بعد هذا ؟ فلما ركب الجيشان وترآى الجمعان وطلب علي طلحة والزبير ليكلمهما، فاجتمعوا حتى التفت أعناق خيولهم، فيقال إنه قال لهما: إني أراكما قد جمعتما خيلا ورجالا وعددا، فهل أعددتما عذرا يوم القيامة ؟ فاتقيا الله ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا، ألم أكن حاكما في دمكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حديث أحل لكما دمي ؟ فقال طلحة: ألبت على عثمان.
فقال علي * (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) * [ النور: 25 ]، ثم قال: لعن الله قتلة عثمان، ثم قال: يا طلحة ! أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت ؟ أما بايعتني ؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي.
وقال للزبير: ما أخرجك ؟ قال: أنت، ولا أراك بهذا الامر أولى به مني.
فقال له علي: أما تذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي وضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس بمتمرد لتقاتلنه وأنت ظالم له " ؟ فقال الزبير: اللهم نعم ! ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، ووالله لا أقاتلك.
وفي هذا السياق كله نظر، والمحفوظ منه الحديث، فقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي فقال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الدوري، حدثنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي، عن جده عبد الملك عن أبي جرو (1) المازني.
قال: شهدت عليا والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير ! أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنك تقاتلني وأنت ظالم " ؟ قال: نعم ! لم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم
انصرف.
وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي الوليد الفقيه، عن الحسن بن سفيان عن قطن بن بشير، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي (2) عن جده عن أبي جرو (1) المازني عن علي والزبير به * وقال عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة قال: لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولي، وذلك أن رسول الله
__________
= على شرطهما ولم يخرجاه.
والهيثمي في مجمع الزوائد 7 / 242 و 9 / 297.
(1) في الاصل: أبي حزم تحريف والصواب ما اثبتناه من تقريب التهذيب وهو من الثالثة مقبول.
(2) عبد الملك بن مسلم الرقاشي قال البخاري بعد أن سرد هذا الخبر، لم يصح حديثه الميزان (2 / 664).
(*)
صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال: " أتحبه يا زبير ؟ فقال: وما يمنعني ؟ قال: فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له ؟ " قال: فيرون أنه إنما ولي لذلك. (7/269)
قال البيهقي: وهذا مرسل وقد روي موصولا من وجه آخر.
أخبرنا أبو بكر محمد (1) بن الحسن القاضي أنا أبو عامر (2) بن مطر أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي، أنا منجاب بن الحارث ثنا عبد الله بن الاجلح، ثنا أبي عن مرثد الفقيه عن أبيه.
قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدث عن حرب بن أبي الاسود الدؤلي - دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه - قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، خرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام فإني علي، فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير ! نشدتك الله، أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا، فقال: " يا زبير ألا تحب عليا ؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني ؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له ؟ " فقال الزبير: بلى ! والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك.
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: مالك ؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: " لتقاتلنه وأنت ظالم له " فقال: أو للقتال جئت ؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح
الله بك هذا الامر، قال: قد حلفت أن لا أقاتله، قال: اعتق غلامك سرجس وقف حتى تصلح بين الناس.
فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه، قالوا: فرجع الزبير إلى عائشة فذكر أنه قد آلى أن لا يقاتل عليا، فقال له ابنه عبد الله: إنك جمعت الناس، فلما ترآى بعضهم لبعض خرجت من بينهم، كفر عن يمينك واحضر.
فأعتق غلاما، وقيل غلامه سرجس.
وقد قيل إنه إنما رجع عن القتال لما رأى عمارا مع علي وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية " فخشي أن يقتل عمار في هذا اليوم.
وعندي أن الحديث الذي أوردناه إن كان صحيحا عنه فما رجعه سواه، ويبعد أن يكفر عن يمينه ثم يحضر بعد ذلك لقتال علي والله أعلم.
والمقصود أن الزبير لما رجع يوم الجمل سار (3) فنزل واديا يقال له وادي السباع، فاتبعه رجل يقال له عمرو بن جرموز، فجاءه وهو نائم فقتله غيلة كما سنذكر تفضيله.
وأما طلحة فجاءه في
__________
(1) في دلائل البيهقي: أحمد 6 / 414.
(2) في دلائل البيهقي: أبو عمرو 6 / 414.
(3) ترك الزبير معسكره تائبا وهو يقول أبياتا مطلعها: ترك الامور التي تخشى عواقبها * لله أجمل في الدنيا وفي الدين انظر الابيات في فتوح ابن الاعثم 2 / 312 وتهذيب ابن عساكر 5 / 365 وحلية الاولياء لابي نعيم 1 / 91 وفي مروج الذهب 2 / 401 ثلاثة أبيات.
(*)
المعركة سهم غرب يقال رماه به مروان بن الحكم فالله أعلم، فانتظم رجله مع فرسه فجمعت به الفرس فجعل يقول: إلي عباد الله، إلي عباد الله، فاتبعه ولي له فأمسكها، فقال له: ويحك ! اعدل بي إلى البيوت ؟ وامتلا خفه دما فقال لغلامه: اردفني، وذلك أنه نزفه الدم وضعف، فركب وراءه وجاء به إلى بيت في البصرة فمات فيه، رضي الله عنه. (7/270)
وتقدمت عائشة رضي الله عنها في هودجها، وناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفا
وقالت: دعهم إليه - وذلك أنه حين اشتد الحرب وحمي القتال، ورجع الزبير، وقتل طلحة رضي الله عنهما - فلما تقدم كعب بن سوار بالمصحف يدعو إليه استقبله مقدمة جيش الكوفيين، وكان عبد الله له بن سبأ - وهو ابن السوداء - وأتباعه بين يدي الجيش، يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة، لا يتوقفون في أحد، فلما رأوا كعب بن سوار رافعا المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجال واحد فقتلوه (1)، ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فجعلت تنادي: الله الله ! يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء حتى بلغت الضجة إلى علي فقال: ما هذا ؟ فقالوا: أم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم.
فقال: اللهم العن قتلة عثمان، وجعل أولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى بقي مثل القنفذ، وجعلت تحرض الناس على منعهم وكفهم، فحملت معه الحفيظة فطردوهم حتى وصلت الحملة إلى الموضع الذي فيه علي بن أبي طالب، فقال لابنه محمد بن الحنفية: ويحك ! تقدم بالراية، فلم يستطع، فأخذها علي من يده فتقدم بها، وجعلت الحرب تأخذ وتعطي، فتارة لاهل البصرة، وتارة لاهل الكوفة، وقتل خلق كثير، وجم غفير، ولم تر وقعة أكثر من قطع الايدي والارجل فيها من هذه الوقعة، وجعلت عائشة تحرض الناس على أولئك النفر من قتلة عثمان، ونظرت عن يمينها فقالت: من هؤلاء القوم ؟ فقالوا: نحن بكر بن وائل، فقالت: لكم يقول القائل: وجاؤوا إلينا بالحديد كأنهم * من الغرة (2) القعساء بكر بن وائل ثم لجأ إليها بنو ناجية ثم بنو ضبة فقتل عنده منهم خلق كثير، ويقال إنه قطعت يد سبعين رجلا وهي آخذة بخطام الجمل فلما اثخنوا تقدم بنو عدي بن عبد مناف فقاتلوا قتالا شديدا، ورفعوا رأس الجمل، وجعل أولئك يقصدون الجمل وقالوا: لا يزال الحرب قائما مادام هذا الجمل واقفا، ورأس الجمل في يد عمرة بن يثربي، وقيل أخوه عمرو بن يثربي ثم صمد عليه علباء بن الهيثم وكان من الشجعان المذكورين، فتقدم إليه عمرو الجملي فقتله ابن يثربي وقتل زيد بن صوحان، وأرتث صعصعة بن صوحان فدعاه عمار إلى البراز فبرز له، فتجاولا بين
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم: قتله الاشتر.
(2) في الطبري والكامل: العزة.
(*)
الصفين وعمار ابن تسعين سنة عليه فروة قد ربط وسطه بحبل ليف - فقال الناس: إنا لله وإنا إليه راجعون الآن يلحق عمارا بأصحابه، فضربه ابن يثربي بالسيف فاتقاه عمار بدرقته فغص فيها السيف ونشب، وضربه عمار فقطع رجليه وأخذ أسيرا إلى بين يدي علي فقال: استبقني يا أمير المؤمنين. (7/271)
فقال: أبعد ثلاثة تقتلهم (1) ؟ ثم أمر به فقتل واستمر زمام الجمل بعده بيد رجل كان قد استنابه فيه من بني عدي فبرز إليه ربيعة العقيلي فتجاولا حتى قتل كل واحد صاحبه وأخذ الزمام الحارث الضبي فما رأى أشد منه وجعل يقول: نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل ننعي ابن عفان بأطراف الاسل * الموت أحلى عندنا من العسل * ردوا علينا شيخنا ثم بجسل * (2) وقيل إن هذه الابيات لوسيم بن عمرو الضبي.
فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلا قالت عائشة: ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة ثم أخذ الخطام سبعون رجلا من قريش وكل واحد يقتل بعد صاحبه، فكان منهم محمد بن طلحة المعروف بالسجاد فقال لعائشة مريني بأمرك يا أمه.
فقالت: آمرك أن تكون كخير ابني آدم فامتنع أن ينصرف وثبت في مكانه وجعل يقول حم لا ينصرون، فتقدم إليه نفر فحملوا عليه فقتلوه وصار لكل واحد منهم بعد ذلك يدعي قتله وقد طعنه بعضهم بحربة فأنفذه وقال: وأشعث قوام (3) بآيات ربه * قليل الاذى فيما ترى العين مسلم هتكت له (4) بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم يناشدني (5) حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم
وأخذ الخطام عمرو بن الاشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطه بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الازدي وهو يقول: يا أمنا يا خير أم نعلم * * أما ترين كم شجاع يكلم وتجتلي (6) هامته والمعصم
__________
(1) قتل عمرو بن يثربي ثلاثة من أصحاب علي رضي الله عنه: علباء بن الهيثم وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان الطبري 5 / 210.
(2) انظر الطبري 5 / 209، 210، 217 وفتوح ابن الاعثم 2 / 319 - 320 والكامل لابن الاثير 3 / 249 مروج الذهب 2 / 405.
(3) كذا بالاصل والطبري: وفي مروج الذهب: سجاد.
(4) في مروج الذهب: شككت له.
(5) في الطبري ومروج الذهب يذكرني، وفي مروج الذهب: والرمح شارع.
(6) في الطبري والكامل: وتختلى.
(*)
واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه، وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الراية ولا بخطام الجمل إلا شجاع معروف، فيقتل من قصده ثم يقتل بعد ذلك، وقد فقأ بعضهم عين عدي بن حاتم ذلك اليوم، ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بخطام الجمل وهو لا يتكلم فقيل لعائشة إنه ابنك ابن أختك فقالت: واثكل أسماء ! وجاء مالك بن الحارث الاشتر النخعي فاقتتلا فضربه الاشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه عبد الله ضربة خفيفة ثم اعتنقا وسقطا إلى الارض يعتركان فجعل عبد الله بن الزبير يقول: اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي فجعل الناس لا يعرفون مالكا من هو وإنما هو معروف بالاشتر فحمل أصحاب علي وعائشة فخلصوهما وقد جرح عبد الله بن الزبير يوم الجمل بهذه الجراحة سبعا وثلاثين جراحة، وجرح (7/272)
مروان بن الحكم أيضا، ثم جاء رجل (1) فضرب الجمل على قوائمه فعقره وسقط إلى الارض، فسمع له عجيج ما سمع أشد ولا أنفذ منه، وآخر من كان الزمام بيده زفر بن الحارث فعقر الجمل وهو في يده، ويقال إنه اتفق هو وبجير بن دلجة على عقره، ويقال إن الذي أشار بعقر الجمل علي، وقيل القعقاع بن عمرو لئلا تصاب أم المؤمنين، فإنها بقيت غرضا للرماة، ومن يمسك بالزمام برجاسا للرماح، ولينفصل هذا الموقف الذي قد تفانى فيه الناس ولما سقط البعير إلى الارض انهزم من حوله من الناس، وحمل هودج عائشة وانه لكالقنفذ من السهام، ونادى منادي علي في الناس: إنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح، ولا يدخلوا الدور، وأمر علي نفرا أن يحملوا الهودج من بين القتلى، وأمر محمد بن أبي بكر وعمارا أن يضربا عليها قبة، وجاء إليها أخوها محمد فسألها هل وصل إليك شئ من الجراح ؟ فقالت: لا ! وما أنت ذاك يا بن الخثعمية.
وسلم عليها عمار فقال: كيف أنت يا أم ؟ فقالت: لست لك بأم.
قال: بلى ! وإن كرهت وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلما فقال: كيف أنت يا أمه ؟ قالت: بخير فقال: يغفر الله لك.
وجاء وجوه الناس من الامراء والاعيان يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها، ويقال إن أعين بن ضبيعة المجاشعي اطلع في الهودج فقالت: إليك لعنك الله، فقال:
__________
(1) في الطبري 5 / 218 عقر الجمل رجل من بني ضبة يقال له ابن دلجة عمرو أو بجير وقال في ذلك الحارث بن قيس وكان من أصحاب عائشة نحن ضربنا ساقه فانجدلا * من ضربة بالنفر كانت فيصلا لو لم نكون للرسول ثقلا * وحرمة لاقتسمونا عجلا وقد نحل ذلك المثنى بن مخرمة من أصحاب علي.
وفي الاخبار الطوال ص 151: كشف عرقوبه بالسيف رجل من مراد الكوفة يقال له أعين بن ضبيعة.
وفي فتوح ابن الاعثم 2 / 333 عبد الرحمن بن صرد التنوخي عرقبه من رجليه جميعا فوقع الجمل لجنبه وضرب بجرانه الارض.
(*)
والله ما أرى إلا حميراء، فقالت: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك. (7/273)
فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي عريانا في خربة من خرابات الازد.
فلما كان الليل دخلت أم المؤمنين البصرة - ومعها أخوها محمد بن أبي بكر - فنزلت في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة - على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة الطلحات عبد الله بن خلف، وتسلل الجرحى من بين القتلى فدخلوا البصرة، وقد طاف علي بين القتلى فجعل كلما مر برجل يعرفه ترحم عليه ويقول: يعز علي أن أرى قريشا صرعى.
وقد مر على ما ذكر على طلحة بن عبيد الله وهو مقتول فقال: لهفي عليك يا أبا محمد، إنا لله وإنا إليه راجعون والله لقد كنت كما قال الشاعر: فتى كان يدنيه الغنى من صديقه * إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر وأام علي بظاهر البصرة ثلاثا ثم صلى على القتلى من الفريقين، وخص قريش بصلاة من بينهم، ثم جمع ما وجد لاصحاب عائشة في المعسكر وأمر به أن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئا هو لاهلهم فليأخذه، إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان.
وكان مجموع من قتل يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف (1)، خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء، رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم.
وقد سأل بعض أصحاب علي عليا أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير، فأبى عليهم فطعن فيه السبائية وقالوا: كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ؟ فبلغ ذلك عليا فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه ؟ فسكت القوم، ولهذا لما دخل البصرة فض في أصحابه أموال بيت المال، فنال كل رجل منهم خمسمائة، وقال: لكم مثلها من الشام، فتكلم فيه السبائية أيضا ونالوا منه من وراء وراء.
فصل ولما فرغ علي من أمر الجمل أتاه وجوه الناس يسلمون عليه، فكان ممن جاءه الاحنف بن قيس في بني سعد - وكانوا قد اعتزلوا القتال - فقال له علي: تربعت - يعني بنا - فقال: ما كنت أراني إلا قد أحسنت، وبأمرك كان ما كان يا أمير المؤمنين، فارفق فإن طريقك الذي سلكت
بعيد، وأنت إلي غدا أحوج منك أمس، فاعرف إحساني، واستبق موتي لغد، ولا تقل مثل هذا فإني لم أزل لك ناصحا.
قالوا: ثم دخل علي البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم، حتى الجرحى والمستأمنة.
وجاءه عبد الرحمن ن بن أبي بكرة الثقفي فبايعه فقال له علي: أين المريض ؟ - يعني أباه - فقال: إنه والله مريض يا أمير المؤمنين، وإنه على مسرتك لحريص.
فقال: امش
__________
(1) في مروج الذهب 2 / 387 و 410 ثلاثة عشر ألفا، من أصحاب علي قتل خمسة الآف.
وفي فتوح ابن الاعثم 2 / 342: قتل من أصحابه (علي) ألف رجل وسبعون رجلا (ومن أصحاب عائشة) فقتل من الازد أربعة الآلف رجل، ومن بني ضبة ألف رجل ومن بني ناجية أربعمائة رجل، ومن بني عدي ومواليهم تسعون رجلا، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ومن بني حنظلة سبعمائة رجل ومن سائر أخلاط الناس تسعة الآف رجل.
(*)
أمامي، فمضى إليه فعاده، واعتذر إليه أبو بكرة فعذره، وعرض عليه البصرة فامتنع وقال: رجل من أهلك يسكن إليه الناس، وأشار عليه بابن عباس فولاه على البصرة، وجعل معه زياد بن أبيه على الخراج وبيت المال، وأمر ابن عباس أن يسمع من زياد وكان زياد معتزلا - ثم جاء علي إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة، فاستأذن ودخل فسلم عليها ورحبت به، وإذا النساء في دار بني خلف يبكين على من قتل، منهم عبد الله وعثمان ابنا خلف، فعبد الله قتل مع عائشة، وعثمان قتل مع علي، فلما دخل علي قالت له صفية امرأة عبد الله، أم طلحة الطلحات: أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها علي شيئا، فلما خرج أعادت عليه المقالة أيضا فسكت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع ؟ فقال: ويحك ! إنا أمرنا أن نكف عن النساء وهن مشركات، أفلا نكف عنهن وهن مسلمات ؟ فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر علي القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة وأن يخرجهما من ثيابهما (1)، وقد سألت عائشة عمن قتل معها من المسلمين ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحد منهم ترحمت عليه ودعت له، ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد (7/274)
ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الاخيار.
فقال علي: صدقت والله كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
وسار علي معها مودعا ومشيعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم - وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين - وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ثم رجعت إلى المدينة رضي الله عنها.
وأما مروان بن الحكم فانه لما فر استجار بمالك بن مسمع فأجاره ووفى له، ولهذا كان بنو مروان يكرمون مالكا ويشرفونه، ويقال إنه نزل دار بني خلف فلما خرجت عائشة خرج معها، فلما سارت هي إلى مكة سار إلى المدينة قالوا: وقد علم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة يوم الوقعة، وذلك مما كانت النسور تخطفه من الايدي والاقدام فيسقط منها هنالك، حتى أن أهل المدينة علموا بذلك يوم الجمل قبل أن تغرب الشمس، وذلك أن نسرا مر بهم ومعه شئ فسقط فإذا هو مكف فيه خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب.
__________
(1) في الطبري 5 / 223 وهما من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله.
(*)
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن، وليس فيما ذكره أهل الاهواء من الشيعة وغيرهم من الاحاديث المختلفة على الصحابة والاخبار الموضوعة التي ينقولنها بما فيها، وإذا دعوا إلى الحق الواضح أعرضوا عنه وقالوا: لنا أخبارنا ولكم أخباركم، فنحن حينئذ نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين. (7/275)
فصل
في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل من السادة النجباء من الصحابة وغيرهم من الفريقين رضي الله عنهم أجمعين، وقد قدمنا أن عدة القتلى نحو من عشرة آلاف، وأما الجرحى فلا يحصون كثرة فممن قتل يوم الجمعة في المعركة.
طلحة بن عبيد الله ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة أبو محمد القرشي التيمي، ويعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض لكرمه ولكثرة جوده أسلم قديما على يدي أبي بكر الصديق، فكان نوفل بن خويلد بن العدوية يشدهما في حبل واحد، ولا تستطيع بنو تميم أن تمنعهما منه، فلذلك كان يقال لطلحة وأبي بكر القرينان، وقد هاجر وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي أيوب الانصاري (1)، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بدرا - فإنه كان بالشام لتجارة - وقيل في رسالة، ولهذا ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره من بدر، وكانت له يوم أحد اليد البيضاء وشلت يده يوم أحد، وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت كذلك إلى أن مات، وكان الصديق إذا حدث عن يده أحد يقول: ذاك يوم كان كله لطلحة، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " أوجب طلحة " وذلك أنه كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم درعان فأراد أن ينهض وهما عليه ليصعد صخرة هنالك فما استطاع، فطأطأ له طلحة فصعد على ظهره حتى استوى عليها، وقال: " أوجب طلحة " (2) وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وقد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن صحبته حتى توفي وهو عنه راض، وكذلك أبو بكر وعمر، فلما كان قضية عثمان اعتزل عنه فنسبه بعض الناس إلى تحامل فيه، فلهذا لما حضر يوم الجمل واجتمع به علي فوعظه تأخر فوقف في بعض الصفوف، فجاءه سهم غرب فوقع في ركبته وقيل في رقبته، والاول أشهر، وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس فجمح به حتى كاد يلقيه، وجعل يقول: إلي عباد الله، فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله
__________
(1) في الاستيعاب: كعب بن مالك وفي ابن سعد: آخى بينه وبين أبي بن كعب.
وفي رواية عنده: سعيد بن زيد وفي الاصابة: آخى بينه وبين الزبير قبل الهجرة وفي المدينة آخى بينه وبين أبي أيوب.
(2) أخرجه الترمذي في المناقب عن الزبير.
ح 3738 ص 5 / 644 وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب وانظر ابن سعد 3 / 218.
(*)