صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : الموسوعة الفقهية الكويتية 1-39 وملاحق تراجم الفقهاء الموسوعة الفقهية |
واتفقوا على أن المنقولات المنفصلة وغير المثبتة لا تدخل في العقد عند الإطلاق ، وذلك كالسرير ، والفرش ، والستائر ، والرفوف الموضوعة بغير تسمير ولا غرز في الحائط ، وكذلك الأقفال والحبال ، والدلو ، والبكرة إذا لم تكن مركبة بالبئر بأن كانت مشدودة بحبل أو موضوعة . وكذلك السلالم الموضوعة غير المركبة . وكل ما لا يكون من بناء الدار ولا متصلا بها من خشب وحجر ، وحيوان ، وغيرها من المنقولات الموجودة في الدار . (21/212)
وهذا كله عند الإطلاق . أما إذا اتفق الطرفان على أن يشمل العقد جميع المنقولات الموجودة في الدار أو بعضها ، أو قال : وقفت الدار بجميع ما فيها ، فإن المنقولات الموجودة تدخل في العقد تبعا للدار أو حسبما اتفق عليه الطرفان . والتفاصيل في مصطلح : ( بيع ، وقف ) واختلف الفقهاء في وقف علو الدار دون سفلها ، أو سفلها دون علوها ، أو جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق .
فذهب الجمهور إلى صحة هذا الوقف ، لأنه كما يصح بيعه فكذلك يصح وقفه ، كوقف الدار جميعا ، ولأنه تصرف يزيل الملك إلى من يثبت له حق الاستقرار والتصرف .
وذهب الحنفية إلى عدم صحة ذلك . والتفاصيل في مصطلح : ( وقف ) .
دار الإسلام *
التعريف :
1 - دار الإسلام هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة .
وقال الشافعية : هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام - ويراد بظهور أحكام الإسلام : كل حكم من أحكامه غير نحو العبادات كتحريم الزنى والسرقة - أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل ذمة ، أو فتحها المسلمون ، وأقروها بيد الكفار ، أو كانوا يسكنونها ، ثم أجلاهم الكفار عنها .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - دار الحرب :
2 - دار الحرب هي : كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة .
ب - دار العهد :
3 - دار العهد : وتسمى دار الموادعة ودار الصلح وهي : كل ناحية صالح المسلمون أهلها بترك القتال على أن تكون الأرض لأهلها . (21/213)
ج - دار البغي :
4 - دار البغي هي : ناحية من دار الإسلام تحيز إليها مجموعة من المسلمين لهم شوكة خرجت على طاعة الإمام بتأويل .
الحكم التكليفي :
5 - إذا استولى الكفار على بقعة من دار الإسلام صار الجهاد فرض عين على جميع أفراد الناحية التي استولى عليها الكفار ، رجالا ونساء ، صغارا وكبارا ، أصحاء ومرضى ، فإذا لم يستطع أهل الناحية دفع العدو عن دار الإسلام ، صار الجهاد فرض عين على من يليهم من أهل النواحي الأخرى من دار الإسلام ، وهكذا حتى يكون الجهاد فرض عين على جميع المسلمين ، ولا يجوز تمكين غير المسلمين من دار الإسلام .
ويأثم جميع المسلمين إذا تركوا غيرهم يستولي على شيء من دار الإسلام . ( ر : جهاد ) .
ويجب على أهل بلدان دار الإسلام ، وقراها من المسلمين إقامة شعائر الإسلام ، وإظهارها فيها كالجمعة ، والجماعة ، وصلاة العيدين ، والأذان ، وغير ذلك من شعائر الإسلام ، فإن ترك أهل بلد أو قرية إقامة هذه الشعائر أو إظهارها قوتلوا وإن أقاموها سرا .
ولا يجوز لغير المسلمين دخول دار الإسلام إلا بإذن من الإمام أو أمان في مسلم .
ولا يجوز لهم إحداث دور عبادة لغير المسلمين : كالكنائس ، والصوامع ، وبيت النار ، على تفصيل سيأتي .
تحول دار الإسلام إلى دار كفر :
6 - اختلف الفقهاء في تحول دار الإسلام إلى دار للكفر .
فقال الشافعية : لا تصير دار الإسلام دار كفر بحال من الأحوال ، وإن استولى عليها الكفار ، وأجلوا المسلمين عنها ، وأظهروا فيها أحكامهم . لخبر : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » وقال المالكية ، والحنابلة ، وصاحبا أبي حنيفة " أبو يوسف ، ومحمد " : تصير دار الإسلام دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا تصير دار كفر إلا بثلاث شرائط : (21/214)
أ - ظهور أحكام الكفر فيها .
ب - أن تكون متاخمة لدار الكفر .
ج - أن لا يبقى فيها مسلم ، ولا ذمي آمنا بالأمان الأول ، وهو أمان المسلمين .
ووجه قول الصاحبين ومن معهما أن دار الإسلام ودار الكفر : أضيفتا إلى الإسلام وإلى الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيهما ، كما تسمى الجنة دار السلام ، والنار دار البوار ، لوجود السلامة في الجنة ، والبوار في النار ، وظهور الإسلام والكفر إنما هو بظهور أحكامهما ، فإذا ظهرت أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر ، فصحت الإضافة ، ولهذا صارت الدار دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى ، فكذا تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها .
ووجه قول أبي حنيفة : أن المقصود من إضافة الدار إلى الإسلام والكفر ليس هو عين الإسلام والكفر ، وإنما المقصود هو : الأمن ، والخوف ، ومعناه : أن الأمن إن كان للمسلمين في الدار على الإطلاق والخوف لغيرهم على الإطلاق فهي دار إسلام ، وإن كان الأمن فيها لغير المسلمين على الإطلاق والخوف للمسلمين على الإطلاق فهي دار كفر ، فالأحكام عنده مبنية على الأمان والخوف ، لا على الإسلام والكفر ، فكان اعتبار الأمن والخوف أولى . وينظر التفصيل في ( دار الحرب ) .
دخول الحربي دار الإسلام :
7 - ليس للحربي دخول دار الإسلام إلا بإذن من الإمام أو نائبه ، فإن استأذن في دخولها فإن كان في دخوله مصلحة ، كإبلاغ رسالة ، أو سماع كلام الله تعالى ، أو حمل ميرة أو متاع يحتاج إليهما المسلمون ، جاز الإذن له بدخول دار الإسلام إلا الحرم ، ولا يقيم في الحجاز أكثر من ثلاثة أيام ، لأن ما زاد على هذه المدة في حكم الإقامة ، وهو غير جائز . وفي غير الحجاز يقيم قدر الحاجة . أما الحرم فلا يجوز دخول كافر فيه وإن كان ذميا بحال من الأحوال عند جمهور الفقهاء . لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } . وللتفصيل ينظر : ( أرض العرب ، حرم ) . (21/215)
مال المستأمن وأهله :
8 - إذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان من الإمام كان ما معه من مال ، وزوجة ، وأولاد صغار في أمان ، أما ما خلفه في دار الحرب فلا يدخل في الأمان ،إلا بالشرط في عقد الأمان. وإن نقض العهد والتحق بدار الحرب بقي الأمان لما تركه في دار الإسلام ، وله أن يدخل في دار الإسلام لتحصيل ما تركه من دين الوديعة ونحو ذلك ، وإن مات في دار الحرب فتركته في دار الإسلام لورثته . وإن دخل لتجارة جاز للإمام أن يشترط عليه عشر ما معه من مال التجارة ، وله أن يأذن لهم بغير شيء .
استيطان غير المسلم دار الإسلام :
9 - قسم الفقهاء دار الإسلام إلى قسمين : جزيرة العرب وغيرها : فجزيرة العرب لا يمكن غير المسلم من الاستيطان فيها ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
واستدلوا بخبر : « لا يترك بجزيرة العرب دينان » .
وخبر : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب » . واختلفوا في المراد من حزيرة العرب .
فقال الشافعية والحنابلة : المراد بالجزيرة العربية الحجاز ، فتجوز إقامتهم في غير الحجاز من الجزيرة ، لأن أحدا من الخلفاء لم يخرج الكفار من اليمن ، وتيماء ، ونجران . (21/216)
وقال غيرهم : المراد جزيرة العرب كلها من عدن أبين إلى ريف العراق .
والتفصيل في مصطلح : ( أرض العرب ) .
إحداث دور عبادة لغير المسلمين :
10 - لا يجوز إحداث كنيسة ، أو صومعة ، أو بيت نار للمجوس في دار الإسلام ، بتفصيل يرجع : إلى مصطلح : ( معابد ) .
اللقيط وأثر الدار في دينه :
11 - إذا وجد طفل منبوذ في دار الإسلام حكم بإسلامه وإن كان فيها مع المسلمين غير مسلمين ( انظر : لقيط ) .
إحياء غير المسلم موات دار الإسلام ، وحفر معادنه :
12 - ليس لغير المسلم إحياء موات في دار الإسلام لا يملكه بالإحياء ، ولا حفر معادنها ، ولا يمكن من ذلك . وينظر التفصيل في ( إحياء الموات ، وزكاة المعادن ) .
دار البغي *
التعريف :
1 - الدار اسم جامع للعرصة والبناء والمحلة ، وكل موضع حل به قوم فهو دارهم .
والبغي لغة : مصدر بغى يبغي بغيا إذا ظلم وتعدى ، ويقال : بغيت الشيء إذا طلبته .
وأصل البغي الظلم ومجاوزة الحد ، وبغى الجرح تجاوز الحد في فساده . وبغت المرأة بغيا ، وباغت مباغاة ، وتبغي بغاء فهي بغي ، إذا فجرت ، وذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها .
وبغت السماء تجاوزت في المطر الحد المحتاج إليه .
وبغى تكبر واستطال وعدل عن الحق وقصد الفساد .
والفئة الباغية هي الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام العادل ، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنه : « ويح عمار تقتله الفئة الباغية » .
وهذا هو معناه الشرعي ، فالباغي هو المخالف لإمام العدل الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه كزكاة وخراج أرض وغيرهما .
2 - ودار البغي في الاصطلاح : جزء من دار الإسلام تفرد به جماعة من المسلمين خرجوا على طاعة الإمام الحق بحجة تأولوها مبررة لخروجهم ، وامتنعوا وتحصنوا بتلك الأرض التي أصبحت في حوزتهم ، وأقاموا عليهم حاكما منهم ، وصار لهم جيش ومنعة . (21/217)
أحكام دار البغي :
3 - إذا استولى البغاة على بلد في دار الإسلام ، ونصبوا لهم إماما ، وأحدث إمامهم تصرفات باعتباره حاكما كالجباية ، من جمع الزكاة ، والعشور ، والجزية ، والخراج ، واستيفاء الحدود ، والتعازير ، وإقامة القضاة ، ففي نفاذ هذه التصرفات وترتب آثارها عليها في حق أهل العدل تفصيل وخلاف ، ينظر في مصطلح : ( بغاة ) .
دار الحرب *
التعريف :
1 - دار الحرب : هي كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة .
الأحكام المتعلقة بدار الحرب :
الهجرة :
2 - قسم الفقهاء الناس في شأن الهجرة من دار الحرب إلى ثلاثة أضرب :
أ - من تجب عليه الهجرة ، وهو من يقدر عليها ، ولا يمكنه إظهار دينه مع المقام في دار الحرب ، وإن كانت أنثى لا تجد محرما ، إن كانت تأمن على نفسها في الطريق ، أو كان خوف الطريق أقل من خوف المقام في دار الحرب . لقوله تعالى : { إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } .
وفي الآية وعيد شديد ، والوعيد الشديد لا يكون إلا في ارتكاب المحرم وترك الواجب . ولحديث : « أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تتراءى ناراهما »
وحديث : « لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل » أما حديث : « لا هجرة بعد الفتح » فمعناه لا هجرة من مكة بعد فتحها ، لصيرورة مكة دار إسلام إلى يوم القيامة إن شاء الله .
ب - من لا هجرة عليه : وهو من يعجز عنها ، إما لمرض ، أو إكراه على الإقامة في دار الكفر ، أو ضعف كالنساء ، والولدان . لقوله تعالى : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } . (21/218)
ج - من تستحب له الهجرة ، ولا تجب عليه ، وهو : من يقدر على الهجرة ويتمكن من إظهار دينه في دار الحرب ، فهذا يستحب له الهجرة ليتمكن من الجهاد ، وتكثير المسلمين .
د - وزاد الشافعية قسما رابعا : وهو من يقدر على إظهار دينه في دار الحرب ، ويقدر على الاعتزال في مكان خاص ، والامتناع من الكفار ، فهذا تحرم عليه الهجرة ، لأن مكان اعتزاله صار دار إسلام بامتناعه ، فيعود بهجرته إلى حوزة الكفار ، وهو أمر لا يجوز ، لأن كل محل قدر أهله على الامتناع من الكفار صار دار إسلام .
وقال الحنفية : لا تجب الهجرة من دار الحرب لخبر : « لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية » . أما حديث : « ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين » . فمنسوخ بحديث :
« لا هجرة بعد الفتح » .
التزوج في دار الحرب :
3 - اتفق الفقهاء على كراهة التزوج في دار الحرب لمن دخل فيها من المسلمين بأمان ، لتجارة ، أو لغيرها ، ولو بمسلمة ، وتشتد الكراهة إذا كانت من أهل الحرب .
وعند الحنفية الكراهة تحريمية في الحربية لافتتاح باب الفتنة ، وتنزيهية في غيرها ، لأن فيه تعريضا للذرية لفساد عظيم ، إذ أن الولد إذا نشأ في دارهم لا يؤمن أن ينشأ على دينهم، وإذا كانت الزوجة منهم فقد تغلب على ولدها فيتبعها على دينها .
وقال الحنابلة : إذا كان المسلم أسيرا في دار الحرب ، فلا يحل له التزوج ما دام أسيرا ، لأنه إذا ولد له ولد كان لهم رقيقا .
الربا في دار الحرب :
4 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى أن الربا حرام في دار الحرب كحرمته في دار الإسلام ، فما كان حراما في دار الإسلام ، كان حراما في دار الحرب ، سواء بين المسلمين وبين أهل الحرب ، أو بين مسلمين لم يهاجرا من دار الحرب ، وبهذا قال الشافعي ، ومالك ، وأبو يوسف من الحنفية ، وقالوا : إن النصوص في تحريم الربا عامة ، ولم تفرق بين دار ودار، ولا بين مسلم وغيره . ( راجع مصطلح : ربا ) . (21/219)
وقال أبو حنيفة ومحمد : لا يحرم الربا في دار الحرب بين المسلم وأهل الحرب ، ولا بين مسلمين لم يهاجرا من دار الحرب . لحديث : « لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب » ولأن مالهم مباح في دارهم ، فبأي طريق أخذه المسلم أخذ مالا مباحا إذا لم يكن فيه غدر ، ولأن مال أهل الحرب مباح بغير عقد ، فبالعقد الفاسد أولى .
ولأن « أبا بكر رضي الله عنه خاطر قريشا قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى : { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون } وقالت قريش : أترون أن الروم تغلب ؟ قال : نعم . فقالوا : هل لك أن تخاطرنا في ذلك ؟ فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام : اذهب إليهم فزد في الخطر وزد في الأجل ففعل ، وغلبت الروم فارسا فأخذ أبو بكر خطره ، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وهو القمار بعينه » .
وكانت مكة في ذلك الوقت دار حرب ، فدل ذلك على أن للمسلم أخذ مال الحربي في دار الحرب ما لم يكن غدرا .
إقامة الحد على المسلم في دار الحرب :
5 - اختلف الفقهاء في إقامة الحد على من زنى من المسلمين أو سرق ، أو قذف مسلما ، أو شرب خمرا في دار الحرب .
فقال المالكية والشافعية : يجب على الإمام إقامة الحد عليه ، لأن إقامة الحدود فرض كالصلاة ، والصوم ، والزكاة ، ولا تسقط دار الحرب عنه شيئا من ذلك . وإذا قتل مسلم مسلما في دار الحرب يستوفي منه القصاص ، ويكون الحكم كما لو كانوا في دار الإسلام . (21/220)
وذهب الحنفية إلى أنه لا يقام عليه الحد ، ولو بعد رجوعه إلى دار الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تقام الحدود في دار الحرب » . وقوله : " من زنى أو سرق في دار الحرب وأصاب بها حدا ثم هرب فخرج إلينا فإنه لا يقام عليه الحد والله أعلم به " ولأن الإمام لا يقدر على إقامة الحدود في دار الحرب لعدم الولاية ، ولا يقام عليه بعد الرجوع إلى دار الإسلام ، لأن الفعل لم يقع موجبا أصلا ، وكذلك إذا قتل مسلما فيها لا يؤخذ بالقصاص وإن كان القتل عمدا لتعذر الاستيفاء ، ولأن كونه في دار الحرب أورث شبهة في الوجوب ، والقصاص لا يجب مع الشبهة ، ويضمن الدية وتكون في ماله لا على العاقلة ، لأن الدية تجب على القاتل ابتداء ، ثم العاقلة تتحمل عنه لما بينهم من التناصر ، ولا تناصر عند اختلاف الدار .
وقال الحنابلة أيضا : تجب الحدود والقصاص ، ولكنها لا تقام في دار الحرب ، وتقام عليه بعد رجوعه من دار الحرب . واستدلوا بما رواه سعيد في سننه ، أن عمر رضي الله عنه كتب إلى الناس لا يجلدن أمير جيش ولا سرية رجلا من المسلمين حدا وهو غاز حتى يقطع الدرب قافلا لئلا يلحقه حمية الشيطان ، فيلحق ، بالكفار .
حد من أصاب حدا من أفراد الجيش :
6 - قال الحنفية : إذا أصاب أحد أفراد الجيش حدا ، أو قتل مسلما خطأ أو عمدا في دار الحرب خارج المعسكر لا يقام عليه الحد أو القصاص ، أما إذا زنى أحدهم في معسكر الجيش لم يأخذه أمير الجيش بشيء من ذلك إذا كان الإمام لم يفوض إليه إقامة الحدود والقصاص ، إلا أنه يضمنه المسروق والدية في القتل ، لأنه يقدر على استيفاء ضمان المال . (21/221)
أما إذا غزا من له ولاية إقامة الحدود ، سواء غزا الخليفة بنفسه ، أو أمير مصر من الأمصار ، ففعل رجل من الجيش ذلك في معسكره أقام عليه الحد ، واقتص منه في العمد ، وضمنه الدية في الخطأ في ماله ، لأن إقامه الحدود إلى الإمام ، وبما له من الشوكة ، وانقياد الجيوش له يكون لعسكره حكم دار الإسلام .
وقال المالكية والشافعية : إذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد .
وقالوا : ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حدود الله . ولو فعلنا ذلك توقيا من أن يغضب ما أقمنا الحد أبدا ، لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل حكم الله ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقام الحدود بالمدينة والشرك قريب منها ، وفيها مشركون موادعون . وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منها .
حصول الفرقة باختلاف الدار بين الزوجين :
7 - اختلاف الفقهاء في انقطاع عصمة الزوجية باختلاف الدارين .
فقال الجمهور : لا تقع الفرقة باختلاف الدار ، فإن أسلم زوج كتابية ، وهاجر إلى دار الإسلام ، وبقيت في دار الحرب فهما على نكاحهما ، لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه فالاستمرار أولى ، سواء كان قبل الدخول ، أو بعده . وإن أسلمت كتابية تحت كتابي ، أو غيره ، أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين ، قبل الدخول حصلت الفرقة ، لقوله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وإن أسلم أحدهما بعد الدخول ، وقف الأمر على انتهاء العدة ، فإن أسلم الآخر في العدة بقي نكاحهما ، وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول ، لأن سبب الفرقة اختلاف الدين لا اختلاف الدار . (21/222)
واستدلوا بما رواه ابن شبرمة قال : « كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة ، والمرأة قبله ، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته ، وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما » ، ولم يذكر في الأثر دار حرب ، ولا دار إسلام ، فسبب الفرقة إذا اختلاف الدين . فكون أحد الزوجين في دار الحرب لا يوجب فرقة .
وذهب الحنفية إلى أن الفرقة تحصل باختلاف الدارين ، فإن خرج أحد الزوجين إلى دار الإسلام مسلما أو ذميا ، وترك الآخر في دار الحرب وقعت الفرقة بينهما ، لأنه باختلاف الدارين يخرج الملك من أن يكون منتفعا به ، لعدم التمكن من الانتفاع عادة ، فلم يكن في بقائه فائدة . وانظر مصطلح : ( اختلاف الدار ) .
قسمة الغنيمة في دار الحرب :
8 - اختلف الفقهاء في صحة قسم الغنيمة في دار الحرب .
فذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة إلى أنه يجوز قسمتها في دار الحرب ، وتبايعها فيها، واستدلوا بما روى أبو إسحاق الفزاري قال : قلت للأوزاعي : هل قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الغنائم بالمدينة ؟ فقال : لا أعلمه ، إنما كان الناس يتبعون غنائمهم ، ويقسمونها في أرض عدوهم ، ولم يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزاة قط أصاب فيها غنيمة إلا خمسها وقسمها من قبل أن يغفل ، من ذلك غزاة بني المصطلق ، وهوازن ، وخيبر ، ولأن الملك يثبت فيها بالقهر والاستيلاء فصحت قسمته ، ولأن قسمة أموالهم في دارهم أنكى لهم ، وأطيب لقلوب المجاهدين ، وأحفظ للغنيمة ، وأرفق بهم في التصرف . وقال الحنفية : القسمة نوعان : (21/223)
أ - قسمة حمل ونقل .
ب - وقسمة ملك .
أما قسمة الحمل ، فهي إن عزت الدواب ، ولم يجد الإمام حمولة يفرق الغنائم على الغزاة فيحمل كل رجل على قدر نصيبه إلى دار الإسلام ، ثم يستردها منهم ، فيقسمها قسمة ملك .
أما قسمة الملك فلا تجوز في دار الحرب حتى يخرجوها إلى دار الإسلام ، ويحرزوها ، وقالوا : إن الحق يثبت بنفس الأخذ ، ويتأكد بالإحراز ، ويتمكن بالقسمة كحق الشفيع فإنه يثبت بالبيع ، ويتأكد بالطلب ، ويتم الملك بالأخذ ، وما دام الحق ضعيفا لا تجوز القسمة لأنه دون الملك الضعيف في المبيع قبل القبض ، ولأن السبب هو القهر ، وقبل الإحراز هم قاهرون يدا مقهورون دارا ، والثابت من وجه دون وجه يكون ضعيفا .
9- وينبني على هذا الخلاف بين الحنفية ، والجمهور أحكام .
منها : أنه إذا مات أحد الغانمين في دار الحرب لا يورث من الغنيمة عند الحنفية ، وعند الجمهور يورث .
ومنها : إذا لحق الجيش أحد بعد الحيازة في دار الحرب لا يشارك عند الجمهور ، وعند الحنفية يشاركهم إذا لحق قبل الحيازة إلى دار الإسلام .
وإذا أتلف أحد الغانمين شيئا من الغنيمة في دار الحرب يضمن عند الجمهور ، ولا يضمن عند الحنفية . (21/224)
استيلاء الكفار على أموال المسلمين ، وأثر الدار في ذلك :
10 - اختلف الفقهاء في تملك أهل الحرب أموال المسلمين بالاستيلاء عليها ، فذهب الشافعية إلى أنهم لا يملكونها وإن أحرزوها بدارهم ،لأنه مال معصوم طرأت عليه يد عادية، فلم يملك بها كالغصب . وإذا كان المسلم لا يملك مال المسلم بالاستيلاء عليه بغصب ، فالمشرك أولى ألا يملك . وخبر « عمران بن حصين في الأنصارية التي أسرت ، ثم امتطت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعجزت من طلبها ، فنذرت الأنصارية إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة رآها الناس ، فقالوا : العضباء ، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : سبحان الله ، بئسما جزتها ، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها ، لا وفاء لنذر في معصية ، ولا فيما لا يملك العبد » .
ولو كان المشركون يملكون على المسلمين أموالهم لملكت الأنصارية الناقة . لأنها تكون أخذت مالا غير معصوم في دار حرب وأحرزوه بدارهم ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنها نذرت فيما لا تملك وأخذ ناقته ، وبه قال أبو الخطاب من الحنابلة ، قال : وهو ظاهر كلام أحمد .
وقال الحنفية ، والقاضي أبو يعلى من الحنابلة : إن أهل دار الحرب إذا دخلوا دار الإسلام واستولوا على أموال المسلمين ولم يحرزوها بدارهم لا يملكونها ، أما إذا أحرزوها بدارهم فإنهم يملكونها . وقالوا : لأن ملك المسلم يزول بالإحراز بدار الحرب ، فتزول العصمة ، فكأنهم استولوا على مال مباح غير مملوك ، لأن الملك هو : الاختصاص بالمحل في حق التصرف ، أو شرع للتمكن من التصرف في المحل ، وقد زال بالإحراز بالدار . فإذا زال معنى الملك أو ما شرع له الملك ، يزول الملك ضرورة . (21/225)
وقال المالكية والحنابلة في قول : يملكونها بالاستيلاء في دار الإسلام .
وقالوا : لأن القهر سبب يملك به المسلم مال الكافر ، فملك به الكافر مال المسلم كالبيع ، ولأن الاستيلاء سبب الملك فيثبت قبل الحيازة إلى الدار ، كاستيلاء المسلمين على مال الكفار، ولأن ما كان سببا للملك أثبت الملك حيث وجد ، كالهبة والبيع .
وينبني على هذا الخلاف ، اختلافهم في حكم ما استولى عليه أهل دار الحرب من أموال المسلمين ثم استرده المسلمون ، فمن رأى أنهم يملكون أموال المسلمين : يرى أنه إذا وجده مالكه المسلم أو الذمي قبل القسمة أخذه بدون رد قيمته ، أما إذا وجده بعد القسمة فإنه يأخذه بقيمته . ومن ذهب إلى أنهم لا يملكونه : يرى أن المسلم إذا وجد ماله في الغنيمة أخذه قبل القسمة وبعد القسمة بلا رد شيء .
قضاء القاضي المسلم في منازعات حدثت أسبابها في دار الحرب :
11 - إذا دخل مسلم دار الحرب بأمان ، وأخذ مالا من حربي في دار الحرب مضاربة ، أو وديعة ، أو بشراء أو ببيع في الذمة أو قرض ، فالثمن في ذمته ، عليه أداؤه إليه بمقتضى العقد ، وإذا خرج الحربي إلى دار الإسلام مستأمنا قضى القاضي على المسلم بماله كما يقضي به للمسلم والذمي في دار الإسلام ، لأن الحكم جار على المسلم حيث كان ، لا نزيل الحق عنه بأن يكون في موضع من المواضع . كما لا تزول الصلاة عنه بأن يكون في دار الحرب ، وكذلك إن اقترض حربي من حربي أو مسلم مالا ثم دخل إلينا فأسلم ، فعليه البدل ويقضى عليه لالتزامه بعقد . (21/226)
أما إن أتلف عليه ماله أو غصبه منه في دار الحرب ، فقدما إلينا بإسلام ، أو أمان ، فلا ضمان عليه في الأصح عند الشافعية ، وهو مقتضى مذهب الحنابلة ، لأنه لم يلتزم شيئا ، والإتلاف ليس عقدا يستدام ، ولأن مال الحربي لا يزيد على مال المسلم ، وهو لا يوجب الضمان على الحربي ، ومقابل الأصح عند الشافعية أن يضمن .
وقال الحنفية : ليس للقاضي المسلم القضاء من حربيين إذا خرجا إلينا مستأمنين ، لأن المداينة في دار الحرب وقعت هدرا لانعدام ولايتنا عليهم . أما لو خرجا إلينا مسلمين فإنه يقضى بينهما لثبوت الولاية ، أما في الغصب والإتلاف فلا يقضى ، وإن خرجا إلينا مسلمين.
عصمة الأنفس والأموال في دار الحرب :
12 - الأصل أن أموال أهل الحرب ودماءهم مباحة لا عصمة لهم في شيء من ذلك ، وللمسلمين الاستيلاء على أنفسهم وأموالهم بشتى الطرق ، لأنهم يستبيحون دماءنا وأموالنا، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء ، ولكن ذكروا حالات تثبت لأنفسهم ولأموالهم العصمة وهم في دار الحرب ، منها :
13 - أ - إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان أو بأسر ، وائتمنوه على نفس أو مال لم يحل له خيانتهم في شيء ، لأنهم أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم ، وأمنه إياهم من نفسه ، وإن لم يكن ذلك في اللفظ ، فهو معلوم في المعنى ، فلم يحل له خيانتهم ، لأنه غدر ، ولا يصلح الغدر في الإسلام ، فإن سرق منهم شيئا أو غصب ، وجب رده إلى أربابه ، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان رده إليهم ، وإلا بعث به إليهم ، لأنه أخذه على وجه محرم فلزمه رده ، كما لو أخذ مال مسلم . (21/227)
وإذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن دمه ، وأحرز ماله وأولاده الصغار من السبي ، فإذا قتله مسلم عمدا اقتص منه عند الشافعي ، وإن قتله خطأ فعليه الدية والكفارة عند الشافعي وأبي يوسف لعموم الأدلة في عصمة دم المسلم وماله أينما كان وحيث وجد .
وقال الحنفية : إذا قتله مسلم عمدا في دار الحرب ، أو خطأ فلا شيء عليه إلا الكفارة في الخطأ ، واستدلوا بقوله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } ولم يذكر الدية . وينظر مصطلح : ( قتل عمد ) .
أما أولاده الصغار فأحرار مسلمون تبعا له أما ماله فما كان بيده من منقول فهو له . وكذلك ما كان بيد مسلم وديعة ، أو بيد ذمي فهو له ، لأن يد المودع كيد المالك فكان معصوما .
أما العقار من ماله فإن ظهر المسلمون على دار الحرب فهي غنيمة ، لأنها بقعة من دار الحرب فجاز اغتنامها .
14 - ب - وإذا أسلم الحربي في دار الإسلام ، أو خرج إليها ، وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا مسلمين ، ولم يجز سبيهم ، وإلى هذا ذهب الشافعية والحنابلة . وقالوا : إنهم أولاد مسلم ، فيجب أن يتبعوه في الإسلام كما لو كانوا معه في الدار ، ولأن ماله مال مسلم فلا يجوز اغتنامه كما لو كان في دار الإسلام .
وقال الحنفية : إن أسلم في دار الحرب ، وهاجر إلينا ثم ظهر المسلمون على الدار ، فأمواله فيء ، إلا ما كان في يد مسلم أو ذمي وديعة . (21/228)
وإن أسلم في دار الإسلام ثم ظهر المسلمون على الدار فجميع أمواله وأولاده الصغار فيء ، لأن اختلاف الدار يمنع التبعية ، وإلى هذا ذهب المالكية أيضا .
وقال الحنفية : إذا دخل المسلم دار الحرب فأصاب مالا ، ثم ظهر المسلمون على الدار فحكمه حكم الذي أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا .
التجارة في دار الحرب :
15 - لا خلاف بين الفقهاء في أنه ليس للتاجر أن يحمل إلى دار الحرب ما يستعين به أهل الحرب على الحرب ، كالسلاح بأنواعه ، والسروج ، والنحاس ، والحديد ، وكل ما من شأنه تقويتهم في الحرب ، لأن في ذلك إمدادهم وإعانتهم على حرب المسلمين ، وليس للحربي إذا دخل دار الإسلام أن يشتري سلاحا ، وإذا اشترى لا يمكن من إدخاله إلى دار الحرب .
أما الاتجار بغير السلاح ونحوه مما لا يستخدم في الحرب في دار الحرب ، فلا بأس به ، كالثياب ، والطعام ، ونحو ذلك لانعدام علة المنع من البيع . إلا أن يحتاج المسلمون إلى السلعة فلا يحمل إليهم ، وجرت العادة على ذلك من التجار ، وأنهم كانوا يدخلون دار الحرب للتجارة من غير ظهور المنع ولا إنكار عليهم ، ولكن الأفضل أن يتركوا ذلك ، لأنهم يستخفون بالمسلمين ، ويدعونهم إلى ما هم عليه ، فكان الكف والإمساك عن الدخول في دارهم من باب صيانة النفس عن الهوان ، والدين عن الزوال .
وقال المالكية : يكره المتاجرة في دار الحرب كراهة شديدة ، ولا ينبغي للمسلم أن يخرج إلى بلادهم حيث تجري أحكام الكفر عليه .
أثر اختلاف الدار في أحكام الأسرة والتوارث :
16 - لا خلاف بين الفقهاء في أن المسلم يرث المسلم وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام ، واختلفوا في توارث غير المسلمين إذا اختلفوا في الدار .
( ر : اختلاف الدار ) . (21/229)
دار العهد *
التعريف :
1 - من معاني العهد في اللغة : الأمان ، والذمة ، واليمين ، والحفاظ ، ورعاية الحرمة ، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد .
ودار العهد هي : كل بلد صالح الإمام أهلها على أن تكون تلك الأرض لهم ، وللمسلمين الخراج عنها . وتسمى دار الموادعة ، ودار الصلح ، ودار المعاهدة .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - دار الحرب :
2 - دار الحرب هي كل بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة .
وقال الشافعية : هي كل مكان يسكنه غير المسلمين ، ولم يسبق فيه حكم إسلامي ، أو لم تظهر فيه قط أحكام الإسلام . فدار العهد أخص من دار الحرب لوجود المواثيق بين المسلمين وبين أهلها ، فلذا اختصت عن دار الحرب بأحكام سيأتي بيانها .
ب - دار الإسلام :
3 - دار الإسلام هي كل بلد أو إقليم تظهر فيه أحكام الإسلام .
ج - دار البغي :
4 - دار البغي هي المكان الذي ينحاز إليه قوم مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام بتأويل ، وغلبوا عليه .
الأحكام المتعلقة بدار العهد :
5 - يجوز أن يعقد الإمام مع أهل الحرب عهدا للمصلحة يترك بموجبه القتال مدة بعوض أو بغير عوض ، فتكون تلك الدار دار عهد . وانظر مصطلح : ( هدنة ) .
وقسم الفقهاء عقد الصلح مع أهل الحرب إلى قسمين :
أ - قسم يشترط في عقد الصلح أن تكون تلك الأراضي لنا ، ونقرها بأيديهم بخراج يؤدونه لنا . فهذا الصلح صحيح باتفاق الفقهاء ، ويكون الخراج الذي يؤدونه أجرة لا يسقط بإسلامهم ، ويؤخذ خراجها إذا انتقلت إلى مسلم ، وهم يصيرون أهل عهد . والدار دار إسلام ليس لهم أن يتصرفوا فيها بالبيع ، أو الرهن ، فإن دفعوا الجزية عن رقابهم جاز إقرارهم على التأبيد ، وإن منعوا الجزية لم يجبروا عليها ، ولم يقروا فيها إلا المدة التي يقر فيها أهل الهدنة .
ب - وقسم يشترط في عقد الصلح معهم أن تكون الأرض لهم ، فاختلف الفقهاء في جوازه . فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه عقد صحيح ، والخراج الذي يؤدونه في حكم الجزية متى أسلموا يسقط عنهم ، ولا تصير الدار دار إسلام ، وتكون دار عهد ولهم بيعها ، ورهنها ، وإذا انتقلت إلى مسلم لم يؤخذ خراجها ، ويقرون فيها ما أقاموا على العهد ، ولا تؤخذ جزية رقابهم ، لأنهم في غير دار الإسلام ، ولهم إحداث كنيسة فيها ، لأن الأرض لهم وليست دار إسلام فيتصرفون فيها كيف شاءوا ، ولا يمنعون من إظهار شعائرهم فيها كالخمر ، والخنزير ، وضرب الناقوس ، ولا يمنعون إلا مما يتضرر به المسلمون كإيواء جاسوس ، ونقل أخبار المسلمين إلى الأعداء ، وسائر ما يتضرر به المسلمون . ويجب على الإمام أن يمنع المسلمين والذميين من التعرض لهم . (21/230)
وقال الحنفية : إذا عقد العهد مع الكفار على أن تجرى في دارهم أحكام الإسلام صارت دارهم بالصلح دار إسلام ، وصاروا أهل ذمة تؤخذ جزية رقابهم ، وإذا طلب قوم من أهل الحرب الموادعة مع المسلمين سنين معلومة على أن يؤدوا الخراج للمسلمين على أن لا تجري أحكام الإسلام عليهم في دارهم لم يقبل منهم ، إلا أن تكون في ذلك مصلحة للمسلمين ، فإذا رأى الإمام مصلحة في عقد العهد معهم بهذا الشرط جاز بشرط الضرورة ، وهي ضرورة الاستعداد للقتال بأن كان بالمسلمين ضعف وبالكفرة قوة المجاوزة إلى قوم آخرين ، فلا تجوز عند عدم الضرورة ، لأن الموادعة ترك القتال المفروض ، فلا يجوز إلا في حال يقع وسيلة إلى القتال ، لأنها حينئذ تكون قتالا معنى ، قال الله تبارك وتعالى : { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم } وعند تحقق الضرورة لا بأس به ، لقول الله تبارك وتعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله } وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « وادع أهل مكة عام الحديبية على أن توضع الحرب عشر سنين » . ولا يشترط إذن الإمام بالموادعة ، حتى لو وادعهم فريق من المسلمين من غير إذن الإمام جازت موادعتهم ، لأن المعول عليه كون عقد الموادعة مصلحة للمسلمين . (21/231)
ولكنهم لا يخرجون بهذه الموادعة من أن يكونوا أهل حرب ، فإذا صالحهم ، فإن كان قد أحاط مع الجيش ببلادهم فما يأخذه منهم على الصلح يكون غنيمة يخمسها ، ويقسم الباقي على الجيش ، لأنه توصل إليه بقوة السيف ، فإن لم ينزل بساحتهم ، وأرسلوا إليه وطلبوا منه الموادعة بالمال ، فما يأخذه منهم يكون بمنزلة الجزية ، لا خمس فيه ، بل يصرف في مصارف الجزية .
الأمان لأهل دار العهد :
6 - يمنع الإمام المسلمين والذميين من إيذاء أهل دار العهد والتعرض لهم ، لأنهم استفادوا الأمان في أنفسهم ، وأموالهم بالموادعة ، أما إن أغار عليهم قوم من أهل الحرب ، فلا يجب على المسلمين الدفاع عنهم ، لأنهم بهذا العهد " الموادعة " ما خرجوا من أن يكونوا أهل حرب ، لأنهم لم ينقادوا لحكم الإسلام ، فلا يجب على المسلمين نصرتهم . وهذا العهد أو الموادعة : عقد غير لازم محتمل للنقض ، فللإمام أن ينبذ إليهم ، لقوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } أما إذا وقع على أن تجري في دارهم أحكام الإسلام فهو عقد لازم ، لا يحتمل النقض منا ، لأن العهد الواقع على هذا الوجه عقد ذمة . والدار دار إسلام يجري فيها حكم الإسلام . (21/232)
فإن نقضوا الصلح بعد استقراره معهم فقد اختلف فيه .
فذهب الشافعي وأبو يوسف ومحمد إلى أن دارهم تصير دار حرب ، وقال أبو حنيفة : إن كان في دارهم مسلم أو كان بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين ، فتبقى دارهم دار إسلام يجري على أهلها حكم البغاة ، وإن لم يكن بينهم مسلم ولا بين دار الحرب بلد للمسلمين ، فتكون دار حرب .
وإذا نقضوا العهد وكان أحد منهم بدارنا يبلغ مأمنه ، أي ما يأمنون فيه منا ومن أهل العهد، ثم كانوا حربا لنا .
دالية *
التعريف :
1 - من معاني الدالية في اللغة : الدلو ونحوها ، وخشب يصنع كهيئة الصليب ، ويشد برأس الدلو ، ثم يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك ، وطرفه بجذع قائم على رأس البئر ويسقى بها ، فهي فاعلة بمعنى مفعولة ، والجمع : الدوالي .
ويستعمل الفقهاء هذا اللفظ بالمعنى نفسه .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - السانية :
2 - السانية : الدلو الكبيرة تنصب على المسنوية ، ثم تجره الماشية ذاهبة وراجعة ، والسانية أيضا الناضحة ، وهي الناقة التي يستقى عليها .
ب - الناعورة :
3 - الناعورة واحدة النواعير التي يستقى بها يديرها الماء ولها صوت . (21/233)
فالدالية ، والسانية ، والناعورة وسائل رفع الماء إلى الأرض .
الحكم الإجمالي :
4 - زكاة ما سقي بالدالية : كل ما سقي بكلفة ومؤنة من دالية ، أو سانية ، أو دولاب ، أو ناعورة ، أو غير ذلك ففيه نصف العشر . لحديث معاذ رضي الله عنه قال : « بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، وأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقي بعلا العشر، وما سقي بالدوالي نصف العشر » . ولأن للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة بدليل المعلوفة ، فلأن يؤثر في تخفيفها أولى ، ولأن الزكاة إنما تجب في المال النامي ، وللكلفة تأثير في تقليل النماء ، فأثرت في تقليل الواجب فيها .
وللتفصيل في زكاة ما سقي سيحا وبدالية ونحوها . ينظر مصطلح : ( زكاة ) .
نصب الدالية على الأنهار :
5 - يجوز لكل واحد من المسلمين نصب الدالية على الأنهار العامة ، كالنيل ، ودجلة ، والفرات ، ونحوها . إذا لم يضر بالنهر ، لأن هذه الأنهار لم تدخل تحت يد أحد فلا يثبت الاختصاص بها لأحد ، فكان الناس كلهم فيها على السواء ، وكان لكل واحد الحق في الانتفاع ، لكن بشرط عدم الضرر بالنهر ، كالانتفاع بطريق العامة ، وإن أضر بالنهر فلكل واحد من المسلمين منعه ، لأنه حق لعامة المسلمين ، وإباحة التصرف في حقهم مشروطة بانتفاء الضرر ، كالتصرف في الطريق الأعظم .
أما النهر المشترك إذا أراد أحد الشركاء نصب دالية عليه فينظر فيه ، فإن كان لا يضر بالشرب والنهر ، وكان موضع البناء أرض صاحبه جاز ، وإلا فلا ، لأن رقبة النهر وموضع البناء ملك بين الجماعة على الشركة ، وحق الكل متعلق بالماء ، ولا سبيل إلى التصرف في الملك المشترك والحق المشترك إلا برضا الشركاء . وتفصيل ذلك ينظر في : ( مياه ، نهر ).
دامعة *
التعريف :
1 - الدامعة في اللغة : من دمعت العين دمعا ، أي سال دمعها ، والدمع : ماء العين ، وشجة دامعة : تسيل دما ، فالدامعة من الشجاج هي التي يسيل منها الدم كدمع العين . ويختلف الفقهاء في معنى الدامعة : فالشافعية ، والحنابلة ، والطحاوي ، وقاضي زاده من الحنفية يسايرون المعنى اللغوي ، والحنابلة يسمونها البازلة والدامية أيضا . (21/234)
وهي عند الحنفية على ما جاء في أكثر كتبهم ، كالبدائع والكافي وابن عابدين وعامة الشروح : هي التي تظهر الدم ولا تسيله كالدمع في العين .
وعند المالكية الدامعة والدامية شيء واحد ، وهي التي تصعق الجلد فيرشح منه دم ، كالدمع من غير أن ينشق الجلد .
الحكم الإجمالي :
2 - الدامعة إما أن تكون عمدا أو خطأ . فإن كانت عمدا ففيها القصاص عند المالكية ، وهو ظاهر المذهب عند الحنفية ، وهو قول عند الشافعية . وإنما يجب القصاص لإمكان المماثلة في الاستيفاء ، ولظاهر قوله تعالى : { والجروح قصاص } .
وذهب الشافعية والحنابلة ، وأبو حنيفة في رواية ، إلى أنه لا قصاص فيها لعدم إمكان الاستيفاء بصفة المماثلة ، وإنما فيها حكومة عدل ، لأنه ليس فيها أرش مقدر ولا يمكن إهدارها فتجب الحكومة ، وروي ذلك عن النخعي وعمر بن عبد العزيز .
وإن كانت الدامعة خطأ ففيها حكومة عدل ، لأنه لم يرد فيها شيء مقدر من الشرع ، ولا يمكن إهدارها فوجب فيها حكومة عدل .
وهذا إذا لم تبرأ الشجة ، أو برئت على شين ، فإذا برئت دون أثر فلا شيء فيها عند المالكية والحنابلة وأبي حنيفة ، لأن الأرش إنما يجب بالشين الذي يلحق المشجوج بالأثر ، وقد زال فسقط الأرش .
وقال أبو يوسف : عليه حكومة الألم لأن الشجة قد تحققت ولا سبيل إلى إهدارها ، وقد تعذر إيجاب أرش الشجة ، فيجب أرش الألم ، وقال محمد : يجب قدر ما أنفق من أجرة الطبيب وثمن الدواء .
وقال الشافعية : إذا برئت ولم تنقص شيئا فوجهان أحدهما : لا شيء عليه سوى التعزير كما لو لطمه أو ضربه بمثقل فزال الألم . (21/235)
والثاني : يفرض القاضي شيئا باجتهاده .
وتفصيل ذلك في : ( جناية على ما دون النفس ، شجاج ، قصاص ، دية ) .
دامغة *
التعريف :
1 - الدامغة في اللغة : من دمغه أي أصاب دماغه ، وشجه حتى بلغت الشجة الدماغ ، والدامغة من الشجاج هي التي تهشم الدماغ ولا حياة معها غالبا .
وهي عند الفقهاء كذلك ، فقد قالوا : هي التي تخرق خريطة الدماغ " الجلدة الرقيقة الساترة للمخ " وتصل إليه . وهي مذففة غالبا . ولذلك لم يذكرها محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة في الشجاج للموت بعدها عادة ، فتكون عنده قتلا لا شجا .
الحكم الإجمالي :
2 - الدامغة من الشجاج إن كانت عمدا فلا قصاص فيها إن لم تفض إلى الموت ، لأنه لا يمكن استيفاء القصاص بالمثل لعظم خطرها وخشية السراية إلى النفس ، ولذلك يستوي في الحكم فيها عمدها وخطؤها . وهذا باتفاق .
وفيها ثلث الدية قياسا على المأمومة " الآمة " لما روي في حديث عمرو بن حزم « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات ، وفيه : في المأمومة ثلث الدية » .
وقال الماوردي من الشافعية ، وهو قول عند الحنابلة : يجب على الجاني أرش مأمومة وحكومة عدل ، لأن خرق الجلد جناية بعد المأمومة فوجب لأجلها حكومة .
وفي قول عند الشافعية : تجب دية كاملة . وقال الشافعية والحنابلة : يجوز أن يقتص موضحة ، لأنه يقتص بعض حقه ، ولأنها داخلة في الجناية يمكن القصاص فيها ، ويأخذ الأرش في الباقي عند الشافعية ، وهو وجه عند الحنابلة واختاره ابن حامد لأنه تعذر القصاص فيه فانتقل إلى البدل ، كما لو قطع أصبعيه ولم يمكن الاستيفاء إلا من واحدة . والوجه الثاني عند الحنابلة : ليس له أرش الباقي ، وهو اختيار أبي بكر ، لأنه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية . (21/236)
ثم إن الحكم بثلث الدية إنما هو إذا عاش المشجوج ، أما إذا مات بها فإن كانت الجناية عمدا ففيها القصاص في النفس ، وإن كانت خطأ ففيها دية نفس كاملة .
دامية *
التعريف :
1 - الدامية في اللغة : من دمي الجرح يدمى دميا ودمى : خرج منه الدم والشجة الدامية : هي التي يخرج دمها ولا يسيل . ويختلف الفقهاء في معنى الدامية .
فالمالكية والشافعية يسايرون المعنى اللغوي ، إذ يقول المالكية : هي التي تضعف الجلد فيرشح منه دم من غير أن ينشق الجلد .
ويقول الشافعية : هي التي تدمي من غير سيلان الدم .
وأكثر الحنفية يقولون : إن الدامية هي التي تخرج الدم وتسيله ولا توضح العظم ، وهو ما ذهب إليه الحنابلة الذين يسمونها أيضا البازلة والدامغة .
الحكم الإجمالي :
2 - حكم الدامية هو حكم الدامعة بكل تفاصيله سواء أكانت عمدا أم خطأ . ( ر : دامعة ) .
دباغة *
التعريف :
1 - الدباغة في اللغة : مصدر دبغ الجلد يدبغه دبغا ودباغة ، أي عالجه ولينه بالقرط ونحوه ليزول ما به من نتن وفساد ورطوبة .
والدباغة أيضا اسم يطلق على حرفة الدباغ وهو صاحبها .
أما الدبغ والدباغ بالكسر فهما ما يدبغ به الجلد ليصلح . والمدبغة موضع الدبغ .
وتطلق الدباغة في اصطلاح الفقهاء على المعنى اللغوي نفسه .
قال الخطيب الشربيني : الدبغ نزع فضول الجلد ، وهي مائيته ورطوباته التي يفسده بقاؤها، ويطيبه نزعها بحيث لو نقع في الماء لم يعد إليه النتن والفساد . (21/237)
ويشترط عند بعض الفقهاء أن يكون الدبغ بما يحرف الفم ، أي يلذع اللسان بحرافته كالقرظ والعفص ونحوهما ، كما سيأتي : ( ف / 7 ) .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الصباغة :
2 - الصباغة حرفة الصباغ ، والصبغ والصبغة والصباغ بالكسر كلها بمعنى ، وهو ما يصبغ به ، والصبغ بالفتح مصدر ، يقال : صبغ الثوب صبغا : أي لونه بالصباغ ، والأصل في معناه التغيير ، ويعرض للجلد وغيره .
ب - التشميس :
3 - التشميس مصدر شمست الشيء إذا وضعته في الشمس ، والمراد به أن يبسط الجلد في الشمس لتجف منه الرطوبة ، وتزول عنه الرائحة الكريهة .
واعتبره الحنفية ومن معهم دباغا حكميا كما سيأتي .
ج - التتريب :
4 - التتريب مصدر ترب ، يقال : تربت الإهاب تتريبا ، إذا نثر عليه التراب لإزالة ما عليه من رطوبة ورائحة كريهة ، ويقال أيضا : تربت الشيء إذا وضعت عليه التراب .
وهو أيضا نوع من أنواع الدباغ الحكمي عند الحنفية ومن معهم .
مشروعية الدباغة :
5 - الدباغة مباحة ، وهي من الحرف التي فيها مصلحة للناس .
وقد استدلوا لجواز الدباغة بأحاديث منها : قوله صلى الله عليه وسلم : « أيما إهاب دبغ فقد طهر » ولأن الدباغة وسيلة لتطهير الجلود بإزالة ما بها من نتن وفساد فينتفع بها ، كما ينتفع من سائر الأشياء الطاهرة .
ما يقبل الدباغة :
6 - الجلود هي التي تدبغ غالبا وتطهر بالدباغ على تفصيل يأتي بيانه .
وذكر بعض الفقهاء - منهم الحنفية - أن المثانة والكرش ، مثل الإهاب في قبول الدباغ والطهارة به ، وكذلك الأمعاء . قال ابن عابدين نقلا عن البحر : فلو دبغت المثانة وجعل فيها لبن جاز . وكذلك الكرش إن كان يقدر على إصلاحه .
وقال أبو يوسف : إنه لا يطهر ، لأنه كاللحم ، وإذا أصلح أمعاء شاة ميتة فصلى وهي معه جاز ، لأنه يتخذ منها الأوتار وهو كالدباغ . (21/238)
وقال البهوتي من الحنابلة : وجعل المصران وترا دباغ ، وكذا جعل الكرش ، لأنه هو المعتاد فيه .
وذكر الحنفية أيضا أن جلد الميتة من الحية الصغيرة التي لها دم ، وكذلك الفأرة لا يقبلان الدباغ فلا يطهران بالعلاج .
ما تحصل به الدباغة :
7 - ما يحصل به الدباغة يسمى دبغا ودباغا ، واتفق الفقهاء على أنه يشترط في الدباغ أن يكون منشفا للرطوبة منقيا للخبث ، مزيلا للريح ، ولا يشترط أن تكون الدباغة بفعل فاعل ، فإن وقع الجلد في مدبغته بنحو ريح ، أو ألقي الدبغ عليه كذلك فاندبغ به كفى .
كما لايشترط أن يكون الدابغ مسلما .
وذهب فقهاء المالكية والشافعية وهو قول عند الحنابلة : إلى أنه لا يشترط أن يكون الدباغ طاهرا ، فإن حكمة الدباغ إنما هي بأن يزيل عفونة الجلد ويهيئه للانتفاع به على الدوام . فما أفاد ذلك جاز به ، طاهرا كان كالقرظ والعفص ، أو نجسا كزرق الطيور .
وهل يشترط غسل الجلد أثناء أو بعد الدباغة ؟ فيه تفصيل يأتي بيانه .
والمذهب عند الحنابلة أنه يشترط أن يكون الدباغ طاهرا ، لأنها طهارة من نجاسة فلم تحصل بنجس ، كالاستجمار و الغسل .
وصرح جمهور الفقهاء " المالكية والشافعية والحنابلة " بأنه لايكفي في الدباغة التشميس ، ولا التتريب . ثم اختلفوا فيما يدبغ به . فنقل عن يحيى بن سعيد من المالكية أن ما دبغ به جلد الميتة من دقيق أو ملح أو قرظ فهو طهور ، ثم قال : وهو صحيح ، فإن حكمة الدباغ إنما هي بأن يزيل عفونة الجلد ويهيئه للانتفاع به على الدوام فما أفاد ذلك جاز به .
وقال الشافعية : الدبغ نزع فضوله ، وذلك يحصل بما يحرف الفم أي يلذع اللسان بحرافته ، كالقرظ والعفص وقشور الرمان ، والشث والشب . ولو بإلقائه على الدبغ بنحو ريح ، أو إلقاء الدبغ عليه كذلك . لا شمس وتراب وتجميد وتمليح مما لا ينزع الفضول وإن جفت وطابت رائحته ، لأن الفضلات لم تزل ، وإنما جمدت ، بدليل أنه لو نقع في الماء عادت إليه العفونة . (21/239)
وقال الحنابلة : لا يحصل الدبغ بنجس ، ولا بغير منشف للرطوبة منق للخبث بحيث لو نقع الجلد بعده في الماء فسد ، ولا بتشميس ولا بتتريب ولا بريح .
أما الحنفية فتحصل الدباغة عندهم بكل ما يمنع النتن و الفساد ، وقال ابن عابدين : وما يمنع على نوعين حقيقي كالقرظ والشب والعفص ونحوه ، وحكمي كالتتريب و التشميس و الإلقاء في الريح . ولو جف ولم يستحل لم يطهر .
ولا فرق بين الدباغ الحقيقي و الحكمي عند الحنفية إلا في حكم واحد ، وهو أنه لو أصاب الماء جلد الميتة بعد الدباغ الحقيقي لا يعود نجسا باتفاق الروايات عندهم ، وفيما بعد الدباغ الحكمي روايتان .
أثر الدباغة في تطهير الجلود :
8 - جمهور الفقهاء على أن جلد الآدمي طاهر حيا أو ميتا ، مسلما كان أو كافرا ، وأنه ليس محلا للدباغة أصلا .
واتفق الفقهاء على أن جلد الحيوان المأكول اللحم كالإبل والغنم والبقر والظباء ونحوها طاهر قبل الذبح وبعده ، سواء أدبغ أم لم يدبغ . وكذلك ميتة السمك والجراد ونحوهما مما لا نفس له سائلة .
ولا خلاف بين الفقهاء في نجاسة جلود ميتة الحيوانات قبل الدباغ ، وعرفوا الميتة بأنها الميت من الحيوان البري الذي له نفس سائلة ، مأكولة اللحم أو غيره ، مات حتف أنفه أو بذكاة غير شرعية ، كمذكى المجوسي أو الكتابي لصنمه ، أو المحرم لصيد ، أو المرتد أو نحوه . ( ر : ميتة ) .
9- واختلفوا في طهارة جلود الميتة بالدباغة على التفصيل التالي :
ذهب الحنفية والشافعية - وهو رواية عن أحمد في جلد ميتة مأكول اللحم - إلى أن الدباغة وسيلة لتطهير جلود الميتة ، سواء أكانت مأكولة اللحم أم غير مأكولة اللحم ، فيطهر بالدباغ جلد ميتة سائر الحيوانات إلا جلد الخنزير عند الجميع لنجاسة عينه ، وإلا جلد الآدمي لكرامته لقوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم } واستثنى الشافعية أيضا جلد الكلب ، كما استثنى محمد من الحنفية جلد الفيل . (21/240)
واستدلوا لطهارة جلود الميتة بالدباغة بأحاديث ، منها :
أ - قوله صلى الله عليه وسلم : « أيما إهاب دبغ فقد طهر » .
ب - وبما روى سلمة بن المحبق « أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة ، قالت : ما عندي إلا في قربة لي ميتة . قال : أليس قد دبغتها ؟ قالت : بلى . قال : فإن دباغها ذكاتها » .
ج - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « تصدق على مولاة لميمونة بشاة فماتت ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به ؟ فقالوا : إنها ميتة ، فقال : إنما حرم أكلها » .
واستدلوا بالمعقول أيضا ، وهو أن الدبغ يزيل سبب النجاسة وهو الرطوبة والدم ، فصار الدبغ للجلد كالغسل للثوب ، ولأن الدباغ يحفظ الصحة للجلد ويصلحه للانتفاع به كالحياة ، ثم الحياة تدفع النجاسة عن الجلود فكذلك الدباغ .
أما استثناء جلد الخنزير فلأنه نجس العين ، أي أن ذاته بجميع أجزائها نجسة حيا وميتا ، فليست نجاسته لما فيه من الدم أو الرطوبة كنجاسة غيره من ميتة الحيوانات ، فلذا لم يقبل التطهير .
واستدل الشافعية لاستثناء الكلب بأنه ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب » . والطهارة تكون لحدث أو خبث ، ولا حدث على الإناء فتعين أن الولوغ سبب للخبث بسبب نجاسة فم الكلب ، فبقية أجزاء الكلب أولى بالنجاسة ، وإذا كانت الحياة لا تدفع النجاسة عن الكلب فالدباغ أولى ، لأن الحياة أقوى من الدباغ بدليل أنها سبب لطهارة الجملة ، والدباغ وسيلة لطهارة الجلد فقط . (21/241)
واستدل الحنفية لطهارة جلد الكلب بالدباغة بعموم الأحاديث التي تقدمت .
والكلب ليس نجس العين عندهم في الأصح ، وكذلك الفيل عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم « كان يمتشط بمشط من عاج » ، وفسره الجوهري وغيره بعظم الفيل .
10 - وقال المالكية في المشهور المعتمد عندهم والحنابلة في المذهب بعدم طهارة جلد الميتة بالدباغة ، لما روى عبد الله بن عكيم قال : « أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهر أو شهرين : ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » .
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم قال : « كنت رخصت لكم في جلود الميتة ، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » .
وأجاب المالكية عن الأحاديث الواردة في طهارة الجلد بالدباغ بأنها محمولة على الطهارة اللغوية أي النظافة ، ولذا جاز الانتفاع به في حالات خاصة كما سيأتي . وروي عن سحنون وابن عبد الحكم من المالكية قولهما : بطهارة جلد جميع الحيوانات بالدباغة حتى الخنزير .
11 - وروي عن أحمد أنه يطهر بالدباغة جلد ميتة ما كان طاهرا في الحياة ، من إبل وبقر وظباء ونحوها ، ولو كان غير مأكول اللحم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « أيما إهاب دبغ فقد طهر » فيتناول المأكول وغيره ، وخرج منه ما كان نجسا في حال الحياة لكون الدبغ إنما يؤثر في دفع نجاسة حادثة بالموت فيبقى ما عداه على قضية العموم . (21/242)
كما روي عن أحمد قوله : بطهارة جلود ميتة مأكول اللحم فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم: « ذكاة الأديم دباغه » والذكاة إنما تعمل فيما يؤكل لحمه ، فكذلك الدباغ .
غسل الجلد المدبوغ :
12 - لم يذكر الحنفية ضرورة غسل الجلد المدبوغ أثناء الدباغة ولا بعدها ، فالظاهر من كلامهم طهارة الجلد بمجرد الدبغ قبل الغسل ، كما هو وجه عند الحنابلة أيضا ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « أيما إهاب دبغ فقد طهر » ولأنه طهر بانقلابه ، فلم يفتقر إلى استعمال الماء كالخمرة إذا انقلبت خلا .
والوجه الثاني عند الحنابلة أن الطهارة لا تحصل بمجرد الدبغ بل تحتاج إلى الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم في جلد الشاة الميتة : « يطهرها الماء والقرظ » .
والأصح عند الشافعية عدم اشتراط غسل الجلد أثناء الدباغة تغليبا لمعنى الإحالة ، ولحديث مسلم . « إذا دبغ الإهاب فقد طهر » ولم يذكر فيه الغسل .
ومقابل الأصح يشترط غسله أثناء الدباغة تغليبا لمعنى الإزالة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر : « يطهرها الماء والقرظ » وحمل الأول على الندب ، أما بعد الدباغة فالأصح عندهم وجوب غسله بالماء ، لأن المدبوغ يصير كثوب نجس أي متنجس لملاقاته للأدوية النجسة . أو التي تنجست به قبل طهره فيجب غسله لذلك .
طرق الانتفاع بالجلد المدبوغ :
أ - أكل جلد الميتة المدبوغ :
13 - لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز أكل جلد الميتة من الحيوان غير المأكول اللحم سواء أكان قبل الدبغ أم بعده . وكذلك في جلد ميتة مأكول اللحم قبل دبغه ، فإنه يحرم أكله اتفاقا ، أما بعد دبغه فجمهور الفقهاء " الحنفية والمالكية والحنابلة وهو الأصح المفتى به عند الشافعية " على عدم جواز أكله أيضا لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } والجلد جزء منها . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الميتة : « إنما حرم أكلها » . (21/243)
وحكي عن أبي حامد ، وهو وجه لأصحاب الشافعي جواز أكله بعد الدبغ ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « ذكاة الأديم دباغه » .ولأنه جلد طاهر من حيوان مأكول اللحم فأشبه المذكى.
ب - استعمال الجلد المدبوغ والتعامل به :
14 - إذا قلنا بطهارة الجلد المدبوغ - غير جلد السباع - فيصح بيعه ، وإجارته ، واستعماله ، والانتفاع به في كل ما يمكن الانتفاع به سوى الأكل .
وقيد المالكية وهو رواية عن الحنابلة جواز استعماله في اليابسات فقط ، حيث قال المالكية : يجوز استعماله في اليابسات بأن يوعى فيه العدس والفول ونحوهما ، ويغربل عليها ، ولا يطحن لأنه يؤدي إلى تحليل بعض أجزائه فتختلط بالدقيق . لا في نحو عسل ولبن وسمن وماء زهر . ويجوز لبسها في غير الصلاة لا فيها .
كما يجوز استعماله عند المالكية في الماء أيضا ، لأن له قوة الدفع عن نفسه لطهوريته فلا يضره إلا إذا تغير أحد أوصافه .
أما جلود السباع ففيها خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( جلد ف / 14 ) .
دباء *
التعريف :
1 - الدباء في اللغة : القرع ، قيل : الدباء المستدير منه وقيل : اليابس ، وواحده الدباءة . والمراد بها عند الفقهاء في موضوع الأشربة القرعة اليابسة المتخذة وعاء للانتباذ فيه .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الحنتم :
2 - الحنتم جرار مدهونة خضر ، كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة قبل التحريم ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله : حنتم ، وواحدتها حنتمة . (21/244)
ب - المزفت :
3 - المزفت هو الإناء الذي طلي بالزفت ، وهو نوع من القار ، ويقال له أيضا : المقير .
ج - النقير .
4 - النقير هو جذع النخلة ينقر ويجعل ظرفا كالقصعة .
وهذه الأوعية كلها تشترك في أن ما يوضع من الشراب قيها يسرع إليه التخمر .
الحكم الإجمالي :
الانتباذ في الدباء :
5 - ذهب جمهور الفقهاء " الحنفية والشافعية والحنابلة على الصحيح عندهم " إلى جواز الانتباذ في الدباء ، ويقولون : إن ما ورد من النهي عن الانتباذ فيها إنما كان أولا ثم نسخ ، فقد روي عن بريدة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : « كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا » وفي رواية : « نهيتكم من الظروف وإن الظروف - أو ظرفا - لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام » .
قال النووي : كان الانتباذ في المزفت والدباء والحنتم والنقير منهيا عنه في أول الإسلام خوفا من أن يصير مسكرا فيها ، ولا يعلم به لكثافتها فتتلف ماليته ، وربما شربه الإنسان ظانا أنه لم يصر مسكرا ، فيصير شاربا للمسكر ، وكان العهد قريبا بإباحة المسكر فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكر ، وتقرر ذلك في نفوسهم ، نسخ النهي وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكرا ، وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث بريدة .
وذهب مالك وأحمد في رواية والثوري وإسحاق إلى كراهة الانتباذ في الدباء ، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، « لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ في الدباء والنقير والمزفت والحنتم » .
ويرى هذا الفريق من الفقهاء أن النهي المتقدم الذي نسخ إنما كان نهيا عن الانتباذ مطلقا ، أما النهي عن الانتباذ في الدباء وغيرها من الأوعية المذكورة في الحديث فهو باق - عندهم - سدا للذرائع لأن هذه الأوعية تعجل شدة النبيذ . ( ر : أشربة ف / 18 ج /5 ص /21 ). هذا وللتفصيل في تطهير الدباء وغيرها من الأوعية إذا استعمل فيها الخمر ينظر مصطلح : ( نجاسة ) . (21/245)
دبر *
التعريف :
1 - الدبر بضمتين خلاف القبل . ودبر كل شيء عقبه . ومنه يقال لآخر الأمر دبر .
وأصله ما أدبر عنه الإنسان . والدبر الفرج وجمعه أدبار . وولاه دبره كناية عن الهزيمة . ومنه قوله تعالى { سيهزم الجمع ويولون الدبر } .
والمراد به هنا خلاف القبل من الإنسان والحيوان .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - القبل :
2 - القبل بضمتين وبسكون الباء ، ومن معانيه فرج الإنسان من الذكر والأنثى . وقيل هو للأنثى خاصة . والقبل من كل شيء خلاف دبره . وعلى ذلك فالقبل مقابل الدبر .
ب - الفرج :
3 - الفرج بفتح الفاء وسكون الراء الخلل بين الشيئين ، وجمعه فروج ، والفرجة كالفرج ، والفرج العورة . والغالب استعمال الفرج في القبل من الذكر والأنثى .
وقد يشمل القبل والدبر معا في اصطلاح الفقهاء .
الأحكام المتعلقة بالدبر :
النظر إلى الدبر ومسه :
4 - الدبر من العورة المغلظة عند جميع الفقهاء ، فلا يجوز كشفه والنظر إليه لغير الزوج والزوجة ، بدون ضرورة .
أما الزوجان فجمهور الفقهاء على جواز نظر الزوج لجميع أجزاء بدن الزوجة ، كما يجوز لها أن تنظر منه ما أبيح له النظر إليه منها .
وصرح بعض الفقهاء منهم الشافعية بكراهة النظر إلى الفرج مطلقا ولو من نفسه بلا حاجة، لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : « ما رأيت منه ولا رأى مني » .
وتفصيل هذه المسائل في مصطلحي : ( عورة ، ونظر ) .
نقض الوضوء بمس الدبر : (21/246)
5 - ذهب الحنفية - وهو القول القديم للشافعي ورواية عند الحنابلة - إلى عدم نقض الوضوء بمس الدبر مطلقا سواء كان من نفسه أم من غيره ، وسواء أكان بحائل أم بغير حائل .
وقال الشافعية في الجديد : ينتقض الوضوء بمس حلقة الدبر بباطن الكف من غير حائل سواء أكان من نفسه أم من غيره ، ولا يشترط في نقض الوضوء أن يكون المس بتلذذ عندهم . وكذا قال الحنابلة - في المعتمد - غير أنهم لم يقيدوه بباطن ، بل ينتقض بمسه بظهر اليد أو باطنها أو حرفها .
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : « من مس فرجه فليتوضأ » ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر أو حجاب فليتوضأ » .
أما المالكية فلا ينتقض الوضوء عندهم بمس الدبر إذا كان من نفسه . أما مس دبر الغير فحكمه عندهم حكم اللمس ، إذا التذ به صاحبه أو قصد اللذة ينتقض ، وإلا لا ينتقض . وتفصيله في مصطلح : ( حدث ) .
الاستنجاء :
6 - ذكر الفقهاء في آداب قضاء الحاجة والاستنجاء أنه يندب إزالة ما في المحل من أذى بماء أو حجر باليد اليسرى ، ويندب إعداد مزيل الأذى من جامد طاهر أو مائع ، كما يندب استعمال الجامد وترا ، وتقديم القبل على الدبر احترازا من تنجس يده بما على المخرج على خلاف للفقهاء في بعض الأمور . وتفصيله في مصطلحي : ( استنجاء واستجمار ) .
أثر ما يخرج من الدبر :
7 - الخارج المعتاد من الدبر كالنجاسة والريح ناقض للوضوء باتفاق الفقهاء .
أما الخارج غير المعتاد كالحصى والدود والشعر ففيه خلاف بين المذاهب نجمله فيما يأتي : ذهب جمهور الفقهاء " الحنفية والشافعية والحنابلة " إلى أنه ناقض للوضوء ، سواء أكان جافا أم مبلولا بنجاسة .
وقال المالكية في المشهور عندهم : إن الخارج غير المعتاد كحصى تولد بالبطن ، ودود ، لا ينقض الوضوء ولو مبلولا بغائط غير متفاحش بحيث ينسب الخروج للحصى والدود لا للغائط . (21/247)
والقول الثاني عندهم : أنه ناقض للوضوء إذا كان غير نقي . وتفصيله في : ( حدث ) .
أثر ما يدخل في دبر الصائم :
8 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن وصول عين من الأعيان من الخارج إلى الجوف وإن قلت أو لم تكن مما يؤكل كسمسمة أو حصاة ، ولو بالحقنة مفطر للصوم ، لأن الصوم إمساك عن كل ما يصل إلى الجوف . وعلى ذلك فما دخل في دبر الصائم من خشبة أو حصاة ولو كانت صغيرة وغير مبلولة يفطر . وكذلك لو أدخل أصبعه في دبر جافة كانت أم مبلولة . وقال الحنفية : الصوم يفسد بالدخول ، والوضوء ينتقض بالخروج ، فإذا أدخل عودا جافا ولم يغيبه لا يفسد الصوم ، لأنه ليس بداخل من كل وجه . ومثله الأصبع الجافة .
وإن غيب العود أو نحوه فسد وإن كان جافا لتحقق الدخول الكامل .
وكذلك يفسد الصوم إذا أدخل شيئا من العود أو الأصبع في دبره مبتلا ، كما في حالة الاستنجاء ، لاستقرار البلة في الجوف . وإذا أدخلهما يابسة لا يفسد الصوم على المختار عندهم ، لأنها ليست آلة الجماع ولا تعتبر داخلة من كل وجه ولم تنقل البلة إلى الداخل . وقال المالكية : ما وصل للمعدة من منفذ عال مفسد للصوم مطلقا سواء أكان متحللا أم غير متحلل ، وسواء أكان عمدا أم سهوا . وهذا هو المختار عند اللخمي . وذهب ابن الماجشون إلى أن للحصاة حكم الطعام يوجب في السهو القضاء ، وفي العمد القضاء والكفارة .
وإن كان من منفذ سافل - كالدبر مثلا - فلا يفسد إذا كان جامدا ، ويفسد إذا كان متحللا ، والمراد بالمتحلل المائع ، أي ما ينماع ولو في المعدة ، بخلاف غير المتحلل الذي لا ينماع في المعدة ، كدرهم وحصاة .
وصرح المالكية بأن الحقنة من مائع في الدبر توجب القضاء على المشهور عندهم بخلاف الحقنة بالجامد فلا قضاء ، كما لا قضاء في فتائل عليها دهن لخفتها . (21/248)
وفي المسألة تفصيل ينظر في : ( صوم ) .
الاستمتاع بدبر الزوجة :
9 - ذهب جمهور الفقهاء بجواز استمتاع الزوج بظاهر دبر زوجته ولو بغير حائل ، بشرط عدم الإيلاج ، لأنه كسائر جسدها ، وجميعه مباح ، إلا ما حرم الله من الإيلاج .
وهذا في غير الحائض . أما في الحائض فقيدوا جواز الاستمتاع بما بين ركبتيها وسرتها دون الإيلاج بأن يكون بحائل . على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح : ( حيض ) .
الوطء في الدبر :
أ - وطء الذكور :
10 - اتفق الفقهاء على تحريم الإتيان في دبر الرجال ، وهو ما يسمى باللواط ، وقد ذم الله تعالى في كتابه المجيد ، وعاب من فعله ، فقال : { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لعن الله من عمل عمل قوم لوط ثلاثا » . وفي عقوبة فاعله ، والأحكام المترتبة عليه تفصيل ينظر في : ( لواط ) .
ب - وطء الأجنبية في دبرها :
11 - اتفق الفقهاء على حرمة إتيان الأجنبية في دبرها ، وألحقه أكثر الفقهاء بالزنى في الحكم . وفي ذلك تفصيل ينظر في : ( زنى ، لواط ) .
ج - وطء الزوجة في دبرها :
12 - لا يحل وطء الزوجة في الدبر . وينظر تفصيل ذلك في ( وطء ) .
د - وطء البهيمة والحيوان :
13 - لا خلاف بين الفقهاء في حرمة وطء الحيوان في دبره أو قبله .
وينظر تفصيل ذلك في : ( وطء ) .
دخان *
التعريف :
1 - دخان النار معروف ، وجمعه أدخنة ، ودواخن ، ودواخين ، يقال : دخنت النار : ارتفع دخانها ، ودخنت : إذا فسدت بإلقاء الحطب عليها حتى هاج دخانها ، وقد يضع العرب الدخان موضع الشر إذا علا ، فيقولون : كان بيننا أمر ارتفع له دخان . وقد قيل : إن الدخان قد مضى . ومن إطلاقاته أيضا : التبغ والبخار ، وقد مر تفصيل أحكامهما في مصطلحي : ( بخار، وتبغ) . (21/249)
الأحكام المتعلقة بالدخان :
دخان النجاسة :
2 - اختلف الفقهاء في طهارة الدخان المتصاعد من النجاسة : فذهب الحنفية على المفتى به ، والمالكية في المعتمد ، وبعض الحنابلة ، إلى أن دخان النجاسة طاهر .
قال الحنفية : إن ذلك على سبيل الاستحسان دفعا للحرج ، وللضرورة وتعذر التحرز .
وذهب الشافعية في الأصح والحنابلة في المذهب ، وأبو يوسف من الحنفية إلى أن دخان النجاسة كأصلها ، وظاهر كلام الرملي من الشافعية أن قليله معفو عنه مطلقا ، وعلى هذا فمن استصبح بدهن نجس ، يعفى عما يصيبه من دخان المصباح لقلته . وأما عند ابن حجر الهيتمي فيعفى عن قليله إن لم يكن من مغلظ ، وإلا فلا يعفى عنه قليلا كان أو كثيرا .
فساد الصوم بالدخان :
3 - ذهب الفقهاء إلى أن الصائم لو أدخل في حلقه الدخان أفطر ، سواء كان دخان تبغ ، أو عود ، أو عنبر ، أو غير ذلك إذا كان ذاكرا للصوم . إذ يمكن التحرز عنه . وأما إذا وصل إلى حلقه دون قصد ، فلا يفسد به الصوم ، لعدم إمكان التحرز عنه ، لأنه إذا أطبق الفم ، دخل من الأنف . وفي استنشاق الدخان عمدا خلاف وتفصيل ، ينظر مصطلح : ( صوم ) .
القتل بالدخان :
4 - من حبس شخصا في بيت وسد منافذه فاجتمع فيه الدخان وضاق نفسه فمات ، ففيه القصاص عند الشافعية والحنابلة ، وهو مقتضى قواعد المالكية إن قصد بذلك موته ، أما إن قصد مجرد التعذيب فالدية .
وأما الحنفية فقواعدهم تأبى وجوب القصاص ، وتفصيل ذلك في مصطلح : ( قصاص ، ودية) . (21/250)
إيذاء الجار بالدخان :
5 - ذهب الحنفية والمالكية وهو المذهب عند الحنابلة إلى أن من أراد أن يبني في داره تنورا للخبز الدائم كما يكون في الدكاكين ، يمنع ، لأنه يضر بجيرانه ضررا فاحشا لا يمكن التحرز عنه ، إذ يأتي منه الدخان الكثير .
وذهب الشافعية ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال بعض أصحاب أبي حنيفة : إلى أنه لا يمنع، لأنه تصرف في خالص ملكه ، ولم يتعلق به حق غيره ، فلم يمنع منه كما لو طبخ في داره أو خبز فيها .
أما دخان التنور المعتاد في البيوت ، ودخان الخبز والطبيخ فلا خلاف في أنه لا يمنع ، لأن ضرره يسير ، ولا يمكن التحرز عنه ، فتدخله المسامحة .
وإذا طبخ الجار ما يصل دخانه أو رائحته إلى جاره استحب له أن يهديه من ذلك الطعام لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ذكر حقوق الجار ، ذكر منها : « ولا تؤذه بقتار ريح قدرك إلا أن تغرف له منها » .
دخول *
التعريف :
1 - الدخول في اللغة نقيض الخروج .
وفي الاصطلاح : هو الانفصال من الخارج إلى الداخل . ويطلق أيضا على الوطء على سبيل الكناية . قال المطرزي : سواء أكان الوطء مباحا أو محظورا .
وقال الفيومي :" دخل بامرأته دخولا ، كناية عن الجماع أول مرة وغلب استعماله في الوطء المباح " ومنه قوله تعالى : { من نسآئكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الخروج :
2 - الخروج في اللغة نقيض الدخول . والخروج أيضا : أول ما ينشأ من السحاب ، قال الأخفش : يقال للماء الذي يخرج من السحاب : خروج .
فالدخول ، والخروج بالمعنى الأول ضدان ، وبالمعنى الثاني متباينان .
الحكم التكليفي :
3 - للدخول بإطلاقيه أحكام تعتريه ، وهي تختلف باختلاف مواطنها ، واختلاف ما يتعلق به الدخول . ونجمل أهمها فيما يلي : (21/251)
أولا : أحكام الدخول بالإطلاق الأول :
دخول المسجد :
4 - يستحب لمن أراد دخول المسجد أن يقدم رجله اليمنى ، ويؤخر اليسرى عند الدخول ، ويستحب أن يقول : « اللهم افتح لي أبواب رحمتك » وقد ورد أنه يقال : « أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم » و « باسم الله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك » . ويستحب لمن دخل المسجد صلاة ركعتين تحية المسجد .
وتفصيل ذلك في مصطلح : ( مسجد ) .
دخول مكة :
5 - يختلف حكم دخول مكة باختلاف الداخل : فالآفاقي لا يجوز له دخولها إلا محرما ، سواء أدخلها حاجا أم معتمرا ، واختلف فيما إذا دخلها لغير النسك .
ومن كان داخل الميقات فله أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته ، لأنه يتكرر دخوله لحاجته ، وأما للحج فلا يجوز له دخولها من غير إحرام ، لأنه لا يتكرر ، وكذا لأداء العمرة ، لأنه التزمها بنفسه . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( إحرام ) .
ولا بأس بدخول مكة ليلا أو نهارا ، عند الحنفية والحنابلة .
وقال المالكية والشافعية : يستحب أن يكون نهارا .
ويستحب الدخول من باب بني شيبة عند دخول مكة اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم كما يستحب أن يقول عند الدخول الأدعية المأثورة ، وتفصيلها في مصطلح : ( حج ، وإحرام ) .
دخول الحائض والجنب المسجد :
6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للحائض والنفساء دخول المسجد ، والمكث فيه ولو بوضوء . وكذلك الحكم في الجنب سواء أكان رجلا أم امرأة ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد ، فقال : وجهوا هذه البيوت ، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب » . (21/252)
واستثنى الفقهاء الدخول في هذه الحالة إذا كان للضرورة كالخوف على نفس أو مال ، أو كأن يكون بابه إلى المسجد ولا يمكنه تحويله ولا السكنى في غيره .
واختلفوا في دخوله مارا ، فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يجوز دخوله للحائض والجنب ولو مارا من باب لباب . إلا أن لا يجد بدا فيتيمم ويدخل . وبه قال الثوري وإسحاق .
وعند الشافعية والحنابلة لا يمنع الجنب من العبور ، وإليه ذهب ابن مسعود وابن عباس وابن المسيب . وقال الشافعية : إن الحائض إذا أرادت العبور في المسجد فإن خافت تلويثه حرم العبور عليها ، وإن أمنت التلويث جاز العبور على الصحيح .
وعند الحنابلة تمنع الحائض من المرور في المسجد إن خافت تلويثه .
دخول الصبيان والمجانين المسجد :
7 - قال النووي : يجوز إدخال الصبي المسجد وإن كان الأولى تنزيه المسجد عمن لا يؤمن منه تنجيسه .
وصرح المالكية بعدم جواز إدخاله المسجد إن كان لا يكف عن العبث إذا نهي عنه ، وإلا فيكره . وكذلك المجانين ، لما ورد مرفوعا : « جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ، وشراءكم وبيعكم ، وخصوماتكم ، ورفع أصواتكم ، وإقامة حدودكم ، وسل سيوفكم ، واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع » .
دخول الكافر المسجد :
8 - اختلف الفقهاء في جواز دخول الكافر المسجد ، فذهب الشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أنه يحرم دخوله المسجد الحرام ، ولا يكره دخوله غيره .
إلا أن جواز الدخول مقيد بالإذن على الصحيح عند الشافعية والحنابلة ، سواء أكان جنبا أم لا ، لأنه لا يعتقد حرمته . (21/253)
فلو جلس الحاكم فيه للحكم ، فللذمي دخوله للمحاكمة ، وينزل جلوسه منزلة إذنه .
ويرى الحنفية جوازه مطلقا إلى المسجد الحرام وغيره ، لما روي « أنه صلى الله عليه وسلم أنزل وفد ثقيف في المسجد ، وكانوا كفارا ، وقال : ليس على الأرض من نجسهم شيء » وكرهه المالكية وهو رواية عند الحنابلة مطلقا إلا لضرورة ، كعمارة لم تمكن من مسلم ، أو كانت من الكافر أتقن .
دخول الحمام :
9 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن دخول الحمام مشروع للرجال والنساء ، لما روي : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الحمام وتنور » " استخدم النورة " ، ودخل خالد بن الوليد حمام حمص ، وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمام ، ولكن إباحة الدخول مقيدة بما إذا لم يكن منه كشف العورة ، وبغير ذلك من الشروط التي تختلف باختلاف كون الداخل رجلا أو امرأة . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( حمام ) .
دخول الخلاء :
10 - يسن لداخل الخلاء تقديم رجله اليسرى ، ويقول عند الدخول : باسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث . لأن التسمية يبدأ بها للتبرك ، ثم يستعيذ .
وتفصيل ذلك في مصطلح : ( قضاء الحاجة ) .
دخول مكان فيه منكر :
11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز الدخول بقصد المكث والجلوس إلى محل فيه منكر . ويجب الدخول إذا كان المنكر يزول بدخوله لنحو علم أو جاه ، لإزالة المنكر .
دخول المسلم الكنيسة والبيعة :
12 - يرى الحنفية أنه يكره للمسلم دخول البيعة والكنيسة ، لأنه مجمع الشياطين ، لا من حيث إنه ليس له حق الدخول .
وذهب بعض الشافعية في رأي إلى أنه لا يجوز للمسلم دخولها إلا بإذنهم ، وذهب البعض الآخر في رأي آخر إلى أنه لا يحرم دخولها بغير إذنهم .
وذهب الحنابلة إلى أن للمسلم دخول بيعة وكنيسة ونحوهما والصلاة في ذلك ، وعن أحمد يكره إن كان ثم صورة ، وقيل مطلقا ، ذكر ذلك في الرعاية ، وقال في المستوعب : وتصح صلاة الفرض في الكنائس والبيع مع الكراهة ، وقال ابن تميم : لا بأس بدخول البيع والكنائس التي لا صور فيها ، والصلاة فيها . (21/254)
وقال ابن عقيل : يكره كالتي فيها صور ، وحكى في الكراهة روايتين .
وقال في الشرح . لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة روي ذلك عن ابن عمر وأبي موسى وحكاه عن جماعة ، وكره ابن عباس ومالك الصلاة في الكنائس لأجل الصور ، وقال ابن عقيل : تكره الصلاة فيها لأنه كالتعظيم والتبجيل لها ، وقيل : لأنه يضر بهم .
ويكره دخول كنائسهم يوم نيروزهم ومهرجانهم . قال عمر رضي الله عنه : لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ، فإن السخطة تنزل عليهم
دخول البيوت :
13 - اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمرء دخول بيت مسكون غير بيته إلا بعد الاستئذان والإذن له بالدخول ، وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح : ( استئذان ) .
ثانيا : أحكام الدخول بالإطلاق الثاني " الوطء " :
أثر الدخول في المهر :
14 - لا خلاف بين الفقهاء في أن من سمى مهرا لزمه بالدخول ، لأنه تحقق به تسليم المبدل ، وإن طلقها قبل الدخول لزمه نصفه ، لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } .وتفصيل ذلك في مصطلح : ( مهر ).
أثر الدخول في العدة :
15 - أجمع الفقهاء على أن الطلاق إذا كان بعد الدخول ، فالعدة لغير الحامل ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر على حسب الأحوال ، لقوله تعالى : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وقوله تعالى : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } . (21/255)
وعدة الحامل وضع حملها لقوله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } .
وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } .
وإذا كان الطلاق قبل الدخول فلا عدة لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } .
وتفصيل ذلك في مصطلح : ( عدة ) .
درء الحد *
انظر : شبهة ، حدود .
دراهم *
التعريف :
1 - الدراهم جمع درهم ، وهو لفظ معرب ، وهو نوع من النقد ضرب من الفضة كوسيلة للتعامل ، وتختلف أنواعه وأوزانه باختلاف البلاد التي تتداوله وتتعامل به .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الدنانير :
2 - الدنانير جمع دينار ، وهو معرب ، قال أبو منصور : دينار أصله أعجمي غير أن العرب تكلمت به فصار عربيا . والدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال . فهي تختلف عن الدراهم في أنها من الذهب في حين أن الدراهم من الفضة .
ب - النقد .
3 - للنقد ثلاثة معان فيطلق على الحلول أي خلاف النسيئة ، وعلى إعطاء النقد ، وعلى تميز الدراهم وإخراج الزيف منها ، ومطلق النقد ويراد به ما ضرب من الدراهم والدنانير التي يتعامل بها الناس . (21/256)
ج - الفلوس :
4 - الفلوس جمع فلس ، وتطلق الفلوس ويراد بها ما ضرب من المعادن من غير الذهب والفضة ، وصارت عرفا في التعامل وثمنا باصطلاح الناس .
د - سكة :
5 - السك : تضبيب الباب أو الخشب بالحديد .
والسكة : حديدة قد كتب عليها ، ويضرب عليها الدراهم ، وهي المنقوشة ثم نقل إلى أثرها وهي النقوش الماثلة على الدنانير والدراهم ، ثم نقل إلى القيام على ذلك ، وهي الوظيفة فصار علما عليها في عرف الدول ، وتسمى الدراهم المضروبة سكة .
الدرهم الإسلامي وكيفية تحديده وتقديره :
6 - كانت الدراهم المضروبة قبل الإسلام متعددة مختلفة الأوزان ، وكانت ترد إلى العرب من الأمم المجاورة فكانوا يتعاملون بها ، لا باعتبار العدد بل بأوزان اصطلحوا عليها ، وجاء الإسلام وأقرهم على هذه الأوزان كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم : « الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة » .
ولما احتاج المسلمون إلى تقدير الدرهم في الزكاة كان لا بد من وزن محدد للدرهم يقدر النصاب على أساسه ، فجمعت الدراهم المختلفة الوزن وأخذ الوسط منها ، واعتبر هو الدرهم الشرعي ، وهو الذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب ، فضربت الدراهم الإسلامية على هذا الأساس ، وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين ، فقهاء ومؤرخين ، لكنهم اختلفوا في العهد الذي تم فيه هذا التحديد ، فقيل إن ذلك تم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، وقيل إن ذلك تم في عهد بني أمية ، وسواء كان ذلك تم في عهد عمر أم في عهد بني أمية فإن الدرهم الشرعي الذي استقر الأمر عليه هو الذي ضرب في عهد عبد الملك بن مروان وكان هو أساس التقادير الشرعية . (21/257)
لكن الفقهاء والمؤرخين أثبتوا أن الدرهم الشرعي لم يبق على الوضع الذي استقر عليه الإجماع في عهد عبد الملك ، بل أصابه تغيير كبير في الوزن والعيار من بلد إلى بلد ، وصار أهل كل بلد يستخرجون الحقوق الشرعية من نقدهم بمعرفة النسبة التي بينها وبين مقاديرها الشرعية إلى أن قيل : يفتى في كل بلد بوزنهم .
ونشأ من ذلك اضطراب في معرفة الأنصبة ، وهل تقدر بالوزن أو بالعدد ؟
وأصبح الوصول إلى معرفة الدينار الشرعي المجمع عليه غاية تمنع هذا الاضطراب .
وإلى عهد قريب لم يصل الفقهاء إلى معرفة ذلك حتى أثبت المؤرخ علي باشا مبارك - بواسطة استقراء النقود الإسلامية المحفوظة في دور الآثار بالدول الأجنبية - أن دينار عبد الملك بن مروان يزن "25،4 "جرام من الذهب ، وبذلك يكون وزن الدرهم . "975 ،2"جراما من الفضة . وهذا هو الذي يعتبر معيارا في استخراج الحقوق الشرعية من زكاة ، ودية ، وتحديد صداق ، ونصاب سرقة ، وغير ذلك .
من يتولى ضرب الدراهم :
7 - ضرب الدراهم وظيفة ضرورية للدولة ، إذ بها يتميز الخالص من المغشوش بين الناس في النقود عند المعاملات ، ويتقى الغش بختم السلطان عليها بالنقوش المعروفة . (21/258)
وقد قال الإمام أحمد في رواية جعفر بن محمد : لا يصلح ضرب الدراهم إلا في دار الضرب بإذن السلطان ، لأن الناس إن رخص لهم ركبوا العظائم ، فقد منع الإمام أحمد من الضرب بغير إذن السلطان لما فيه من الافتيات عليه .
وفي الروضة للنووي : يكره للرعية ضرب الدراهم وإن كانت خالصة ، لأن ضرب الدراهم من شأن الإمام . وذكر البلاذري أن عمر بن عبد العزيز أتي برجل يضرب على غير سكة السلطان فعاقبه وسجنه وأخذ حديده فطرحه في النار ، وحكى البلاذري أن عبد الملك بن مروان أخذ رجلا يضرب على غير سكة المسلمين فأراد قطع يده ثم ترك ذلك وعاقبه ، قال المطلب بن عبد الله بن حنطب : فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله .
حكم كسر الدراهم وقطعها :
8 - اختلف الفقهاء في حكم كسر الدراهم وقطعها ، فذهب مالك وأحمد وأكثر فقهاء المدينة إلى كراهية ذلك مطلقا ، لحاجة ولغير حاجة ، لأنه من جملة الفساد في الأرض وينكر على فاعله ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم » .
والكراهة عند الإمام أحمد للتحريم على ما جاء في رواية جعفر بن محمد ورواية المروزي ورواية حرب - وقد سئل عن كسر الدراهم - فقال : هو عندي من الفساد في الأرض وكرهه كراهة شديدة . لكنه صرح في رواية أبي طالب أنها كراهة تنزيه ، قال أبو طالب : سألت أحمد عن الدراهم تقطع فقال : لا ، « نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين » ، وقيل له : فمن كسره عليه شيء ؟ قال : لا ، ولكن قد فعل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو يعلى : وقوله : لا شيء عليه ، معناه لا مأثم عليه .
وذهب أبو حنيفة وفقهاء العراق إلى أن كسرها غير مكروه . (21/259)
وفصل قوم ، فقال الشافعي : إن كسرها لحاجة لم يكره له ، وإن كسرها لغير حاجة كره له ، لأن إدخال النقص على المال من غير حاجة سفه .
واعتبر ابن عبد البر حال البلد فقال : إن كراهة القطع محمول عندي على بلد لا يجوز فيه القطع ، ولا ينفق المقطوع من الدراهم نفاق الصحيح .
واعتبر ابن القاسم من المالكية قطع السكة مانعا من الشهادة ، وروى عنه ابن المواز : إلا أن يعذر بجهل ، وقال عنه العتبي : لا يجوز وإن كان جاهلا .
وقال سحنون : ليس قطع الدنانير والدراهم بجرحة .
قال بعض الشيوخ : وهذا الاختلاف إنما هو إذا قطعها وهي وازنة فردها ناقصة والبلد لا تجوز فيه إلا وازنة ، وهي تجري فيه عددا بغير وزن ، فانتفع بما قطع منها ، وينفقها بغير وزن فتجرى مجرى الوازنة ، فلا خلاف في أن ذلك جرحة ، ولو قطعها وكان التبايع بها بالميزان فلا خلاف أن التبايع بها ليس بجرحة ، وإن كان عالما فذلك مكروه .
أما قطع الدراهم لصياغتها حليا للنساء ، فقد قال ابن القاسم وابن وهب : لا بأس أن يقطع الرجل الدنانير والدراهم حليا لبناته ونسائه .
وقد منع الإمام أحمد أن تقطع للصياغة ، قال في رواية بكر بن محمد - وقد سأله عن الرجل يقطع الدنانير والدراهم يصوغ منها - قال : لا تفعل ، في هذا ضرر على الناس ، ولكن يشتري تبرا مكسورا بالفضة .
إنفاق الدراهم المغشوشة :
9 - اختلف الفقهاء في إنفاق الدراهم المغشوشة . فأجاز الحنفية الشراء بالدراهم الزائفة ولا يتعلق العقد بعينها ، بل يتعلق بجنس تلك الدراهم الزيوف إن كان البائع يعلم بحالها خاصة لأنه رضي بجنس الزيوف ، وإن كان البائع لا يعلم لا يتعلق العقد بجنس المشار إليه، وإنما يتعلق بالجيد من نقد تلك البلد ، لأنه لم يرض إلا به إذا كان لا يعلم بحالها .
ويجيز المالكية ذلك بشرط أن تباع لمن لا يغش بها الناس بل لمن يكسرها ويجعلها حليا أو غيره . فإن باع لمن يغش به فسخ البيع . (21/260)
وفي مغني المحتاج إن علم معيار الفضة في الدراهم المغشوشة صحت المعاملة بها معينة ، وفي الذمة اتفاقا ، وإن كان مجهولا ففيه أربعة أوجه ، أصحها الصحة مطلقا ، لأن المقصود رواجها وهي رائجة ، ولحاجة المعاملة بها .. ثم قال : ومن ملك دراهم مغشوشة كره له إمساكها بل يسبكها ويصفيها ، قال القاضي أبو الطيب : إلا إن كانت دراهم البلد مغشوشة فلا يكره إمساكها .
وعند الحنابلة إن كان الغش يخفى لم يجز التعامل بها رواية واحدة ، وإن كان ظاهرا فعلى روايتين : المنع والجواز . وينظر تفصيل ذلك في : ( صرف ، ربا ، غش ) .
مس المحدث للدراهم التي عليها شيء من القرآن :
10 - اختلف الفقهاء في حكم مس المحدث - حدثا أصغر أو أكبر - الدراهم التي عليها شيء من القرآن . فأجاز ذلك المالكية وهو الأصح عند الشافعية ، وفي وجه عند الحنابلة . وسبب الجواز أنه لا يقع عليها اسم المصحف فأشبهت كتب الفقه ، ولأن في الاحتراز من ذلك مشقة ، والحاجة تدعو إلى ذلك ، والبلوى تعم فعفي عنه .
ومنع من ذلك الحنفية وهو مقابل الأصح عند الشافعية والوجه الثاني للحنابلة ، لأن الدراهم التي عليها شيء من القرآن كالورقة التي كتب فيها قرآن .
وكره ذلك عطاء والقاسم والشعبي لأن القرآن مكتوب عليها .
دخول الخلاء مع حمل الدراهم التي عليها اسم الله :
11 - يكره عند جمهور الفقهاء " الحنفية والمالكية والشافعية " دخول الخلاء مع حمل الدراهم التي نقش عليها اسم الله أو شيء من القرآن ، لكن قال الحنفية : إن اتخذ الإنسان لنفسه مبالا طاهرا في مكان طاهر لا يكره ، وقال المالكية : إن كانت الدراهم مستورة بشيء أو خاف عليها الضياع جاز الدخول بها .
واختلفت الأقوال عند الحنابلة . فجاء في كشاف القناع أنه لا بأس بدخول الخلاء ومع الرجل الدراهم والدنانير عليها اسم الله ، قال أحمد : أرجو ألا يكون به بأس ، وفي المستوعب إن إزالة ذلك أفضل ، قال في تصحيح الفروع : ظاهر كلام كثير من الأصحاب أن حمل الدراهم ونحوها كغيرها في الكراهة ، وذكر ابن رجب أن أحمد نص على كراهة ذلك في رواية إسحاق بن هانئ وقال في الدراهم : إذا كان فيه اسم الله أو مكتوبا عليه { قل هو الله أحد } يكره أن يدخل اسم الله الخلاء . (21/261)
التصوير على الدراهم ونحوها من النقود :
12 - صرح الحنفية والشافعية بأن الصور التي على الدراهم والدنانير جائزة ، وعلل الحنفية ذلك لصغرها وعلله الشافعية بأنها ممتهنة .
وينظر مصطلح : ( تصوير ، ف / 57 ، ج 12 /122 ) .
تقدير بعض الحقوق الشرعية بالدراهم :
حدد الإسلام مقادير معينة بالدراهم في بعض الحقوق الشرعية ومن ذلك :
أ - الزكاة :
13 - اتفق الفقهاء على أن نصاب الفضة الذي يجب فيه الزكاة مائتا درهم ،قال ابن قدامة: لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام . وقد بينته السنة وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : « ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة » .
والأوقية أربعون درهما بغير خلاف ، فيكون ذلك مائتي درهم .
وأجمع العلماء على أن في مائتي درهم خمسة دراهم . وينظر التفصيل في : ( زكاة ) .
ب - الدية :
14 - ذهب جمهور الفقهاء " المالكية والشافعية والحنابلة " إلى أن الدية إن كانت من الفضة فإنها تقدر باثني عشر ألف درهم ، لما روي عن ابن عباس : « أن رجلا من بني عدي قتل ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا » .
وذهب الحنفية إلى أن الدية بالدراهم تقدر بعشرة آلاف درهم ، لما روي عن عمر رضي الله عنه : « أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم » ، وهذا بالنسبة للرجل المسلم . وينظر تفصيل ذلك في : ( ديات ) . (21/262)
ج - السرقة :
15 - حدد المالكية والحنابلة النصاب الذي يقطع به السارق بالنسبة للدراهم بثلاثة دراهم ، أو ما قيمته ثلاثة دراهم ، لما روى ابن عمر : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم » .
وحدد الحنفية النصاب بعشرة دراهم ، واستدلوا بما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا يقطع السارق إلا في عشرة دراهم » .
أما الشافعية فقد قدروا نصاب السرقة بربع دينار أو ما قيمته ربع دينار ، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينارفصاعدا » . وفي الموضوع تفصيلات كثيرة تنظر في : ( سرقة ) .
د - المهر :
16 - اختلف الفقهاء هل يتقدر أقل الصداق أم لا ؟ .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن أقل الصداق يتقدر بما تقطع فيه يد السارق ، وذلك مقدر عند الحنفية بعشرة دراهم ، وعند المالكية بثلاثة دراهم ، واستدل الحنفية بما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال . لا مهر دون عشرة .
وعند الشافعية والحنابلة لا حد لأقله . وينظر تفصيل ذلك في : ( صداق ) .
اعتبار وزن الدرهم الشرعي في الحقوق الشرعية المقدرة بالدراهم :
17 - ما حدده الإسلام في الحقوق الشرعية مقدرا بالدراهم ، كالزكاة ، والدية ، ونصاب السرقة ، وغير ذلك يعتبر في هذا التقدير الوزن دون العدد باتفاق الفقهاء .
وإنما اعتبر الوزن في الدراهم دون العدد ، لأن الدراهم اسم للموزون ، لأنه عبارة عن قدر من الموزون مشتمل على جملة موزونة من الدوانيق والحبات ، حتى لو كان وزنها دون المائتين وعددها مائتان ، أو قيمتها لجودتها وصياغتها تساوي مائتين فلا زكاة فيها . واعتبار الوزن في الدراهم إنما هو في الحقوق المقدرة من قبل الشرع ، أما المعاملات التي تتم بين الناس من بيع وشراء ، وإجارة ، وقرض ، ورهن ، وغير ذلك فلا يشترط فيها ذلك، وإنما يجري فيها ما يتعامل به الناس ، ولذلك يقول ابن عابدين : إذا أطلق الدرهم في العقد انصرف إلى المتعارف ، وكذلك إذا أطلق الواقف . وينظر تفصيل ذلك في أبوابها . (21/263)
ما يجوز التصرف فيه بالدراهم وما لا يجوز :
18 - يختلف الفقهاء في بعض التصرفات ، هل يجوز التصرف فيها بالدراهم أو لا يجوز ؟ ومن ذلك مثلا : إجارة الدراهم ، أو رهنها ، أو وقفها على الإقراض ، أو على القراض " المضاربة " أو غير ذلك . ففي الوقف مثلا يقول ابن قدامة : ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم .
وأجاز مالك وبعض الشافعية وقفها . وينظر تفصيل ذلك في أبوابها .
دردي الخمر *
انظر : أشربة .
درك *
انظر : ضمان الدرك .
دعاء *
التعريف :
1 - الدعاء لغة مصدر دعوت الله أدعوه دعاء ودعوى ، أي ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير . وهو بمعنى النداء يقال : دعا الرجل دعوا ودعاء أي : ناداه ، ودعوت فلانا صحت به واستدعيته ، ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله .
ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة فهو داعي الله ، والجمع : دعاة وداعون . ودعاه يدعوه دعاء ودعوى : أي : رغب إليه ، ودعا زيدا : استعانه ، ودعا إلى الأمر : ساقه إليه .
والدعاء في الاصطلاح : الكلام الإنشائي الدال على الطلب مع الخضوع ،ويسمى أيضا سؤالا. وقد قال الخطابي : حقيقة الدعاء استدعاء العبد من ربه العناية واستمداده إياه المعونة ، وحقيقته إظهار الافتقار إليه ، والبراءة من الحول والقوة التي له ، وهو سمة العبودية وإظهار الذلة البشرية ، وفيه معنى الثناء على الله ، وإضافة الجود والكرم إليه . (21/264)
2 - وقد ورد في القرآن الكريم بمعان منها :
أ - الاستغاثة : كما في قوله تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ، بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون } .
ب - العبادة : كما في قوله تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم } .
وقوله تعالى : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } .
وقوله تعالى { لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا } .
ج - النداء : ومنه قوله تعالى : { يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده } .
وقوله : { قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } .
د - الطلب والسؤال من الله : وهو المراد هنا كما في قوله تعالى { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان } .وقوله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم }.
ويوافق هذا المعنى ما يقال : دعوت الله أدعوه دعاء ، أي ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، والداعي اسم الفاعل من الدعاء ، والجمع دعاة ، وداعون ، مثل قاض وقضاة وقاضون .
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الاستغفار :
3 - الاستغفار في اللغة طلب المغفرة بالقول والفعل ، وفي اصطلاح الفقهاء أيضا يستعمل في ذلك المعنى . والمغفرة في الأصل الستر ، والمراد بالاستغفار طلب التجاوز عن الذنب ، فالمستغفر يطلب من الله تعالى المغفرة ، أي عدم المؤاخذة بالذنب والتجاوز عنه . قال تعالى : { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } . والنسبة بين الاستغفار والدعاء العموم والخصوص المطلق ، فكل استغفار دعاء ، وليس كل دعاء استغفارا . (21/265)
ب - الذكر :
4 - الذكر هو التلفظ بالشيء وإحضاره في الذهن بحيث لا يغيب عنه .
وذكر الله بالمعنى الأعم شامل للدعاء وغيره . وبالمعنى الأخص الذي هو تمجيد الله وتقديسه وذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا مباين للدعاء ، وانظر مصطلح : ( ذكر ) .
حكم الدعاء :
5 - قال النووي : إن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أن الدعاء مستحب .
وقد يكون الدعاء واجبا كالدعاء الذي تضمنته سورة الفاتحة أثناء الصلاة . وكالدعاء الوارد في صلاة الجنازة ، وكالدعاء في خطبة الجمعة عند بعض الفقهاء . ر : ( صلاة ، صلاة الجنازة ، خطبة ) .
ثم هل الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا بما سبق به القدر ؟
نقل النووي عن القشيري قوله : اختلف الناس في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا ؟ فمنهم من قال : الدعاء عبادة لقوله صلى الله عليه وسلم : « الدعاء هو العبادة » .
ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى .
وقالت طائفة : السكوت تحت جريان الحكم أتم ، والرضا بما سبق به القدر أولى .
وقال قوم : يكون صاحب دعاء بلسانه ورضا بقلبه ليأتي بالأمرين جميعا .
فضل الدعاء :
6 - ورد في فضل الدعاء نصوص كثيرة من الكتاب والسنة نورد بعضها فيما يلي :
قال تعالى : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } . (21/266)
ومعنى القرب هنا كما نقل عن الزركشي ، أنه إذا أخلص في الدعاء ، واستغرق في معرفة الله ، امتنع أن يبقى بينه وبين الحق واسطة ، وذلك هو القرب .
وقال تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } .
وقال تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } .
وقال تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } . وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إن الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ : { ادعوني أستجب لكم } » الآية .
وقال صلى الله عليه وسلم : « الدعاء مخ العبادة » ، وقال صلى الله عليه وسلم : « إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين » . وروى أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : « ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم » . وقال صلى الله عليه وسلم : « سلوا الله تعالى من فضله ، فإنه تعالى يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج » .
أثر الدعاء :
7 - الدعاء عبادة ، وله أثر بالغ وفائدة عظيمة ، ولولا ذلك لم يأمرنا الحق عز وجل بالدعاء ولم يرغب النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، فكم رفعت محنة بالدعاء ، وكم من مصيبة أو كارثة كشفها الله بالدعاء ، وقد أورد القرآن الكريم جملة من الأدعية استجابها الله تعالى بمنه وفضله وكرمه ، وكان من جملة أسباب النصر في بدر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء سبب أكيد لغفران المعاصي ، ولرفع الدرجات ،ولجلب الخير ودفع الشر. ومن ترك الدعاء فقد سد على نفسه أبوابا كثيرة من الخير . (21/267)
وقال الغزالي : فإن قلت : فما فائدة الدعاء والقضاء لا مرد له ؟
فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء ، فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب الرحمة ، كما أن الترس سبب لرد السهام ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان ، فكذلك الدعاء والبلاء يتعالجان .
وليس من شرط الاعتراف بقضاء الله تعالى أن لا يحمل السلاح ، وقد قال تعالى : { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } ، كما أنه ليس من شرطه أن لا يسقي الأرض بعد بث البذر ، فيقال : إن سبق القضاء بالنبات نبت البذر وإن لم يسبق لم ينبت ، بل ربط الأسباب بالمسببات هو القضاء الأول الذي هو كلمح البصر أو هو أقرب ، وترتيب تفصيل المسببات على تفاصيل الأسباب على التدريج والتقدير هو القدر ، والذي قدر الخير قدره بسبب ، والذي قدر الشر قدر لرفعه سببا ، فلا تناقض بين هذه الأمور عند من انفتحت بصيرته .
ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله وهو منتهى العبادات ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : « الدعاء مخ العبادة » .
والغالب على الخلق أن لا تنصرف قلوبهم إلى ذكر الله عز وجل إلا عند إلمام حاجة وإرهاق ملمة ، فإن الإنسان إذا مسه الشر فذو دعاء عريض .
فالحاجة تحوج إلى الدعاء ، والدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل بالتضرع والاستكانة ، فيحصل به الذكر الذي هو أشرف العبادات . ولذلك صار البلاء موكلا بالأنبياء عليهم السلام، ثم الأولياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، لأنه يرد القلب بالافتقار والتضرع إلى الله عز وجل ، ويمنع من نسيانه ، وأما الغنى فسبب للبطر في غالب الأمور ، فإن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى. وقال الخطابي : فإن قيل فما تأويل قوله تعالى : { ادعوني أستجب لكم } وهو وعد من الله يلزم الوفاء به ، ولا يجوز وقوع الخلف فيه ؟ قيل هذا مضمر فيه المشيئة ، كقوله تعالى : (21/268)
{ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } .
وقد يرد الكلام بلفظ عام مراده خاص ، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء ، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه ،فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة. وقد قيل : معنى الاستجابة : أن الداعي يعوض من دعائه عوضا ما ، فربما كان ذلك إسعافا بطلبته التي دعا لها ، وذلك إذا وافق القضاء ، فإن لم يساعده القضاء ، فإنه يعطى سكينة في نفسه ، وانشراحا في صدره ، وصبرا يسهل معه احتمال ثقل الواردات عليه ، وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه ، وهو نوع من الاستجابة .
آداب الدعاء :
8 - أ - أن يكون مطعم الداعي ومسكنه وملبسه وكل ما معه حلالا .
بدليل ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« أيها الناس : إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك » . (21/269)
ب - أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة ، ورمضان من الأشهر ، ويوم الجمعة من الأسبوع ، ووقت السحر من ساعات الليل .
قال تعالى : { وبالأسحار هم يستغفرون } وقال صلى الله عليه وسلم : « ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له » .
ج - أن يغتنم الأحوال الشريفة . قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى ، وعند نزول الغيث ، وعند إقامة الصلوات المكتوبة ، فاغتنموا الدعاء فيها . وقال مجاهد : إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصلوات . وقال صلى الله عليه وسلم : « لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة » .
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : « الصائم لا ترد دعوته » .
وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضا ، إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات ، ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل ، فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها .
وحالة السجود أيضا أجدر بالإجابة ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا الدعاء » . (21/270)
وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم » .
د - أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يرى بياض إبطيه . روى جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس . وقال سلمان : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا » وروى أنس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطيه .
هـ - أن يمسح بهما وجهه في آخر الدعاء . قال عمر رضي الله عنه : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مد يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه » .
وقال ابن عباس : « كان صلى الله عليه وسلم إذا دعا ضم كفيه وجعل بطونهما مما يلي وجهه » .
فهذه هيئات اليد ، ولا يرفع بصره إلى السماء . قال صلى الله عليه وسلم : « لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم » .
و - خفض الصوت بين المخافتة والجهر لقوله عز وجل : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } ، ولما روي أن أبا موسى الأشعري قال : « قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر ، وكبر الناس ورفعوا أصواتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس : اربعوا على أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، والذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم » وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } أي بدعائك ، وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال : { إذ نادى ربه نداء خفيا } . (21/271)
ز - أن لا يتكلف السجع في الدعاء فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع ، والتكلف لا يناسبه . قال صلى الله عليه وسلم : « سيكون قوم يعتدون في الدعاء » ، وقد قال عز وجل : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } ، وقيل معناه التكلف للأسجاع ، والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة ، فإنه قد يعتدي في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته ، فما كل أحد يحسن الدعاء ، وللبخاري عن ابن عباس : « وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه ، فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك » . ح - التضرع والخشوع والرغبة والرهبة قال الله تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا } وقال عز وجل : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } .
ط - أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ،ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له ». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء » . وقال صلى الله عليه وسلم : « ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل » . وقال سفيان بن عيينة : لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه ، فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين } . (21/272)
ي - أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا ، قال ابن مسعود : « كان عليه الصلاة والسلام إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا » .
ك - أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم : « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول قد دعوت فلم يستجب لي . فإذا دعوت فاسأل الله كثيرا فإنك تدعو كريما » .
ل - أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله والثناء عليه ، ويختمه بذلك كله أيضا ، لما ورد عن فضالة بن عبيد قال : « سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : عجل هذا ثم دعاه ، فقال له أو لغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء » . ودليل ختمه بذلك قول الله تعالى : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } وأما الصلاة على النبي فلقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تجعلوني كقدح الراكب يجعل ماءه في قدحه ، فإن احتاج إليه شربه ، وإلا صبه ، اجعلوني في أول كلامكم وأوسطه وآخره » . م - وهو الأدب الباطن ، وهو الأصل في الإجابة : التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة ، فذلك هو السبب القريب في الإجابة . (21/273)
الدعاء مع التوسل بصالح العمل :
9 - يستحب لمن وقع في شدة أن يدعو بصالح عمله ، لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . قال رجل منهم .. » . الحديث بطوله وهو مذكور ضمن بحث ( توسل - ف / 7 ) .
تعميم الدعاء :
10 - يستحب تعميم الدعاء لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه : « يا علي عمم » ولحديث : « من صلى صلاة لم يدع فيها للمؤمنين والمؤمنات فهي خداج » .
وفي حديث آخر : « أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : اللهم اغفر لي ، فقال : ويحك لو عممت لاستجيب لك » .
الاعتداء في الدعاء : (21/274)
11 - نهى الله تعالى عن الاعتداء في الدعاء بقوله : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين } وورد في الحديث : « سيكون قوم يعتدون في الدعاء » .
قال القرطبي : المعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر ، وقد يتفاضل بحسب ما يعتدى فيه، ثم قال : والاعتداء في الدعاء على وجوه : منها الجهر الكثير والصياح ، ومنها أن يدعو أن تكون له منزلة نبي ، أو يدعو بمحال ونحو هذا من الشطط . ومنها أن يدعو طالبا معصية ، ونحو ذلك .
وقال ابن عابدين : ويحرم سؤال العافية مدى الدهر ، والمستحيلات العادية كنزول المائدة ، والاستغناء عن التنفس في الهواء ، أو ثمارا من غير أشجار ، كما يحرم الدعاء بالمغفرة للكفار .
الدعاء بالمأثور وغير المأثور :
12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كل دعاء دنيوي وأخروي ، ولكن الدعاء بالمأثور أفضل من غيره .
الدعاء في الصلاة :
13 - قال الحنفية والحنابلة : يسن الدعاء في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه ألفاظ القرآن ، أو بما يشبه ألفاظ السنة ، ولا يجوز له الدعاء بما يشبه كلام الناس كأن يقول : اللهم زوجني فلانة ، أو اعطني كذا من الذهب والفضة والمناصب .
وأما المالكية والشافعية فذهبوا إلى أنه : يسن الدعاء بعد التشهد وقبل السلام بخيري الدين والدنيا ، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرم أو مستحيل أو معلق ، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته ، والأفضل أن يدعو بالمأثور .
طلب الدعاء من أهل الفضل :
14 - يستحب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه ، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة ، فأذن ، وقال : « لا تنسنا يا أخي من دعائك » فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا .
فضل الدعاء بظهر الغيب :
15 - قال الله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } . وقال تعالى : { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } . (21/275)
وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم : { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب } وقال تعالى إخبارا عن نوح صلى الله عليه وسلم : { رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات } .
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ، ولك بمثل » وفي رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : « دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير ، قال الملك الموكل به : آمين ، ولك بمثل » . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب » .
استحباب الدعاء لمن أحسن إليه :
16 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صنع إليه معروف فقال لفاعله : جزاك الله خيرا ، فقد أبلغ في الثناء » . وقال عليه الصلاة والسلام : « من صنع إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه » .
الدعاء للذمي إذا فعل معروفا :
17 - قال النووي : اعلم أنه لا يجوز أن يدعى له " أي الذمي " بالمغفرة وما أشبهها مما لا يقال للكفار ، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية وصحة البدن والعافية وشبه ذلك . لما روي عن أنس - رضي الله عنه - قال : « استسقى النبي صلى الله عليه وسلم فسقاه يهودي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : جملك الله فما رأى الشيب حتى مات » . (21/276)
دعاء الإنسان على من ظلمه أو ظلم المسلمين :
18 - قال الله تعالى : { لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } .
قال القرطبي : الذي يقتضيه ظاهر الآية أن للمظلوم أن ينتصر من ظالمه ، ولكن مع اقتصاد إن كان الظالم مؤمنا ، كما قال الحسن ، وإن كان كافرا فأرسل لسانك وادع بما شئت من الهلكة وبكل دعاء ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : « اللهم اشدد وطأتك على مضر . اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف » .
وقال : « اللهم عليك بفلان وفلان سماهم » .
وإن كان مجاهرا بالظلم دعا عليه جهرا ، ولم يكن له عرض محترم ، ولا بدن محترم ، ولا مال محترم . وقد روى أبو داود عن « عائشة قال : سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبخي عنه » أي لا تخففي عنه العقوبة بدعائك عليه .
قال النووي : اعلم أن هذا الباب واسع جدا ، وقد تظاهر على جوازه نصوص الكتاب والسنة، وأفعال سلف الأمة وخلفها ، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم بدعائهم على الكفار .
وعن علي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : « ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما حبسونا وشغلونا عن الصلاة الوسطى » .
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : « أن رجلا أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كل بيمينك قال : لا أستطيع ، قال : لا استطعت ، ما منعه إلا الكبر، قال : فما رفعها إلى فيه » . (21/277)
قال النووي : هذا الرجل هو بسر - بضم الباء وبالسين المهملة - ابن راعي العير الأشجعي ، صحابي ، ففيه جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي .
وعن جابر بن سمرة قال : شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه ، فعزله واستعمل عليهم .. وذكر الحديث إلى أن قال : أرسل معه عمر رجالا أو رجلا إلى الكوفة يسأل عنه ، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه ويثنون معروفا ، حتى دخل مسجدا لبني عبس ، فقام له رجل منهم يقال له : أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة فقال : أما إذا نشدتنا فإن سعدا لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية . قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن . فكان بعد ذلك يقول : شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد . قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة : فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن .
وعن عروة بن الزبير ، أن سعيد بن زيد رضي الله عنهما ، خاصمته أروى بنت أوس - وقيل : أويس - إلى مروان بن الحكم ، وادعت أنه أخذ شيئا من أرضها ، فقال سعيد رضي الله عنه : أنا كنت آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه إلى سبع أرضين » . قال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا ، فقال سعيد : اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها ، قال : فما ماتت حتى ذهب بصرها ، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت . (21/278)
نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده :
19 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم » .
الأدعية في المناسبات :
20 - هناك أدعية تقال أثناء الصلوات الخمس وبعدها ، وعند صلاة الكسوف ، والخسوف ، والاستسقاء ، والحاجة ، والاستخارة ، تنظر في مواضعها ، وأدعية تتعلق برؤية الهلال ، وأثناء الصيام ، وعند الإفطار ، وفي ليلة القدر ، تنظر في مصطلح ( صوم ) .
وأدعية تقال في أعمال الحج تنظر في مصطلح : ( حج ) .
وأدعية تقال بعد عقد النكاح ، وعند الزفاف تذكر في مصطلح : ( نكاح ) .
وهناك أدعية في الصباح والمساء ، وعند المهمات ، ألفت فيها كتب قيمة ، ككتاب الأذكار للنووي ، وعمل اليوم والليلة للنسائي ، ولابن السني وغيرها .
دعوى *
التعريف :