صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)

الصفحة السابقة   //   الصفحة التالية
 

[ توضيح الأفكار - الأمير الصنعاني ]
الكتاب : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار
المؤلف : محمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعاني
الناشر : المكتبة السلفية - المدينة المنورة
تحقيق : محمد محي الدين عبد الحميد
عدد الأجزاء : 2

إذا بلغت هذا الباب من الجرح والتعديل عرفت أنهم يطلقون الضعيف على العدل في دينه المتوسط في مراتب الحفظ والإتقان لا يخفى أنهم إن أرادوا هذه فهذه صفة رواة الحسن الذي خف ضبطهم وقد نص زين الدين في مراتب التجريح الخمس على أن الضعيف وهو في المرتبة الرابعة منها أي من مراتب التجريح يكتب حديثه وحديث من في مرتبته لا فائدة لزيادته ومن في المرتبة الخامسة للاعتبار بهم وقد تقدم للمصنف هذا وتقدم ما عليه دون أهل المراتب المتقدمة من المجروحين فإنه لا يكتب حديثهم لذلك وروى عن أبي حاتم في أهل مراتب التعديل الخمس أن أهل المرتبة الرابعة منهم يكتب حديثهم للاعتبار بهم وهم أي أهل المرتبة من مراتب التعديل من قيل فيه إنه صالح الحديث قد عرفت أنه قال أبو داود إن ما سكت عنه من الحديث فإنه صالح وجعلوا هذه العبارة تحتمل الصحة والحسن أو محله الصدق أو شيخ أو وسط أو شيخ وسط أو مقارب الحديث أو نحو ذلك بفتح الراء وكسرها كما قال الزين واعلم أن ابن معين قال من قيل فيه إنه ضعيف فليس بثقة ولا يكتب حديثه نقله عن زين الدين وذكر في ذلك خلافا سيأتي بيانه كما سيأتي إن شاء الله في موضعه فعرفت بهذا أن الضعيف في رابعة مراتب الجرح هو صالح الحديث في رابعة مراتب التعديل ولكنه يوصف بالضعف بالنظر إلى من فوقه من الثقات الإثبات المتقنين ويوصف بصلاح الحديث بالنظر إلى صدقه وترفعه عن مرتبة المغفلين المكثرين من الخطأ وترفعه عن مرتبة المجروحين والمتهمين ويدل على ما ذكرته ما ذكروه في أقسام الضعيف كما يأتي من أن الحديث قد يسمى ضعيفا عندهم إذا كان من طريق رجال الحسن المستورين غير أنه لم يرد له شاهد ولا متابع ويدل على ما ذكرته ما تقدم من قول أبي الفتح بن سيد الناس إن شرط أبي داود كشرط مسلم لكنه لا يخفي أنه لم يرفضه المصنف فيما سلف ثم هذا كله يتم إن كان مراد أبي داود بقوله إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد

(1/212)


في الباب غيره الإسناد الذي ليس فيه وهن شديد الذي التزم أنه يبينه وهذا محل تتبع لما في سنن أبي داود و يدل له ما رواه أبو الفتح عن مسلم قوله لي كل الصحيح تجده عند مثل مالك وشعبة وسفيان واحتاج أ ينزل إلى مثل ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وإن تفاوتوا في الحفظ والإتقان فدل هذا على أن رواة أبي هريرة الذي سكت عنهم من أهل الصدق والعدالة عنده وأن تفاوتهم إنما هو في الحفظ والإتقان هذا مبني على أنه لا فرق بين رجال مسلم وأبي داود فإن المصنف جعل عبارة مسلم في رواته دليلا على أن رواة أبي داود يتصفون بصفة رواة مسلم وهذا ينقض ما سلف له قريبا ولا يتم على كل تقدير لما علم بالخبرة أن في رجال أبي داود ممن يعتمدهم في الأصول رجالا لا يرتضيهم مسلم إلا في التوابع والشواهد كما قد سبقت أمثلة من ذلك فيما قدمناه ولا يتم قوله أيضا والضعيف منهم أي من رواة أبي داود إنما هو ضعيف الحفظ ضعفا متوسطا لا يحطه إلى مرتبة من لا يكتب للاعتبار لكنه لا يكون حجة يعمل بحديثه ولهذا جعلوا من قيل فيه أنه ضعيف بمرة في ثالثة مراتب الحرج وجعلوه ممن لا يكتب حديثه للاعتبار ومعنى الاعتبار عندهم الطلب التوابع والشواهد التي يعرف بها أن للحديث أصلا ويترقى حديث الضعفاء إلى مرتبة الحسن وسوف يأتي تعريف معنى الشواهد والتوابع والفرق بينهما في بابه إن شاء الله ويأتي تحقيق ذلك هنالك إن شاء الله تعالى إلا أنك قد عرفت أن أبا داود قال إنه يذكر الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره فيبني عليه حكم ولذا قال إنه أولى من الرأي والرأي إنما يحتاج إليه عند رواة الحكم فهو لا يذكره للاعتبار بل ليبني عليه أحكاما ثم إنه مبني على أنه لم يجد في الباب غيره وأي شيء يعتبر هو به وإن أريد أن غير أبي داود من الأئمة يعتبر به فلا يكون عذرا لأبي داود يأت به إلا للحكم به فالإسناد الضعيف على هذا واجب القبول عند كثير من

(1/213)


الأصوليين والفقهاء وإن لم يتابع راويه على روايته ولا يكون حسنا لذاته ولا لغيره وأما المحدثون فيذهبون إلى قبوله متى جمع شرائط الحديث الحسن لذاته أو لغيره إلا البخاري فلم يقبله كما تقدم وبوضح ما ذكرته أن الإسناد الضعيف الذي ذكره ابن منده في السنن مقبول عندهم هو ما قدمناه عن أبي داود من قوله إن ما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض لا يعزبعنك أن نقل ابن منده عن أبي داود أنه قال يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وهذا نص منه أنه يخرج الضعيف وقال فيما سكت عنه إنه صالح ثم قال وبعضها أي بعض الأحاديث التي سكت عنها أصح من بعض فعبارته تشعر بأن الذي سكت عنه صحيح أو أصح والذي أخرجه عند عدم وجود غير ورآه أولى من الرأي ضعيف فكيف يقول المصنف إن الذي ذكره ابن منده هو الذي قدمه عن أبي داود فليتأمل ولهذا قال ابن منده الأولى قال أبو داود لأن ابن منده راو للفظه ومراده قال راويا إنه أي أبا داود يورد الإسناد الضعيف ولم يقل الحديث الضعيف لأن الحديث في نفسه قد يقوي متنه لاجتماع الأسانيد الضعيفة إذا كان رواتها في مرتبة رجال الحسن ولم يكونوا ضعفاء بمرة لكنه غير خاف عليك أنه قال أبو داود إنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد غره فأين اجتماع الأسانيد الضعيفة التي ترقيه إلى الحسن إذ لو كان شيء يرقيه إلى مرتبة الحسن لما قال إذا لم يجد غيره وإن أراد أن غير أبي داود وجد له أسانيد عاضدة لحديثه الذي لم يجد غيره فلا ينفع ذلك بالنظر إلى أبي داود إذ قد أتى بضعيف لم يعضده شيء عنده ورتب عليه حكما ومنه تعرف ما في قوله
ومن نفائس هذا الفصل أن لا تظن أيها المخاطب كما يرشد إليه قوله واهما الانفراد في أحاديث السنن إذا لم يورده أ ي الحديث الدال عليه الأحاديث أبو داود إلا بإسناد من الأسانيد الضعيفة واهما من ظن الانفراد في

(1/214)


أحاديث السنن أنه أي أبا داود إنما ترك الشواهد والمتابعات لعدمها عند أبي داود فيظن الانفراد يظن الواهم أن شرط الحديث الحسن وجودها أي الشواهد والمتابعات فليس كذلك أي ليس كما ظنه من أن وجودها شرط فنصه أي أبي داود على أن ما سكت عنه فهو صالح يقتضي معرفته المتابعات وشواهد تقويه فيه بحثان الأول إن هذا الذي سكت عنه هو الذي أخبر عنه بأنه صالح والصالح صحيح أو أصح عنده كما عرفت والثاني أنه لم يسكت عما لم يجد في الباب غيره بل قال إنه ضعيف نعم يشكل وجود حديث في السنن مسكوت عنه فإنه يحتمل أن سكوته عنه لكونه صالحا أو أنه ضعيف فلا يعرف الفرق بينهما إلا بأن نجد حديثا ليس في الباب غيره فيحكم بضعفه ثم إنه مبني على أنه لا يأتي في باب من أبواب كتابه بما وهنه شديد وإن لم تجد إلا هو وهذا كله يفتقر إلى تتبع كتاب أبي داود لأن ما سكت عنه قد احتمل الضعف واحتمل أنه صالح من باب معرفة اصطلاحهم ومن باب الحمل على السلامة هذا كلام حسن لكنه يقال عليه إنه قد صرح أبو داود أنه يأتي بالضعيف إذا لم يجد في الباب غيره من تابع أو شاهد فحمله على السلامة إنما هو بقبول خبره عن نفسه فإن مثل أبي داود مع جلالته ومعرفته وأمانته يجب قبول خبره عن نفسه كما يجب قبول ما أخبر به عن غيره وقد أخبر عن نفسه بما عرفت وأما قوله لا يطلق ذلك أي لفظ صالح فيها سكت عنه على ما لا يستحق اسم الصحيح أو الحسن في عرفهم الشائع فقد عرفت أنه لم يطلقه إلا على صحيح أو حسن فكيف وقد روى الحافظ سراج الدين بن النحوي في مقدمات كتابه البدر المنير عن أبي داود أنه يخرج في الباب أصح الأسانيد ويترك بقيتها تخفيفا على طلبة هذا العلم الشريف هذا محمول على ما يخرجه في باب أحاديث الأحكام التي يذكر فيها كثيرة وأما ما يخرجه في باب أو في حكم لا يجد فيه إلا حديثا واحدا

(1/215)


فإنه قد صرح بأنه ضعيف وهذا يدل على أنه إنما نص على صلاحية ما سكت عنه مما إسناده ضعيف لم عرف من شواهده قد عرفت أنه نص على صلاحية ما سكت عنه ونص على أنه يخرج الضعيف الذي لا يجد غيره في الباب ونص على أنه يخرج ما اشتد وهنه مع بيانه وإذا كان هذا نصه فليس لنا التحكم بأن ما سكت عنه فهو صحيح أو حسن حتى يعلم أن في الباب غيره إذ هو الذي صرح بأنه يخرجه مع ضعفه نعم الذي لا يجد في الباب غيره قليل بالنسبة إلى مقابله فقد يقال الحكم للأعم الأغلب وهو الصلاحية للمسكوت عنه إلا أن هذا لا يكفي في إثبات الأحكام
وأما الذهبي كأنه قسيم إماما تقدم من الأقاويل أي هذا ما قال أئمة هذا الشأن غير الحافظ الذهبي فقال في ترجمة أبي داود من كتابه النبلاء قال أبو داود ذكرت في السنن الصحيح وما يقاربه فإن كان فيه وهن شديد بينته قال الذهبي وقد وفى بذلك رحمه الله بحسب اجتهاده وبين ما ضعفه شديد غير محتمل وكاسر بالسين المهملة في القاموس كسر من طرفه غض أي غض أبو داود عما ضعفه خفيف محتمل غير شديد فلا يلزم من سكوته والحال عنده هذه عن الحديث أن يكون حسنا عنده لأنه قد سكت عما فيه ضعف محتمل وليس هذا بداخل في باب الحسن ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح وهو الحسن لذاته فإنه إنما يعتبر فيه خفة الضبط كما عرفت فإنه الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء أو الذي يرغب عنه البخاري كان الأولى الإتيان بكلمة الواو عوضا عن أو لأن الذي يرغب عنه البخاري هو الحسن لذاته ويمشيه مسلم وبالعكس لا أدري ما يراد به فينظر إذ المعروف أن البخاري لا يعمل بالحسن لذاته كما تقدم ومسلم يدخله في قسم الصحيح وعكس هذا ما أدرى ما أراد به الذهبي فهو أي المذكور بالحسن لذاته داخل في أدنى مراتب الصحيح

(1/216)


كما قد عرفته من كلام العلائي وغيره فإنه أي الحسن لذاته لو انحط عن ذلك أي عن شرائطه بالاصطلاح المولد لخرج الاحتجاج وكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان وذلك نحو من شطر الكتاب وهذا كله تقرير لكون ما كاسر أبو داود عن ضعفه المحتمل وسكت عنه لا يدخل تحت الحسن ولا يحتج به لأنه قد انحط عن رتبته وهذا خلاف ما قاله المصنف في تقريره ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين كأن المراد به مسلم ورغب عنه الآخر البخاري ثم يليه ما رغبا عنه وكان إسناده جيدا سالما من علة وشذوذ ثم يليه ما كان إسناده صالحا وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا يعضد كل منهما الآخر ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص في حفظ راويه فمثل هذا يمشيه أبو داود ويسكت عنه غالبا ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه فهذا لا يسكت عنه بل يوهنه غالبا وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته والله أعلم انتهى بلفظه واعلم أنه قد تحصل من كلام الذهبي هذا أن أحاديث أبي داود على ستة أقسام على شرط الشيخين على شرط أحدهما ما كان إسناده ضعيفا لضعف حفظ راويه ما كان بين الضعف وأنت إذا قابلت بين هذا وبين كلام المصنف وجدت بين الكلامين اختلافا وكذا إذا قابلت بينه وبين ما نقل عن أبي داود وإنما هذا إخبار من الذهبي عن حقيقة أحاديث السنن باعتبار ممارسته لها لا باعتبار كلام مؤلفها وكأنه لهذا قال المصنف وأما الذهبي كما هو معروف من عوائد الحفاظ ولقد قال بعض حفاظ الحديث إن الحديث إذا لم يكن عندي من مائة طريق فأنا فيه يتيم اليتيم الفرد كما في القاموس وكأن هذا من قوله كما هو معروف إلى هنا معلق بقوله وأما الذهبي وفيه نوع خفاء وتعلقه بقوله لما عرف من شواهده أظهر وإن كان قد بعد بتوسيطه بنقل كلام الذهبي فهذا الكلام الذي أوردته يعرف شرط أبي داود

(1/217)


ومن أحب الكشف عما سكت عنه فهو أولى وأقرب إلى التحقيق التام وهو طريقة أهل الإتقان الإتقان من طلبة هذا الشأن وأعون كتاب على ذلك أي على الكشف عن أحاديث أبي داود التي سكت عليها كتاب الأطراف للحفظ الكبير حمال الدين أبي الحجاج المزي بضم الميم وكسرها كما في القاموس وآخر زاي بلدة بدمشق لمعرفة طرق الحديث وكتاب الميزان للذهبي للكشف عن أحوال الرجال وأقرب منها مختصر الحافظ عبد العظيم أي المنذرين لسنن أبي داود فإنه تكلم على جميع ما فيها مما يحتمل الكلام وبين ما فيها مما في الصحيحين وغيرهما وصححه أو حسنه أبو عيسى الترمذي وجود الكلام على حديثهما غاية التجويد وجاء كتابه مع كثرة فوائده صغير الحجم لم يزد على مجلد ذكر الحافظ المذكور في خطبة مختصريه المذكور عن ابن داسة أنه قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث قوله صلى الله عليه و سلم الأعمال بالنيات والثاني قوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث قوله لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والرابع الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات الحديث ثم ذكر فيها أيضا أنه حكى أبو عبد الله محمد بن اسحق بن منده الحافظ أن شرط أبي داود والنسائي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا إرسال وحكى عن أبي داود أنه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجتمع الناس على تركه انتهى وأعلم أنه قد أطال المصنف رحمه الله الكلام على شرط أبي داود ولم يسفر وجه إطالته عن شيء يعتمد عليه

(1/218)


مسألة في بيان شرط النسائي
شرط النسائي هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في القاموس أن نسا بلدة وبلدة بسرخس ذكره في المعتل ولم يذكره في المهموز واعلم أن من الناس من يفضل كتاب النسائي في القوة والصحة على سنن أبي داود وقد أطلق الصحة عليه أو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدي والدار قطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد قال ابن الصلاح وقد أطلق الخطيب السلفى الصحة على كتاب النسائي انتهى قال الحافظ ابن حجر أطلق الحاكم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي وقال أبو عبد الله بن منده الذي خرجوا الصحيح أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأشار إلى ذلك أبو على بن السكن وقد روى أن له شرطا أعز من شرط البخاري قال الحافظ الذهبي في التذكرة إنه قال ابن طاهر سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه فقل قد ضعفه النسائي فقال يا بني إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم ولكنه لم يصح عنه دعوى ذلك ولا ذكر ذلك الحافظ ابن الصلاح في علوم الحديث ولا الحافظ زين الدين بن العراقي في التبصرة بل نقل زين الدين في التذكرة عن ابن منده أن شرط النسائي أن يخرج حديث من لم يجمع على تركه قد قدمنا أن هذا قاله الحافظ المنذري نقلا عن أبي داود في خطبة مختصر السنن ولكنه قال الحافظ ابن حجر إنما أراد بذلك إجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من طبقات الرجال لا تخلوا عن متشددة ومتوسطة فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه

(1/219)


من الثانية يحيى بن القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من عبد الرحمن ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجمع الجميع على تركه ثم قال ابن حجر فإذا تقرر ذلك ظهر أن ما يبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي يجتنب النسائي إخراج حديثه انتهى
قال زين الدين هذا مذهب متسع قد عرفت مما نقلناه عن ابن حجر ما لا يتم معه هذا ذكر ذلك الذهبي في تذكرته أي تذكرة الحفاظ في ترجمة النسائي عن ابن طاهر عن سعد بن علي الزجاني قوله والله أعلم قد عرفته مما نقلناه من التذكرة عن ابن طاهر عن الزنجاني وأن دعواه أن شرط النسائي أشد من شرط البخاري ومسلم وظاهر كلام المصنف أن الذي في ترجمة النسائي من التذكرة هو هذا المنقول عن ابن منده ولم أجده في التذكرة في ترجمة النسائي وقال الذهبي في النبلاء في ترجمة النسائي إن ذلك صحيح أي ما قاله سعد الزنجاني وقال في النسائي هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم والترمذي وأبي داود وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة هذا كلام الذهبي وهو ينافي

(1/220)


ما تقدم من أنه لم يصح عن النسائي دعوى ذلك إلا أن يقال أن النسائي لم يدع ذلك لكن الأئمة الحفاظ تتبعوا كتابه فوجدوه بهذه المثابة فحكموا له بهذا الحكم كما قلناه في شرط الشيخين وقد تكلم الحافظ سراج الدين أي ابن النحوي في أول البدر المنير على شرطه واستقصى كلام الحفاظ فيه وروى أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامعه يعني جامع الأصول أن النسائي سئل قال ابن الأثير إنه سأله عنه بعض الأمراء أي عن حديث سننه الكبرى أصحيح هو فقال لا فقيل له اختصر لنا الصحيح منه وحده فصنف كتاب المجتبي واقتصر فيه على ذكر الصحيح مما في السنن انتهى قال ابن الأثير إن ترك كل حديث مما تكلم في إسناده بالتعليل انتهى قلت والمجتبي هو السنن الصغرى ولهذا يقول المحدثون رواه النسائي في سننه الكبرى وهذا يقوي أنه لا يجوز العمل بحديث السنن الكبرى من غير بحث لا يخفى أنه قال أئمة هذا الشأن في سنن النسائي الكبرى بقولين الأول أن شرطه فيها أشد من شرط الشيخين الثاني أن شرطه فيها شرط سنن أبي داود وهو إخراج حديث من لم يجمع على تركه والمصنف قد أجاز العمل بما سكت عليه أبو داود بما طول فيه الكلام فليجعل سنن النسائي مثله وأما السنن الصغرى المسماة بكتاب المجتبي فيجوز أي العمل بما فيها من غير بحث ولعلها هي التي فصلت أي التي قيل إن رجالها شرط النسائي فيهم أشد من شرط البخاري لكن قال الذهبي في ترجمة النسائي في النبلاء إن هذه الرواية لم تصح أي التي ذكرها ابن الأثير بل المجتبي اختصار ابن السني تلميذ النسائي وقال في ترجمة ابن السني في تذكرة الحفاظ إ ابن السني صاحب كتاب عمل يوم وليلة وراوي سنن النسائي كان دينا خيرا صدوقا إلى أن قال واختصر السنن وسماه المجتبي انتهى بلفظه ولم يذكر في ترجمة النسائي أنه اختصر السنن قال الذهبي وهذا هو الذي وقع لنا من سننه سمعته ملفقا من

(1/221)


جماعة سمعوه من ابن باقا ضبط بالقلم بالموحدة فألف فقاف بروايته عن أبي زرعة المقدسي سماعا لمعظمه إجازة لفوت له محدد أي معروف حده في الأصل متعلق بمحدد قال أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حميد الدروي ثنا القاضي أحمد بن الحسين الكار أنا ابن السني عنه قال الذهبي وكتاب خصائص علي ابن أبي طالب رضي الله عنه الذي ألفه النسائي بسبب دخوله دمشق فإنه قال دخلت دمشق والمنحرف بها عن على كثير فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله ذكره الذهبي في ترجمته في التذكرة داخل في سننه الكبرى وكأنه منه أخذ ابن السني كتابه عمل يوم وليلة زاد فيه ما ليس من السنن فمن أحب البحث عن حديثه والكشف عن رجاله استعان بمطالعة أطراف المزي وميزان الذهبي كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في سنن أبي داود وتقدم تحقيقه
مسألة في بيان شرط ابن ماجه
شرط ابن ماجه قال الحافظ الذهبي في التذكرة في ترجمته الحافظ الكبير المفسر هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني هو صاحب السنن والتفسير والتاريخ لقزوين وأما سنن ابن ماجه فإنه دون هذين الجامعين يعني كتاب أبي داود وكتاب النسائي والبحث عن أحاديثها لازم وفيها حديث

(1/222)


موضوع في أحاديث الفضائل وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن ماجه ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة وحفظ هذا الكلام نقله الذهبي في التذكرة عن أبي يعلي الخليلي لا من كلامه نفسه إلى أن قال وسنن أبي عبد الله كتاب حسن لولا ما كدره بأحاديث واهية ليست بالكثيرة انتهى كلام الحافظ الذهبي ونقل الذهبي عن ابن ماجه أنه قال عرضت هذه السنن على أبى زرعة فنظر فيه وقال أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها ثم قال لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف وأقر هذا الكلام في التذكرة ولكنه قال الذهبي في ترجمته في النبلاء وقول أبي زرعة لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في سنده ضعف أو نحو ذلك إن صح كأنما عنى بثلاثين حديثا الأحاديث المطرحة الساقطة وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة لعلها نحو الألف وقال فيه يف النبلاء كان حافظا ناقدا صادقا واسع العلم وإنما غض بالغين والضاد المعجمتين يقال غض منه نقص ووضع من قدره كما في القاموس من رتبة سننه ما فيها من المناكير وقليل من الموضوعات وإنما أراد الذهبي بقوله قليل تقليل الأحاديث الباطلة ولذا قال من الموضوعات وأما الأحاديث الضعيفة في عرف أهل الحديث ففيه قدر ألف حديث منها كما ذكر في النبلاء في ترجمة ابن ماجه وقدر بتشديد المهملة أي الذهبي الباطلة بعشرين حديثا فيحرر من النبلاء قال الذهبي في التذكرة وعدد كتب سننه اثنان وثلاثون كتابا قال أبو الحسن بن القطان صاحب ابن ماجه في السنن ألف وخمسمائة باب وجملة ما فيها أربعة آلاف حديث انتهى وقال ابن حجر في الفهرسة إنه قال الحافظ المزي إن الغالب فيما انفرد به ابن ماجه الضعف ولذا جرى كثير من القدماء

(1/223)


على إضافة الموطأ أو غيره إلى الخمسة قال الحافظ أول من أضاف ابن ماجه إلى الخمسة أبو الفضل بن طاهر حيث أدرجه معها في الأطراف وكذا في شروط الأئمة الستة ثم الحافظ عبد الغني في كتابه في أسماء الرجال الذي هذا به الحافظ المزي وسبب تقديم هؤلاء له على الموطأ كثرة زوائده على الخمسة بخلاف الموطأ وممن اعتنى بأطرافها الحافظ ابن عساكر ثمالزي مع رجالها
مسألة في الكلام على جامع الترمذي
وأما جامع الترمذي فلم يتعرض كأنه يريد الذهبي لذكر شرطه لأنه أي الترمذي قد أبان عن نفسه وذكر الصحيح والحسن والغريب أي ذكره في كل حديث يسوقه
فإن قلت قد يجمع بين الصفات الثلاث ومع تنافيها عرفا لا يعرف الناظر في كتابه مراده فيها
قلت سيأتي الجواب عن هذا في كلام المنصف
وما لم يصححه ول يحسنه فالظاهر أنه عنده ليس بحجة على أنه لا يعزب عنك ما أسلفناه فيما صححه أو حسنه من البحث فتذكر فمن أحب أن يعتمد على ما لم ينص الترمذي على صحته أو حسنه لزمه البحث عن رجال إسناده
وقد صنف في الحديث غير واحد من الحفاظ كما هو معروف في مثل تذكرة الحفاظ وغيرها وإيراده لهذه الجملة لدفع ما يتوهم أنه لم يصنف في الأحاديث

(1/224)


فالمشهور أن المنقطع ما سقط عن رواته راو واحد غير الصحابي انتهى إذ لو كان الساقط الصحابي لكان مرسلا واعلم أنهم يعلون الحديث بالانقطاع وتارة يضعفون به الإسناد ذكره زين الدين ولم يذكره ابن الصلاح نعم في كلامه ما يفيده في الجملة والثاني قوله وحكى الحاكم وغيره من أهل الحديث أنه أي المنقطع ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد وإن كان الساقط أكثر من واحد اثنان فصاعدا وهي عبارة الزين في موضع واحد سمي معضلا وإن لا يكن أكثر من واحد فمنقطع في موضعين هذا ظاهر العبارة وليس هذا المفاد هو المراد بل المراد وإلا يكن الساقط هو المتصف بأنه أكثر من واحد في موضع واحد بل كان في موضعين مختلفين مفترقين فهو منقطع في موضعين كما تدل له عبارة الزين فإنه قال أما إذا سقط واحد من بين رجلين ثم سقط من موضع آخر من الإسناد واحد آخر فهو منقطع في موضعين ثم قال لم أجد في كلامهم إطلاق المعضل عليه وإذا كان الانقطاع بأكثر من اثنين قيل منقطع بثلاثة أو أربعة أو نحوهما ويسمى المعضل أيضا منقطعا فكل معضل منقطع وليس كل منقطع معضلا إذ قد شرط فيه سقوط راو غير صاحبي والمعضل شرط فيه سقوط أكثر من واحد في موضع واحد فقد صدق على ما سقط فيه أكثر من واحد أنه سقط فيه الواحد فكلما سقط أكثر من واحد فهو منقطع ومعضل وأما ما لم يسقط فيه غير واحد فهو منقطع لا غير فعلى هذا كان ينبغي أن يرسم المنقطع بأنه سقط من رواته راو أو أكثر سواء كان على جهة التوالي أو لا قال الزين بعد كلام الحاكم فوق الحاكم قبل الوصول إلى التابعي ليس بجيد فإنه لو سقط التابعي لكان منقطعا اعلم أن الحاكم ذكر في النوع التاسع من أنواع علوم الحديث أن المنقطع ثلاثة أنواع ثم قال مثال نوع منها ثم ساق حديثا فيه عن أبي العلاء وهو ابن الشخير عن رجلين من بني حنظلة عن شداد بن أوس قال

(1/224)


كتب معتبرة إلا ما ذكر وكتب التفاسير للقرآن والرقائق كالكتب الوعظية من نحو الأحياء للغزالي وإن كان يشمله أيضا قوله والفقه فإنه جامع لذلك مع غيره والأصول وغيرها تشتمل على كثير من الحديث إذ علم الحديث هو الأدلة للأحكام والأصول والوعظ ولبيان معاني القرآن وحكم جميع ذلك موقوف أي العمل به على البحث عن صحة الحديث وحسنه وضعفه وكأن مراده بجميع ذلك ما عدا ما في الصحيحين نحوهما مما حكم الأئمة بصحته فإن هذه الكتب فيها من أحاديث الصحيحين والنظر في الرجال عند من لا يقبل المرسل مراده بالمرسل ما هو أعم مما هو معروف عند أئمة الحديث وللمرسل شروط تأتي في بابه إن شاء الله تعالى في أواخر الكتاب
وبالجملة فمن روى حديثا من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم فإنه لا يجوز القوم بصحة الحديث بمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إذ مجرد روايته ليس تصحيحا إلا بنص منه أو من غيره على صحته وحده أو على صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية كما سيأتي في المرسل فأما مجرد الرواية فليست طريقا إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الحديث الضعيفة وسوف يأتي ذكر هذه المسألة في بحث هل رواية العدل تعديل
وإنما ذكرت شروط أهل السنن كلهم كأنه جواب عما يقال إن أهل علوم الحديث لم يذكروا إلا شرط الشيخين وإن لم يكن من جملة علوم الحديث كأنه يريد مما لم يذكره من ألف في هذا الفن وإلا فإنها من علوم الحديث لأن ابن الصلاح وزين الدين ذكرا شروط البخاري ومسلم وأبي داود وبه تعرف أن مراد المصنف بقوله شروط أهل السنن ليس إلا النسائي وابن ماجه وأبو داود قد ذكروا شرطه والترمذي لا شرط له كما ذكره

(1/225)


المصنف والمستدركين على البخاري ومسلم المستخرجين لأحاديثهما الظاهر في عبارته أن المستخرجين صفة للمستدركين ولكن قد عرفت مما سبق أن المستدركين هم الذي تتبعوا أحاديث كتابي الشيخين وانتقدوا رجالا من رواتهما كما صنعه الدار قطني وغيره وأما المستخرجون فليسوا بمستدركين كما عرف من ذكرهم وذكر شروطهم فيما تقدم على أن المستدركين لم يذكر لهم شرطا فيما سبق ولا ذكره الزين ولا ابن الصلاح وذكر زين الدين شرط النسائي باختصار كثير فرأيت ذكر شروطهم الجميع أكثر مناسبة وأكمل إفادة والله أعلم
مسألة في ذكر شرط المسانيد
شرط المسانيد جمع مسند والمعروف في التصريف جمع مفعل على مفاعل ولكن جمعه مع الياء شائع قال زين الدين في ألفيته في هذا البحث ودونها في رتبة ما جعلا على المسانيد فيدعى الجفلى
بفتح الجيم والفاء معا مقصور وهي الدعوى العامة للطعام فإن الدعوة له عند العرب قسمين الجفلى وهي العامة التقوى وهي الخاصة واعلم أن أسانيد دون السنن في القوة وأبعد منها عن رتبة الصحة ولذا قال الزين ودونها أي دون السنن في الرتبة وفسر الزين الرتبة بالصحة كما قاله المصنف ووجهه أن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصحابي جميعه فيجمع الضعيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب فإن مؤلفه لا يورده لإثبات دعواه في الترجمة

(1/226)


إلا الحديث المقبول وسيشير المصنف إلى هذا ولا خفاء أن عبارتهما تفيد أن السنن كلها بعيدة عن رتبة الصحة والذي قرره قريبا خلاف هذا وكأنه من باب التغليب
قلت إلا أنه لإخفاء أن في المسانيد حسانا بل فيها صحيح وحسن بعضه قد يكون أرجح من أحاديث السنن فالتحقيق أنه لا يتم ترجيح مجموع من السنن على مجموع من المسانيد كمسند أحمد مثلا على مجموع من السنن كسنن أبي داود وإنما يتم ترجيح أفراد على أفراد كحديث معين من السنن على حديث من أحاديث المسند أو عشرة على عشرة أو نحو ذلك
وإذا عرفت هذا فينبغي أن يحمل كلامهم على أن أغلب أحاديث السنن أرفع رتبة من أغلب أحاديث المسانيد إلا أن فيه بعد هذا بحثا وهو أنها تقل الفائدة في هذا الترجيح عند العمل فإنه إذا تعارض مثلا حديث من مسند أحمد وحديث من سنن ابن ماجه وقد علم أن فيه ضعيفا كثيرا وعلم أن في مسند أحمد حسنا فلا ترجيح لحديث ابن ماجه لجواز أنه من الأحاديث الضعيفة وجواز أن حديث المسند من الحسان فيتوقف العمل على البحث فعرفت أنه لم يأت الترجيح الجملى بفائدة
ولا يقال فائدته أن يحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب كما عرف في الأصول والأغلب في أحاديث ابن ماجه الحسن وفي أحاديث مسند أحمد

(1/227)


الضعيف لأنا نقول مثل هذا لا يكفي في إثبات الأحكام الشرعية إنما يجري ذلك في الأبحاث اللفظية كقولهم إذا تعارض الاشتراك والمجاز حمل اللفظ على المجاز لأنه الأغلب ولا يقال الأحكام اللفظية ترتب عليها أيضا أحكام شرعية فإذا كفى ذلك هنالك فليكف هنا فيكون هذا فائدة الترجيح الجملى لأنا نقوم هذا لا يطرد
واعلم أني قلت هذا بحثا مني وبعد أعوام رأيت البقاعي قد نبه على هذا فقال بعد بيان كلام الزين والتفرقة بين السنن والمسانيد ما لفظه وليس ذلك من مسلم طردا ولا عكسا فإنه قد ينتقي صاحب المسند فلا يذكر إلا مقبولا كما صنع الإمام أحمد فإنه قال انتقيته من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث فما كان ينبغي أن يمثل به لما دون السنن وانه قال أي الزين إن في مسند أحمد الموضوع وقد هي شيخنا ذلك وصنف كتابا في المسند وكذا البزار انتقى مسنده وإذا ذكر ضعيفا بين حاله في بعض الأحايين وربما اعتذر عن إيراده بأنه ما وجد في الباب غيره أو بغير ذلك وكذا اسحق بن راهوية يخرج أمثل ما ورد عن ذلك الصحابي إذا عرفت هذا عرفت أنه يتعين تأويل كلامهم بما قررناه
وشرط أهلها أي أهل المسانيد أن يفردوا حديث كل صحابي على حدة بكسر المهملة الأولى يقال هذا على حدته وعلى وحده أي توحده أي يأتون بحديث كل صحابي على انفراد من غير نظر إلى الأبواب التي تلائم الحديث كما يصنعه غيرهم من المؤلفين على الكتب والأبواب ويستقصون جميع حديث ذلك الصحابي كله القاعدة تقديم كل على أجمع ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) لأن كلا وجميعا هنا تأكيد لحديث وأن لم يساقا مساقه في اللفظ وكأنه لذلك اغتفر الترتيب ولا فرق بين جميع وأجمع سواء رواه من يحتج به أو لا فقصدهم حصر جميع ما روى عنه ومن هنا ضعفت رتبته عن رتبة السنن كمسند أبي داود الطيالسي هو الحافظ الكبير سليمان بن داود بن الجارود الفارسي

(1/228)


الأصل البصري سمع ابن عون وشعبة بطبقتهم وعنه أحمد بن حنبل وغيره من أهل طبقته قال الفلاس ما رأيت أحفظ منه وقال ابن مهدي كان هو أصدق الناس قال الذهبي قلت كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث مات سنة أربع ومائتين وكان من أبناء الثمانين ويقال أنه أول مسند صنف قال البقاعي الذي حمل قائل هذا القول عليه تقدم عصر أبي داود على أعصار من يصنف المسانيد وظن أنه الذي صنفه وليس كذلك فإنه ليس من تصنيف أبي داود وإنما جمعه بعض الحفاظ الخراسانيين جمع فيه ما رواه يونس ابن حبيب خاصة عن أبي داود قال ويشبه هذا مسند الشافعي فإنه ليس من تصنيفه وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريين من مسموع الأصم من الأم وسمعه عليه انتهى ومثل مسند أحمد بن حنبل فإنه من أجمع المسانيد للحديث وهو إمام الحفاظ وعلم الزهاد أفردت ترجمته في مصنفات و مسند أبي بكر بن أبي شيبة قال في حقه الذهبي الحافظ الكبير العديم النظير الثبت التحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف وغير ذلك سمع من ابن المبارك وابن عيينه وطبقتهم وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وعوالم قال الخطيب كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير مات سنة خمس وثلاثين ومائتين و مسند أبي بكر البزار بفتح الموحدة فزاي مشددة هذا هو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل ومسند أبي القاسم البغوي قال الذهبي هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن عبد العزيز مولده في رمضان سنة أربع عشر ومائتين سمع علي بن المديني وأحمد بن حنبل وخلقا كبيرا أزيد من ثلاثمائة شيخ وجمع وصنف معجم الصحابة والجعديات وطال عمره وتفرد في الدنيا وغيرهم ومن أوسعها مسند بقي بالموحدة فمثناة تحتية بزنة تقي ابن مخلد بالخاء

(1/229)


المعجمة آخره مهملة بزنة مقتل قال فيه الذهبي الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرطبي صاحب المسند الكبير والتفسير الجليل الذي قال فيه ابن حزم ما صنف تيسير مثله أصلا مولده في رمضان سنة إحدى ومائتين قال وكان إماما علامة مجتهدا لا يقلد أحدا قدوة ثقة حجة صالحا عابدا مجتهدا أواها منيبا عديم النظير في زمانه قال أبو الوليد القرطبي ملأ بقاع الأندلس حديثا وعن بقي قال لقد غرست للمسلمين غرسا بالأندلس لا يقلع إلا بخروج الدجال وكان مجاب الدعوة وقيل إنه كان يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة وسرد الصوم وحضر سبعين غزوة مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومائتين ومسند الحافظ البارع أبي الحسين بن محمد الماسرخسي قال الذهبي هو الحافظ البارع أبو علي كذا في التذكرة وفي نسخ التنقيح أبو الحسين ولعله غلط الحسين بن محمد بن أحمد الماسرخسي النيسابوري صنف المسند الكبير مهذبا معللا في ألف جزء وثلثمائة جزء وجمع حديث الزهري جمعا لم يسبقه إليه أحد وكان يحفظه مثل الماء وصنف الأبواب والشيوخ والمغازي والقبائل وخرج على صحيح البخاري كتابا وعلى صحيح مسلم وأدركته المنية ودفن علم كثير بدفنه مولده سنة ثمان وتسعين ومائتين ومات في تاسع رجب سنة خمس وستين وثلثمائة قال الذهبي فرغ مهذبا معللا في ثلاثة آلاف جزء قد سمعت قول الذهبي إنه ألف جزء وثلثمائة جزء
وهذه المسانيد الكبار هي التي يذكر فيها طرق الأحاديث وما لها من المتابعات والشواهد التي اختصرها أهل الصحاح والسنن تسهيلا على الطالبين ثم اختصرت الصحاح بحذف أسانيدها وجمع متونها ثم ضمت إليها السنن كل ذلك تسهيلا للطالبين ثم مراده بالصحاح ما يشمل السنن
قال زين الدين وقد وعد ابن الصلاح مسند الدارمي في جملة المسانيد فوهم في ذلك لأنه مرتب على الأبواب لا على المسانيد قال الذهبي في حق

(1/230)


الدرامي هو الإمام الحافظ شمس الإسلام بسمرقند أبو عبد الله بن عبد الرحمن صاحب المسند العالي ثم قال وله المسند وكتاب الجامع وأثنى عليه وسمي كتابه مسندا كما سماه ابن الصلاح وكأنه سماه مؤلفه بالمسند وإن لم يكن على ترتيب المسانيد قال الحافظ ابن حجر اشتهر تسميته بالمسند كما سمي البخاري كتابه بالمسند الصحيح وإن كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسندة إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمعطلة والمنقطعة والمقطوعة قال هو ليس دون السنن في المرتبة بل لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجه فإنه أمثل منه بكثير انتهى
مسألة في الكلام على الأطراف
قد مر الكلام في ذكر الأطراف وهي من جملة ما اصطلح على تسميته أهل الحديث وجعله نوعا من التأليف له صفة يتماز بها عن غيره فيحسن ذكرها إذ قد صارت من جملة علوم الحديث وإن لم يتعرض لها ابن الصلاح وزين الدين في كتابيهما
وشرط أهل كتب الأطراف أن يذكروا حديث الصحابي مفردا كأهل المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا لا كأهل المسانيد يذكرون الحديث كله يعرف به ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق وما اختص به كل واحد منهم أي ما اختص به أحد مؤلفي الكتب الستة من طرق ذلك الحديث وإذا

(1/231)


اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم أو انفرد بعضهم ذكروا أي أهل الأطراف أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه فيعرف موضعه ليقرب البحث عنه وإن ذكره أي الواحد من أهل الكتب الستة مفرقا في موضوعين أو أكثر ذكروا أي أهل الأطراف كل واحد من الموضوعين فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده وهذا أعظم فوائد تأليف الأطراف فإنه يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها أي من الأطراف عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة إذا كان مقصوده معرفة طرق الحديث لأنها قد جمعت الأطراف لا إذا كان مقصوده معرفة ألفاظ المتون فإنها لا تكفي فيها لعدم اشتمالها على جميع ألفاظها ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضوع الحديث منها بنص صاحب الأطراف على محلها
وقد صنف فيها غير واحد من الحفاظ وأجل ما صنف فيه أي في هذا الفن كتاب الحافظ أبي الحجاج المزي تقد ضبطه وهو إمام كبير ختم الحافظ الذهبي تذكرة الحفاظ بترجمته فقال شيخنا العالم الحبر الحافظ الأوحد محدث الشام ثم ذكر قراءته ورحلته إلى أن قال وكان ثقة حجة كثير العلم حسن الأخلاق كثير السكوت قليل الكلام جدا صادق اللهجة لم تعرف له صبوة كان متواضع حليما صبورا مقتصدا في ملبسه ومأكله كثير المشي في مصالحه ترافق هو وابن تيمية كثيرا في سماع الحديث وفي النظر وكان ذا سماحة ومروءة باذلا لكتبه وفوائده ونفسه كثير المجلس توفي في صفر سنة اثنين وأربعين وسبعمائة قال السيخ مجد الدين الشيرازي هو مؤلف قاموس أبو الطاهر الفيروز باذي كان يدعي أنه من ولد الشيخ أبي اسحق صاحب المهذب ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وأقبل على الطلب في فنون العلم وأقبل على اللغة وعظم شأنه وألف كتبا نفيسة منها القاموس

(1/232)


وشرح البخاري ولم يتم خرج في آخر أمره إلى اليمن وتزوج الملك الأشرف ببنته وولاه قضاء اليمن وتوفي بها في مدينة زبيد وقبره معروف ووفاته في شوال سنة سبع عشرة وثمانمائة وأما تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف للحافظ الكبير الشيخ جمال الدين فإنه كتاب معدوم النظير مفعم الغدير بضم الميم فيعن مهملة بزنه مكرم أي مملوء من أفعم الإناء إذا ملأه يشهد لمؤلفه على إطلاع كثير وحفظ بتير بموحدة فمثناة فوقية فمثناة تحتية فراء في القاموس البتير القليل والكثير والعلماء يقولون محدث ما له أطراف كإنسان ما له أطراف وقد قصد أي أبو الحجاج المزي بوضعه أي وضع كتاب الأطراف تحصيل الكتب المعتبرة التي هي دواوين الإسلام المشتهرة وهي الأمهات الست بأسانيدها في مختصر وليس قصده ذكر تمام متون الأحاديث وسردها وإنما يذكر الراوي أولا وطرفا من الحديث إلى أن يتميز عن غيره من الأحاديث ثم يقول رواه فلان بسند كذا وفلان بسند كذا إلى أن يفرغ من ذكر من رواه من آهل الكتب فإذا نظره المحدث عرف من أول نظرة بدا بدا كذا في النسخ ولعله تصحيف بادئ بدء أو بادي بدا ومعناه أول شيء كما في القاموس وفيه لغات أخر علوه مفعول عرف والمارد علو سنده ونزوله بالنسبة إلى كل مصنف من الأئمة الستة وقد سبقه إلى ذلك الحافظ أبو مسعود الدمشقي وأطرافه أيضا كتاب نفيس مفيد وله فضل التقدم وكتاب الشيخ جمال الدين المزي اجمع وانفع واجل قدرا وارفع وسئلت عنهما أي عن الأطراف أبي مسعود وأطراف المزي في وقت فقلت بينهما بون بفتح الموحدة وتضم مسافة ما بين الشيئين كثير بلا مراء بلا ممارة ولا جدال وأشبه شرج بالشين المعجمة مفتوحة فراء ساكنة فجيم شرجا لو أن أسيمرا بالسين المهملة قال الزمخشري في مستقصى الأمثال شرج اسم موضع والأسمير تصغير الأسمر جمع سمرة قاله لقيم بن لقمان المادي

(1/233)


حين أوقد له أبوه هذا الشجر في أخدود حفره على طريقه أراد سقوطه فيه وهلاكه حسدا له ففطن له لما لم ير السمر في مكانه يضرب في تشابه الشيئين وبينها أدى تخالف وتكافأت المكافأة المساواة الغواني بالغين المعجمة جمع غانية في القاموس الغنية المرأة التي تطلب ولا تطلب والغنية بحسنها عن الزينة أو التي غنيت ببيت أبوها ولم يقع عليها سباء أو الشابة العفيفة ذات زوج أولا لو أصبى وفيه أصبته وتصبته شاقته إلى الصبا فحن إليها غيره عزه بفتح المهملة وتشديد الزاي وهي لغة بنت الظبية والمراد هنا المرأة التي أصبت كثيرا وشبب بها في أشعاره وقصته معروفة وهو بصيغة تصغير كثير
مسألة في بيان المراد بصحة الإسناد وحسنه
المراد بصحة الإسناد وحسنه وضعفه اعلم أن من أساليب أهل الحديث أن يحكوا بالصحة والحسن والضعف على الإسناد دون متن الحديث فيقولون إسناد صحيح دون حديث صحيح ونحو ذلك أي حسن أو ضعيف لأنه يصح الإسناد لثقة رجاله ولا يصح الحديث لشذوذ أو علة كما سيأتي في الشاذ والمعلل وهذا كثير ما يقع في كلام الدار قطني والحاكم والحاصل أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن إذ قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شرائطهما ولا يصح المتن لشذوذ أو علة وقد لا يصح السند ويصح المتن من طريق أخرى
قال ابن الصلاح غير أن المصنف المعتمد أي الذي هو عمدة وقدوة منهم أي من أهل الحديث إذا اقتصر على قوله إنه صحيح الإسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه أي متن الحديث صحيح في نفسه لأن عدم العلة هو الأصل والظاهر قال عليه الحافظ ابن حجر قلت لا نسلم أن عدم

(1/234)


العلة هو الأصل إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح ماذا كان قولهم صحيح الإسناد يحتمل آن يكون مع وجود علة لم يتحقق عدم العلة فكيف تحكم له بالصحة وقوله عن المصنف المعتمد إذا اقتصر إلى آخره يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا تختص بغير المعتمد وهو كلام ينبو عن السمع لان المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد والذي يظهر لي أن الصواب هو التفرقة بين من يفرق في وصف الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق فمن عرف من حاله بالاستقراء التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا وقييده على الإسناد فقط ومن عرف من حاله انه لا يصف الحديث دائما أو غالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في حقه ما قاله المصنف آخرا والله أعلم ومراده بالإطلاق عدم ذكر السلامة بعد وصفه بالصحة وبالتقييد ذكرها وهو كلام متجه
قال زين الدين وكذلك إذا اقتصر على قوله انه حسن الإسناد ولم يتعقبه بضعف قلت هذا الكلام من الشيخين متجه لأن الحفاظ قد يذكرون ذلك لعدم العلم ببراءة الحديث من العلة لا لعلمهم بوجود علة غذ لو علموا بوجودها ما جاز السكوت عن الإعلال ويصرحون لهذا كثيرا فيقول أحدهم هذا حديث صحيح الإسناد ولا أعلم له أي للمتن الدال عليه ذكر الإسناد ولا يصح جعل الضمير للإسناد علة على أن الأصوليين والفقهاء وكثيرا منهم أي من المحدثين يقبلون الحديث المعل كما سيأتي قد عرفت مما سبق أنه لا بد في الصحيح من عدم العلة أو الشذوذ كما ذكر في رسمه عند المحدثين وأنه لا يشترط فقد العلة عند الفقهاء إلا إذا كانت قادحة فراجع ما قدمناه ثم القبول له لا يلزم منه أنه صحيح فإنهم يقبلون الحسن كما قال زين الدين في ألفيته
( والفقهاء كلهم تستعمله ... والعلماء الجل منهم يقبله ) أي الحسن

(1/235)


سبق فلم أو غلط من النساخ وضعف الجوابين الشيخ تقي الدين فمزجت بالزاي والجيم من المزج وهو الخلط المجوابين أي جوابي ابن الصلاح بردهما للشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد أفاد ذلك قوله قال ابن الصلاح غير مستنكر أن يراد بالحسن معناه اللغوي دون الاصطلاحي قد قدمناه تفسير ابن الصلاح للغوي قال الشيخ تقي الدين ردا عليه يلزم عليه الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ انه حسن إذ قد تميل إليه النفس ولا يأباه القلب مع انه لا يطلق عليه الحسن عندهم فلو أرادوا المعنى اللغوي لأطلقوا الحسن على الموضوع قال الحافظ ابن حجر هذا الإلزام عجيب لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح فحكمه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا قال ابن الصلاح وهو جوابه الأول كما عرفته مما سقناه من كلامه أو يريد أي الترمذي ونحوه بالحسن ما اختلف سنده هو صحيح بالنظر إلى إسناد حسن بالنظر إلى إسناد آخر قال الشيخ تقي الدين رادا عليه ويرد عليه الأحاديث التي قيل فيها حسن صحيح وليس لها إلا مخرجا واحد أي سند واحد فلا يتم الجواب قال الشيخ تقي الدين وفي كلام الترمذي في مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه فهو تصريح بأنه لا يعرف له إلا طريق واحد فكيف يتم الاتصاف بالأمرين لإسناد واحد وذلك كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا قال فيه الترمذي حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ وحينئذ فلا يتم ما أجاب به ابن الصلاح قلت يمكن الجواب على الشيخ تقي الدين في هذا الاعتراض أي على مجرد ما مثل به وغيره بأجوبة الأولى بأن الترمذي أراد انه لا يعرف الحديث بذلك اللفظ كما قيد به في هذا المثال أتراد انه قد ورد انه قد ورد معناه بإسناد آخر أخذا من مفهوم قوله على هذا اللفظ والثاني قوله أو يريد أي الترمذي بقوله لا نعرفه إلا من هذا الوجه من ذلك الوجه كما يصرح به

(1/237)


في غير حديث أي لا نعرفه حسنا صحيحا إلا من هذا الوجه ونعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا الأمن هذا الوجه وتعرفه من وجه آخر بغير تلك الصفة مثل أن يكون الحديث صحيحا غريبا من حديث أبي هريرة أو من حديث تابعي أو من دونه فيقول لا نعرفه أي صحيحا غريبا إلا من هذا الوجه ويكون صحيحا أي حديث التابعي أو غيره مشهورا من غير تلك الطريق ولا تنافي بين الصحة والغرابة بهذا الاعتبار والثالث قوله أو يردوا انه لا يعرف الحديث عن ذلك الصحابي الذي رواه عنه إلا بذلك الإسناد فقوله لا يعرف إلا من هذا الوجه أي عن ذلك الصاحبي وله إسناد آخر عن صحابي آخر يصحبه وصفه بالصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر يصحبه وصفه الصحة والحسن وهذا أي رواية صحابي آخر بإسناد آخر هو المسمى بالشاهد فإنه شاهد لهذا الحديث الذي تفرد بروايته صحابي بإسناد له وإنما عدم التابع وهو روايته أي ذلك الحديث بعينه عن ذلك الصحابي من طريق أخرى فالفرق بين الشاهد والتابع انه في الأول يختلف الصحابي والطريق والثاني تختلف الطريق ويتحد الصحابي وسيأتي تحقيقهما
وقد عرف من طريقة المحدثين تسمية الحديث المروي عن صحابيين بحديثين وان كان لفظه أو معناه واحدا فلما اصطلحوا على ذلك رأي الترمذي أن ذلك الشاهد حديث آخر ليس هو هذا الحديث وان اتحد لفظا أو معنى غذ لا دليل على أن الصحابيين اللذين روياه سمعاه مرة واحدة من النبي صلى الله عليه و سلم بل يجوز انه صلى الله عليه و سلم كرره في مجالس فسمع كل في مجلس غير مجلس الآخر فعدوه حديثين باعتبار تكرره منه صلى الله عليه و سلم ولا يخفي انه لا دليل على انهما سمعاه كل واحد في مجلس بل هو محتمل لاتحاد المجلس ولتعدده فالحكم له بأحدهما تحكم
ثم أجاب الشيخ تقي الدين في الاقتراح بعد رد الجوابين اللذين أجاب بهما ابن الصلاح المذكورين فيما تقدم تقريبا بجواب على الإشكال في جمع الترمذي مثلا بين الوصفين حاصله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة

(1/238)


وهذا دفع لعلة الإشكال لأنه قال المصنف والزين ويغرهما أن وجه إشكال وصف الحديث بالحسن والصحة معا هو قصور الحسن عن الصحيح فمنع الشيخ تقي الدين كون العلة القصور لا مطلقا ولذا قال إلا حيث انفرد الحسن فيراد بالحسن حينئذ أي حين إذ يفرد الحسن عن الصحة في صفة الحديث المعنى الاصطلاحي في الحسن وهو الذي يلزمه القصور عن رتبة الصحيح وأما أن ارتفع أي الحديث إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة تبعا للصحة لوجود صفاته في ضمن صفاتها لأن وجود الدرجة العليا وهي الصحة التي هي عبارة عما ذكره بقوله وهي الحفظ والإتقان لا تنافي وجود الدرجة الدنيا التي هي صفة الحسن التي هي كالصدق وخفة الضبط وإذا لم تنافه فيلزم أن يقال في صفة الحديث حسن باعتبار الصفة الدنيا ويقال فيه صحيح باعتبار الصفة العليا ولا يخفي أن معنى كونه حسنا اصطلاحا أن رواته ممن خف ضبطهم وكونه صحيحا أيضا أن رجاله مناهل الضبط التام ومعلوم انه لا يقال صحيح إلا وهم من آهل الضبط التام فكيف تلاحظ خفة الضبط وحاصله أن لازم الحسن خفة ضبط رواته ولازم الصحيح تمام ضبط رواته أي عجم خفته فما معنى وجود لازم الحسن فيمن تم ضبطه وإتقانه فإن أريد هذا اللازم للحسن غير مراد هنا كما يفيده قوله أن الحسن لا يشترط فيه القصور عن الصحة فهو عائد إلى أن المراد بالحسن الصحيح وان قوله حسن صحيح بمثابة قوله صحيح ولكنه لا يناسبه قول الشيخ تقي الدين لان وجود الدرجة العليا لا تنافي وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ما عديمه إلا الدرجة العليا لتنافى وجود الدرجة الدنيا فإنه على هذا التقدير ماعدتمة إلا الدرجة العليا ويؤيد كون هذا الأخير مراده قوله قال ويلزم على هذا أي على عدم اشتراط قصور الحسن عن الصحة أن يكون كل صحيح عنده أي عند الترمذي حسنا فعلى هذا الحسن عندهم ثلاثة أطلا قات تارة يطلق على ما يطلق عليه الصحيح ويشترط فيه شرائط وتارة ما خف ضبط رواته وهو الحسن لذاته وتارة على ما حسنه بالقياس إلى غيره

(1/239)


قلت وهذا خلاف ما تقرر فيما سلف أن الترمذي ربما أتى في كتابه بالحسن لغيره كما صرح به كلامه المنقول عنه فيما سلف
ويؤيده أي يقوي إطلاق الحسن على الصحيح قولهم حسن في الأحاديث الصحيحة وهذا موجود في كلام المتقدمين انتهى كلام ابن دقيق العيد الذي نقله عنه الزين في شرح ألفيته وقد وافقه أي الشيخ تقي الدين على هذا الذي زعمه من أن كل صحيح عند الترمذي حسن الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن المواق بتشديد الواو وآخره قاف فانه قال وكل صحيح عند الترمذي حسن وليس كل حسن صحيحا قلت تلخيص هذا أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول النوع تحت الجنس كالإنسان تحت الحيوان قلت لا يذهب عنك انه قد تقدم في كلام الشيخ تقي الدين أن الصحيح أخص من الحسن قال الشيخ تاج الدين التبريزي ودخول الخاص في حد العام أمر ضروري وقال زين الدين أنه اعتراض متجه ونظره المصنف بما تقدم له ورددناه وهنا قال المصنف أن الحسن يدخل تحت الصحيح دخول الإنسان تحت الحيوان فجعل الحسن خاصا والصحيح عاما والذي تقدم خلاف هذا هو أن الصحيح أخص لأنه الحسن وزيادة كالإنسان فإنه الحيوان وزيادة وعبارتهم هنا قاضية بأخصية الصحيح فإنه قال أن كل صحيح حسن كما تقول كل إنسان حيوان فكان المتعين أن يقول المصنف أن الحسن يدخل تحته الصحيح بالضمير في تحته فيستقيم الكلام ويدل له قوله وقد تقدم فيه نظر يشير إلى ما تقدم له من قوله ردا على الزين لما قال أن اعتراض تاج الدين متجه قلت بل هو اعتراض غير متجه لأن العموم والخصوص إنما نقع على الحقيقة في الحدود إلى آخر كلامه وتقدم ما تعقبناه به وهو غير وارد هنا لأنه أي الذي مضى إشكال على صحة هذا أي هذا القوم بالعموم والخصوص في رسوم هذه الأقسام لا على صحة التسمية التي هي المراد هنا

(1/240)


ممن اعتقد صحة هذا أي العموم والخصوص في هذه الرسوم كأنه يريد أن هذه التسمية تفرعت عن اعتقاد العموم والخصوص في رسوم هذه الأشياء فلا يرد الإشكال على الفرع على من اعتقد صحة الأصل وهذا لطيف جدا فتأمله وأورد أبو الفتح اليعمري هو ابن سيد الناس على ابن المواق كما صرح به زين الدين والمصنف قال على هذا وهو ما سلف عن ابن دقيق العيد وابن المواق أن الترمذي شرط في الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك في الصحيح فانتفى أن يكون كل صحيح حسنا انتهى قال الحافظ ابن حجر وهو تعقب وارد ورد واضح على من زعم التداخل بين النوعين قلت تقدم للمصنف الرد على ابن المواق بأن الترمذي يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن إلى آخر كلامه فأفاد أنه لا يقول الترمذي كل صحيح حسن قال زين الدين فعلى هذا أي على كون كل صحيح حسن الإفراد الصحيحة أي التي لم ترو إلا من وجه واحد ليست حسنة عند الترمذي لأنها لم ترو من وجه آخر وهو شرط الحسن عند الترمذي وذلك كحديث الأعمال بالنيات فإنه فرد بالنسبة إلى أول رتبة منه وما بعدها من رتبة فإنه تفرد به عنه صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب ثم تفرد به عم عمر علقمة واستمر التفرد إلى يحيى بن سعيد وحديث السفر قطعة من العذاب فإنه تفرد به مالك وحديث نهى عن بيع الولاء وعن هبته فإنه تفرد به عبد الله بن دينار قال أي زين الدين وجواب ما اعترض به أي ابن سيد الناس أن الترمذي إنما يشترط ذلك في أسحن أي مجيء الحسن من وجه آخر إذا لم يبلغ مرتبة الصحيح فإن بلغها لم يشترط ذلك فليس شرطه ذلك في الحسن مطلقا بدليل قوله أي الترمذي في مواضع من جامعه هذا حديث حسن صحيح غريب فلما ارتفع إلى رتبة الصحة اثبت له الغرابة باعتبار فرديته انتهى كلام

(1/241)


الزين فهذا صريح في أنه يصف الحديث بأنه حسن إذا بلغ رتبة الصحيح وأن لم يأت إلا من وجه واحد قال المصنف وعندي جواب آخر يوجه به جمع الترمذي بين الحسن والصحة في صفة حديث واحد وهو أن يريد الترمذي أن الحديث صحيح في إسناده ومتنه مبتدأ خبره حسن في الاحتجاج به على ما قصد الاحتجاج به فيه ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي دون الاصطلاحي تقدم تفسير الحسن اللغوي بأنه ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب وهو صفة اللفظ وليس مدلولها الاحتجاج به ولا يرد على هذا ما أورده الشيخ تقي الدين على ابن الصلاح حيث حمل الحسن على اللغوي وهو من لزوم تحسين الموضوع لأن الموضوع وأن كان قد يكون حسنا لغة لكنه لا يحسن الاحتجاج به لأن ابن الصلاح أطلق الحسن اللغوي وقد قيده المصنف به لإخراج الموضوع ولم يقيده ابن الصلاح بحسن الاحتجاج فورد على إطلاقه والله أعلم قل إلا أنه لا يخفى أن زيادة قيد حسن الاحتجاج ليس من مدلول الحسن اللغوي كما أشرنا إليه فهذا معنى للحسن آخر ليس لغويا ولا هو الاصطلاحي المعروف وقال الحافظ ابن حجر نقلا عن غيره وقيل يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم فيريد حسن باعتبار إسناده صحيح باعتبار كونه من قبيل المقبول وكل مقبول يجوز أن يطلق عليه شيء من الإشكالات إلا ما عرفته من أنه ليس مدلوله ذلك لغة وكذلك يرد عليه أنه كان الحديث صحيح الإسناد ولامتن فالاحتجاج به معلوم لا يفتقر إلى ذكره ولأنه لم يأتي في اصطلاحهم وصف الحديث بالحسن مرادا به حسن الاحتجاج به ولا يحمل كلامهم إلا على اصطلاحهم ولأنه قد يكون الحديث صحيح الإسناد والمتن ويخلو عن الحسن اللغوي بأن يكون لفظه غريبا فإن الغريب لا تميل إليه النفس ثم أنه كان الأولى على تقدير إرادة ما ذكره المصنف أن يقال صحيح حسن

(1/242)


لا حسن صحيح لأن الاحتجاج فرع عن صحته
فإن قيل يرد عليه أي على هذا الجواب أنه يلزم منه أن يقول أي الترمذي في الحديث الحسن هذا حديث حسن حسن مرتين أحدهما يعني بها الحسن الاصطلاحي والأخرى يعني بها الحسن اللغوي قد عرفت مما سلف أن الإشكال وارد على جمع الوصف للحديث بين صفتي الحسن والصحة وأنه أجاب المصنف بأن المراد بالحسن الاحتجاج به وبالصحة صحة إسناده لو متنه حسن للاحتجاج به وهذا السؤال وارد على انفراد بصفة الحسن أو ليس فيه إشكال ومعلوم أنه لا يريد أن السؤال هذا وارد على محل الإشكال وأنه يريد أنه يلزم أن يقال حديث حسن حسن صحيح واحتمال إرادته هذا تكلف
فالجواب أنه يجوز أن يريدهما أي الحسن اللغوي والاصطلاحي بلفظ واحد كما لو صرح بذلك فقال هذا حديث إسناده والاحتجاج به قد عرفت أن الاحتجاج به ليس معناه اللغوي لأن الحسن الاصطلاحي بعض أنواع الحسن اللغوي قد ينازع في هذا ويقال بينهما عموم وخصوص من وجه لوجود الحسن اللغوي في الموضوع ووجود الحسن الاصطلاحي فيما كان في لفظه غرابة واجتماعها فيما حسن إسناده وفيما تميل النفس إليه ولا يأباه القلب وليس الحسن مشتركا بينهما أن يعبر به عن كلا معنييه وهو اختيار الأصحاب يريد الزيدية وعبر ذلك هنا وفيما سلف وقدمنا رأيه في هذا في لفظ مولي في حديث من كنت مولاه فعلى مولاه أخرجه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس عن بريدة وأحمد وابن ماجه عن البراء والطبراني وابن جرير وأبو نعيم عن جندع الأنصاري وابن قانع عن حبشي بن جنادة وأخرجه أئمة لا يأتي علهم العد عن جماعة من الصحابة وقد عده أئمة من المتواتر وهذا بحث أصولي

(1/243)


أي كون المشترك يطلق على معنييه أولا فإنه من مسائل الخلاف في الأصول الفقهية لكن لا يخفى أن هذا يتوقف على معرفة رأي الترمذي في اللفظ المشترك
واعلم أنه قد أجاب الحافظ ابن حجر جوابا حسنا عن جمع الترمذي بين صفتي الحسن والصحيح للحديث فقال في النخبة وشرحها فإن جمعا فالمتردد في الناقل هل اجتمعت فيه شروط الصحة أو قصر عنها وهذا حيث التفرد بتلك الرواية وألا يحصل التفرد فباعتبار إسنادين أحدهما حسن والآخر صحيح قال وعلى هذا فما قيل حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا لأن كثرة الطرق تقوي أي تقوي الحديث من رتبة الصحيح إلى رتبة الأصح
ثم أني بعد أي بعد ما ذكرت ما سلف فحذف المضاف إليه وبنيت بعد على الضم وقفت على كلام جيد يتعين المصير إليه إلا أنه كلام في وصف الترمذي للحديث بالحسن وليس له إلا طريق واحد مع قول الترمذي في الحسن إنه الذي يروي من غير وجه مع سائر ما ذكر من شروطه مع أنه يقول في بعض الأحاديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه لا أنه كلام في إشكال جمعه بين الحسن والصحيح الذي هو الإشكال الأصلي وقد أجاب عنه ابن حجر بأجوبة آخر وما تعقبها ثم قال وفي الجملة أقوى الأجوبة جواب ابن دقيق العيد ذكره أي الكلام الجيد حافظ العصر أي عصره وعصر المصنف فإنهما كانا في عصر واحد وتوفي المصنف قبله فإنه توفي في اليوم الرابع والعشرين من شهر محرم غرة سنة أربعين وثمانمائة وتوفي الحافظ في اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة سنة اثنين وخمسين وثمانمائة العلامة الشهير بابن حجر في شرح مختصره يريد شرج النخبة في علم الحديث فقال ما لفظه فإن قيل قد صرح الترمذي بأن شرط الحسن أن يروي من غير وجه فكيف يقول في بعض الأحاديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه فإن هذا ينقضي بأن هذا الحسن لم يرد إلا من طريق واحد كما هو شرط الغريب فالجواب أن

(1/244)


الترمذي لم يعرف الحسن مطلقا بما نقله عنه المصنف قريبا ناسبا له إلى ابن حجر وإنما عرف بنوع خاص منه وقع في كتابه وهو ما يقول فيه حسن من غير صفة أخرى مضمومة إليه من صحيح وغريب فلا يرد ما أورده ابن سيد الناس اليعمري من إيراده الذي سلف قريبا وذلك لأنه يقول في بعض الأحاديث حسن وفي بعضها صحيح وفي بعضها غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب إلى آخر الأقسام اختصر المصنف عبارة ابن حجر وعبارته هكذا وفي بعضها حسن غريب وفي بعضها صحيح غريب وفي بعضها حسن صحيح غريب وتعريفه أي الترمذي إنما وقع على الأول وهو حيث يفرد الحسن هذا كلامه ثم قال وعبارته أي الترمذي ترشد إلى ذلك حيث قال في آخر كتابه وما قلنا في كتابنا حديث حسن فإنما أرادنا بأن حسن إسناده عندنا وكل استئناف وهو هكذا في الترمذي وفي شرح النخبة نفلا عن الترمذي لأن كل إلى آخره حديث يروى ولا يكون راويه متهما بكذب لفظ الترمذي ولا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروي إلى آخره فوقع تقديم وتأخير وإبدال فيما نقل من عبارته كأنه نقل بالمعنى ويروى من غير وجه أي بل من اوجه كثيرة والمراد فوق الواحد نحو ذلك ولا يكون شاذا تمامه فهو عندنا حديث حسن وما كان يحسن حذف المصنف له لأنه خبر قوله كل حديث ثم قال الحافظ بعد هذا فعرف بهذا أنه إنما عرف الذي يقول فيه حسن فقط أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أو حسن صحيح غريب فلم يعرج على تعريفه كما لم يعرج على تعريف ما يقول فيه صحيح فقط أو غريب فقط وكأنه ترك ذلك استغناء به لشهرته عند أهل هذا الفن واقتصر على تعريف ما يقول في كتابه حسن فقط لغموضه وأما لأنه اصطلاح جديد ولذلك قيده بقوله عندنا ولم ينسبه إلى أهل الحديث كما فعل الخطابي

(1/245)


وبهذا التقرير يندفع كثير من الإيرادات التي طال البحث فيها ولم يسفر وجه توجيهها انتهى كلام الحافظ وهو حسن إلا أنه مبني على أنه لم يقل الترمذي حسن فقط إلا في حديث يرويه من وجوه فليطالع الترمذي وقد تتبعت مواضع فوجدت كلام الحافظ في إفراده الحسن صحيحا ولم استوف ذلك
مسألة في بيان القسم الثالث هو الحديث الضعيف القسم الثالث من الثلاثة الأقسام وقد تقدم الصحيح والحسن وهذا القسم في الضعيف قال ابن الصلاح ما لم يجمع صفات الصحيح ولا صفات الحسن فهو ضعيف قال زين الدين تعقبا له ذكر الصحيح غير محتاج إليه في بيان الضعيف لأن ما قصر عن الحسن فهو عن الصحيح أقصر وأجاب عن ذلك بعض من عاصر الحافظ ابن حجر فقال مقام التعريف يقتضي ذلك إذا لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين قال ونظيره قول النحويين إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل فالحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا من علامات الفعل انتهى وأقول النظير غير مطابق لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوما وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف والحق أن كلام المصنف يعني ابن الصلاح معترض وذلك أن كلامه يقتضي أن الحديث حيث تنعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك لأن تمام الضبط
247 - مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع ويسمى الحديث الذي اجتمعت في الصفات سواء حسنا ولا ضعيفا وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا ولو عبر بقوله حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان اسلم من الاعتراض وأخصر انتهى وان كان بعضهم يقول أن الفرد الصحيح لا يسمى حسنا على رأي الترمذي فقد تقدم رده هذا من كلام زين الدين دفعا لما يقال لو اقتصر ابن الصلاح على قوله ما لم يبلغ صفات الحسن للزم أن يدخل الفرد الصحيح في رسم الضعيف لأنه لم يبلغ صفات الحسن فلذا لم يسم حسنا فأجاب زين الدين بأنه قد تقدم رد هذا وأنه يسمى الفرد الصحيح حسنا قلت لا اعتراض على ابن الصلاح فإنه لا يلزمه أن يحد الضعيف على رأي غيره وإنما كان يرى أن كل صحيح حسن أو كان الدليل على أن كل صحيح حسن قاطعا ملتزما لكل مكلف أن يسميه بذلك قد عرفت أن زين الدين قال في اعتراضه أن ذكر دعم بلوغ الحديث رتبة الحسن يفيد أنه لم يبلغ درجة الصحيح لأن الصحيح أخص من الحسن وإذا انتفي الأعم انتفى الأخص ضرورة انتفاء الأخص عند انتفاء الأعم والمصنف اعترضه بأنه لا يرد على ابن الصلاح ما أورده إلا بأحد الأمرين الأول أن يكون رأي ابن الصلاح أن كل صحيح حسن أو بأن يقوم على ذلك دليل قاطع ولم يوجد الأمرين كما أفاده قوله وليس كذلك أي ليس واحد من الأمرين موجودا وإنما هذا الكلام في اصطلاح أهل الأثر ولم يصطلحوا كلهم على أن كل صحيح حسن هذا كلام جيد إلا أن الذي تفيده عبارة ابن الصلاح أنه يقول بأن الصحيح أخص من الحسن فإنه قد تقدم عنه انه قسم الحسن إلى قسمين وأفاد فيما ذكره أخصية الصحيح ثم قال في آخر كلامه ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهذا مع

(1/246)


ما فصله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأيه رأي من يقول بأن كل صحيح حسن فيتم الاعتراض عليه على أنه وان سلم أنه يقول أن الصحيح والحسن متحدان فالاعتراض وارد عليه لا غناء ذكر أحدهما عن الآخر
فهذا كالم جملى في تعريف الضعيف وأما التفضيلي فتقول شروط الصحيح والحسن ستة وهي الضبط والعدالة والاتصال وفقد الشذوذ وفقد العلة وعدم العاضد عند الاحتياج كذا عدها البقاعي وهي شروط القبول وشروطه شروط الحسن والصحيح فإذا اختل شرط منها فاكثر ضعف الحديث فلت يشكل هذا بما إذا قدم تمام الضبط فإنه من شروط الصحيح وإذا فقد بأن خف صار الحديث حسنا وعبارة الزين أقسام الضعيف ما فقد فيه شط من شروط القبول قسم وشروط القبول هي شروط الصحيح والحسن انتهى فلا إشكال في عبارته ولا يرد عليه ما ذكرنا لأنه إذا خف الضبط فالحديث مقبول لأنه حسن فلا يكون الحديث ضعيفا على هذا الكلام إلا إذا فقد فيه شروط الصحيح وشروط الحسن ولا يشكل
فالضعيف باعتبار اختلال شرط من شروطهما ستة أسباب أحدها عدم الاتصال الذي هو أول شروط الصحيح زاد الزين حيث لم يتميز المرسل بما يؤكده وكأن المصنف اكتفى عن هذا الشرط بقوله على الخلاف كما سيأتي في بحث المرسل وثانيها عدم عدالة الرجال وهو ثاني شروط الصحيح قلت وهذه عبارة الزين وكان الأحسن أن يقال الرواة ليشمل النساء تغليبا ولا يتأنى ذلك في لفظ الرجال وثالثها عدم سلامتهم من كثرة الخطأ وكثرة الغفلة وهذه عبارة الزين وقال الحافظ ابن حجر بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى انتهى قلت وجهه أنه يوافق ما سلف في رسم الصحيح من قولهم نقل عدل ضابط ورابعها عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما بالكذب عبارة

(1/248)


الزين وليس متهما بالغلط قال الحافظ ابن حجر وكذا إذا كان فيه ضعف بسبب سوء الحفظ أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي أو كان مرسلا كما قررنا ذلك في الكلام الحسن المجبور وخامسها الشذوذ وسادسها الغلة وسيأتي بيان معنى الشذوذ والعلة والضعيف باعتبار هذه الأسباب أقسام كثيرة قال الحافظ ابن حجر تلخيص التقسيم المطلوب أن قيد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في أثنائه وبيانه في كلام المصنف لأن عدم الاتصال أي اتصال الحديث بالراوي يدخل تحت قسمان المرسل زاد زين الدين الذي لم يجبر والمنقطع على الخلاف فيهما كما سيأتي بل ويدخل فيه المدلس والمعلق والمعلل وما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم هو عدم الاتصال قسم آخر باعتبار ما انضم إلى الأول ويدخل تحته تحت هذا القسم اثنا عشر قسما لأن فقد العدالة الذي هو السبب الثاني من الستة الأسباب إذا انضم إلى السبب الأول يدخل فيه الضعيف إذ الضعيف مفقود العدالة والمجهول فإنه مفقودها أيضا وهذه أقسامه أي أقسام القسم الذي انضم إليه سبب آخر من الأسباب الستة بعد عدم الاتصال وهي اثنا عشر الأول المنقطع ويقال له المقطوع كما يأتي وهو قول التابعي وفعله الثاني المرسل يأتي أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا عند أكثر المحدثين ويأتي فيه خلاف فهذان قسمان فقد فيهما الاتصال الثالث مرسل في إسناده ضعيف هذا مما انضم إليه سبب آخر مع السبب المتقدم ومثله الرابع منقطع فيه راو ضعيف ياـي بيانه الخامس مرسل فيه راو مجهول يأتي تقسيمه إلى مجهول عين وعدالة السادس منقطع فيه راو مجهول إلى هنا أقسام فقد السبب الأول مع فقد الثاني وهذه أقسام فقد السبب الأول أيضا مع فقد الثالث الأول منها قوله السابع مرسل فيه

(1/249)


راو مغفل يأتي بيانه كثير الخطأ وإن كان عدلا إذا لا ملازمة بين العدالة وعدم التغفيل الثامن وهو النسائي مما فقد فيه الأول والثالث منقطع فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ وإن كان عدلا التاسع وهو الأول مما فقد فيه الأول الرابع مرسل فيه مستور يأتي بيانه ولم ينجبر بمجيئه أي الخبر من وجه آخر العاشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول والرابع منقطع فيه مستور ولم يجيء من وجه آخر الحادي عشر وهو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس مرسل شاذ الثاني عشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد في الخامس منقطع شاذ الثالث عشر هو الأول مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس مرسل معل من العلة يأتي بيانها الرابع عشر وهو الثاني مما فقد فيه الأول ووجد فيه السادس منقطع معل فهذا ما اجتمع فيه سببان مضعفان هما عدم الاتصال ما انضم إليه
واعلم أنها أربعة عشر قسما لأنك تضم عدم الاتصال إلى كل واحد من الخمسة الأسباب تحصل خمس صور ثم تضم المنقطع إلى كل واحد من الخمسة تحصل خمس أخرى كانت عشرا ثم قد عرفت أن الضعيف والمجهول قد دخلا تحت فقد العدالة فتضم عدم الاتصال إليهما يحيصل قسمان ثم تضم المنقطع إليهما يحصل قسمان كانت أربعة عشر وهي التي سردها المصنف
إذا عرفت هذا نظرت ما المراد من قول المصنف إنه يدخل تحت هذا القسم اثنا عشر فإن الحاصل أربعة عشر وعبارة المنصف والأعداد هي بعينها عبارة الزين وأعداده
وما اجتمع فيه ثلاثة مضعفات يدخل تحته عشرة أقسام وهي هذه ما عدا أربعة منها مضمومة في التعداد إلى ما تقدم من الصور الأربعة عشر أولها الخامس عشر مرسل شاذ وفيه عدل مغفل كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول من الستة الأسباب والثالث ووجد فيه الخامس من ذي الثلاثة

(1/250)


السادس عشر منقطع شاذ فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فقد فقد فيه الأول والثالث ووجد فيه ما وجد في المثال الأول الخامس عشر السابع عشر مرسل معل فيه ضعيف فقد فقد فيه الأول والثاني ووجد فيه السادس عشر الثامن عشر متقطع معل ضعيف هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما خالفه بأنه من قطع التاسع عشر مرسل معل فيه مجهول فقد فقد الأول والثاني ووجد فيه السادس العشرون منقطع معل فيه مجهول هو كالذي قبله فقدا ووجودا وإنما تفاوتا انقطاعا وإرسالا الحادي عشر مرسل معل فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فقد فيه الأول ووجد فيه الثالث والسادس الثاني والعشرون منقطع معل فيه مغفل كذلك هو كالذي قبله فقدا ووجودا الثالث والعشرون مرسل معل فيه مستور ولم ينجبر فقد فيه الأول ووجد السادس والرابع مع شرطه الرابع والعشرون منقطع معل فيه مستور كذلك أي لم ينجبر بمجيئه من وجه آخر وهو كالذي قبله فقدا ووجودا لا يخفى أنه قد سبق للمصنف أن في اجتماع الثلاثة عشر صور والرابع والعشرون العاشر منها لكن الخامس والعشرون السادس والعشرون منها كما ترى قوله الخامس والعشرون مرسل شاذ معل فقد فيه الأول ووجد فيه الخامس والسادس السادس والعشرون منقطع شاذ معل هو كالأول فيما ذكره ولا يخفى أنها صار أقسام ما اجتمع فيه ثلاثة اثني عشر قسما وأما زين الدين فعد العشر الصور إلى الرابع والعشرون ثم قال وهكذا فافعل إلى آخر الشروط فخذ ما فقد فيه شرط الأول وهو الاتصال مع شرطين آخرين غير ما تقدم وهما السلامة من الشذوذ والعلة ثم خذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد هذه الشروط الثلاثة وهي هذه ثم ذكر الخامس والعشرين والسادس والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين السابع والعشرون مرسل شاذ معل فيه مغفل كثير الخطأ فهذا اجتمعت فيه أربعة كما اجتمعت في قوله

(1/251)


الثامن والعشرون منقطع شاذ معل فيه مغفل كذلك أي كثير الخطأ فهذان مثالان لما اجتمعت فيه أربعة وقدمنا كلام الزين في هذا وأما المصنف فسرد ما تراه من غير تنبيه ثم قال زين الدين بعد هذا ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط واحد غير ما بدأت به أولا وهو ثقة الراوي وتحته أقسام وهما التاسع والعشرون ما في إسناده ضعيف الثلاثون ما فيه مجهول فهذان القسمان فقد فيها عدالة الراوي ثم قال زين الدين ثم زد على فقد عدالة الرازي فقد شرط آخر غير ما بدأت به وتحته قسمان وهما الحادي والثلاثون ما فيه ضعيف وعلته الثاني والثلاثون ما فيه مجهول وعلته ثم قال زين الدين ثم كمل هذا العمل الثاني الذي بدأت فيه بفقد الشرط المثنى به كما كملت الأول أي تضم إلى فقد هذين الشرطين فقد شرط ثالث ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط آخر غير المبدوء به والمثنى به وهو سلامة الرازي من الغفلة ثم زد عليه وجود الشذوذ أو العلة أو هما معا ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الرابع وهو عدم مجيئه من وجه آخر حيث كان في إسناده مستور ثم زد عليه وجود العلة ثم عد فابدأ بما فقد فيه الشرط الخامس وهو السلامة من الشذوذ ثم رد عليه وجود العلة بعد ثم اختم بفقد الشرط السادس ويدخل تحت ذلك عشرة أقسام وهي الثالث والثلاثون شاذ معل فيه عدل مغفل كثير الخطأ الرابع والثلاثون ما فيه مغفل كثير الخطأ زاد الدين معل كثير التساهل الخامس والثلاثون شاذ في مغفل كذلك أي كثير الخطأ السادس والثلاثون معل فيه مغفل كذلك كثير الخطأ السابع والثلاثون شاذ معل فيه مغفل كذلك كثير الخطأ والثامن والثلاثون ما في إسناده مستور لم تعرف أهليته ولم يور من وجه آخر التاسع والثلاثون معل فيه مستور كذلك أي لم تعرف أهليته ولم يرو من وجه آخر الأربعون الشاذ الحادي والأربعون الشاذ المعل الثاني والأربعون المعل فهذه الأقسام

(1/252)


الضعيف باعتبار الانفراد والاجتماع ذكرها الحافظ زين الدين قال وقد تركت من الأقسام التي يظن أنه ينقسم إليها بحسب اجتماع الأوصاف عدة أقسام هي اجتماع الشذوذ ووجود ضعيف أو مجهول أو مستور في سنده لأنه لا يمكن اجتماع ذلك على الصحيح لأن الشذوذ تفرد الثقة ولا يمكن وصف ما فيه راو ضعيف أو مجهول أو مستور بأنه شاذ والله أعلم انتهى كلام زين الدين
قلت من أقسام الضعيف ما له لقب خاص كالمضطرب والمقلوب والموضوع والمنكر وهو بمعنى الشاذ كما سيأتي قلت هذا بلفظ كلام الزين فلا وجه لفصل قوله قال زين الدين وعد أبو حاتم محمد بن حبان البستي أنواع الحديث الضعيف تسعة وأربعون نوعا هذا نقله زين الدين من كلام ابن الصلاح ولفظه وأطنب أبو حاتم البستي في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا قال عليه الحافظ ابن حجر لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك وتجاسر بعض من عاصرناه فقال هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك فإن الذي قسمه ابن حبان في أول كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف ثم إنه بلغ الأقسام المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين والحاصل أن الموضع الذي ذكر فيه ابن حبان ذلك لم نعرف موضعه انتهى
قلت لعله أي ابن حبان عد ما ترك الزين مما تحتمله القسمة العقلية ويمنع عرفهم من اجتماعه والله أعلم حتى أبلغها تسعة وأربعين
فائدة قال الحافظ ابن حجر تنبيهات الأول قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف على حد ما تقدم من قولهم صحيح الإسناد وصحيح ولا فرق الثاني من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا يريد زين الدين في منظومته وشرحها أن يتفق العلماء

(1/253)


على العمل بمدلول الحديث فإنه يقبل حتى يجب العمل به وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ومن أمثلته قول الشافعي رحمه الله وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم منهم فيه خلافا وقال في حديث لا وصية لوارث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملت به حتى جعلته ناسخا لآية الوصية للوارث ثم ذكر الثالث من التبيهات وعد فيه ما قيل فيه إنه أو هي الأسانيد كما عدوا فيها سلف ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد وطول به فلم يذكره وقد ذكره الحاكم في كتابه علوم الحديث
مسألة في بيان الحديث المرفوع
المرفوع قدم على ما بعده لشرفه بالإضافة إليه صلى الله عليه و سلم وهو من أنواع علوم الحديث جعله ابن الصلاح النوع السادس اختلف في حد المرفوع فالمشهور أنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم قولا له أو فعلا قلت أو تقريرا أو هما كما قررناه في حواشي شرح غاية السول سواء أصافه إليه صحابي أو تابعي أو من بعدهما سواء اتصل إسناده أم لا فعلى هذا التفسير يدخل فيه المتصل والمرسل والمنقطع والمعضل والمعلق أيضا لعدم اشتراط الاتصال وقال أبو بكر الخطيب البغدادي المرفوع هو ما أخبر فيه الصحابي عن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أو فعله فعلى هذا

(1/254)


حيث خصص الصحابي لا يدخل فيه مراسيل التابعين ومن بعدهم قال الحافظ ابن حجر مقتضاه يعني كلام الخطيب أن يكون في السياق إدراجها وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال والحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال فمن لازم ذلك إن الموقوف إذا اتصل سنده قد يسمى مسندا ففيالحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند المتصل إلا في غلبة الاستعمال ثم نقل كلام ابن عبد البر والحاكم ثم قال بعد ذلك والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم إن المسند عندهم من سمع النبي صلى الله عليه و سلم بسند ظاهره الاتصال فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا مسلما أو في حال كفره وأعلم بعد النبي صلى الله عليه و سلم ومن لم يسمع يخرج المرسل وبسند يخرج ما كان بلا سند كقول القائل من المصنفين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن هذا من قبيل المعلق وظهور الاتصال يخرج المنقطع لكن يدخل فيه ما كان فيه انقطاع فهو كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا ومن رأي مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت عبارته والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه فلم يشترط حقيقة الاتصال بل اكتفى بظهور ذلك كما قلته تفقها ولله الحمد وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع

(1/255)


وتحصل السالمة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك والله أعلم انتهى
قال ابن الصلاح ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل انتهى كلام ابن الصلاح في هذا النوع وقد ذكر في النوع الرابع من تفريعات النوع الثامن قوله من المرفوع قولهم عن الصحابي يرفع الحديث أو يبلغ به كحديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به الناس تبع لقريش أو ينميه بفتح أوله وسكون النون وكسر الميم كحديث مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك وهذا هو معنى نميت الحديث إلى فلان إذا أسندته إليه أو رواية رفع أي مرفوع بلا خلاف كما صرح به النووي وهو تفسير لرفع الحديث قال ابن الصلاح حكم ذلك أي قولهم عن الصحابي يرفع الحديث عند أهل العلم حكم المرفوع صريحا إلا أنه ليس في كلام ابن الصلاح لفظ رفع بل لفظ أو رواية بالتنوين ليس بعدها لفظ قال الحافظ ابن حجر وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا وكذا قوله رواه وعبارة الزين في نظمه
( وقولهم يرفعه يبلغ به ... رواية ينميه رفع فانتبه )
وقد ذكر ابن الصلاح أمثلة ذلك قال زين الدين وإن قيلت هذه الألفاظ عن التابعي فمرسل بخلاف قول التابعي من السنة ففيه خلاف كما يأتي هذا كلام ابن الصلاح فإنه قال بعد قوله صريحا قلت وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم
تنبيه ذكر الحافظ ابن حجر إن من أغرب المرفوع سقوط الصيغة مع

(1/256)


الحكم بالرفع مع القرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس أيما عبد حج به أهله ثم عتق فعليه حجة أخرى الحديث رواه ابن أبي شيبة من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان إن ظاهره الرفع آخذه من نهي ابن عباس عن إضافة القول إليه فكأنه قال لا تضيفوه إلي أضيفوه إلى الشارع لكن يعكر عليه أمثلة البخاري رواه من طريق السفر سعيد بن محمد قال سمعت ابن عباس يقول يا أيها الناس اسمعوا عني ما أقول لكم واسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا فتقولون قال ابن عباس قال ابن عباس وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أمثلة يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أمثلة يزيدوا فيه أهله ينقصوه انتهى قلت بل الظاهر مع أمثلة ابن القطان إذ ليس من طريقة ابن عباس المألوفة أمثلة يطلب عرض ما حديث به مع كثرة تحديثه ويزيد كلام ابن القطان قوة أمثلة هذا الحكم الذي ذكره ابن عباس ليس للاجتهاد فيه مسرح فهو من قرائن الرفع والله أعلم
ثم قال تنبيهات قد يقال ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحوها إلى يرفعه وما يذكر معها قال الحافظ المنذري يشبه أمثلة يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم يشك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث قلت وإنما ذكر الصحابي كالمثال وإلا فهو جار حق من بعده ولا فرق ويحتمل أمثلة يكون من صنع ذلك لطلب التخفيف وإيثار الاختصار ويحتمل أمثلة يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم فلم يجزم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذا بل كنى عنه تحرزا بأيتهما ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي يرفعه ولم يذكر ما إذا قال الصحابي عن النبي يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز و جل ومثاله الحديث الذي

(1/257)


رواه الداروردي عن عمر بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفعه أمثلة المؤمن عندي له كل خير يحمدني وأنا انزع نفسه من بين جنبيه حديث حسن رواه أهل الصدق أخرجه الدارمي في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية وقد افردها جمع بالجمع انتهى
مسألة في بيان المسند م أنواع الحديث
المسند اختلف فيه أي في حقيقته على ثلاثة أقوال
الأول ما أفاد قوله فقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد هو ما رفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم خاصة قال وقد يكون متصلا مثل مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فهذا مسند لأنه قد أسند إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهو منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنه انتهى قال زين الدين فعلى هذا يستوي المسند والمرفوع قال الحافظ ابن حجر وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المسند والمرسل يقولون أسنده فلان وأرسله فلان
الثاني ما أفاده قوله وقال أبو بكر الخطيب البغدادي هو عند أهل الحديث الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه قال أبو الصلاح واكثر ما يستعمل ذلك فيا جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم دون ما جاء عن

(1/258)


الصحابة وغيرهم قد قدمنا لفظ الخطيب في نوع المرفوع وما حققه الحافظ ابن حجر في المسند فقول ابن الصلاح هذا هو كما قال الحافظ ابن حجر معنى قول الخطيب إلا أمثلة اكثر استعمالهم هذه العبارة فيما اسند عن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة وتقدم تحقيقه فالمسند والمتصل سواء لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ولكن الأكثر استعمال المسند في الأول كما قاله الخطيب
والثالث وما أفاده قوله وقال ابن الصلاح في العدة المسند ما اتصل إسناده فعلى هذا يدخل فيه المرفوع والموقوف ومقتضى كلام الخطيب أنه ما اتصل إسناده إلى قائله من كان فيدخل فيه المقطوع لأنه يصدق عليه أنه اتصل إسناده من رواته إلى منتهاه وهو قول التابعي ومن بعده إذا اتصل إلى أحدهما قال زين الدين وكلام أهل الحديث يأباه وقيل هذا قول رابع هو أي المسند ما رفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم بإسناد متصل وبه أي بهذا القول الرابع قطع الحاكم أبو عبد الله في كتابه علوم الحديث فلم يحك فيه غيره وحكاه ابن عبد البر قولا لبعض أهل الحديث هكذا قاله الزين وقال الحافظ ابن حجر أمثلة الحاكم وغيره فرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع بأن المرفوع بنظر فيه إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد فحيث يصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه و سلم كان مرفوعا سواء اتصل إسناده أم لا ومقابله المتصل فإنه ينظر فيه إلى حال الإسناد مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أهله موقوفا وأما المسند فينظر فيه إلى الحالين معا فيجمع شرطي الاتصال والرفع فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق فكل مسند مرفوع ولك مسند متصل ولا عكس فيهما هذا على رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني والشيخ تقي الدين في الاقتراح انتهى وقد قدمنا ما قاله الحافظ ابن حجر مما ظهر في حقيقة المسند بالاستقراء

(1/259)


مسألة في بيان المتصل والموصول من أنواع الحديث
المتصل والموصول قال الحافظ ابن حجر ويقال له المؤتصل بالفك والهمز وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع قال ابن الحاجب في التصريف له هي لغة الشافعي انتهى هما الأولى إفراد الضمير لأنه معنى واحد وإنما تعدد لفظه واتحد معناه وهو واحد إذ عبارة الزين المتصل والموصول هو ما اتصل إسناده إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى واحد من الصحابة احتراز عما لم يتصل سنده صلى الله عليه و سلم ولا بصحابي كما قال وأما أقوال التابعين إذا اتصلت الأسانيد بهم فلا يسمونها متصلة بل يسمونها مقطوعة قال زين الدين وإنما يمتنع هذا أي إطلاق المتصل على أقوال الصحابة المتصلة الأسانيد مع الإطلاق فأما مع التقييد فجائز شائع في كلامهم كقولهم هذا متصل إلى سعيد بن المسيب بالتقييد يذكر من اتصل إليه قال ابن الصلاح وحيث يطلق المتصل يقع على المرفوع والموقوف إذ قد اخذ في مفهومه أهله إلى أحد من الصحابة وهو الموقوف

(1/260)


مسألة في بيان الموقوف
الموقوف هو ما قصرته بلفظ الخطاب وهي عبارة زين الدين في نظمه فإنه قال
( وسم بالموقوف ما قصرته )
على واحد من الصحابة قولا له فعلا والمراد من القول هنا ه ما خلا عن قرينة تدل على أن له حكم الرفع كما يأتي والفعل المجرد فهل يكون له حكم عند من يحتج بقول الصحابي أمثلة لا قال الحافظ ابن حجر فيه نظر أهله نحوهما كه يريد ما يعمل أهله يقال في حضرتهم ولا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون تقلا للإجماع وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف ويكون من باب الإجماع السكوتي ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه و سلم ولا قامت قرينة على رفعه سواء اتصل إسناده إلى أو لم يتصل قال الحافظ واشترط الحاكم في الموقوف أمثلة يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي وهو شرط لم يوافقه عليه أحد وقال أبو القاسم في شرح الألفية أمثلة القاسم الفورابي يضم الفاء نسبة إلى قرية بهمذان كما في القاموس من الخراسانيين الفقهاء وأطلق فإنه قال الفقهاء يقولون الخبر ما كان عن النبي صلى الله عليه و سلم والأثر ما روى عن الصحابة انتهى قال الحافظ ابن حجر هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع والأثر في الأصل العلامة زاد غيره وما ظهر على الأرض من مشي الرجل قال زهير

(1/261)


( والمرء ما عاش ممدود له اثر )
ونقال النووي عن أهل الحديث انهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه تهذيب الآثار وهو مقصور على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا وأما كتاب شرح معاين الآثار للطحاوي فيشتمل على المرفوع والموقوف أيضا قال زين الدين هذا مع الإطلاق وأما مع التقييد فيجوز في حق التابعين فيقولون هذا موقوف على ابن المسيب ونحوه وفي كلام ابن الصلاح ما يقتضي أنه يجوز مع مع التقييد في حق غير التابعين أيضا فيقال هذا موقوف على الشافعي ونحوه فإنه قال وقد يستعمل مقيدا في غير الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاووس أو نحو هذا
ثم أن الآثار نوعان هذا زيادة من كلام المصنف لم يذكره ابن الصلاح ولا زين الدين فكان يحسن أمثلة يعنونه المصنف بلفظه قلت على قاعدته
أحدهما ما لا يقال من قبيل الرأي فذكر الإمامان أبو طالب والمنصور بالله عليهم السلام أنه إذا كان للاجتهاد فيه وجه صحيح أهله فاسد فموقوف وإلا فمرفوع وهو قول الشيخ أبي الحسين البصري والشيخ الحسن الرصاص وحكة ذلك المنصور بالله أي عن الشيخين المذكورين وصاحب الجوهرة يعني حكاه عنهما وزاد المنصور بالله حكايته عن قاضي القضاة واحتج المنصور بالله على ذلك بأنه مقتضى وجوب تحسين الظن بالصحابة وأنهم لا يأتون في الأحكام إلا بما هو من طريق الأحاديث المرفوعة أهله من طريق الاجتهاد وذكر جماعة من العلماء منهم ابن عبد البر أنه أي ما ليس للاجتهاد فيه وجه صحيح ولا فاسد في حكم المرفوع قالوا مثل قول ابن مسعود من أتي ساحرا أهله عرافا عراف كشداد الكاهن كما في القاموس وفي النهاية أراد بالعراف المنجم والحازي الذي يدعى علم الغيب وقد استأثر الله به فقد كفر بما

(1/262)


أنزل على محمد ترجم عليه الحاكم في كتاب علوم الحديث بقوله باب معرفة الأسانيد التي لا يذكر سندها قلت وهذا المثال مما يظن أنه لا مدخل للرأي فيه وليس مما يقطع به أي بأنه عنه صلى الله عليه و سلم وقد يوجد عن الصحابة ما يقطع به أي بأنه ليس إلا عنه صلى الله عليه و سلم مثل ما رواه الأمير الحسين بن محمد في الشفاء عن علي عليه السلام أن الحيض ينقطع عن الحبلى لأنه جعل رزقا للجنين وإنما جعل هذا كالمرفوع حملا للصحابة على السلامة ولأن الظن يقضي برجحان رفعه لأنه لا يعرف إلا من طريق الوحي وخالف ابن حزم وشنع في ذلك وقال يحتمل أنه عن أهل الكتاب فقد صح حدثوا عن أهل الكتاب ولا حرج ولا يخفى أمثلة الحديث عنهم نادر والواقع من الموقوفات التي ليس للرأي فيها مسرح كثير وحسن الظن بالصحابي يقضي بأنه لا يطلق في مقام الأخبار عن الحكم في أمر بطريق اجتهادي أو نص إلا عن طريق شرعي من رواية معروفة أهله اجتهاد فإذا تعذر الثاني تعين الأول نعم يحتمل هذا في القصص والأخبار التي لا يعرفها الصحابي ولا هي مما يجتهد فيه أنها من أحاديث الكتابين فهذا التفصيل هو الذي ينبغي عليه التعويل
النوع الثاني من نوعي الآثار ما يحتمل أنه قيل عن الرأي والاجتهاد وهو ما كان للاجتهاد في مسرح ووفقه الصحابي ففيه قولان للشافعي الجديد منهما أنه ليس بحجة لأنه قول صحابي مجتهد ذكره في الإرشاد والذي تقتضيه الأدلة أنه ليس بحجة إذا لم تقم الأدلة إلا على حجية الكتاب والسنة والقياس على خلاف فيه والإجماع على بعد في وقوعه وأما قوله وليس في ذلك أي في حجية قول الصحابي سنة صحيحة فهو من نفى المخاص بعد نفي العام إذ قد قدم أن الأدلة لم تقم على حجيته وأما أتى به ليتذرع به إلى قوله فأما ما روي من قوله صلى الله عليه و سلم أصحابي

(1/263)


كالنجوم بأبيهم اقتديتهم اهتديتم فهو حديث ضعيف قاله ابن كثير الشافعي وقال رواه عبد الرحمي بن زيد العمى بفتح المهملة وتشديد الميم عن أبيه قال ابن معين هو كذاب وقال السعدي هو ليس بثقة وقال البخاري تركوه وقال أبو حاتم حديثه متروك وقال أبو زرعة واه وقال أبو داود ضعيف أبوه ضعيف أو وقد روي هذا الحديث من غير طريق أي من طرق كثيرة ولا يصح شيء منها ذكر ذلك كله ابن كثير الشافعي في كلامه على أحاديث المنتهى وذكر الحافظ ابن حجر له طرقا كثيرة في تخريجه لأحاديث مختصر ابن الحاجب وأخرجه عن ابن عمر وجابر وابن عباس وعمر وأنس بألفاظ مختلفة وسردها برواتهما وضعفها وذكر طريق عبد الرحيم بن زيد العمى عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب وساقه بلفظه أنه صلى الله عليه و سلم قال سألت ربي عما يختلف فيه أصحابي من بعدي فقال يا محمد أمثلة أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوأ من بعض فمن أخذ بشيء مما اختلفوا فيه فهو عندي على هدى ثم قال هذا حديث غريب أخرجه ابن عدي ثم قال وزيد العمى وأبوه ضعيفان وأبوه اضعف منه وقد سئل البزار عن هذا الحديث فقال لا يصح هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه و سلم وأما ابن عبد البر فاحتج به في التمهيد وسكت عليه فلعله رأي مجموع تلك الطرق في تقوى متن الحديث أهله عرف له شواهد ما يقوى معناه والله أعلم قلت وذكر الحافظ في تخرج أحاديث المختصر انه ذكره ابن عبد البر في كتاب بيان العلم عن ابن شهاب بسنده وقال هذا إسناد ضعيف الراوي له عن نافع لا يحتج به قال الحافظ قلت هو متفق على تركه بل قال ابن عدي انه يضع الحديث قلت ويريد بالراوي له ن نافع سمرة الجزري

(1/264)


مسألة في بيان المقطوع
المقطوع هو قول التابعي وفعله قال ابن الصلاح ويقال في جمعه مقاطيع ومقاطع يعني كالمسانيد والمساند والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعند الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك قال وجد التعبير بالمقطوع عن المتقطع في كلام الشافعي وأبي القسام الطبراني قال زين الدين ووجدته أو في كلام أبي بكر الحميدي وأبي الحسن الدار قطني قال ابن الصلاح وقد حكى عن بعض أهل العلم أنه جعل المنقطع ما وقف على التابعي واستبعده ابن الصلاح قال زين الدين القائل بذلك هو الحافظ أبو بكر احمد بن هرون البردعي بموحدة مفتوحة فراء ساكنة وإهمال الدال والعين نسبة إلى بردعة بلدة في أقصى بلاد أذربيجان بينهما وبين بردعة اثنا عشر ميلا حكاه في جزء لطيف له انتهى
فروع سبعة حسن إيرادهما بعد كل من المرفوع والموقوف
مسألة من السنة هذا الفرع الأول وهو قول صحابي من السنة كذا محمول على أنه مسند مرفوع وادعى البيهقي انه لا خلاف بين أهل النقل في ذلك وسبقه إلى دعواه شيخه الحاكم في المستدرك وذلك لأن الظاهر انه لا يريد إلا سنة صلى الله عليه و سلم وهو مذهب الزيدية ذكره

(1/265)


المنصور بالله في الصفوة والشيخ أحمد في الجوهرة كقول علي ابن أبي طالب عليه السلام من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة رواه أبو داود في رواية ابن داسة بالمهملتين أحد رواة سنن أبي داود وابن الأعرابي أحد رواتها أو إمام حافظ أثنى عليه الذهبي وقال القاضي أبو الطيب هو ظاهر مذهب الشافعي لأنه احتج على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس على جنازة وقراءته بها وجوه وقال إنما فعلت ليعلموا أنها سنة وجزم ابن السمعاني أنه مذهب الشافعي وقال ابن عبد البر إذا أطلق الصحابي السنة فالمراد بها سنة النبي صلى الله عليه و سلم ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم سنة الخمرين وأعلم انهم وان قالوا بأنه لا يريد بها الصحابي إلا سنته صلى الله عليه و سلم لكنهم قال لا يضاف اللفظ إلى فإنه نهى أحمد بن حنبل وعبد الله بن المبارك وقالوا لا يضاف حديث أبي هريرة الذي أخرجه أبو داود والترمذي بلفظه حذف السلام سنة فلا يقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حذف السلام سنة قال الزين في تخرج الأحياء لا يعزو اللفظ إلى صلى الله عليه و سلم وإلا فقول الصحابي السنة كذا له حكم المرفوع على الصحيح وخالف بعضهم في ذلك منهم أبو بكر الصيرفي من الشافعية وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وغيرهما كابن حزم الظاهري بل حكاه إمام الحرمين عن المحققين ذكره في البرهان وجزم جماعة من أئمة الشافعية بأنه الجديد من مذهب الشافعية ذكر ابن القشيري وابن فورك وغيرهما وجزموا بأنه كان يقول في القديم إنه مرفوع وحكوا تردده في الجديد لكنه نص في الأم وهو من الكتب الجديدة على أنه مرفوع فإنه قال في بابا عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضاحك بن قيس رجلان من أصحاب النبي

(1/266)


صلى الله عليه و سلم لا يقولا ن من السنة إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال في كتبا الأم في قول سعيد بن المسيب لأبي الزناد سنة وقد سئل سعيد عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما فقال له أبو الزناد سنة قال سنة قال الشافعي والذي يشبه قول سعيد سنة إن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه و سلم قال الحفاظ ابن حجر وحينئذ فله قولا ن في الجديد قلت ويحتمل أنه إنما جزم في الأول لما كان القائل صحابيا قال في الثاني يشبه لما كان القائل تابعيا
هذا ودليل المخالفين إن لفظ السنة متردد بين سنة النبي صلى الله عليه و سلم وسنة غيره كما قال صلى الله عليه و سلم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين وفي الحديث من سن سنة حسنة كان له أجرها جوابه أن الأظهر انهم لا يريدون إلا سنته صلى الله عليه و سلم وذلك لأمرين الأول أنه المتبادر إلى الفهم فالحمل عليه أولى الثاني إن سنته صلى الله عليه و سلم أصل وسنة الخلفاء تبع لسنته والأظهر من مراد الصحابي إنما هو بيان الشريعة ونقلها فإسناد ما قصد نقله إلى الأصل أولى من إسناده إلى الفرع بالحمل عليه سيما إن كان قائل ذلك أحد الخلفاء الأربعة إذ يبعد إن يرد من طريقتي كذا وقد كانوا يصرحون بما يقولونه رأيا أو اجتهادا كقول أبى بكر أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله الحديث واستدل أيضا لهذا القوم بما في البخاري إن الحجج سأل سالما كيف نصنع في الموقف يوم عرفة قال سالم إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة قال أبو عمر صدق قال الزهري فقلت لسالم أفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهل يتبعون في ذلك إلا سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأما استدلال ابن حزم على ما ذهب إليه بما في البخاري من حديث أبى عمر أنه قال بحسبكم سنة نبيكم إ حبس أحدكم عن الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حيث يحج

(1/267)


قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا قال ابن حزم لا خلاف بين أحد من الأئمة أنه صلى الله عليه و سلم لما صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا ولا بالمروة بل حيث كان بالحديبية وان هذا الذي ذكره ابن عمر لم يقع منه صلى الله عليه و سلم قط فلا يخفى أنه لم يرد من السنة الفعل منه صلى الله عليه ةآله وسلم بل لفظ سنة نبيكم تعم الفعل والقول والتقرير فكونه صلى الله عليه و سلم لم يفعل ما ذكره ابن عمر لم يبطل كونه لم يقله أو لم يقرره والحاصل أن ما أثبته ابن عمر أعم مما نفاه ابن حزم إذا عرفت هذا فقول الصحابي سنة النبي صلى الله عليه و سلم مضيفا لها إليه مرفوع عند الجماهير قطعا إلا عند ابن حزم وقال البلقيني في محاسن الاصطلاح أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا قال فأبعدها مثل قول ابن عباس الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه و سلم ودونها قول عمرو بن العاص لا تلبسوا علينا سنة نبينا صلى الله عليه و سلم عدة أم الولد كذا ودونها قول عمر لعقبة بن عامر أصبت السنة إذ الأول ابعد احتمال والثاني اقرب احتمالا والثالث لا إضافة فيه قلت وينظر فإنه لا فرق بين الأول والثاني إلا زيادة التكبير من ابن عباس
تنبيه لم يذكر المصنف إن حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان الرفع وذلك مثل قول ابن مسعود من أتى ساحرا الحديث ومثله قول أبى هريرة ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله وقوله في الخارج من المسجد بعد الأذان أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم وقول عمار رضي الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم فهذا كله له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز التأثيم على ما ظهر من القواعد والأول اظهر وبه جزم ابن عبد البر وادعى الإجماع عليه وجزم به الحاكم في علوم الحديث وفخر الدين الرازي في المحصول وهذا كله فما ينسبه الصحابي إلى سقته صلى الله عليه و سلم

(1/268)


وأما التابعي إذا قال ذلك أي من السنة كذا فقيل موقوف متصل لأنهم قد يعنون بذلك سنة الخلفاء فلا يجزم بأنهم أرادوا منته صلى الله عليه و سلم لأنه جزم مع الاحتمال وربما كثر ذلك فيهم حتى لا يكون غيره راجحا وهذا جديد قول الشافعي وصححه النووي واعلم انه على قول من يقول بأن قول الصحابي من السنة كذا مرفوع فهو محتمل لأقسام السنة الثلاثة القول والفعل والتقرير كما أشرنا إليه في الجواب عن دليل ابن حزم وإذا كان محتملا فإذا عارضه قول أو فعل أو تقرير غير محتمل فهو مقدم على قوله من السنة لعدم احتماله بخلافها
مسألة أمرنا ونهينا مغير الصيغة إذا قال الصحابي امرنا أو نهينا أو قال أوجب أو حرم أو أبيح وبالجملة يأتي بشيء من الأحكام بصيغة ما لم يسم فاعله من نوع المرفوع والمسند عند المنصور بالله وقاضي القضاة والشيخ أبى عبد الله والشيخ الحسن الرصاص وحفيده أحمد بن محمد بن الحسن وكذلك عند أصحاب الحديث إلا أن المنصور بالله قال فرق بين أمرنا وأوجب قال إن الأول حجة وشرط للثاني إن لا يكون للاجتهاد فيه مسرح لجواز إن يرى الوجوب بطريق الاجتهاد والجمهور على أنه حجة مطلقا قال الزين عن ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل العلم لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر البيهقي إجماع أهل النقل على أنه مرفوع وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر الإسماعيلي وأبو الحسن الكرخي من الحنفية وعلل ذلك بكونه مترددا بين كونه مضافا إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى القرآن أو الأمة بعض الأمة أو القياس أو الاستنباط قال وهذه الاحتمالات تمنع من الجزم بكونه مرفوعا وأجيب بأنها احتمالات بعيدة وعلى التنزل فما من القرآن مرفوع لأن الصحابة إنما تلقوه عن النبي صلى الله عليه و سلم وأمر الأمة لا يمكن الحمل عليه لأنهم يأمرون أنفسهم وبضع

(1/269)


الأمة إن أراد من الصحابة فبعيد لأن قوله ليس حجة على غيره وإن أراد الخلفاء بخصوصهم فكذلك لأن الصحابي مأمور بتبليغ الشريعة فيحمل على من صدر عنه الشرع وهو الرسول صلى الله عليه و سلم وأما حمله على القياس فبعيد كحمله على الاستنباط فإنه لا يتبادر ذلك لسامع
واعلم أنه قال ابن الأثير في مقدمات جامع الأصول إن الخلاف فيما إذا كان قائل ذلك من الصحابة غير أبى بكر أما إذا قاله أبو بكر فيكون مرفوعا قطعا لأن غير النبي لا يأمر ولا ينهاه لأنه تأمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم ووجب على الأمة امتثال أمره
قال الزين وجزم به أبو بكر الصيرفي في الدلائل يحتمل أنه جزم بمثل قول الإسماعيلي أو بمثل قول الجمهور وقر به من الأول أنه به حزم وذلك مثل حديث أمر بلال إن يشفع الأذان ويوتر الإقامة أخرجه البخاري وغيره وكذلك قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم قال ابن الصلاح ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم أو بعده إذ المتبادر منه أن الآمر الرسول مطلقا
تنبيه قول الصحابي أني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم وما أسبه لأبين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من المرفوع وقوله صلى الله عليه و سلم أمرت هو كقوله امرني الله تعالى وكقوله صلى الله عليه و سلم أمرت بقرية بأكل القرا يقولون يثرب الحديث لأنه لا آمر له صلى الله عليه و سلم إلا الله سبحانه وتعالى
وأما إذا قال ذلك التابعي ففيه وجهان وهو كقوله من السنة سواء وقد تقدم تحقيقه
مسألة امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال زين الدين وأما إذا صرح أي الصحابي بالآمر فقال امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا

(1/270)


أعلم فيه أي في كونه مرفوعا خلافا إلا ما حكاه ابن الصباغ في العدة وحكاه أيضا شيخه أبو الطيب الطبري عن داود وبعض المتكلمين أنه لا يكون حجة حتى ينقل لنا لفظ النبي صلى الله عليه و سلم قال إذ يحتمل إن يكون سمع صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليست كذلك في نفس الأمر
قلت إن عملنا يمثل هذا الاحتمال لم تقبل إلا الرواية باللفظ النبوي وبطلت الرواية بالمعنى وهي أكثر الروايات بل قيل لم تتواتر رواية باللفظ إلا في حديثين ولا شك إن الظاهر من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته الأوضاع اللغوية أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي وان لم يكن كذلك في نفس الأمر ثم هذا الاحتمال الذي استدل به لداود يجري في الخبر إذ يحتمل أنه ظن ما ليس بخير خيرا فلا وجه لتخصيص الأمر وهو ضعيف مردود بما عرفته قال زين الدين إلا أن يريدوا أي داود من وافقه أنه ليس بحجة الوجوب ويدل تعليله أي ابن الصباغ للقائلين بذلك بان من الناس من يقول المندوب مأمور به ومنهم من يقول المباح مأمور به أيضا وهذه المسألة مبسوطة في أصل الفقه قال زين الدين فإذا كان ذلك مرادهم كان له وجه قلت قول الصحابي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إخبار بأنه صلى الله عليه و سلم قال لهم بصيغة إنشاء وهي افعلوا كذا فهو كما لو قال الصحابي قال صلى الله عليه و سلم افعلوا ولفظ افعلوا الأصل فيه الإيجاب عند الجمهور كما عرف فلا وجه لتأويل كلام داود إلا أن يكون مذهبه في الأصول أن الأمر ليس للإيجاب فبحث آخر على أن افعلوا ونحوه ليس بحجة في الإيجاب هذا كله فيما كان ذلك من الصحابي فإذا قال التابعي أمرنا هل يكون مرسلا ففيه احتمالان للغزالي وجزم ابن السباغ في الشامل أنه مرسل وحكى فيما إذا قال ذلك ابن المسيب وجهين كأنه خص سعيدا من التابعين لأنه قد عرف منه أنه لا يقول ذلك إلا مرفوعا وأما إذا قال الصحابي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم

(1/271)


أي بحذف المفعول فلم يذكرها أهل الحديث ولا كثير من أهل الأصول وذكرها في الفصول وجعلها مرتبة ثالثة بعد مرتبة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم واعترض عليه بأنها ليست مرتبة غير مرتبة غير مرتبة قال فإن الأمر والنهي قول فإذا أسند إلى النبي صلى الله عليه و سلم بصيغة الفاعل فهو إسناد للقول قطعا واختلف أصحابنا فيها فذهب قاضي القضاة إلى حمل ذلك على الاتصال وسماع الصحابي منه عليه السلام وقال المنصور بالله لا نحكم له بذلك ونجوز أنه ثبت له ذلك بسماع فيتم الاتصال أو بواسطة ثقة فيكون مرسلا وإذا عرفت ان قوله أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل قال صلى الله عليه و سلم كما سلف فهو محتمل كما قاله المنصور بخلاف أمرنا وقال الشيخ أحمد الرصاص يحمل على ثبوته أي ثبوت رفعه عنده عند التابعي بطرق قاطع من سماع أو تواتر إذ حسن الظن يقضي بذلك إلا أنه لا يحتاج إلى القطع لأن المرسل متفق على جوازه وإن لم يتفق على حجيته ولا يشترط فيه الجزم بل الذي يحصل بالظن
إذا عرفت هذا فقوله أمرنا كقوله قال لنا افعلوا وهو قول فإذا عارضه أرجح منه قدم عليه وإلا فهر قول مقدم على الفعل والتقرير وأما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو دونه لاحتماله الارسال احتمالا قويا فإذا عارضه امرنا فهو أرجح
تنبيه أما إذا قال الصحابي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ففي كتب الأصول أن الظاهر عند الأئمة من أهل البيت والمعتزلة بعض الأشعرية سماعه منه صلى الله عليه و سلم أي فيكون مرفوعا لأنه سمعه بغير واسطة ذكر ذلك في الفصول إلا أنه لم يستدل له على قاعدته في عدم ذكر أدلة الأقوال ولا يخفى أن معنى ظهور اللفظ في المعنى الذي دل عليه أنه الموضوع له أو الذي قامت عليه واضحة فلا بد من تقديم مقدمة لمدعي ظهور لفظ قال في المشافهة والسماع هي أنه موضوع للسماع ولا يستعمل في غيره إلا مجازا والمعلوم

(1/272)


لغة أن قال موضوع لنسبة القول إلى فاعلة أعم من إن يكون السماع منه بلا واسطة أو معها فانه لا خلاف انه يصح إن يقول القائل قال زيد كذا وان لم يسمعه منه وإنما كان معرفته انه قاله بالواسطة كما يقال قال الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فالظاهر احتماله للأمرين لا ظهوره في أحدهما ولذا أريد المشافهة والسماع قال قال لنا وقال لي
مسألة كنا نفعل ونحوه إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا فإما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه و سلم كقول جابر كنا نعزل على عهد رسول صلى الله عليه و سلم متفق عليه فالذي اختاره المنصور بالله في الصفوة به الحاكم وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل المرفوع وصححه الأصوليون مثل الشيخ أحمد في الجوهرة والفقيه علي بن عبد الله أي ابن أبي الخير شارح المختصر لابن الحاجب وغيرهما والرازي والآمدي وأتباعهما قال ابن الصلاح وهو الذي عليه الاعتماد ووجه ذلك قوله لأن ذلك يشعر بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها أي وجوه السنن أقواله وأفعاله وتقريراته وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه هكذا في شرح زين الدين نقلا عن ابن

(1/273)


الصلاح وعبارته في كتابه فإنها أنواع منها أقواله صلى الله عليه و سلم ومنها أفعله ومنها تقريراته وسكوته عن الإنكار بعد إطلاعه فقوله وسكوته عطف على تقريره بتقدير وهي سكوته بيان الحقيقة التقرير وأنه عدم إنكار لم علمه من قول أو فعل أو تقرير صدرت من غيره وقرف صلى الله عليه و سلم بها ولا بد من زيادة فيه أنه لم يكن قد سبق عنه إنكارها وعلم منه ذلك لئلا يدخل فيه سكوته عن مرور ذمي إلى كنيسة كما عرف في الأصول قال أي ابن الصلاح وبلغني عن البرقاني تقدم أنه بفتح الموحدة وكسرها نسبة إلى برقانة قري بخوارزم وقرية بجرجان وهو الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي الشافعي شيخ بغداد سمع من خلائق منهم أبو بكر الإسماعيلي أخذ عنه بجرجان ومن جماعة بهراة ونيسابور ودمشق ومصر وصنف التصانيف وخرج على الصحيحين وأخذ عنه البيهقي والخطيب وجماعة أنه سأل الإسماعيلي هو الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام أبو بكر أحمد ابن ابراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته ولد سنةسبع وسبعين ومائتين سمع من أئمة ومنه أئمة منهم الحاكم والترمذي وغيرهما وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة وله مستخرج على البخاري بديع قال الحاكم كان الإسماعيلي واحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء بلا خلاف بين علماء الفريقين مات غرة رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة عن أربع وتسعين سنة عن ذلك عن مثل قول الصحابي كنا نفعل فأنكر كونه من الفروع قال البقاعي أي أنكر هذا الإطلاق فإن لفظ مرفوع إذا أطلق انصرف إلى كونه مضافا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صريحا ولو سأله ما حكم هذا قال حكمه الرفع قال فيحمل عليه ابن الصلاح كلام الخطيب من أنه يريد ليس مرفوعا لفظا وهو مثل ما تقدم من قولهم من السنة كذا فكأنه حينئذ موافق ليسس بمخالف قال زين الدين أما إذا كان

(1/274)


في القصة اطلاعه أي النبي صلى الله عليه و سلم فحكمه الرفع إجماعا لأنه يعلم منه تقريره له وبه تعرف أنه أراد بقوله في أول المسألة فأما أن يقيده بزمان رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يطلع عليه وأما إذا لم يكن ذلك مقيدا بوقت النبي صلى الله عليه و سلم فذكر المنصور بالله أن ذلك ليس بمرفوع لعدم العلم بتقريره صلى الله عليه و سلم له وكلنه يفيد الإجماع فيكون حجة وكذا قال صحاب الجوهرة لكن لا بد أن يعلم أن هذا الفعل الذي ذكره الصحابي وقع بعد وفاته صلى الله عليه و سلم إذ لا إجماع في عصره صلى الله عليه و سلم كما علم في الأصول وكما يأتي في قوله والإجماع من بعده ثم غايته أن يكون إجماعا سكوتيا لأنه معلوم عادة عدم إجماع الأمة على فعل معين فالمراد كان أكثرهم أو بعضهم يفعل والآخرون مقرون لهم فيكون إجماعا سكوتيا وفي كونه حجة نزاع في الأصول وقال المنصور بالله أيضا إن قولهم كانوا يفعلون مثال هذا في إفادة الرفع في زمانه والإجماع من بعده وقال أهل الحديث ليس في حكم المرفوع قاله زين الدين حكاية عن أهل الحديث أيضا وجزم به أي بعدم رفعه الخطيب وابن الصلاح وجعلاه إذا لم يقيد بعصره صلى الله عليه و سلم موقوفا وهو مقتضى كلام البيضاوي فإنه جعله موقوفا وخالف كثير من الأصوليين بل من أهل الحديث كما في منظومة زين الدين وشرحها منهم الرازي والجويني والسيف الآمدي فجعلوا منهم ذلك من قبيل المرفوع وإن لم يقيده بعصره صلى الله عليه و سلم وقال به أيضا كثير من الفقهاء كما قاله النووي في شرح المهذب قال وهو قوي من حيث المعنى وقال ابن الصباغ في العدة إنه الظاهر ومثله بقول عائشة كانت اليد لا تقطع في السرقة في الشيء التافه في القاموس تفه كفرح تفها وتفوها قل وحقر والحديث أخرجه اسحق بن راهويه كما في فتح الباري
واعلم أن حاصل ما قيل في المسألة أنه موقوف جزما والثاني التفصيل

(1/275)


إن أضافه إلى زمن الوحي فمرفوع عند الجمهور وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف قال الحافظ ابن حجر وبقي مذاهب الأول أنه مرفوع مطلقا قلت وهو رأي الحاكم والجويني ومن ذكر قال وهو الذي اعتمده الشيخان في كتابيهما وأكثر منه البخاري ومذهب ثالث وهو التفصيل بين أن يكون الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا وبه قطع الشيخ أبو اسحق الشيرازي وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال إذا قال الصحابي كانوا يفعلون كذا أو أضافه إلى عصر النبي صلى الله عليه و سلم وكان مما لا يخفي مثله فيحمل على تقرير النبي صلى الله عليه و سلم ويكون شرعا وإن كان مثله يخفي فإن تكرر حمل أيضا على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى ومذهب آخر هو إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فهو موقوف حكاه القرطبي وفي شرح المهذب للنووي وظاهر استعمال كثير من المحدثين وأصحابنا في كتب الفقه أنه مرفوع مطلقا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قوي لأن الظاهر من قوله كنا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به على وجه يحتج به ولا يكون ذلك إلا في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويبلغه انتهى قال الحافظ ابن حجر ولم يتعرض الشيخ ولا ابن الصلاح لقوله ما كنا نرى بالأمر والفلاني بأسا وكذلك جميع العبارات المصدرة بالنفي وذلك موجود في عباراتهم وحكمه حكم ما تقدم انتهى واختلفوا في قول المغيرة ابن شعبة كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرعون بابه بالأظافير أخرجه الحاكم في علوم الحديث فقال الحاكم هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف وذكر الخطيب في كتابه الجامع بين آداب الراوي والسامع مثل ذلك أي مثل كلام الحاكم إلا أنه أي الخطيب رواه من حديث أنس والظاهر أنهم كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وقيل

(1/276)


لأن بابه لم يكن له حلق يقرع بها قال ابن الصلاح بل هو مرفوع وهو بذلك أحرى أي هو أحق بأن يكون مرفوعا من قولهم كنا نفعل لكونه جرى بإطلاعه صلى الله عليه و سلم لأنه لا يخفى عليه قرع بابه قال الحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع لأنه قد عد قوله كنا نفعل مرفوعا فهذا أحرى منه قلت الصواب ما ذكره الحاكم الخطيب من الحكم يوقفه وقد وهم ابن الصلاح في إلزام الحاكم حيث قال والحاكم معترف بأن ذلك من قبيل المرفوع فإنه أي الحاكم إنما جعل قول الصحابي كنا نفعل مرفوعا وهو الذي وقع بسببه إلزام ابن الصلاح لأنه أي قولهم كنا نفعل ظاهر في قصد الصحابة إلى الاحتجاج بذلك وإلا لم يكن لذكره فائدة في مقام الاحتجاج به والظن بالصحابي أنه لا يعتقد أن ذلك حجة إلا أن يطلع عليه الرسول صلى الله عليه و سلم لعلمه ب مجرد فعلهم من حيث هو فعلهم ليس بحجة والظن به أي الصحابي أيضا أنه لا يوهم الغير ذلك أنه حجة وليس بصحيح الظاهر أن يقول وليس بحجة فإنه إن فعل ذلك فيكون قد غر من سمعه من المسلمين في أمور الدين والظن في الصحابة خلاف هذا قلت ولا يخفى أن هذا يشمل ما قيده الصحابي بعصره صلى الله عليه و سلم وما لم يفيده وأما قرع الصحابة لباب النبي صلى الله عليه و سلم بالأظافير فليس فيه تعليق لذلك بالنبي صلى الله عليه و سلم كأنه يريد ليس فيه تعليق حكم ولكنه لما استشعر أن فيه حكما هو جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فدفعه بقوله وأما الظن لاطلاع النبي صلى الله عليه و سلم على ذلك وتقريره عليه فيدل على جواز قرع أبواب المسلمين بغير إذن منهم فلا يؤخذ جواز ذلك من مجرد هذا الحديث فلذا قال لا تعليق له بالنبي صلى الله عليه و سلم لأنه لا دلالة على علمه بالقرع وتقريره لأن القرع بالأظافير خفي الصوت فإذا اتفق مرات يسيره فيحتمل أن لا يسمعه لا فباله على مهم من أمور الدين أو

(1/277)


نومه أو غير ذلك قلت لا يخفى بعد هذا أن العبارة تفيد أنه كان ذلك عادة لهم فيبعد أن لا يطلع على ذلك مع تكرره وقد كان فيه بيته يفلي ثوبه ويعلف داجنه ويقم منزله ثم أنهم لا يقرعونه إلا ليشعروه بأنهم في الباب بل ليس في الحديث أنهم كانوا يفعلون ذلك وهو في البيت فلعلهم كانوا يخفون القرع أدبا مع نساء النبي صلى الله عليه وأله وسلم ولا يخفى بعد هذا التأويل وإن كان حاضرا في بيته استأذنوا فقد كان أنس يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ويستأذن لمن أراد أن يدخل عليه يقال عليه إنه كان يقع هذا تارة وهذا تارة فإنه قد يغيب الخادم أحيانا ويكون تارة داخل المنزل فيقرعون الباب ليخرج فيستأذن لهم بل يحتمل أن ذلك فعل في غيبة النبي صلى الله عليه و سلم عن المدينة الظاهر من حديث المغيرة الإخبار عن توقيرهم النبي صلى الله عليه و سلم أو تأديبهم معه ولا يكون ذلك إلا وهو في منزله وإنما يظن اطلاعه وتقريره لو كان ذلك مستمرا وكان الدق قويا بحيث أن العادة تقضي برجحان سماعه لا خفاء أن قرب منزله من الباب يقصي بسماعه القرع بالأظافير ولو كان القرع لا يسمع لما فعلوه ولا لنسائه كما تأوله وقد كان منزله صلى الله عليه و سلم لاصقا بالأرض فيسمع منه خفق نعال من مرفضلا عن قرعه بابه بأدنى قارع لبعد أن يستمر اتفاق ذلك أي الذي دل عليه كان يقرع كما قدمناه وهو غائب إذ الوارد إلى منزله وهو غائب قليل وحينئذ فلا يتم التأويل بأنه كان يفعل ذلك وهو غائب بل وهو حاضر فيتم الاستدلال فدفعه بقوله وبعد أن يتفق ذلك كثيرا وهو في البيت وهو لا يسمع يقال عليه ومن أين أنه كان لا يسمع ليس في حديث المغيرة ذلك بل إنما قرعوا ليسمع ويدل لسماعه قوله فقد كان بيته صلى الله عليه و سلم صغيرا في نفسه وإن كان كبيرا في قدره لكبر قدر ساكنه صلى الله عليه و سلم ولما كان ظاهر كانوا يفعلون الاستمرار كما علم في

(1/278)


الأصول وقد نفاه بقوله ولو كان مستمرا دفع ذلك بقوله ولفظه كان لا تقتضي ذلك وكأنه يريد لفظ كان يفعل وإلا فلفظ كان لا يفيد الاستمرار إلا إذا كان خبرها مضارعا لا مطلق كان فقد يطلق على التكرار اليسير الذي لا يحصل معه الظن أي ظن اطلاعه صلى الله عليه و سلم وتقريره ولا يخفى أن الأصل في كان يفعل الدلالة على الاستمرار وقد يخرج عنه للقرينة كما تفيده عبارة المصنف حيث قال فقد تطلق وأتى بقد ظاهر كلامه أن المراد استمرار القرع والحديث إنما سيق لبيان أنها كانت عادتهم قرعه بالأظافير في إتيانهم إليه صلى الله عليه و سلم ولا تعرض فيه لكثرة القرع نفسه أو قلته بل إنما يكون بحسب الحاجة حتى يسمع بقرعة أو أكثر مع أن الحديث صحيح المعنى لمن أراد أن يحتج به على مثل ذلك أي على جواز قرع أبواب المسلمين من غير إذن منهم لكن لا يخفى أنه لا يتم الاحتجاج إلا مع علمه صلى الله عليه و سلم وتقريره ولا حجة في مجرد فعلهم وأما قوله لموافقته أي الحديث المذكور لإجماع المسلمين المعلوم والله أعلم فهو خروج إلى الاستدلال بالإجماع في عصره ولا إجماع فيه وكأه يريد أنه معلوم أن أهل المدينة كانوا يقرعون الأبواب بعضهم على بعض وعلمه صلى الله عليه و سلم بذلك معلوم وتقريره معلوم فهو رجوع إلى الاستدلال بتقريره صلى الله عليه و سلم بالإجماع قلت وقد ذكر بعض أصحابنا تقدم عن المنصور وصاحب الجوهرة أنهما يقولان إن قول الصحابي كنا نفعل ظاهر في دعوى الإجماع أيضا أي كما هو الظاهر في الرفع وذكره في الجوهرة وغيرها لأنه يقتضى بمفهومه أنهم فعلوا ذلك كلهم أو فعله بعضهم على وجه يعلمه الباقون ولم ينكروا فكان إجماعا سكوتيا وليس ما قالاه بجيد لأن هذه العبارة قد تطلق كثيرا إذا فعل ذلك كثير منهم أو فعله بعضهم على وجه يظهر وسكت الباقون

(1/279)


وغن سكتوا عن غير علم بذلك ولا يكون إجماعا سكوتيا إلا إذا علموا ومن أين يعلم أن كل واحد علم ذلك وقد قدمنا قريبا من هذا وبحثنا في حجية الإجماع السكوتي في الدراية حاشية الغاية بما يضمحل به القول بأنه حجة
وأما إذا قال الصحابي أوجب علينا أو حظر بالبناء المجهول أو نحوها كأبيح لنا فلم يذكرها أهل الحديث وقد قدمنا ذكرها وذكرها أصحابنا في خواص الصحابة وقالوا إنها تحمل على الرفع إلا أن المنصور بالله شرط في ذلك أن يكون مما لا مساغ للاجتهاد فيها حكاه عنه في الجوهرة وإن كان الظاهر أنه مرفوع والاجتهاد احتمال مرجوح
وهاهنا فوائد يحسن ذكرها
الأولى قول الصحابي كنا نرى كذا ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قولنا كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أ استنباطا
الثانية قول الصحابي كان يقال كذا قال الحافظ المنذري اختلفوا هل يحلق بالمرفوع أو بالموقوف قال والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه و سلم قال الحافظ ابن حجر ومما يؤكد كونه مرفوعا مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف قال كان يقال صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ورواه ابن ماجه من الوجه الذي أخرجه عنه النسائي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فدل على أنها عندهم من صبغ الرفع والله أعلم
الثالثة أنه لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات بل يلحق به النفي كقولهم كانوا لا يفعلون كذا ومنه قول عائشة كانوا لا يقطعون في الشيء التافه وتقدم
مسألة هذا الفرع الثالث تفسير الصحابي أي للقرآن اختلف أهل

(1/280)


الصفحة السابقة   //   الصفحة التالية